ما الذى يمنع دول ومنظمات العالم الإسلامى والعربى من التدخل الفعال فى قضايا الأقليات المسلمة ومحاولة حل مشكلاتهم؟

 

  لدينا نحن المسلمون قاعدة أساسية فى الإسلام وهى قوله تعالى " ولقد كرمنا بنى آدم " ، كما أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بأن (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ؛ فالمفروض على المسلم أن يناضل دون هوادة من أجل احترام الكرامة الإنسانية بصفة عامة، ومن باب أولى من أجل إخوانه المسلمين.

  إن المطلع على أحوال المسلمين فى سائر أنحاء العالم سيرى أنهم أكثر البشر تعرضا للاضطهاد وانتهاك حرياتهم الدينية والثقافية، وسنتحقق من ذلك بنظرة سريعة لأحوال المسلمين الأويغور فى تركستان الشرقية وأقلية الروهينجيا الأكثر بؤسا فى العالم فى ميانمار (بورما) ، الوضع المؤلم فى سوريا ، الأقلية السنية فى إيران والعراق، فلسطين، ليبيا ، أفريقيا الوسطى وغيرهم، ويمكن مشاهدة صور البؤس والشقاء على شبكة المعلومات الدولية لنرى مدى قسوة وحجم تلك المآسى التى تدمى القلوب. فهىل مات ضمير العالم وأضحت قلوب قادة  دول العالم  الإسلامى ومنظماتهم الرسمية أقسى من الحجارة أو أشد قسوة!!؟

فما الذى يمنعهم من العمل والتدخل لنجدة إخوانهم فى الإنسانية على الأقل ؟ أعتقد أن ذلك للأسباب التالية :-

*غياب الحس الإنسانى لديهم وعدم تقديرهم لقيمة الإنسان وحقوقه والكرامة الإنسانية بصفة عامة، وهو ما يتضح فى سياستهم مع شعوبهم والتى تعانى من تدهور واضح لسجلات حقوق الإنسان فى بلادهم وبالتالى لن يحاولوا إصلاح حال الآخرين ففاقد الشىء لايعطيه.

*عدم وجود رؤية أو مشروع إنسانى أو حضارى أو دينى يحاولون تحقيقه أو الدفاع عنه ، والشغل الشاغل لديهم هو الحفاظ على مناصبهم ومكاسبهم التى هى فوق أى اعتبار والمحرك لكل المواقف ، وما تفعله منظماتهم الدولية وهما بالأساس التعاون الإسلامى - ثانى أكبر منظمة دولية فى العالم - وجامعة الدول العربية، فهما فى الحقيقة يبحثان عن المواقف الناعمة التى ترضى قادة أغلب دولهم دون اتخاذ مواقف حاسمة لحل أية أزمة أو مشكلة. ومن ثم يمكن ملاحظة الغياب الواضح للإيديولوجيا والقيم والمبادىء فى مواجهة المصالح والعجز عن اتخاذ مواقف فعالة وواضحة ولو نظريا على الأقل.

*اعتماد دبلوماسية الحفاظ على الأمر الواقع أو الوضع الراهن انتظارا لنتائج قد تأتى على هواهم أولتدخلات من أطراف أخرى خشية إغضاب أى طرف من أطراف النزاع.

*انشغال قادة وادارات تلك الدول بالمتاعب اليومية المستمرة فليس لديهم الفرصة – نظرا لقدراتهم المحدودة – لتأمل الصورة الكاملة وصياغة السياسات الملائمة لها.

*تدنى مستوى الكفاءة ومحدودية القدرة على التعامل مع وضع الأزمة فى ظل غياب المشروع الحضارى أو الإيديولوجيا كعوامل مرشدة لاتخاذ المواقف، ويمكن هنا المقارنة بمواقف بعض الدول صاحبة المشروعات الإيديولوجية كإيران، روسيا، كوريا الشمالية والمشروع الغربى الأمريكى وملاحظة سرعة إدراكهم لمصالحهم وأسلوب تعاملهم مع الأوضاع الراهنة والمستقبلية وتدخلهم فى العديد من الأزمات فى سوريا ، أوكرانيا، ليبيا؛ وذلك بالمقارنة بمواقف لم تكن على مستوى الأحداث لدول مثل : قازاقستان، أوزبكستان، باكستان، بنجلاديش وهى دول مجاورة بشكل مباشر لمشكلتى تركستان الشرقية ومسلمى الروهينجيا. وكذلك دول الخليج العربى وتركيا ومصر فى مواجهة الأزمة فى سوريا وليبيا، المشكلة الفلسطينية وأزمة قطاع غزة، ومعاناة السنة فى إيران والعراق.

* شعور قادة الدول والمنظمات بعدم قدرتهم على التأثير فى الأحداث دون مبرر إلا فقدان الثقة فى الذات والإمكانيات وذلك برغم امتلاك تلك الدول لإمكانيات اقتصادية وبشرية ضخمة بل وقدرات نووية لدى باكستان وهى إمكانيات ليس لدى القادة لا الإرادة ولا القدرة على توظيفها أو حتى التلويح بها للتأثير على مجريات الأحداث ، ولنتذكر أنه لا أحد يستطيع أن يضعك فى مكانة أقل دون رضاك واستسلامك لتدنى مكانتك لديه. وأيا كانت درجة صعوبة المشكلة فيمكن العمل على الحد من حجمها ومن حدة المشكلات السياسية والانتهاكات الإنسانية المصاحبة لها، ولاشك أنه يمكن تحقيق التقدم فى أى مجال فقط باستمرار العمل فى الاتجاه الصحيح وليس بتسجيل المواقف دون عمل إيجابى يصل بالجميع إلى السلام والتعايش المشترك.

إن الجهل بالحقائق والمعلومات – وهو أمر لم يعد له ما يبرره  فى هذا العصر- يدفع إلى اللامبالاة واتخاذ مواقف وقرارات خاطئة؛ وإن العالم الإسلامى بمشروعه الحضارى ومشكلات أقلياته صاحب قضية عادلة لكنها بين أيدى محامين فاشلين، فاللحظة التى نكف فيها عن الكفاح من أجل بعضنا البعض هى اللحظة التى نفقد فيها إنسانيتنا.

د/عزالدين الوردانى