تطريز على طريق الحرير ( 4)

رمزي الغزوي

في جولة تلمسنا لطريق الحرير وتتبع خطاها، كان لا بدّ أن نصافح الصحراء ونقرأ وجهها، ونرى كيف كانت تطوى وتتصاغر أمام طموح القوافل وأحلامها. (شان شان) مدينة فريدة على هذا الطريق الصعب تقع جنوب إرومتشي ب 250 كم، وصلناها بالقطار السريع ب 60 دقيقة. 
المدينة على تخوم الصحراء، بل على شباكها الجنوبي. ولا يلزم إلا بضع دقائق كي تطأ رملها الذهبي وتفرد أنظارك في المدى. الحرارة 7 درجات مئوية تحت الصفر وقت الظهيرة. ووجه البحيرة الصغيرة المتجمدة في القرب يلمع مرتعشاً تحت ضربات شمس باردة. ويقول دليلنا ونحن ننصر بدفء ثيابنا: الحرارة هنا تلامس الخمسين درجة صيفا. إنها فرن.
 نمشي على رمال كالحرير متحاملين على أنفسنا ونحن نصد الزمهرير. نتأمل المدى البعيد، ونتساءل كيف كان يطوى. يلفتنا جمل ذو السنامين يبرك غير بعيد عن حافلتنا (نحن في ثقافتنا العربية نسميه الدهمج). بعضنا أشفق عليه، وعلى تاريخه المزنر بالعناء والمضمخ بالصبر. فهو كان يمخر عباب هذه الصحاري. ثم ضحكنا لقول زميلة من منغوليا وهي تتلمس سناميه الكبيرين: هذه الجمل ذكي جداً ومطور. أنه يركب محركا إضافيا على ظهره. 
 شنجيانغ مليئة بالصحاري. فغير بعيد عن (شان شان) ثمة صحراء شهيرة في بطون التاريخ ومتونه: هي صحراء (تكلامكان)، بمساحة تصل إلى أكثر من ثلث مليون متر مربع. البعض يرجح أن أسمها جاء من اللغة العربية بشيء من التحريف: (تركنا المكان). فيما يؤكد آخرون أن الكلمة بالتركية القديمة، وتعني الموت أو نقطة اللاعودة. ولربما هذا ينسجم مع تسميتنا الصحاري بالمفازات. أي من يعبرها فقد فاز.
 نتأمل القريمة القديمة؛ الناس لطفاء ثمة طيبة تلمحها في إبتساماتهم الدائمة التي ربما توارثوها عن أجدادهم حينما كانوا يبشون في وجه المسافرين المتجشين عناء الصحراء ويمرون بهم للتزود بالطعام والشراب والراحة.
 تقول سيدة بيت إستضافنا: خبزنا هذا يبقى شهراً على حاله. ونحن ما زلنا نخبز كما خبز أجدادنا من مئات السنوات. إنه لا يتلف أو يتعفن. ويصلح للصحراء.  وثمة احتراف أكثر أهمية يتقنه أهل القرية هو تجفيف الخضار والفاكهة. فقد أكلنا بندورة مجففة من سنتين وتلذذنا بعناب مقرمش وتين سخي.
الأهم أنهم يجففون اللحوم، كي تقوى بهم على الشتاء، أو أنهم ما زالوا يحتفظون بمهنة كانت تدر دخلا كبيراً عندما كانوا يبيعونها لقوافل طريق الحرير. 

http://www.addustour.com/articles/987626