تطريز على طريق الحرير (الأخيرة)

رمزي الغزوي


  (كاشغر) جولتنا الأخيرة لتلمس طريق الحرير في غرب الصين. وصلنا المدينة بعد ساعتي طيران من أورمتشي (عاصمة مقاطعة شينجيانغ)(تركستان الشرقية). الجبال تراءت من الشبابيك معممة بالثلج. ولاحت بينها الصحاري الباهتة تحت ضربات شمس خجولة.


  أسست المدينة المفصلية في القرن الثاني قبل الميلاد. وهي بوابة رئيسة بين الشرق (الصين) والغرب (أسيا وأوروبا شمال أفريقيا). فتحها القائد العربي قتيبة بن مسلم في عام 96 هجريا (715ميلادي) في عهد الوليد بن عبد الملك. بعد خوارزم وبخارى وسمرقند وفرغانة. 


  لم ينتشر الدين الإسلامي بالسيف شرق هذه المدينة؛ التجارة وما بُني حولها من علاقات ثقافية واجتماعية ومعرفية كانت هي الفيصل في هذا الأمر.


  أكثر القوميات انتشارا في المدينة هم الأويغور ثم القرغيز والأزبك. قوميات تتمازج ثقافيا بنسق فريد؛ الأسواق تعمر بمنتوجاتهم، والأهم أنها ما زالت تحافظ على المهن التقليدية وتدعمها. 


 القرية القديمة ظلت تحتفظ بطابعها القديم منذ ألفي عام، وقد أعيد ترميمها بإتقان بعد زلزال ضربها في عقد التسعينيات من القرن الماضي.


  زرنا بيتا أويغوريا تراثيا كريما وصلنا عبر طرق ضيقة. قبل أن تدخل البيت وتطل على مائدة تغص بخيرات الأرض من جوز ولوز وزبيب وتين وتفاح وسكر بني ورمان، يستقبلك رب البيت عند الباب بابتسامة عريضة وإبريق تراثي من الفضة بعنق طويل لتغسل يديك ثلاث مرات. لكن عليك ألا تنفض الماء؛ فهذه حركة تنبئ بزوال النعم في عرفهم.  


  لفتتني أنّ لا نهر في المدينة، رغم كثرة البساتين والمزارع والخضار الكثيف، حتى ونحن على عتبات الشتاء.
 إنها الآبار التي تنتشر في كل مكان؛ يصل عمقها إلى 120 متراً أحيانا. منها يمتص الماء ليبث خصبا فريدا. فالمدينة تمتد على سفوح الجبال التي ينصهر ثلجها متوغلا تحت الأرض ولا يظهر على شكل أنهار. ولهذا عمل الناس هنا على استنباط الحياة بالحفر عميقا للوصول إلى الشريان. 


  أشهر الآبار (تسمى كاريز باللغة الأويغورية) بئر (ميم هاجي)، وهي باسم رجل من القرن الثامن عشر تابع حفرها مكملا ما بدأه أجداده، حتى جرّ الماء نهرا تحت الأرض لإمتداد زاد عن  11000متر. 


 اليوم، كاشغر ترنو لتكون بوابة هامة ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي تقرب الشعوب من مبدأ: الكسب المشترك. أو : ربح ربح. 


 هذا وسيبقى للحرير روح العالم الدفاقة التي تزهر أرضه، وتبهج أهله.

المصدر: جريدة الدستور

 

http://www.addustour.com/articles/988648