التوسع الإمبراطوري المبالغ به للصين

براهما تشيلاني

 

هونغ كونغ - اتسمت فترة رئاسة الرئيس الصيني تشي جين بينغ بالطموحات الكبيرة. إذ تتمثل رؤيته – وهي "الحلم الصيني" – في جعل الصين القوة العالمية الرائدة بحلول عام 2049، وذلك في الذكرى المئوية للحكم الشيوعي. إلا أن تشي ربما يُحمِّل نفسه فوق طاقتها.

من العناصر بالغة الأهمية في إستراتيجية تشي لتحقيق الحلم الصيني هو مبادرة "حزام واحد، وطريق واحد (OBOR)، حيث ستستثمر الصين في مشروعات البنى التحتية خارج البلاد، وذلك بهدف اجتذاب دول تمتد من آسيا الوسطى إلى أوروبا بقوة إلى المدار الصيني. لذا فربما لا يكون تشي مبالغًا حينما وصف تلك المبادرة بأنها "مشروع القرن".

فمبادرة OBOR، من حيث الحجم والنطاق لا تضاهيها أي مبادرة في التاريخ الحديث؛ إذ تفوق في حجمها بمعدل 12 ضعف خطة مارشال وهي مبادرة أمريكا في أعقاب الحرب العالمية الثانية من أجل المساعدة في إعادة إعمار اقتصادات أوروبا الغربية التي تم تدميرها وحتى إن لم تكن الصين قادرة على تنفيذ خطتها بالكامل، سيكون لمبادرة OBOR أثر كبير ودائم.

ولا شك في أن مبادرة OBOR لا تمثل التحدي الوحيد الذي يثيره تشي أمام النظام الدولي المتهالك الذي يهيمن عليه الغرب فقد قاد كذلك إنشاء البنك الآسيوي للإستثمار في البنية التحتية كما أنه جعل الصين تستفيد من المؤسستين المرتبطتين بمجموعة بلدان بريكس BRICS ذات الاقتصادات الناشئة: (بنك التنمية الجديد الكائن في شانغهاي وصندوق الترتيبات الاحتياطية المشروطة البالغ حجمه 100 مليار دولار) وفي الوقت نفسه، أكد تشي على المطالبات الصينية الإقليمية في منطقة بحر الصين الجنوبي على نحوٍ أكثر عدائية، بينما يسعى في الوقت نفسه إلى استعراض قوة الصين في منطقة غرب المحيط الهادئ.

إلا أن مبادرة OBORتعلو بطموحات الصين إلى ما هو أكبر من ذلك؛ إذ يسعى تشي بهذه المبادرة إلى محاولة إعادة تشكيل العولمة وفقًا لشروط الصين، وذلك من خلال إنشاء أسواق جديدة للشركات الصينية التي تواجه تباطؤًا في النمو وقدرة إنتاجية فائضة داخل الصين.

ومع اجتذاب قمة حزام واحد وطريق واحد OBOR المنعقدة مؤخرًا في بكين لتسعة وعشرين من بين أكثر من مائة رئيس دولة وحكومة تمت دعوتهم إلى القمة، يحظى تشي حاليًا بموقف قوي يعزز من سعيه لتحقيق رؤيته ولكنه قبل قيامه بذلك سيسعى إلى الخروج من المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في وقت لاحقٍ من هذا العام باعتباره أقوى زعيم للبلاد منذ عهد ماو تسي تونغ.

منذ أن تولى تشي مقاليد الحكم في 2012، تمتع بسلطة مركزية متزايدة، في الوقت الذي يقوم فيه بتشديد الرقابة واستخدام تحقيقات مكافحة الفساد للقضاء على الأعداء السياسيين وقد منحه الحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر الماضي لقب "جوهر القيادة".

بيد أن تشي يتطلع إلى ما هو أعلى من ذلك: إنه يطمح إلى أن يصبح أكثر قادة الصين في العصر الحديث المُحدثين للتغييرات الجذرية. ومثلما ساعد ماو في إعادة توحيد الصين وتحقيق استقلالها، وبدأ دينج شياو بينج "إصلاح وانفتاح" الصين، يريد تشي أن يجعل الصين طرفًا فاعلًا مركزيًا في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي.

إذًا فمن خلال تكرار اللعب على وتر الترابط، تقوم الصين بإغراء البلدان التي تكون في حاجة ماسة إلى البنى التحتية بقروض ذات فائدة منخفضة، وبذلك تجتذب تلك البلدان إلى مجالها الاقتصادي والأمني. فقد أدهشت الصين العالم أجمع بشرائها ميناء بيرايوس اليوناني مقابل 420 مليون دولار. وانطلاقًا من ذلك الميناء إلى سيشل وجيبوتي وباكستان، اكتسبت مشروعات الموانئ التي كانت الصين تصر على أنها مشروعات تجارية بحتة أبعادًا عسكرية.

بيد أن طموح تشي ربما يعميه عن مخاطر النهج الذي يسير عليه؛ فبالنظر إلى إصرار الصين على الصفقات ما بين الحكومات بشأن المشاريع والقروض، استمر تزايد المخاطر بالنسبة إلى المقرضين والمقترضين فربما يساعد التمويل ذو الشروط الميسرة الشركات المملوكة للدولة في الصين في الحصول على عقود خارجية كبيرة، ولكنه، ومع توليده لمخاطر جديدة تهدد جودة الأصول، فإنه يفاقم من حدة التحديات التي يواجهها النظام المصرفي الصيني.

تخيم مخاطر القروض المتعثرة على المصارف الحكومية بالفعل على التوقعات الاقتصادية المستقبلية للصين؛ فمنذ أن وصلت احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد إلى ذروتها عام 2014 فيما يُقدَّر بقيمة 4 تريليون دولار، شهدت انخفاضًا يعادل الربع تقريبًا. وقد حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن الكثير من مشروعات مبادرة OBOR - والتي يتم السعي إلى تحقيق معظمها في بلدان ضعيفة ذات تصنيفات ائتمانية تقع ضمن درجة المضاربة - تواجه مخاطر عالية من حيث التنفيذ، وقد لا تدر أرباحًا.

وعلاوة على ذلك، فإن نهج تشي لا يفيد سمعة الصين الدولية كذلك؛ إذا تفتقر مشروعات OBOR إلى الشفافية ولا يترتب عليها أي التزام بالاستدامة الاجتماعية أو البيئية. ويُنظَر إليها بصورة متزايدة على أنها تعزز مصالح الصين -بما في ذلك الوصول إلى السلع الرئيسية أو الممرات البحرية والبرية الإستراتيجية- على حساب البلدان الأخرى.

تمثل مبادرة OBOR بهذا المعنى فجرًا لحقبة استعمارية جديدة - إذ إن دور هذه المبادرة يشبه الى حد كبير الدور الذي لعبته شركة الهند الشرقية والتي كانت قد مهدت الطريق للاستعمار البريطاني في الشرق. ولكن إذا كانت الصين تبني إمبراطورية، فيبدو أنها استسلمت لما كان يطلق عليه المؤرخ بول كيندي بـ"التوسع الإمبراطوري المبالغ به ".

لا ريب في أن البلدان الأخرى تقاوم هذا التوسع فقد قامت سريلانكا مؤخرًا بإبعاد غواصة صينية كانت تحاول أن ترسو في مرفأ الحاويات الذي تملكه الصين في كولومبو، وذلك بالرغم من وقوعها في أغلال ديونها المستحقة للصين. كما أن المعارضة الشعبية لإقامة منطقة صناعية تبلغ مساحتها 15000 فدان في البلاد قد أوقفت تحرك الصين لشراء حصة 80% من ميناء هامبانتوتا المحقق للخسائر والذي كانت الصين قد بنته بالقرب من تلك المنطقة.

لقد حذر تشي ينوهونغ، وهو أكاديمي يعمل مستشارًا لحكومة الصين، في مجلس الدولة، من وجود خطورة متزايدة من توسع الصين المبالغ به، وقد ثبت بالفعل صحة ما حذَّر منه. فقد أصبح تشي منغمسًا تمامًا في سياسته الخارجية العدوانية التي قوَّضت مطامحه الدبلوماسية؛ إذ أصبح منكرًا لوجود بديل عن استخدام القوة الغاشمة من أجل تحقيق القيادة. وفي سياق ذلك، قام تشي باستغلال موارد الصين إلى الحد الأقصى في وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد الصيني بالفعل ويُنذر فيه تقلص عدد السكان في سن العمل بحدوث ركود على المدى البعيد.

وفقًا لمثل صيني "إذا أرضيت طموح قلبك فكأنما حملت نمرأ تحت إبطك"، فإنه كلما استغرق تشي في تنفيذ مبادرة OBOR، تضاعف احتمال تأذيه منها.

 

* براهما تشيلاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية لأبحاث السياسات في نيودلهي، ومؤلف الطاغوت الآسيوي، المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا
https://www.project-syndicate.org