الطلاب الوافدون بالأزهر.. تحديات بلا حلول

 الكاتب :   القاهرة: إسلام عبدالعزيز

 

«هيومن رايتس» طالبت مصر بعدم تسليم الطلاب «الأويغور» للصين لخطورة ما يمكن أن يتعرضوا له هناك

رئيس برلمان الوافدين: ليس أمام الأزهر أو الدولة المصرية إلا التعامل مع الواقع فالقضية ليست معهما

قيادة الأزهر نفت قضية الاعتقال في البداية ثم تراجعت واعترفت بها بعد انتشار الصور والفيديوهات 

أفريقيا تعاني من قلة المنح الدراسية بسبب استغلال البعض نفوذه الوظيفي

 

«نرجوكم.. ما فعلنا سوءاً بهذا الوطن، فنحن نحبه ونعشق الأزهر، هل ضاق بنا هذا الوطن حتى يطردنا بهذا الشكل؟ لا تتركونا لهم».. هكذا صرخ أحد المعتقلين من الطلبة «الأويغور» (من تركستان الشرقية) إثر حملة اعتقالات شنتها السلطات المصرية مؤخراً ضد عدد منهم؛ بهدف ترحيلهم للصين، بناء على طلب الأخيرة، كما ذكرت وكالة «أسوشيتد برس».

أوردت وكالة «أسوشيتد برس» تقريراً حول حملة الاعتقالات بحق 20 طالباً أزهرياً أويغورياً في مدينة الإسكندرية، قبل مغادرتهم البلاد، حيث أخبرتهم السلطات المصرية أنه سيجري ترحيلهم إلى الصين، التي تفرض إجراءات أمنية مشددة على أقلية «الأويغور» منذ سنوات، وتحد من حريتهم إلى درجة تجريم صيام رمضان أو إظهار أي مظهر لأي شعيرة دينية.

وذكرت الوكالة الأمريكية أن مسؤولي تركستان الشرقية (سمتها الصين «إقليم شينجيانج» بعد احتلالها) طلبوا إحضار طلاب «الأويغور» من مصر في إطار حملة موسعة للتحقيق معهم، شملت في بعض الحالات احتجاز ذويهم داخل الصين للضغط عليهم ودفعهم إلى تسليم أنفسهم.

ولذلك طالبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية السلطات المصرية بعدم تسليم أي من الطلاب «الأويغور» إلى الصين لخطورة ما يمكن أن يتعرضوا له هناك، لكن رد الفعل الرسمي لم يكن سوى صدى لسلسلة سابقة من تجاهل أي اعتبار حقوقي.

 وإزاء تداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو لبعض المعتقلين وهم مقيدو اليدين، وتواتر الأنباء عن ترحيلات تمت بالفعل ولقي أصحابها مصير السجن والإعدام، تحولت استغاثات الطلبة «الأويغور» إلى قضية تشغل اهتمام المنظمات الحقوقية والرأي العام؛ ما اضطر إدارة المؤسسة الأزهرية إلى إعلان متابعتها عن كثب من خلال الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب.

 

رئيس برلمان الوافدين يبرر!

لكن رئيس برلمان الطلبة الوافدين بالأزهر، «آدم يونس»، برر هذه الحملة بقوله: علمنا أن سفارتهم تمنع حصولهم على بعض الأوراق التي تمكنهم من أن تكون جميع أوراق إقامتهم سليمة؛ مما يعرضهم لمخالفة القانون المصري، وهنا ليس أمام الأزهر أو الدولة المصرية إلا التعامل مع الواقع، فالقضية ليست قضية الأزهر.

وإزاء ذلك، ربما يبدو التناقض ظاهراً للوهلة الأولى بين الدول المنوط والمنتظر من رئيس البرلمان ومحتوى تعقيب «يونس» على حملة الاعتقالات وتبريره لها؛ إذ يفترض فيه أن يكون زعيماً لممثلي الوافدين للدراسة بالأزهر، والمدافع الأول عن قضاياهم وحقوقهم، لكن واقع الحال ليس كذلك.. فما السبب؟

لكن نظرة فاحصة لردود أفعال مختلف المؤسسات الممثلة لكيان الأزهر يمكنها تقديم صورة بانورامية للحالة التي تقف عليها المؤسسة الدينية المصرية وأكبر هيئات الإسلام السُّني في العالم.

فالمتحدث الإعلامي لجامعة الأزهر، د. أحمد زارع، نفى قيام الأجهزة الأمنية باعتقال طلاب من تركستان الشرقية في البداية، زاعماً أن عدم تحري وسائل الإعلام لصحة الأخبار هو السبب في تداول ذلك، وهو ما صدق عليه رئيس مدينة البعوث الإسلامية، اللواء عادل عبدالعزيز، في تصريح مماثل، لكن قيادة الأزهر تراجعت فيما بعد عن هذا النفي، ليؤكد محمد مهنا، أحد مستشاري شيخ الأزهر، أن المعلومات المتوافرة لديهم تشير إلى احتجاز 43 شخصاً من الطلاب «الأويغور»، من بينهم 3 طلاب أزهريين فقط.

وسواء كان التراجع بسبب ضغط الصور والفيديوهات المتداولة للمعتقلين، أم بسبب عدم تحري زارع، وعبدالعزيز، لصحة الأخبار التي طالبا بالوثوق منها، فإن المؤكد أن إدارة المؤسسة التي ينتمي إليها الطلاب المعتقلون لم تُظهر الدفاع المتوقع عنهم.

بل إن مهنا قال في تصريحه: إن شيخ الأزهر مهتم بالطلاب الوافدين وحمايتهم، بعيداً عن أي فكر متطرف أو أعمال مخالفة، وكأنه يقدم للسلطات ذريعة تملص الإدارة الأزهرية من مسؤوليتها تجاه هؤلاء الطلاب مسبقاً، إذ يكفي أن تعلن الجهات الأمنية أن سبب اعتقالهم هو أنهم «تكفيريون»، أو «مشروع إرهابيين محتملين»، أو «مخالفون لشروط الإقامة» على سبيل المثال، وقد كان.

ولذلك فإن تعقيب يونس على حملة الاعتقالات لم يكن خارج السياق، ولم تكن إدانته لما اعتبره تضخيماً إعلامياً للحدث سوى جزء من الموقف الرسمي لإدارة الأزهر.

وبإضافة اتهامه لما سماها باللجان الإلكترونية بمحاولة إقحام الأزهر في صراعات لا أساس لها إلى تصريحه السابق، يمكن استنتاج الخلفية التي تبوح بها نبرة التسييس الظاهرة من التصريح.

 

مشكلات تنتظر الحلول

 

 وبعيداً عن تعاطي الأزهر مع الوافدين، وكيفية إدارة ملفاتهم في ظل تغول الدولة المصرية عليه كمؤسسة، فإن هؤلاء الوافدين أنفسهم يواجهون مجموعة من المشكلات التي لا تجد حلولاً ناجعة في التعامل معها، وقد كشف جانباً من تلك المشكلات مؤتمر الوافدين الأخير الذي كان عنوانه «تحديات الوافدين وطموحاتهم».

 ولعل أبرز تلك المشكلات ما يتعلق ببداية توزيع المنح الأزهرية نفسها، حيث تعاني أفريقيا من قلة الحصول على تلك المنح، مقارنة بمساحتها الجغرافية، بسبب استغلال البعض نفوذه الوظيفي لتوزيع تلك المنح بشكل غير عادل تحقيقاً لمنافع معينة.

وربما هذا ما دفع برلمان الوافدين للمطالبة بضرورة توزيع تلك المنح عبر السفارات، وزيادة المنح المقدمة للطلاب في أفريقيا، وكذا زيادة الزيارات الأزهرية إلى القارة الأفريقية لدعم المواطنين الأفارقة المسلمين، ورفع معنوياتهم، وتحفيزهم على الدراسة في الأزهر، وأيضاً ضرورة إقامة الكثير من المؤتمرات الخاصة بأوضاع القارة الأفريقية وداخل أفريقيا نفسها.

ومعلوم أن توجه الأزهر الأفريقي يشوبه ما يمكن وصفه بالإهمال طيلة العقود الأخيرة؛ وهو ما فتح الباب واسعاً إما للتبشير أو التشيُّع أو التيارات التكفيرية وانتشارها جميعاً.

أيضاً فإن المشكلات الإدارية التي تتعلق بالبيروقراطية والروتين هي أحد أبرز ما يتعرض له الطلبة الوافدون، ولهذا طالبوا كثيراً بضرورة التنسيق الكامل بين مكتب رعاية الطلاب بالمدينة الجامعية وممثلي شؤون الطلاب بالكليات لسرعة استخراج كل ما يخص الطالب مثل «التصديق الدراسي، التصديق على المنحة، جميع شهادات التخرج»؛ لتوفير المناخ للطالب للتفرغ للدراسة فقط دون الانشغال بأي أمور أخرى قد تعطله عن التحصيل العلمي.

كما أن قلة المنح المخصصة للمتفوقين منهم مثار اعتراض دائم، حيث لا فارق كبيراً بين المتفوقين وغيرهم، ولذا طالبوا كثيراً وعبر آليات عديدة بضرورة زيادة منحة المتفوق عن غيره 30% للحاصل على تقدير جيد جداً، و50% للحاصل على تقدير امتياز، وإشراكهم في دورات الأئمة والوعاظ، مع ضرورة تدريب الخريجين لإكسابهم الخبرات اللازمة، والاعتناء بطلاب الدراسات العليا الوافدين.

وفي إطار ما يعين الطلبة على تجاوز عقبات الدراسة، فإن أزمة اللغة وفهمها تقف عائقاً أمام كثير من الطلبة الوافدين، ولذا فإن المطالبة بإعانة هؤلاء الطلبة على فهم المنهج الأزهري لا تتوقف، وذلك عبر وسائل شتى منها المطالبة بطباعة الكثير من الكتيبات باللغات المختلفة التي توضح معالم المنهج الأزهري، ومنها توفير كوادر متخصصة وتكثيف الدورات التدريبية للدفاع عن الأزهر ومنهجه الوسطي لهؤلاء الطلبة.

يذكر أن الإحصائيات تؤكد أن الأزهر يقدم سنوياً منحاً دراسية لمسلمي أكثر من 100 دولة، وذلك للمراحل التعليمية المختلفة وصولاً إلى الدراسات العليا.

وجاءت المنح للعام الدراسي 2017/2018م كالتالي: الوطن العربي 330 منحة، والقارة الأفريقية 536، والقارة الآسيوية 494، والقارة الأوروبية 75.

كما تضمنت المنح روسيا الاتحادية ودول الكومنولث المستقلة 66 منحة، والأمريكيتين بـ 24 منحة، أمّا أستراليا فكان من نصيبها 7 منح، من إجمالي المنح المقدمة، والتي بلغت 1532 منحة.

المصدر: المجتمع

http://mugtama.com/reports/item/61847-2017-10-08-07-42-30.html