مآسي المسلمين (1)

تركستان الشرقية

 

نحاول في هذه السلسلة من المقالات إلقاء نظرة موجزة على البلدان الإسلامية التي ترزح تحت نير الاحتلال الأجنبي  وتعاني من ويلات الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان دون مبرر إلا أنهم اعتنقوا عقيدة الإسلام ورضوا به دينا ومنهاجا، ولقد قال الله تعالى فى كتابه الكريم " وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد * الذى له ملك السماوات والأرض والله على كل شىء شهيد " (الآيتان 8،9 من سورة البروج)

 

*الموقع : تقع تركستان الشرقية في وسط آسيا وتحيط بها العديد من الدول والمناطق من الشمال الغربي جمهورية منغوليا، ومن الشمال روسيا وقازاقستان، قرغيزستان وطاجيكستان ، ومن الغرب مقاطعة كشمير وأفغانستان ، وفي الجنوب منطقة التبت والجنوب الغربي للصين.

وتعد تركستان الشرقية بعد أن سيطرت عليها الصين واحدة من مقاطعاتها أو بالأحرى مستعمراتها الحدودية الأربع وهى منشوريا، منغوليا الداخلية، التبت، وتركستان الشرقية؛ ويطلق عليها الآن منطقة "شينجيانج أويغور ذاتية الحكم" التي تقع فى شمال غرب الصين وتبلغ مساحتها (1.71مليون كم2 ) وهي تعدل نحو خمس مساحة الصين ، وتتمتع تركستان الشرقية بثروات هائلة في مجال النفط والغاز الطبيعي والثروات المعدنية والموارد المائية والزراعية والحيوانية والموقع الاستراتيجي الهام للصين والذي يمثل نقطة اتصالها بالبر الآسيوأوروبي وكانت قديما ولازالت معبر تجارتها مع سائر أوراسيا.

*السكان: بلاد التركستان بشطريها الشرقي والغربي هي الموطن الأصلي للأتراك بقبائلهم المتعددة، وغالبية سكان تركستان الشرقية هم من الأتراك الأويغور والقازاق والقرغيز والأوزبك، والطاجيك والمغول والتتار وبحكم موقعها التجارى وفدت إليها أقليات صغيرة من مختلف الأعراق كالمسلمين الصينيين (الخوي) وبعض المانشو والهان والسولون وغيرهم.

 وحاليا وبعد عمليات التهجير الضخمة للهان الصينيين يبلغ تعداد سكان تركستان نحو (22مليون)نسمة تبلغ نسبة الأويغور حوالي 51% منهم طبقا للإحصائيات الصينية المراوغة.

*نبذة تاريخية: تعد تركستان الشرقية من المواطن الأولى للحضارة الإنسانية وقد نشأت بها العديد من الدول التركية القوية من أهمها:- إمبراطورية الهون (220 ق.م – 216م) ، إمبراطورية (تو-كيو)القرن السادس الميلادى، دولة الأويغور(740- 1260م)، الدولة القراخانية (880-1141م) وتسمى أيضا الدولة الخاقانية ودولة خانات تركستان وآل أفراسياب، وتعد من أكبر وأقوى الدول التركية فى المنطقة وقد شهد عهدها التحول الكبير للأتراك الشرقيين إلى الإسلام وذلك عام (349هـ - 960م) وكان أول دخول لطلائع الفتوحات الإسلامية إلى كاشغر عام(96هـ 715م) وذلك بدخول قوات المسلمين بقيادة كثير بن فلان والتى أرسلها قتيبة بن مسلم إلى كاشغر وتوغلت حتى حدود الصين مما اضطر ملكها لدفع الجزية والتودد للمسلمين تحاشيا للصدام معهم.

 ويجدر بالذكر أنه قد حدثت معركة كبيرة بين المسلمين والترك فى جانب وبين القوات الصينية الضخمة التي حاولت الاستيلاء على بلاد التركستان ولقي الصينيون هزيمة قاسية في تلك المعركة والتي عرفت بموقعة تالاس(134هـ -751م) وكانت تلك المعركة من أكثر المعارك حسما فى تاريخ العالم إذ أبعدت النفوذ الصيني عن تركستان عامة لأكثر من ألف عام وساهمت فى انحياز تركستان إلى جانب العقيدة والحضارة الإسلامية.

سيطر المغول على تركستان وقامت بها الدولة المغولية الجغتائية (1251-1514م)(648-920هـ)وقد نجح الأويغور في تحويل المغول إلى الإسلام وكانوا عماد تلك الدولة.

حكمت الدولة السعيدية تركستان الشرقية في الفترة (1514-1679م) ومع ضعفها استولى القالموق على شمال تركستان الشرقية (1677-1758م) بينما سيطر الصوفية الخوجوات على السلطة فى الجنوب(1679- 1760م)واستعرالنزاع بينهم فاستغل الصينيون تلك الانقسامات وقاموا باجتياح دولة القالموق ثم السيطرة على جنوب تركستان واحتلالها كاملة عام 1760م- 1174هـ

*صور الاضطهاد: عانت تركستان الشرقية أثناء وعقب الغزو الصيني لها من اضطهاد ومذابح رهيبة إذ قتل الصينيون نحو(1,2مليون)نسمة كما هجروا أكثر من (22ألف)أسرة تركستانية إلى الصين فضلا عن الأعداد الكبيرة التي فرت من آلة القتل الصينية. عانى التركستانيون في ظل الاحتلال الصيني من مظالم واضطهاد بشع كالقتل والسجن والترحيل القسرى والضرائب الباهظة ومصادرة الأموال والأوقاف الإسلامية وإغلاق المدارس الشرعية والمساجد وكان الاضطهاد يزداد في أثناء وعقب الثورات الكثيرة التي قام بها الشعب التركستاني كثورة يعقوب بك(1865- 1878م) والتى استقلت بتركستان ، وثورة 1931م ،1944م وغيرها والتي كان الصينيون يقمعونها بمنتهى القسوة والوحشية . كما راح في أعقاب الغزو الشيوعي لتركستان عام1949م آلاف الضحايا ما بين قتل ونفي وسجن وفرار خارج الوطن السليب .

 مارس الحكم الشيوعي الصيني في تركستان الشرقية فنونا شتى من الاضطهاد والتضييق على الحريات الدينية والشخصية ومحولات الدمج الثقافى وتغييرالهوية ومن ذلك: منع التعليم الدينى ، هدم المساجد منع الصلاة والصيام وكل ما يعبر عن الهوية كالزي، إهانة علماء الدين حرق الكتب والمصاحف ، تزييف التاريخ، تغيير اللغة والأبجدية، إضعاف التعليم باللغة الأويغورية، معسكرات العمل الإجباري، مصادرة الممتلكات والأراضي والأوقاف، استنزاف الثروات، انتشار البطالة والفقر بين التركستانيين والتمييز العنصري ضدهم، تغيير التركيب السكانى لتركستان بتهجير ملايين الهان الصينيين إليها وتمييزهم في التعليم والتوظيف والسكن والحريات العامة، تحديد النسل الإجباري بقسوة، تهجير آلاف الفتيات قسريا إلى داخل الصين وكان هذا الأمر من أهم أسباب احتجاجات الأويغور الضخمة فى 5/7/2009 والتي أسفرت عن مقتل المئات واعتقال الآلاف منهم، هدم الأحياء السكنية التاريخية للأويغور، منع السفر ومصادرة جوازات سفر الأويغور؛ كما تسببت الصين في إفساد البيئة وجفاف بعض الأنهار والبحيرات نتيجة الاستنزاف الزائد للموارد وبسبب التجارب النووية الخطيرة فى منطقة لوب نور.

*الموقف الدولى: غير جاد فبرغم أن الكثير من الهيئات والمنظمات الدولية كالعفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان، والأمم المتحدة ،وتقارير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية وحقوق الإنسان تذكر وتدين الممارسات والانتهاكات الصينية ضد الأويغور إلا أنه لم يتم اتخاذ موقف فعال من الجميع لدفع الصين لمراجعة سياستها القمعية في تركستان الشرقية ، بل إن منظمة التعاون الإسلامي التي أرسلت بعثة تقصي حقائق لتركستان عقب أحداث 5/7/2009  كان تقريرها أقرب لبيان تهدئة للرأي العام الإسلامى وإشادة بالعلاقات التاريخية بين الصين والعالم الإسلامي دون توصيات وقرارات جادة ترغم الصين لوقف الانتهاكات الإنسانية والدينية والثقافية ضد الأويغور!!!.                         

 

 د.عزالدين الورداني

 

باحث متخص في شئون آسياالوسطى