تطريز على طريق الحرير (5)

رمزي الغزوي

في مدينة توربان (جنوب أورمتشي في مقاطعة شنجيانغ غرب الصين) وخلال جولة تلمسنا طريق الحرير أثارت فضولي غرف صغيرة تنتشر بكثرة بين البساتين، غرف من الطوب المخرّم اعتقدنا للوهلة الأولى أنها تخص تربية الدواجن أو الحمام، لكن مسيّر الرحلة طلب منا أن نتريث في الحكم، ونكبح جماح التساؤل. 
 هي مدينة العنب توربان، بأنواعه الموصوفة التي تسير مثل قصائد غزلية باذخة على كل لسان؛ لكن لا أثر لأية دالية عنب في أية مزرعة هنا، غريب عجيب. كيف إذن نالت لقبها وذاع صيتها بالقطوف الدانية التي تزن لأكثر من ثلاثة كيلوغرامات للواحد.
في سوق المدينة الشعبي أدهشني العنب المجفف، كان أخضر طرياً يحافظ على لون العنب الذي كأنه في أوج الصيف. وهو أقل حلاوة من العنب المجفف (الزبيب) الذي نعرفه، وأقل منه بذوراً أيضاً.   
من شباك الحافلة زادت دهشتنا بكثرة المعرشات الخشبية التي يستخدم فيها جذوع شجر الحور الكثيرة في هذه الأرض؛ ما زاد فضولي ولم أعد أحتمل الأمر، فطلبت من السائق أن يقف ونزلت جوار بستان لأدقق النظر عن كثب، فكانت المفاجأة الكبرى؛ فالدوالي مدفونة تحت التراب ولا يكاد يبين منه شيء، والتراب ما زال ناثراً متفتتا؛ ما يعطي فكرة أن الدفن قد تم من فترة قريبة.
الدوالي حكاية تربان. وحكاية قوافل كانت تجنح خصيصا لهذه المدينة للتزود بعنبها المجفف الفاخر ليعينها على قطع الصحاري وطيها.
الدوالي هنا قصة عناء وتعب وصبر؛ فالحرارة تصل صيفاً إلى تخوم الخمسين مئوية، وتتهاوى إلى العشرين تحت الصفر شتاء، ونحن نعلم أن سيدات العنب لا يقاومن مثل هذا البرد الشديد، فهن الرقيقات المهفهفات. 

W020170705536642882015
في تربان يقومون سنويا بعمل مضن نهاية كل الخريف عقب قطاف العنب، ينزلون الدوالي عن معرشاتها لتدفن في التراب طيلة الشتاء القاتل، وقبل الربيع يعيدونها إلى الحياة من جديد. ولولا هذه الحركة التكتيكية لم عاشت دالية ولجففها الزمهرير.
في المتحف المخصص شرحت لنا الدليلة أهمية الغرف المخرمة، وتكتيك أهل هذه المدينة لتجفيف العنب، حيث تتدلى من سقوفها مشاجب خشبية تعلق عليها القطوف الكبيرة. والثقوب في الغرف تسمح بدخول الهواء الساخن، دون الأشعة الحارقة، ولهذا يصبح العنب زبيباً طريا أخضر بعد عشرين يوماً في حضانتها. إنها طريقتهم العجيبة الذكية لدعم حرير الحياة.  ودائما الدالية تستحق العناء.

https://addustour.com/articles/988265