فضيحة أمنية.. مصرية صينية

عبد الناصر سلامة

هى فضيحة بكل المقاييس، حملة الاعتقالات والترحيل والتسليم فى صفوف طلاب الصين (الإيغور) بجامعة الأزهر، فى إطار التعاون الأمنى بين أنظمة أمنية هنا وهناك، فى ظل انعدام الشفافية وعدم إصدار بيان واضح تحدثت أنباء عن أنها طالت عشرات الطلاب، وأنباء أخرى تحدثت عن المئات، إلا أن المؤكد أن الطلاب المسلمين من شعب الإيغور المقهور فى الصين لمجرد أنه شعب مسلم، بعد أن تخيلوا أنهم فى أمان لأنهم فى محراب العلم بالأزهر الشريف، وجدوا أنفسهم مقيدين بالأصفاد فى صناديق سيارات الأمن الحديدية، دون أى اعتراض من الجامعة العريقة، أو منظمات المجتمع المدنى، أو أى كائن كان داخل مصر.

الإيغور باللغة التركية تعنى الاتحاد والتضامن، وهم شعوب تركية، يشكلون واحدة من ٥٦ عرقية فى جمهورية الصين الشعبية، يتركزون فى منطقة تركستان الشرقية، على مساحة تعادل سدس مساحة الصين، ويدينون بالإسلام، قُتِل من الإيغور أكثر من مليون شخص فى مواجهات عام ١٨٦٣، وأكثر من مليون آخرين عام ١٩٤٩ عندما استولى النظام الشيوعى بقيادة ماوتسى تونج على السلطة، حيث ألغى استقلال الإقليم، وجرى ضمه لجمهورية الصين وتفريغه من سكانه المسلمين وتوزيعهم إلى أقاليم مختلفة حتى يمثلوا أقليات فى مواطنهم الجديدة، كما تم التضييق عليهم فى عباداتهم وهدم مساجدهم وإزالة مدارسهم.

شعب الإيغور كان قد تمكن من إقامة دولة تركستان الشرقية، التى ظلت صامدة نحو عشرة قرون، قبل أن تنهار أمام الغزو الصينى عام ١٧٥٩، وقبل أن تلحق نهائياً بالصين الشيوعية عام ١٩٥٠، ورغم ذلك لم يستسلموا وقاموا بثورات مختلفة، وفى الوقت الذى يكثف فيه النظام الصينى من مطاردته لهم حتى خارج الصين، استطاعوا تأسيس حكومة فى المنفى، وصاغوا دستوراً، بينما تمنعهم السلطات هناك من ممارسة أبسط شعائرهم، وفى مقدمتها صيام شهر رمضان، الذى يشهد كل عام حملة أمنية واسعة النطاق فى الإقليم للقبض على الصائمين، بزعم أن الصوم يقف عائقاً أمام الإنتاج.

تركستان الشرقية تتمتع بموقع مهم، يحدها من الشمال الغربى كل من طاجيكستان وقرغيزستان وكازاخستان، ومن الشمال الشرقى جمهورية منغوليا، ومن الجنوب الغربى الهند وأفغانستان، وساهم شعب تركستان فى بناء الحضارة الإنسانية العالمية منذ أقدم فترات التاريخ، ويرجع لهذا الشعب الفضل فى اختراع حروف الطباعة من الخشب، وطبع العديد من الكتب والمعارف والعلوم، كما كانت دولتهم تتمتع بأهمية كبيرة فى التجارة العالمية، حيث مرور طريق الحرير بها، وهو الذى يربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.

وكالة «أسوشيتد برس» أوردت تقريراً حول الفضيحة الأمنية الأزهرية قالت فيه إن الحملة طالت طلاباً يقيمون فى الإسكندرية، وآخرين فى القاهرة، وأخبرتهم قوات الأمن أنه سيجرى ترحيلهم إلى الصين، وأن مسؤولى إقليم «شنجاك» الواقع غرب الصين والموالى للسلطات الصينية طالبوا بإحضار الطلاب من مصر للتحقيق معهم فى إطار حملة موسعة، شملت احتجاز الأهالى للضغط على المعتقلين، أيضاً منظمة «هيومان رايتس ووتش» رصدت الحملة المصرية بحق الطلاب، وطالبت السلطات المصرية فى بيان لها بعدم تسليمهم خشية تعرضهم للتعذيب والاضطهاد.

موقع «المصرى اليوم» الإلكترونى نقل عن ناشطين صوراً تظهر مطعماً للطلاب بمدينة نصر بعد إغلاقه إثر مداهمة الأمن واعتقال العشرات ممن كانوا فى المطعم، كما نشر الناشطون مقاطع فيديو تظهر الطلاب مقيدين داخل سيارة الترحيلات وداخل قسم الشرطة، وصوراً أخرى لمنازلهم والمحتويات مبعثرة بعد تفتيشها، مع أنباء عن تجاوزات بحق أُسرهم على الطريقة المصرية، فى سابقة غريبة من نوعها لا يمكن وصفها بأقل من الفضيحة للأمن والأزهر والدولة المصرية بصفة عامة، مع الأخذ فى الاعتبار أن تعداد المسلمين فى الصين يصل إلى ١٣٠ مليون نسمة، أى ما يزيد على تعداد كل بر مصر.

بعض المصادر تحدثت عن أن الطلاب الصينيين ليست لديهم أوراق إقامة كاملة، نتيجة أن سفارة بلادهم لا تتعاون معهم فى هذا المجال، مصادر أخرى تحدثت عن أن ذلك يأتى فى إطار التعاون الأمنى بين الديكتاتوريات، ومصادر ثالثة أكدت أن السلطات الصينية طالبتهم بإنهاء دراساتهم الإسلامية والعودة لبلادهم لمواجهة أحكام بالسجن وقد تصل إلى الإعدام، فى كل الأحوال نحن أمام قضية أخلاقية وقانونية بالدرجة الأولى، ما كان يجب على الإمام الأكبر شيخ الأزهر التزام الصمت حيالها، أيضاً ما كان يجب على الجامعة الأزهرية أن تقبل بها فى ظل وجود حكومة لا يعنيها كما هو واضح شكل الدولة المصرية فى الداخل والخارج على السواء، وفى ظل وجود برلمان لم نسمع له صوتاً فى قضايانا الداخلية، ما بالنا إذن بالخارجية!

على أى حال، قد يكون مع قراءة هذه السطور تم تسليم الطلاب المائة أو الخمسمائة- حسب تضارب الأرقام- إلى السلطات الصينية، وقد تكون إجراءات الترحيل مازالت لم تكتمل، وقد تكون حملة المداهمات مازالت مستمرة، إلا أنه فى كل الأحوال لا نتوقع أبداً أنه لم يجر تنسيق مسبق مع الأزهر بخصوص هذا الإجراء، وهى كارثة فى حد ذاتها، وإذا لم يكن هناك تنسيق فالكارثة أكبر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.