مآسى المسلمين(3)

المسلمون فى شبه القارة الهندية

*الموقع: شبه القارة الهندية منطقة شاسعة المساحة ذات تنوع دينى وثقافى وعرقى وجغرافى كبير،وتضم عدة وحدات سياسية  منها: الهند، باكستان، بنجلاديش، كشمير، نيبال، بوتان وأجزاء من أفغانستان، ونركز الضوء على الهند.

تقع الهند فى جنوب آسيا وتطل على المحيط الهندى من الجنوب والجنوب الغربى ، وبحر العرب فى الغرب، ومن الشمال الصين، نيبال، مملكة بوتان، باكستان وإقليم كشمير المحتل المجاور لتركستان الشرقية - التى تحتلها الصين، ومن الشرق بنجلاديش، بورما(ميانمار)، وخليج البنغال. تبلغ مساحة الهند 3,046مليون كم2 ، باكستان 801ألف كم2، بنجلاديش143ألف كم2، كشمير(222ألف كم2)تقريبا مقسمة كالآتى: تحتل الهند 106,5ألف كم2ضمنها منطقة جامو ووادى كشمير الخصيب وافر الثروات وعاصمة هذا الجزء الذى تحتله الهند سرينجار  ، بينما الجزء المحرر تحت سيطرة باكستان 78,2كم2 وعاصمته مظفر أباد ويفصل بينهما خط الهدنة المحدد فى اتفاقية سيملا وتحتل الصين منذ عام 1962م  37ألف كم2

*السكان: يمثل سكان شبه القارة الهندية بصورة شبه تامة كامل التنوع العرقى والدينى الذى عرفه تاريخ البشرية؛ وأقدم من سكن الهند أقوام لهم سمات الزنوج ثم وفدت إليها موجات متعددة من الغزو والهجرات لمختلف الأعراق كالآريين، الترك، الهون، الهياطلة، المغول. وتوجد فى المنطقة نحو 240 لغة أشهرها السنسكريتية(لغة الكتاب المقدس)، الأوردية (لغة المعسكر) وتكتب بالحرف العربي؛ كما تتعدد الأديان فمن عبادة الأوثان إلى عبادة وتقديس الحيوانات والأشجار، والبوذية والهندوسية وهى الديانة الغالبة فى الهند، والمسيحية، والإسلام وهو الدين الغالب فى باكستان وبنجلاديش وكشمير. ويبلغ تعداد المسلمين فى الهند 141مليون نسمة بنسبة 14,2% تقريبا من إجمالى التعداد العام للهند والبالغ 1,014مليار نسمة وتعداد باكستان 192مليون نسمة، وسكان كشمير طبقا للمصادر الكشميرية بنحو13,5مليون نسمة منهم 8.5مليون فى القطاع الهندى و2.5مليون فى القطاع الباكستانى (كشمير الحرة/ آزاد كشمير)، و1,5مليون فى المهجر يمثل المسلمون نحو65% منهم وقد انخفضت نسبتهم إثر عمليات تغيير البننية  السكانية للإقليم باستجلاب الهندوس برعاية الاحتلال الهندى، وذلك بعد أن كانت نسبة المسلمين نحو80%عام 1947م.

*نبذة تاريخية وصور الاضطهاد: عاشت الهند كممالك مستقلة متعددة، وقد دخل الإسلام الهند على يد التجار المسلمين والهنود حيث كان للعرب علاقات تجارية واسعة مع الهند قبل الإسلام وكان الكثير من الهنود يترددون ويستقرون فى بلاد العرب فى عمان والبحرين وهجر ودارين والقطيف ونجران فبلغتهم دعوة الإسلام، وتشير بعض المصادر إلى أن رجال الدين والحكام الهنود أرسلوا الوفود والهدايا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن أهل سرنديب (سريلانكا) أرسلوا وفدا لمقابلة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فى المدينة لكنه وصل بعد وفاته؛ وكان ذلك قبل أن تبدأ طلائع الفتوحات الإسلامية فى المنطقة والتى كانت بدايتها فى عهد الخلفاء الراشدون إلى الساحل الغربى للهند وكذلك فى عهد الدولة الأموية حتى كانت الحملة الكبرى فى عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك (86 – 96هـ) والتى أرسلها الحجاج بقيادة محمد بن يوسف الثقفى (89هـ - 707م) وكان من أسبابها سبى قراصنة الديبل لسفن تقل نساء مسلمات من عائلات التجار وكن متجهات من سرنديب إلى الشام ورفض داهر ملك السند (شمال الهند وباكستان الحالية) التدخل لفك أسرهن ومعاقبة القراصنة. وقد عانت المناطق المفتوحة من اضطرابات وتبادل السيطرة بين المسلمين والهنود معظم العصر الأموى والعباسى حتى استقر الوضع السياسى للمسلمين فى الهند فى عهد الدولة الغزنوية - نشأت فى أفغانستان وامتدت للهند واستمرت ما بين عامى(351 – 582هـ )(962 -1186م)- وعلى يد السلطان محمود الغزنوى (388 – 421هـ)(997 – 1030م) حيث انتشر الإسلام انتشارا واسعا فى منطقة السند.

خلف الغوريون (543 – 612هـ)(1148 – 1215م) الدولة الغزنوية فى حكم الهند ويعد سلطانهم شهاب الدين الغورى من أعظم مؤسسى الدولة الإسلامية فى الهند؛ وبزوال الدولة الغورية حكم مناطق نفوذها فى الهند أتباعهم من الأمراء المماليك فيما عرف بدولة المماليك التركية فى دهلى والتى قامت بدورهام فى صد جحافل المغول ومنعهم من اجتياح الهند- وهكذا قيض الله الأتراك فى مشرق العالم الإسلامى ومغربه فى الهند ومصر لصد المغول -  ومن أعظم سلاطينهم شمس الدين ألتمش الذى وثق صلات الهند بالعالم الإسلامى وأرسل إليه الخليفة العباسى المنتصر بالله تقليدا بحكم دولة الإسلام فى الهند عام626هـ - 1228م، وابنته السلطانة رضية وقد حكمت ثلاث سنوات وعاصرت سلطانة مماليك مصر شجرة الدر وكذلك السلطان غياث الدين بلبن الذى هزم المغول وآوى المسلمين الفارين من خراسان بعد سقوط بغداد فى يد المغول1258م  وقد استمرت تلك الدولة حتى عام689هـ - 1290م حيث انتقل الحكم فى دهلى إلى الدولة الخلجية والتى استمرت حتى العام (720هـ - 1321م) وهى تعتبر امتدادا لدولة المماليك إلا أن سلاطينها ينتمون إلى العنصر الأفغانى وليس التركى. وتبعهتا الدولة التغلقية (1321 – 1414م) وبنى تغلق من الترك القرونية أى الأتراك المولدين لأب تركى وأم هندية، وفى عهدهم اجتاح تيمور لنك دهلى وخربها 1398م وتفككت دولتهم وانتهت بوفاة سلطانهم الأخير محمود شاه، وحكم بعدهم أمراء من بعض الأسر كآل خضر والأسرة  اللودية وفى عهد إبراهيم آخر حكام تلك الأسرة تمكن محمد بابر شاه حاكم غزنة فى بلاد الأفغان والذى ينحدر من نسل تيمور لنك وجنكيز خان من السيطرة على دهلى فى عام 932هـ - 1526م  وتأسيس الدولة التيمورية المغولية فى الهند، وكان عصرها من أزهى عصور الحكم الإسلامى فيها حضارة وتقدما وقد بلغت من القوة والاتساع ما لم تبلغه أية دولة حكمت الهند حيث حكم المسلمون معظم شبه القارة الهندية ومثلوا نحو ثلث سكانها، ومن ملوكها العظام جهانكير وشاه جهان صاحب تاج محل أحد عجائب الدنيا وأورانجزيب، وكان الإنجليز الذين دخلوا الهند بإذن من السلطان جلال الدين أكبر وتمكنوا من أن يخلفوا البرتغاليين فى احتلال مناطق الهند الجنوبية يرهبون أورانجزيب إلا أنه توسع فى علاقاته معهم إذ كانوا يظهرون له الاحترام إلا أنهم تسللوا بنوايا سيئة إلى مختلف إمارات الدولة الإسلامية فى الهند.                                                                   مع ضعف الدولة المغولية تعاظم نفوذ الإنجليز فى دهلى حتى أصبح السلطان المغولى دون سلطة فعلية فاستقل أمراء بعض المناطق عن السلطة المركزية فى دهلى، وبدأ الأمراء الهندوس والسيخ فى الاستيلاء على الإمارات المتفرقة للدولة المغولية حتى انتهى وجودها عقب إخماد الإنجليز لثورة 1857/1858م والتى كان أغلب قادتها من المسلمين، وقد قام الإنجليز بقتل أسرة السلطان بهادور شاه آخر سلاطين الدولة المغولية فى الهند التى انتهت عام 1858م   ونفى بهادور شاه إلى بورما حيث مات هناك وتم لبريطانيا استكمال السيطرة على الهند عام1858م وأصبحت درة مستعمرات التاج البريطانى.

كانت كشمير قد استعصت على الفتح الإسلامى، لكن حاكمها البوذى ريجين شاه أسلم عام 1323م ثم خضعت لحكم الدولة المغولية منذ العام 1556م - 963هـ، ثم سيطر عليها الأفغان  فى عهد الإمبراطورية الدارية واعتنق أغلب سكانها الإسلام، مع قدوم الإنجليز ساعدوا السيخ لانتزاع كشمير من الأفغان وتم لهم ذلك عام 1819م؛ فى عام 1846م - 1262هـ وبعد حروب مع السيخ سيطر الإنجليز على كشمير وفرضوا عليهم غرامة مالية لم يستطع السيخ دفعها فباع الإنجليز كشمير لجولاب سينج من أسرة الدوغرا مقابل 7,5مليون روبية وأصبح أول مهراجا لدولة جامو وكشمير وظلت أسرته تحكم كشمير حتى استقلال شبه القارة الهندية عن بريطانيا.

اضطهد السيخ المسلمين فهدموا المساجد وفرضوا عليهم الضرائب الباهظة مما اضطر الكثير منهم للهجرة خارج وطنهم، كما اضطهد الإنجليز المسلمين فى عموم الهند لتزعمهم حركات المقاومة وبالأخص بعد ثورة1857 م كما سعى الإنجليز لبث الفرقة والعداء بين المسلمين والهندوس وهى سياسة معهودة لديهم وكانت لها نتائج دامية حال رحيل الإنجليز عن شبه القارة الهندية وتقسيمها وعلى العلاقة بين الأقلية المسلمة التى بقيت فى الهند والهندوس؛ وكان قانون استقلال الهند الصادر فى 15/8/1947 قد منح الولايات والدول الأميرية الحق فى الانضمام للهند أو باكستان التى نشأت فى 14/8/1947 وفقا للأغلبية الدينية لسكانها، أو أن تبقى مستقلة عنهما. وكانت الهند أثناء الاحتلال البريطانى لها مقسمة إداريا إلى(8)مقاطعات تعرف بالهند البريطانية ونحو(600)إمارة يحكمها أمراء يستمدون سلطتهم المطلقة من نائب التاج البريطانى فى حكم الهند وكان (33) أميرا هم أكابر الأمراء منهم مسلمون وهندوس – يسمى الأمير المسلم نائب والهندوسى مهراجا - يتبعون مباشرة لنائب ملك بريطاني على الهند ويشرف هؤلاء على باقى حكام الإمارات الصغيرة.

استقلت بوتان ونيبال وسريلانكا، ورفضت الهند استقلال حيدر أباد وكان حاكمها مسلم أراد الاستقلال على أن ينظم علاقته بالهند بينما غالبية سكانها هندوس فرفضت الهند ذلك واجتاح جيشها الولاية وضمها للهند فى 9/1948.

قام الهندوس فى تلك الفترة باضطهاد بشع للمسلمين كما شهدت الهند أكبر حركة نزوح فى التاريخ الحديث اذ اضطر نحو 10مليون مسلم للهجرة لباكستان هربا من المذابح والاضطهاد الهندوسى، وقد تعرضت القطارات التى تقلهم لهجمات شرسة من الهندوس وقدرت بعض المصادر الضحايا بنحو 200ألف قتيل فضلا عن الاستيلاء على الممتلكات واغتصاب الفتيات. بينما كانت المأساة الكبرى فى كشمير حيث كان حاكمها هندوسى بينما غالبية السكان من المسلمين ويريدون الانضمام لباكستان وثاروا من أجل ذلك؛ قامت الجماعات الهندوسية والسيخية بعمليات قتل واضطهاد للمسلمين أدت لفرار نحو 5مليون من المسلمين باتجاه منطقة آزاد كشمير التى أقامها الثوار المسلمون، فى 10/1947 تدخلت القبائل الباكستانية لإنقاذ المسلمين من المذابح وسيطرت على معظم كشمير.

لجأ مهراجا كشمير للهند وأعلن انضمام كشمير للهند وطلب تدخلها، فتدخل الجيش الهندى فى أكتوبر 1947 وتبعه تدخل الجيش الباكستانى وسيطر كل طرف على مساحة من كشمير.                                                                  وقداشتبكت الهند وباكستان فى عدة حروب 1947-1948،1965،وحرب عام 1971 التى أسفرت عن انفصال بنجلاديش. وبصفة عامة فقد عانى المجتمع المسلم معاناة هائلة تحت الحكم البريطانى الذى أضعف النفوذ الإسلامى فى عموم الهند وتم تهميش المسلمين فى السلطة والوظائف والتعليم وفرضت اللغة الإنجليزية لغة رسمية عليهم بدلا من الأوردية كما أذكى الصراع الطائفى فى الهند عامة ضد الوجود الإسلامى الذى يمثل نحو 15%من سكان الهند، وعلى مدى 200عام من المعاناة والقهر أصبح المسلمون الأكثر فقرا ويحصلون على الأعمال المتدنية بأقل الأجور مع النقص الحاد فى تمثيلهم بالإدارات الحكومية إذ أن نسبتهم 14% من السكان ويشغلون نحو 1% من الوظائف الإدارية الحكومية وذلك وفقا لتقرير قدم للحكومة الهندية عام 2006م .

كما واجه المسلمون شتى أنواع الاضطهاد الدينى والمذابح المتكررة كان أعنفها وأكثرها دموية ما حدث فى فترة استقلال الهند ولازال العنف ضدهم مستمرا بين الحين والآخر ومن أمثلة الاضطهاد الصارخة نذكر: مجزرة أحمد أباد 1969 ، تدمير مسجد بابرى التاريخى عدة مرات آخرها عام 1992 وما تلا ذلك من مذابح، تدمير مسجد شرار شريف 1995 ، عمليات الإبادة الجماعية المتكررة فى ولاية آسام فى عام 1984 وغيره حيث قتل مؤخرا الآلاف من المسلمين وأحرقت نحو 50 قرية وهجر عشرات الآلاف من ديارهم ؛ وفى ولاية جوجارات عام 2002 على يد الهندوس والتى أسفرت عن مقتل 2500 مسلم واغتصاب 400 امرأة وتدمير 270 مسجد، كما يعانى المسلمون فى أنحاء كثيرة من الهند وكشمير المحتلة من عنف السلطات وأفراد الشرطة من الهندوس كالاعتقال التعسفى والضغوط لترك دينهم وتحولهم للهندوسية، ويتزايد ذلك العنف مع تصاعد النفوذ السياسى للتيارات الأصولية الهندوسية المتطرفة المعادية للمسلمين.     

*الموقف الدولى: أبدى المجتمع الدولى نوعا ما من الاهتمام المتأخر بالقضية التى عدت مسرحا للصراعات بين أقطاب القوى الدولية حيث انحاز الاتحاد السوفيتى السابق بقوة للهند بينما لقيت باكستان دعما مقيدا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ وفى بداية العام 1948 تدخلت الأمم المتحدة فى الصراع وأصدر مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من القرارت بخصوص القضية كالقرار38،39،47،80،96؛47،51 وتختص بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات المتحاربة وإجراء استفتاء على مستقبل كشمير،ونزع السلاح وتعيين ممثل دولى لمتابعة القضية؛ رفضت الهند وأعلنت أن الأراضى التى تحتلها أراض هندية ولم يجر الاستفتاء حتى الآن؛ تدخل أيضا رؤساء دول مجموعة الكومنولث البريطانى لحل المشكلة ورفضت الهند.

أما منظمة المؤتمر الإسلامى - التعاون الإسلامى حاليا- فقد ناقشت قضية كشمير فى العديد من مؤتمرات القمة ووزراء الخارجية لدولها كمؤتمر كراتشى 25/29/4/1993، ومؤتمر الدار البيضاء 10/12/1994 وقمة الدار البيضاء13-15/12/1994،وقمة طهران ديسمبر 1997 ، وقمة اسطنبول 14-15/4/2016. وصدرت قرارات وبيانات وإعلانات تدعو لتسوية النزاع سلميا بما يتفق وقرارات الأمم المتحدة وتؤيد حق شعب كشمير فى تقرير مصيره وتدين ما يتعرض له من انتهاكات لحقوق الإنسان، كما شُكلت بعثة لتقصى الحقائق فى الإقليم رفضت الهند دخولها.

ولاتزال القضية لم تراوح مكانها و ش عن باكستان؛ بالإضافة إلى الاشتباكات شبه الدائمة بين القوتين النوويتين بسبب تداعيات مشكلة كشمير والتى لم تتعد قدرة المجتمع الدولى بشأنها سوى محاولة الحفاظ على الوضع الراهن.   

د/عزالدين الوردانى

المتخصص في شئون آسيا الوسطى