الأويغور المسلمون والعضلات الصينيّة ... بين "الفلَسْطنة ومثلّث الشرّ"

 

جورج عيسى

 

مرّة أخرى إنّه إقليم #شينجيانغ. في اللغة الصينيّة إنّها كلمة تعني الحدود الجديدة. في السياسة الصينيّة إنّها تعني الأزمة القديمة- الجديدة. الإقليم الواقع في أقصى شمال غرب الصين، والذي تكاد مساحته تقارب مساحة إيران، يضمّ أقلّيّة الأويغور المسلمة التي تتعرّض لانتهاكات حقوق الإنسان، بحسب المنظّمات الغربيّة المعنيّة بالدفاع عنها.

ومنذ أسبوعين تقريباً، مدد المشرعون في الإقليم الحظر على إطالة اللحى "بشكل غير عاديّ" وارتداء النقاب في الأماكن العامّة. وأتى قرار تمديد الحظر تتمّة لسلسلة من الإجراءات الحكومية المتبعة لفترة طويلة ضدّ الأويغور أكان عبر فرض قيود على السفر أو منع نساء تلك الأقلية من ارتداء النقاب أو منع تسمية الأولاد ببعض الأسماء الإسلاميّة وغيرها. وإلى جانب قطع شبكة الإنترنت أحياناً عن المنطقة وإزالة مواقع إلكترونيّة أسّسها ناشطون أويغور، قامت الصين منذ حوالي سنة ونصف سنة بطرد صحافية فرنسيّة تعمل في مجلّة "لوبس" بعدما أعدّت تقريراً عن هذه الانتهاكات.

على الجانب الصيني، يرى المسؤولون في سياساتهم حماية لبلادهم من "التطرّف" خصوصاً أنّ بعض أبناء الأقلية ذهبوا إلى سوريا للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها داعش. وتبدي #بيجينغ قلقها من "الحزب الإسلاميّ التركستانيّ" الذي يطالب بالانفصال عن الصين. وفي نفس السياق، تصنّف الأخيرة "حركة شرق تركستان الإسلاميّة" فصيلاً إرهابيّاً.

مجلّة "دين وسياسات" الإلكترونيّة الصادرة عن مركز دانفورث للدراسات الدينية والسياسيّة والتابع لجامعة واشنطن في سانت لويس الأميركية، أفردت زاوية للكاتب مَت موار الذي يُعنى بالشؤون الإعلاميّة والتربويّة لكتابة مقال روى خلاله حادثة حصلت في بيجينغ. صديقة موار، طبيبة، تعرّضت لحادث سير طفيف هناك. لكنّها كما أخبرت صديقها، لم تجرؤ على النزول من السيّارة ومعاينة الأضرار لأنّها ضربت سيّارةً ركّابها كانوا من الأويغور: "يمكن أن يكونوا عنيفين جداً وفكّرت أنّهم قد يهاجمونني.

قوى الشر الثلاث

موار، لفت النظر إلى أنّ الأقلية تقع ضمن ما تسمّيه الصين "قوى الشر الثلاث" للتطرّف والإرهاب والانفصال. ويشير إلى أنّ الحكم المسبق السلبيّ على الأويغور، كما هي الحالة مع الطبيبة، هو "متطرّف" لكنه بات منتشراً في المجتمع الصيني. وينقل عن إلشات حسن، ناشط أويغوري، توقيفه من الشرطة الصينية أكثر من مرّة. من بين الأمثلة، أنّه وأثناء رحلة جامعيّة على متن سفينة، تمّ إيقافه وجميع أصدقائه الأويغور. عندما سئل ضابط الشرطة عن السبب قال "إنّنا بدونا مختلفين، لذلك كنّا مثيرين للشبهة" وأضاف حسن: "كان ذلك قبل أحداث 11 أيلول لذلك كان غريباً جدّاً (توقيفنا) ... نحن شعب بربريّ بالنسبة إليهم"، يؤكّد للمجلّة.

الكاتبة إيزابيل لاروكّا، رأت في السياسات الصينيّة تجاه الأويغور، "نبوءة محقّقة لذاتها" في مجال "جهود الصين لمكافحة الإرهاب". لاروكّا، وضمن مجلّة "ولسون كوورترلاي" الصادرة عن مركز "وودرو ولسن الدولي للباحثين" ومقرّه واشنطن، قارنت بين ادّعاءات الصين عن تلك الأقلية، وما يقوله باحثون متخصّصون في المسألة.

اِستشهدت أوّلاً بما كتبته صحيفة "غلوبال تايمس" الصينيّة سنة 2015 عن حوالي 300 صيني متطرف يقاتلون مع داعش في العراق وسوريا و300 آخرين كانوا في الطريق للانضمام إلى التنظيم الإرهابي. ثمّ عادت لتستشهد بما قاله البروفسور في جامعة جورج واشنطن المتخصص في شؤون الأويغور شون روبرتس لمجلّة فورين بوليسي الأميركية: "أنا أفترض وجود عدد من الأويغور ينضمّون إلى داعش، لكنّني أيضاً أفترض أنّ الأرقام هي قليلة جداً مقارنة مع مجموعات أخرى في العالم. نحن نتحدّث عن 20 إلى 30 شخصاً كحدّ أقصى (2015)". وتشرح لاروكّا ما قصدته بالنبوءة المحقّقة لذاتها كاتبة: "يمكن أن تكون (الصين) خالقة المشكلة نفسها التي تدّعي أنّها تواجهها"، بسبب تضييقها على حرّيّات الأويغور.
"حركة شرق تركستان الإسلاميّة" ليست موجودة فقط على لائحة الإرهاب الصينيّة، بل هي مشمولة أيضاً بلائحة المنظّمات الإرهابيّة الأميركيّة منذ سنة 2002. وتجعل الصين من ملاحقة هذه الحركة أولويّة قصوى لها، في الداخل كما في الخارج، وأحياناً على نفس المستوى. لكن على هامش مراقبة أفراد هذا التنظيم، تلاحق بيجينغ المواطنين الأويغور إلى خارج الحدود، سياسيّاً على الأقل. فهي طالبت دولاً مجاورة عديدة بمطاردة هؤلاء وترحيلهم، من بينها تايلاند وباكستان وغيرهما. وتحدّثت تقارير عن زيادة التعاون الصيني- السوري على المستوى الأمني والعسكري لمكافحة الإرهابيين من تلك الإثنيّة الذين انضمّوا إلى داعش أو النصرة.

الباحث ستيفن زْهو، كتب في نشرة "بوليسي أوبشنز" التي يصدرها "معهد الأبحاث حول السياسات العامّة" وهو مؤسسة رأي كندية، مقالاً يلفت النظر فيه إلى أنّ البيانات الصينية المتصلة بالمسلمين في الصين بلغت منحى غير مسبوق. وذكر أنّ بعض الأساتذة الجامعيّين منعوا تلامذتهم من استخدام مواقع إلكترونية لأبحاث مرتبطة بمواضيع مشابهة. لكنّ زْهو ينطلق إلى ما هو أبعد من ذلك ويصل إلى توسيع الصين لنفوذها الإقليمي: "الصين تمدّد عضلاتها الإقليميّة. لكنّ حضوراً صينيّاً معولماً يعني أيضاً نشراً لتطرّف محلّي. التأثير الكامل لانتشار المقاتلين الأويغور على دور الصين العالمي يبقى محطّ مراقبة مستقبليّة".
وما قصده الباحث بالانتشار العالمي للتطرف المحلي أنّ المتطرّفين من الأويغور وسّعوا دائرة عمليّاتهم الإرهابيّة، فاستهدفوا في آب الماضي سفارة الصين في قرغيزستان بواسطة سيارة انتحارية قادها أويغوري (21 سنة). كما أنّ مقاتلين منهم دخلوا إلى أفغانستان وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.
عمق التوتّر الصينيّ-الأويغوريّ أقرب إلى متاهة سياسيّة وأمنيّة. تجادل الليبيراليّة الغربيّة في أنّ الاستثمار الاقتصادي داخل المناطق المحرومة يبعد شبح الإرهاب. هنا، تحاول الصين منذ زمن الاستثمار في ذلك الإقليم، عبر مدّ خطوط نفط وإنشاء بنى تحتية تصل المنطقة لا بسائر الجغرافيا الاقتصادية الصينية وحسب، بل بدول في جنوب ووسط آسيا أيضاً. لكنّ عمليّات التحديث واجهت مشكلتين، الأولى، أنّها لم تخلُ من القمع. أمّا الثانية وهي الأسوأ، فهي تهجير عدد من سكّان الأويغور بسبب عمليّات التصنيع العشوائيّة وجذب سكّان إثنيّة هان الصينيّة إلى كاشغار، إحدى مدن الإقليم.'

(رويترز)

فلسطنة شينجيانغ

الدكتور مايكل كلارك المتخصص في تاريخ وسياسات إقليم شينجيانغ، فصّل عمليّات التحديث والاستثمار تلك، في تقرير مطوّل له ضمن "مجلس سياسات الشرق الأوسط" الأميركي منذ حوالي سنتين. لكنّ ما ذكره حينها كان أخطر. ففي تقريره الذي جاء بعنوان: "الصين والأويغور: فَلَسطنَة شينجيانغ؟" ذكر أنّ المصطلحات التي تشبّه أزمة الإقليم بأزمة فلسطين أو الضفة الغربيّة، على الرغم من أنّها تعود إلى العقد الأوّل من القرن الحالي، إلّا أنّها ليست وليدة عالم الخيال، لأنّ "بدايات فلسطنة المنطقة قابلة للإدراك" على عدّة مستويات. أبرزها الفصل الحادّ وإقامة الحدود السياسيّة والإثنيّة بين الأويغور والهان وحزب الدولة، عبر تطبيق استراتيجيّة "القمع والتقييد والاستثمار". ومن بينها أيضاً، تدويل النزاع الصيني-الأويغوري من خلال جهود بيجينغ في ربط العنف الأويغوري بالإسلام الراديكالي الدولي والحصول على فوائد ديبلوماسيّة منه بعد هجمات 11 أيلول.

إنّ الصدامات بين الطرفين وخصوصاً منذ سنة 2009 وحتى اليوم أدّت إلى سقوط مئات القتلى. تفجيرات، عمليّات إطلاق نار، هجمات إنتحاريّة وغيرها شنّها مقاتلون أويغور على المستوى المحلّي والعالميّ. العلاقة بين القمع والإرهاب، في الصين أو خارجها، تسلك مسار دوّامة لانهائيّة من الأسباب والنتائج المتبادلة في حلقة دمويّة مفرغة.
والحواجز النفسيّة بين الصينيّين والأويغور، أساهمت بخلقها السلطات المحلّيّة أم لم تفعل، أصبحت بحسب ما يتفق عليه الباحثون الغربيّون في غاية الوضوح. ففي حين ينظر إليهم هؤلاء على أنّهم ضحيّة اضطهاد داخليّ، ينفر الصينيّون بقسم كبير منهم لأنّهم "مشروع إجرام محتمل". أمّا بالنسبة للمتسائلين عن مصير الطبيبة التي خافت من الأويغور بعدما صدمت سيّارتهم، فقد أكملوا طريقهم بدون الالتفات حتى إلى ما جرى.

 

المصدر: "النهار"