الأويغور في مصر.. مستجيرون من “رمضاء الصين” بـ”نار الداخلية”

محمود هاشم 

في منطقة هادئة في الحي السابع في مدينة نصر شمال القاهرة، المكتظ بطلاب من جميع الجنسيات توافدوا إلى مصر للدراسة أو الإقامة أو العمل، يتجمع طلاب الأويغور الدارسون في جامعة الأزهر – وغيرهم من أبناء الأقلية – ساعين للانخراط داخل المجتمع الجديد، الذي لجأوا إلى العيش فيه هربا من “تضييقات” الحكومة الصينية، من دون أن يعلموا أن مستقبلهم سينهار في لحظات، ويواجهون أخطار الاعتقال والملاحقة والترحيل دون سابق إنذار، بالرغم من سلامة إقامتهم داخل مصر، وحصول بعضهم على تصاريح لجوء من المفوضية السامية للأمم المتحدة.

 

اعتقالات بالجملة.. وترحيل إلى مصير مجهول

مع بداية حزيران/يونيو الماضي، فوجئ “عبدالستار” صاحب مطعم “أسلم أويغور”  بقوات الأمن تقتحم مكانه، وتسأل رواده عن جوازات سفرهم وتصاريح إقاماتهم داخل البلاد، قبل أن تلقي القبض على عدد منهم من دون إبداء أسباب. وتبع ذلك، حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات في القاهرة، فضلا عن آخرين تم إنزالهم من الطائرة أثناء مغادرتهم من مطار برج العرب في الإسكندرية، وتم احتجازهم في مكان غير معلوم، فيما تم القبض على غيرهم من مدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر.

المطعم المذكور هو مكان التجمع الأكبر للطلاب التركستانيين في القاهرة، بخلاف طلاب جامعة الأزهر، ويحرصون على الذهاب إليه بشكل شبه يومي لتناول طعامهم الشعبي، ولا يغني ذلك عن تبادل أطراف الحديث والضحكات مع الزبائن المصريين، من عشاق الطعام الآسيوي، أو طلاب الجامعة، قبل أن ينصرف كل إلى حال سبيله.

ويقول “محمد ع”، أحد سكان المنطقة: “فوجئنا بقوات الأمن تقتحم المطعم وتلقي القبض على عدد من الطلاب داخله، وتتبعها بحملة على الشقق المجاورة وفي الشوارع”. ويضيف: “كان الجميع في حالة ذعر، لم نكن نعلم ما يحدث، ولم نستطع السؤال خوفاً من القاء القبض علينا، لكن في ما بعد عرفنا أنهم طلاب في جامعة الأزهر وسيتم ترحيلهم إلى بلادهم”.

وتابع محمد: “اكتشفت أن أحد المقبوض عليهم من جيراني، وكنا نصلي معاً في مسجد قريب، كما تم القبض على آخر يعيش مع أسرته في المنطقة منذ فترة، ولم نجد أسرته بعدها، ولا نعلم إن كان قد ألقي القبض عليها أيضاً، أم تركت البلاد وهربت”.

وبحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات، بدأت حملة ملاحقة الأمن المصري لأبناء قومية آسيا الوسطى – الناطقين باللغة التركية، والذين يعتنق أغلبهم الإسلام ويتحدرون من إقليم شينجيانغ، الذي كان يسمى تركستان الشرقية، قبل ضمه إلى الصين في 1949 – منذ شهر ايار/مايو الماضي، وانتهى معظمها بترحيلهم إلى الصين مجددا، حيث ألغيت إقامة بعض الطلاب، فيما تم ترحيل غير حاملي الإقامة فوراً، من دون السماح لهم بالتواصل مع مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ويوم الخميس الماضي، تم تأكيد ترحيل 12 طالباً من المقبوض عليهم، من دون أي توضيح رسمي من الحكومة المصرية حتى الآن.

الأزمة ليست وليدة الأسابيع الماضية، حيث تشير المنظمة الحقوقية إلى أن الحكومة الصينية طالبت الطلاب الأويغوريين الذين يدرسون في جامعة الأزهر بالعودة منذ ثلاثة أشهر، وكان يتم الضغط عليهم بإلحاق الأذى بذويهم، والذين انصاعوا لضغوط بكين تم سجنهم، وترك الكثير منهم مصر بالفعل، ويقدر عدد الباقين ما يقرب من 500 أويغوري وذويهم، حيث استطاع ما يقرب من 300 طالب السفر إلى تركيا عبر الشارقة ودبي، من خلال مطارات القاهرة والإسكندرية والغردقة. أما الطلاب المتبقون فظلّوا مع ذويهم لأنهم اعتقدوا أن الحكومة المصرية لن تتخذ ضدهم إجراءات، لكن قوات الأمن المصرية ألقت في الأيام القليلة الماضية القبض على ما يقرب من 40 طالباً من مساكنهم في الحي السابع، كما داهمت المطعم التركستاني وألقت القبض على الموجودين داخله، ومعهم عامل مصري يدعى حسن محمد حسن.

 الداخلية تبرر.. واجتماع الوفد الصيني يكشف النوايا

نقلت وكالة الأنباء المصرية الرسمية عن مصدر أمني مسؤول في وزارة الداخلية نفيه وجود “استهداف للأويغور المقيمين في القاهرة”، موضحاً أن الإجراءات التي طالتهم تمت في إطار “مراجعة دورية لإقامات الأجانب”.

وأضاف: “اتضح وجود عدد من الصينيين الذين ينتمون إلى طائفة الأويغور، مخالفين لشروط الإقامة في البلاد، ما دعا البعض إلى تفسير ذلك باستهدافهم على غير الحقيقة”، فيما أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جينج شوانج، إن سفارة بكين في القاهرة أرسلت مسؤولين قنصليين للتحقق من أوضاع الطلاب، حسب قوله، بينما أشارت تقارير حقوقيه إلى ترحيل 12 أويغوريا بالفعل، واحتجاز 22 محتجزين في انتظار دورهم.

وبرغم تصريحات مسؤولي الشرطة المصرية لإخلاء مسؤوليتها عن الواقعة، ربط الكثيرون حملة الاعتقالات للطلاب الأويغور بالاجتماع الأخير بين وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار، ونائب وزير الأمن العام الصيني، تشن زيمين، الذي زار مصر على رأس وفد رفيع المستوى من معاونيه، في 19 حزيران/يونيو الماضي، لاستعراض “موضوعات ذات اهتمام مشترك”، على رأسها أوضاع الصينيين المقيمين في مصر.

اجتماع المسؤولين الأمنيين في البلدين شهد توقيع وثيقة تعاون فني للتعاون في عدد من المجالات الأمنية المتخصصة، وأكد عبدالغفار خلاله أن سياسة الوزارة تهدف إلى “الانفتاح والتواصل مع الأجهزة الأمنية في الدول الصديقة، في ضوء ما تفرضه الأوضاع الإقليمية الراهنة من تحديات وتهديدات، صارت تمثل خطورة على أغلب دول العالم”، حسب تعبيره، فيما رد المسؤول الصيني بإعلان “رغبة بلاده في تفعيل قنوات تبادل المعلومات، ذات الصلة بالتنظيمات المتطرفة، وأنشطة الهجرة غير الشرعية”.

الأزهر.. تصريحات متضاربة وتنصل من المسؤولية

في حزيران/يونيو 2015، انتقدت مشيخة الأزهر الحكومة الصينية لمنعها المسلمين الأويغور من صيام شهر رمضان، إلا أنها وبعد عامين عادت لتنفي القبض على أي من الطلاب التركستان من داخل الحرم الجامعي، وكذلك من داخل معاهد الأزهر، أو مدينة البحوث الإسلامية، أو أي جهة تابعة له، مؤكداً “حق الجهات المعنية في التأكد من عدم خطورة المقيمين داخل البلاد على الأمن القومي”، فيما كلف الدكتور أحمد الطيب إدارات الأزهر بمتابعة الموقف، بالتنسيق مع “الجهات المعنية”.

بيان المشيخة جاء متناقضا مع ما قاله وكيل الأزهر الشريف، الدكتور عباس شومان، في بيان صحافي، حيث أن 20 طالبا أزهريا من الإويغور الصينيين من بين المقبوض عليهم، وأنه تم إطلاق سراح عدد منهم، من دون ذكر مزيد من التفاصيل، قبل أن يشير إلى أن ثلاثة  منهم تم فصلهم مع آخرين لانقطاعهم عن الدراسة، وأنه تم إبلاغ الجهات المعنية فور فصلهم، مشددا على أن “الأزهر يتابع موقف طلابه بشكل يومي حتى ينتهي الأمر، وأنه لا حاجة له لمناشدات أو مزايدات على موقفه”.

 

الخوف في كل خطوة

ويقول «هـ ش» – الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملا خوفا من تعقبه – “عددنا ما يقارب المئات ندرس في مصر، جئنا لتعلم الإسلام في جامعة الأزهر، والبعض منا اصطحب عائلته معه هربا من التنكيل بنا في الصين، بينما البعض الآخر يواجه أزمة كبيرة في البقاء والعودة بعد اعتقال أسرهم في شينجيانغ، ومطالبة بكين برجوعهم للإفراج عن ذويهم”.

ويضيف الطالب التركستاني: “نحن نعلم أننا إذا عدنا إلى هناك سيتم اعتقالنا وتعذيبنا بدعوى تحريضنا على نشر أفكار تصفها الصين بأنها انفصالية”، مستطردا: “تركستان إقليم مسلم والصين احتلته منذ عشرات السنوات، لكن هذا لا يعطيها الحق في التضييق على السكان، لذا نحن نسعى للاستقلال الذاتي، وهذا حقنا”.

وتابع: “أحد أصدقائي  – ويدعى مسجد – ألقي القبض عليه على الرغم من أنه طالب في الأزهر وأوراقه سليمة، وأتوقع أن يكون تم ترحيله منذ أيام، أما أنا وأصدقائي الآخرين فمجبرون على التنقل من مكان إلى آخر بشكل دائم منذ بداية حملة الاعتقالات، تفاديا لتعقبنا وترحيلنا”.

وأوضح الطالب أن منطقة مدينة نصر تعد التجمع الأكبر لأبناء قوميته داخل مصر، حتى أن البعض منهم استقر هناك للعمل، وافتتح البعض الآخر مطاعم ومشروعات خاصة، وأحضر أسرته للعيش هنا، وواصل: “لم نكن نواجه أزمة في الاندماج داخل المجتمع المصري، فالمواطنون يتعاملون معنا بشكل جيد ولا نتعرض لمضايقات، إلا أن من لا يزالون موجودين منا في القاهرة بعد الأزمة يخشون حتى من النزول إلى الشارع خوفا من الإبلاغ عنهم، ويحاولون توفير احتياجهم دون الاضطرار إلى ذلك، إلى حين خروجهم”.

وتابع الطالب: “البعض منا الآن يبحث عن وسيلة لخروج آمن من مصر خوفا على مصيرنا، لكن عدد من زملائنا تم اعتقاله بالفعل، وهم داخل أحد المطارات في طريقهم للسفر، وقد علمنا أنهم تم رحيلهم إلى الصين حيث سيواجهون أحكاما بالإعدام والسجن المشدد تحت التعذيب، إلا أن البعض حالفه الحظ واستطاع الهرب إلى تركيا وماليزيا، بينما نحن الآن لا نستطيع  توفير سكن بسيط لنا خوفا من الإبلاغ عنا، بل إن بعضنا يعاني كثيرا حتى من أجل الحصول على طعام”.

واستكمل: “لا أرغب في العودة إلى الصين فأوراقي سليمة، وأنا لازلت طالبا ولم أحصل على شهادتي الجامعية، لا أعلم لماذا يتعامل معها المسؤولون المصريون بهذه الطريقة”.

 

العالم يحتج : أفرجوا عن الطلاب

 

وخرج العشرات من أبناء تركستان في مظاهرة أمام مقر السفارة المصرية في واشنطن، احتجاجا على احتجاز الطلاب داعين إلى الإفراج الفوري عنهم، وهو الأمر الذي دعمته منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، وغيرهما، ونشطاء من جميع أنحاء العالم.

https://www.change.org/p/egypt-governement-egypt-must-stop-the-forceful-detention-of-uyghur-students-to-china

وتقول جولناز أويغور – تصف نفسها بأنها تركستانية تعيش في المنفى – إنها وأبناء قوميتها أجبروا على العيش في خوف من الحكومة الصينية، وأضافت: “ما يقلقنا أننا لا نعرف الوقت الذي سيلقى القبض فيه علينا، ولأي سبب”، معتبرة أن احتجاز طلاب الأزهر إشارة واضحة من بكين بعدم رغبتها في الاستماع أو الحديث.

وأضافت جولناز: “عائلتي فرت من شينجيانغ منذ أن كان عمري 11 سنة، وحتى الآن والدي لا يسمح لنا بالكشف عن هويتنا الأويغورية”، مستطردة: “لم يكن من المسموح لنا بدراسة الإسلام أو الذهاب إلى المساجد، وأنا نفسي كنت إحدى ضحايا عمل الأطفال القسري”.

وتابعت: “تركستان ليست مقاطعة، بل هي دولة كانت لها حكومة وسيادة ورئيس، حتى احتلها الصين في 1949، ونظرا لعدم وجود القومية الإثنية التي تحميها لم يسمع أحد عن مأساتها، على الرغم من المذابح التي لحقت بمليوني مواطن منها”، موضحة أن التنسيق الأمني الأخير بين مصر والصين لترحيل الطلاب الأويغور بدأ منذ 5 يوليو الحالي، تزامنا مع ذكرى عيد الاستقلال، وبمجرد تلقي الطلاب هذه المعلومات هرعوا إلى المطارات للرحيل عن مصر، لأنهم يعلمون أن تسليمهم لبكين يعني الحكم عليهم بالإعدام.

واستكملت: “تم القبض على 24 شخصا في مطار برج العرب، وأفرج عن ثمانية منهم بعد ذلك، بينما لا يزال الآخرون محتجزين، ومن بينهم الزوجين عبدالغفار وست النساء، كما ألقي القبض على زوجين طالبين في الأزهر وطفلهما في مطار القاهرة وهما صديق جان وآي النساء 12 يوليو الحالي، فيما رفض أمن مطار الغردقة إعطاء ماء أو طعام لـ7 آخرين محتجزين، وهناك 80 محتجزا في قسم الخليفة حضر ممثل عن السفارة الصينية لتصويرهم والحصول على بياناتهم، بينما يتعرضون لمعاملة قاسية هناك، وتم توزيعهم بعدها على أقسام هليوبوليس والنزهة والسلام، وتم تقسيم البعض الآخر بين عين شمس ومدينة نصر والمعادي، مصر الجديدة، والنزهة والمعادي، والبقية في قسم الخليفة”.

واستكملت: “إنكار الأزهر والسلطات المصرية هذا الحادث ودعم التدخل انتهاك للواقع، وأناشد جميع قيادات العالم الإنهاء الأزمة سريعا، التي ستضر بسمعة مصر كدولة في المقام الأول”.

 

http://postaji.com