تاريخ وجغرافيا: الدولة القراخطائية (548 ـ 608هـ ) (1134 ـ 1211م )

القراخطاى أو(الخطا، خيتاى، كيتاى) قبائل من العنصر التانجوتى (Tanguts) السائد في منشوريا شمال شرق الصين و يرى بعض المؤرخين أنهم شعب خليط من الترك والمغول والتانجوت، ولعل هذا الخليط قد تكون حال نزوح القراخطاى إلى تركستان  بعد انهيار دولتهم في الصين .وكان الخطا  قد نزحوا إلى تركستان  من شمال الصين حيث كانوا يحكمون هناك من عام (916 م حتى 1125 م ) عقب انهيار أسرة (تانج)، وعرفت دولتهم فى التاريخ الصينى باسم أسرة ( لياو ـ liao  ) كما تعرف في العديد من المصادر الأوروبية بإمبراطورية (كيتاى أو خيتاى) وهو الاسم الذى ظل الأوربيون يطلقونه على الصين لفترة طويلة. وامتد حكم دولة الخطا من منشوريا ومنغوليا وشمال شرق الصين ووصلت حدودها حتى المحيط الهادى شرقا وجبال ألتاى غربا وبحيرة بيكال في الشمال وكانت من القوة بحيث استطاعت أن تفرض الجزية على أسرة ( سو نج ) الجنوبية فى الصين، إنهار حكم تلك الأسرة الأجنبية فى الصين أى القراخطاى عام 1125 م علي يد قبائل ( جور ـ جين ) المنشورية الرعوية التابعة لهم والتى أسست أسرة(جين Kin) ، وعقب ذلك هاجر أحد أمراء الخطا (يه لو تاشى) -حاكم الأقاليم الشمالية الشرقية والذى كان يتمتع بسياسة وثقافة وحنكة إدارية واسعة- بجزء من شعبه نحو الغرب ليحصل على مساعدة القبائل الرعوية التابعة للخطا ثم يعود ويسترد عرش الخطا، إلا أنه لم يحصل على الدعم الكافى، كما كان جيش إمبراطور الخطا الهارب يطارده، فاستمر في رحلته نحو الغرب مارا ببلاد القرغيز فتحارب معهم ومن ثم اتجه لبلاط حاكم الأويغور إيدى قوت – اى صاحب المملكة المقدسة – والذى أكرم وفادته، وقد انضم تحت قيادته الكثير من القبائل فاتجه بعد ذلك إلى مناطق غرب تركستان والتى كانت تعانى من النزاعات والفوضى وهجمات القبائل الرعوية، وقد استنجد خان بلاساغون القراخانى إبراهيم الثانى (1128- 1158م ) بأمير الخطا لمساعدته في صد هجمات قبائل القارلوق فانتهز (يه لو تاشى) الفرصة وأخضع القارلوق وسيطر على بلاساغون وجعلها عاصمته ثم استطاع ضم كاشغر ونقل عاصمته إليها وتمكن من ضم مملكة الأويغور وقضى على الدولة القراخانية وتوسعت دولة القراخطاى من صحراء جوبى إلى نهر سيحون ومن التبت إلى سيبريا واتخذ حاكمهم لقبا تركيا هو (كورخان) أى الخان الشجاع المنتصر أو خان الخانات، وكانت دولتهم دولة قوية  شملت كل البلاد الإسلامية فى تركستان وخضع لحكمهم القراخانيون والأويغور ولكن ظل خاناتهم يحكمون فى أماكنهم مع وجود ممثل لحاكم القراخطاى، كما أجبرت دولة القراخطاى الدولة الخوارزمية على دفع جزية سنوية تقدر ب 30000 دينار ذهب.ويطلق الصينيون على هذه الدولة (أسرة لياو الغربية)، باعتبارها أسرة صينية كمبرر لتفسير سيطرتهم على منطقة تركستان الشرقية وغيرها.
  وقد تعددت العناصر العرقية والدينية والثقافية التى تكونت منها دولة القراخطاى، كما اتبعت أسلوب الحكم الذاتى للإمارات الداخلية الخاضعة لهم وظلت الأسر الحاكمة القديمة تتولى في خوارزم في الغرب وبلاد الأويغور في الشرق ـــ وهو ما يفسر استمرار حكم الأويغور وسيطرتهم على مقاليد الأمور والإدارة في تركستان الشرقية حتى سيطرة المغول على وسط آسيا ـــ وبعض أمراء الدولة القراخانية المنهارة، وكان للكورخان ممثلا في عواصم الولايات ذاتية الحكم كدولة الأويغور وكانت التبعية تعنى مجرد دفع الجزية وقد لايذهب ممثل الكورخان إلا لأخذ الجزية وينصرف، أو قد يرسلها حاكم الولاية للكورخان.
 التزم القراخطاى باحترام الحريات الدينية والثقافية ، كما منعوا المظالم وساروا بالعدل مما أكسبهم احترام الشعوب الإسلامية الخاضعة لهم. لم تدم دولة القراخطاى طويلا إذ قضى عليهم الخوارزميون وقبائل النايمان بزعامة ( كوجلك خان )،  ففي عهد (يلوـ جى ـ لو ـ كو) آخر كورخانات القراخطاى دخلت الدولة في صراعات أرهقتها مع الخوارزميين وغيرهم من الأمراء المتمردين على حكم الخطا، فاستعان (يلو) بكوجلك خان زعيم قبائل النايمان لمساعدته في حروبه وصد هجوم المغول المتوقع .

والنايمان من الأتراك الذين غلب عليهم الطابع المغولى ويدينون بالنصرانية والبوذية الوثنية ،وكانوا يقطنون الحوض الأعلى لنهر أورخون ومنحدرات جبال ألتاى ويسمى ملكهم قديما ( كوجلك خان ) أى ملك عظيم وقوى أو ( بويروق خان ) أى معطى الأمر، وكان ملكهـم فى عهـد جنكيز خان يدعى ( تايانك خان ) وقد قتل في حربه ضد المغول عام 1204م ، وخلفه ابنه كوجلوك خان، الذى فر إلى مملكة الخطا و التحق بخدمة كورخان القراخطاى بعد أن وعده بمعاونته ضد المغول، فساعده الكورخان وزوجه ابنته وسمح له بإعادة تجميع قبيلته المهزومة إلا أنه اتفق مع علاءالدين محمد خوارزم شاه سلطان الخوارزميين على القضاء على الخطاى واقتسام دولتهم وتم لهما ذلك، وانتهت  الدولة القراخطائية عام (608هـ - 1211م) بعد هزيمة ساحقة على يد الخوارزميين والنايمان، واقتسم أملاكها كلا من الدولة الخوارزمية " وكوجلك خان " زعيم النايمان الذى مارس فى منطقة حكمه اضطهادا كبيرا ضد المسلمين، حيث أذاق الناس جورا شديدا فكان يجمع ما استطاع من المحاصيل ويحرق الباقى فغلت الأسعار وعم القحط وفشا الجور والظلـم فى النـاس وأجبروا على تـرك الإسـلام وأن يدينوا إما بالنصرانية أو الوثنية، ولم يدم حكمهم طويلا إذ اجتاح المغول تلك المناطق وانحاز المسلمون للمغول في حربهم ضد كوجلك خان الذى تم القضاء على حكمه وفر هاربا من كاشغر وأسر وقتل عام 615هـ /1218م.

تسامح المغول مع المسلمين وأجازوا الآذان والصلوات وأعلنـوا فى كاشغر أن لكل فرد الحق فى أن يعيش كما يريد وأن يدين بالدين الذى يعتقد، وقد أدى انضـمام المسلمـين إلى جنكيز خان فى حربه ضد " كوجلك خان " ـــ الذى اضطهد المسلمين كثيرا ـــ إلى أن يعامل المغول المسلمين الخاضعين لحكمهم في تركستان الشرقية الحالية بالأخص بالحسنى، وبالقضاء على كوجلك خان بدأ حكم المغول فى تركستان عام 1218 م ـ 615 هـ .

                   د/ عزالدين الوردانى