د. مجدي شلش يكتب : الأزهر بين المذهب الصيني والسني

بوابة القليوبية_مشاركات ومقالات

 

فرق كبير بين أزهر اليوم وأزهر الماضي والتاريخ والمجد والعزة والكرامة والثورة على المستبد في الداخل والآتي من الخارج.

الفرق في نظري في المشيخة والإدارة التي جعلت الأزهر أضحوكة العالم الإسلامي كله بدعمها للظلم والطغيان.

لا يمكن أبدا أن نتصور وقد تعلمنا في الأزهر هذه الانتكاسة في بيع الطلاب الذين جاؤا من كل فج عميق للنهل من علومه للأنظمة الدكتاتورية المستبدة الصينية المعروف عنها بقهر وقتل كل ما هو إسلامي سواء داخل الصين أو تركستان الشرقية المحتلة من قبل عبدة الطاغوت.

الأزهر يعيش أكبر مهزلة في تاريخه المجيد الساطع عبر العصور والقرون.

الأزهر الحقيقي منذ نشأته كيان عالمي الهدف، وهو نشر المذهب الشيعي بين أبناء الشعب المصري وقارة أفريقيا وأسيا، لكن لما تحول للمذهب السني اكتسب بعدا جديدا بعيدا عن المذهبية الشيعية.

الأزهرمصبوغ بالصبغة الشمولية التي يتسم بها الإسلام كدين، والعالمية الأوسع من قارة أفريقيا وأسيا.

تحول الأزهر مع الكيان السني إلى جامع وجامعة، ليس مقتصرا على اللون المعرفي والثقافي فقط، لكنه امتد ليشمل الجانب الدعوي، والبعد المجتمعي العام، والتعاطي مع السياسة من منظور وطني جامع لأبناء الأمة الإسلامية كلها، وليس من منظور حزبي تنافسي على السلطة.

رسالة الأزهر السني:
أولا: البعد الثقافي والمعرفي:
يعتبر الأزهر الشريف حامي الثقافة الإسلامية، والمعرفة العقلية القائمة على الوحي الإلهي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على المصطفى – صلى الله عليه وسلم –ومن ثوابتها:

الحفاظ على الأصول الثابتة للمعرفة والأحكام وعلى رأسها القرآن والسنة، وللأزهر الباع الأكبر في الدفاع عن القرآن وما ورد عليه شبهات، والسنة بجميع أنواعها وما ورد على ثبوتها من ترهات وأوهام.

العمل على اتساع الثقافة المعرفية، تحت ظل الاختلاف المحمود، وتدريس المذاهب الفقهية المختلفة، رغم ما بينها من تباين واختلاف، إلا إن الأزهر كان من أوائل المدارس التي عنيت بالتوسعة المعرفية في الجانب العقدي والفقهي، وهذا يدل على اتساق الأزهر مع روح الشريعة الإسلامية التي قامت على رفع الحرج والمشقة بين المكلفين.

التجديد لما يحتاجه العصر من احتياجات معرفية أو ثقافية جديدة لا تصطدم مع ثوابت الدين ونصوصه، فالحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها.

النظر في المستجدات العصرية التي تخدم الإنسان وتعلى من قدره وشأنه، فالاجتهاد والتجديد أهم الوظائف التي يقوم بها الأزهر، حيث إنه يؤمن بأن كل مستحدث لابد وأن يكون له حكم في الشريعة، إيمانا بكمالها وتمامها، وبأنها الشريعة الخاتمة لكل الشرائع التي أنزلها الله سبحانه وتعالي، والتي فيها مصالح العباد في العاجل والآجل.

الأزهر قام بوظيفته نحو تدريس القيم والأخلاق، والتصوف الحقيقي والتربية والتزكية، فلم يكن دور الأزهر متوقفا فقط على التنظير للمعرفة العقلية والشرعية، إلا إنه كان حريصا في أبنائه على التخلق بأخلاق الإسلام الراقية، فجمع بذلك بين العلم والتربية، والثقافة والتزكية.

ثانيا: البعد الدعوي :
الأزهر له اليد الطولي في نشر الإسلام كدين شامل كامل يتناول مظاهر الحياة كلها، ورسوخ هذا المعني في الشعب المصري كان من علماء الأزهر الذي لم تخل منهم قرية ولا نجع ولا حارة، فى الوقت الذي أراد المستعمر أن يقصر الإسلام على المفهوم الكنسي للدين، وأنه لا شأن له بالحياة السياسية أو الافتصادية أو الحربية وغيرها، إلا إن دعاة الأزهر مع الإخوان المسلمين وغيرهم انقذوا الشعب المصري من براثن التجزئة لهذا الدين، وإظهار جماله وكماله في الحياة العامة.

ثالثا: البعد المجتمعي والحضاري :
الأزهر ورجاله فرسان هذا الميدان، وكل من تعلم على أيديهم وأخذ عنهم.

المقصود بالبعد المجتمعي: إقامة العلاقات بين أبناء المجتمع على أساس من الحب والتآلف والتعارف والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة، الأمة في نظر الإسلام جسد واحد إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

الأزهر فصل تفصيلا بارعا فى أسس النظام الاجتماعي وبيان سماته وصفاته، حتى تقوم العلاقات بين الزوج وزوجة، والولد وأبويه، والجار وجاره، والصديق وصديقه على أمتن الروابط الحضارية، البعيدة كل البعد عن الفحشاء والمنكر والبغي، إذ إقامة المجتمع الصالح من أهم مقاصد الإسلام، حتى تظهر كمال الشريعة وجمالها لابد من مجتمع قائم على الحب والرحمة والعفو والتسامح.

رابعا: البعد السياسي الوطني :
الأزهر الشريف ملك للأمة كلها، يريد أن تجتمع الكلمة، وتتوحد الصفوف، وتتراص القلوب والعقول، فالأمة تفشل بالفرقة، وتتمزق بالتنابذ والتنازع.

الأزهر مارس السياسة من منطلق الهم العام للأمة في توحدها في قضاياها المصيرية الكبرى، وترتيب أولويتها العظمى، فالولاء والانتماء وبيان سنن الله في التغيير والإصلاح، والحفاظ على مقدرات الأمة من الضياع، كل ذلك وغيره مارسه الأزهر، وهو أحد وظائفه الكبرى، والتاريخ خير شاهد على ذلك.

قديما الأمة إذا حزبها أمر فزعت إلي الأزهر، وبالأخص في الوقوف أمام الحكام الظلمة، الذين استكبروا في الأرض، وعتوا فيها عتوا كبيرا، وهناك مئات بل آلاف القصص التي رويت عن علماء الأزهر، في عصر المماليك .

” يروي الجبرتي في يومياته بأن أمراء من المماليك اعتدوا على بعض فلاحي مدينة بلبيس، فحضر وفد منهم إلى الشيخ عبد الله الشرقاوي وكان شيخًا للأزهر وقتها، وقدموا شكواهم له ليرفع عنهم الظلم، فغضب وتوجه إلى الأزهر وجمع المشايخ، وأغلقوا أبواب الجامع، وأمروا الناس بترك الأسواق والمتاجر. واحتشدت الجموع الغاضبة من الشعب، فأرسل إبراهيم بك شيخ البلد لهم أيوب بك الدفتردار، فسألهم عن أمرهم فقالوا: نريد العدل، ورفع الظلم والجور، وإقامة الشرع، وإبطال الحوادث والمكوس (الضرائب).. وخَشِي زعيم الأمراء مغبة الثورة، فأرسل إلى علماء الأزهر يبرئ نفسه من تبعة الظلم، ويلقيها على كاهل شريكه مراد بك، وأرسل في الوقت نفسه إلى مراد يحذره عاقبة الثورة، فاستسلم مراد بك، وردّ ما اغتصبه من أموال، وأرضى نفوس المظلومين، لكن العلماء طالبوا بوضع
نظام يمنع الظلم ويرد العدوان، واجتمع الأمراء مع العلماء، وكان من بينهم الشيخ السادات، والسيد عمر مكرم، والشيخ الشرقاوي، والشيخ البكري، والشيخ الأميرفأعلن الظالمون أنهم تابوا والتزموا بما اشترطه عليهم العلماء، وأعلنوا أنهم سيبطلون المظالم والضرائب، والكف عن سلب أموال الناس، والالتزام بإرسال صُرَّة مال أوقاف الحرمين الشريفين والعوائد المقررة إليهم، وكانوا ينهبونها، وكان قاضي القضاة حاضرًا، فكتب على الأمراء وثيقة أمضاها الوالي العثماني، وإبراهيم بك ومراد بك شيخا البلد “.

قام علماء الأزهر بدور أساسي في السياسة المصرية الداخلية والخارجية خلال الفترات التاريخية المختلفة التي تعاقبت عليه ، ولا يزال التاريخ المصري يشهد على مواقفهم الباسلة، إذ ارتبط تاريخ الأزهر بالتاريخ المصري، حيث كان دائما يتجه إلى المحكومين برعايته ، ويعمل على تحقيق حاجاتهم وتعبئتهم.

أسهم الأزهر وعلماؤه في تكوين الوعي السياسي لدى أفراد الشعب ، وذلك باعتبار أن علماء الأزهر كانوا الطبقة المتعلمة من أبناء مصر ، الذين تعلموا تعلمًا دينيًا يتيح لهم التعرف على الحقوق والحريات التي كفلها لهم الإسلام ، فكان من الطبيعي أن يقودوا الشعب سواء ضد الحاكم أو المستعمر ، وذلك من أجل تحقيق صالح الوطن، لا من أجل المنافسة الحزبية على المناصب والكراسي، فعلماء الأزهر كانوا أزهد الناس في المناصب، إذ للعلم لذة لا تساويها لذة الجلوس على الكرسي أو المنصب.

لقد ظلت مآذن الأزهر تنادى بالجهاد والمقاومة عهودًا وأزمنة حتى جاءت الأيام والأزمنة التي ينطلق فيها مخبرو الغوغائية وحملة المباخر من فضائيات المال الحرام لتطالب بموت الأزهر.

نعم جاءت حملات مسعورة من أبواق منافقة لتنهش في أعظم قلعة للجهاد والمقاومة ضد عدم تجديد الخطاب الديني، معاقبة للأزهر الذي ظل طوال التاريخ قويًا صلبًا في مواجهة أعداء الدين والوطن.

خامسا: البعد العالمي :
نشأ الأزهر عالمي الفكرة والهدف من بدايته الأولى، وما زال هذا البعد يمثل قوة ناعمة لفتح القلوب والعقول والبلاد بواسطة طلابه الذين يدرسون فيه تقريبا من كل أنحاء العالم، ولعل هذا من أعظم الفتح، إذ الإسلام حريص على دماء الناس أينما كانوا، وكما قلنا فتح القلوب بالثقافة والمعرفة أقوى من فتح السيوف، المهم عندنا أن تصل الفكرة للناس بكل بيان ووضوح.

هذا هو أزهر الأمس صاحب الريادة والعزة والكرامة، أما مشيخة الأزهر اليوم تعيش المذهب الصيني في دعم الظلم والطغيان الداخلي والخارجي الذي لا يمت إلى أزهر المكانة والتاريخ والفخر بصلة.

الأزهر بعلمائه وطلابه ما زالوا بخير، وتشهد لهم ميادين العزة والحرية والكرامة من التحرير ورابعة والفتح برمسيس، لكننا ابتلينا كما ابتلى الشعب المصري بخونة الدين والوطن في إدارة شؤون الأزهر والأمة.

 

المصدر: 

https://qalyubiagate.com/?p=159501