تاريخ وجغرافيا المغول وتركستان الدولة الجغتائية فى تركستان الشرقية (1251 – 1514م)(648 – 920هـ)

 المغول قبائل رعوية كثيرة التنقل والترحال نشأت فى سهوب منغوليا تلك المناطق المرتفعة والتى تشكل جزءا من هضبة آسيا الوسطى، يحدها شرقا جبال خنجان التى تفصلها عن منشوريا وفى غربها بحيرة البيكال العذبة وجنوبا صحراء جوبى وشمالا مرتفعات وسلسلة جبال يابلولوى، كما تتخللها العديد من الأنهار مثل: أونون، سلنغا وكيرولن الذى يعبر مواطن قبيلة قيات المغولية، وتتساقط الأمطار بكميات وافرة تكفى لنمو الأعشاب والمراعى الواسعة بتلك المناطق.

 فى عام 1155م ولد جنكيز خان واسمه الحقيقى تيموجين بن يسوكاى وكان أبوه زعيم قبيلة قيات ولما توفى  تولى ابنه تيموجين زعامة القبيلة وهو فى سن العاشرة وأظهر من مواهب القيادة ما مكنه من توحيد القبائل المغولية كالمركيت وغيرها من القبائل المجاورة لها ذات الأصل التركى وغيره من الأعراق كالكرايت والنيمان والأويرات  تحت زعامته، كما تمكن من ضم قبائل التتار - وكانت تعيش فى المنطقة ما بين بحيرة البيكال ونهر كيرولن ونهرى أورخون وسلنغا ومملكة القرغيز والأويغور -  تحت زعامته وكانت قبائل كثيرة العدد حتى أطلق بعض المؤرخين اسم التتار على ذلك التجمع الضخم من القبائل المغولية وغيرها والذى يقوده جنكيزخان.

 وقد تمكن تيموجين من إنجاز هدفه وتبوأ زعامة تلك القبائل ما بين عامى 1197،1206م ، كما وضع لها دستورا عاما لحكم رعاياه سمى (الياسا)، وأطلق على نفسه لقب جنكيزخان والذى يعنى إمبراطور العالم.

 سعى جنكيزخان للسيطرة على العالم وتمكن من السيطرة على الكثير من الممالك وبدأ بمملكة التانجوت والتى كانت تسيطر على مناطق واسعة فى شمال الصين والتبت، وقد حاربها منذ عام 1206م  حتى أعلن ملكها ولائه لجنكيزخان ودفع الجزية له عام 1209م، كما سيطر على بكين عام 1215م. وقد أسقط المغول  أسرة جين ( كين) عام 1234م، كما حارب المغول أسرة سونج الجنوبية وقضوا عليها عام 1288م فى عهد قوبيلاى خان وبذلك توحدت الصين تحت حكم المغول الذين بدأ نفوذهم يمتد إليها منذ العام 1206م، وتعرف أسرتهم فى التأريخ الصينى بأسرة يوان (1271/1368م).

 كما سيطر المغول على بلاد الأويغور فى كاشغر وحوض التاريم بعد أن هزموا كوجلك خان زعيم النايمان وحاكم تلك المناطق وقد انضم المسلمون الأويغور إلى جنكيز خان فى حربه ضد كوجلك خان الذى اضطهدهم اضطهادا كبيرا.

 بدأ المغول حملتهم على دول العالم الإسلامى عام 1219م/616هـ  ونجحوا فى تدمير الدولة الخوارزمية التى كانت تحكم بلاد ما وراء النهر وخراسان وغيرها وقتل السلطان الخوارزمى علاء الدين محمد خوارزم شاه وخلفه ابنه جلال الدين منكبرتى الذى حقق انتصارات هامة على جنكيز خان لكنه لم يفلح فى إعادة إحياء الدولة الخوارزمية التى انتهت عام 1231م/628هـ. ثم قضى المغول على الدولة العباسية وأسقطوا بغداد عام 1258م، واحتلوا بلاد الشام وواصلوا الزحف إلى مصر إلا أن الدولة المملوكية المسيطرة على مصر بقيادة سيف الدين قطز تمكنت من هزيمة المغول فى عين جالوت 2/9/ 1260م- 25 رمضان 658هـ وإيقاف زحفهم نحو الجناح الغربى من العالم الإسلامى.

 ويذكر أن المغول نجحوا فى احتلال روسيا 1223م وأوكرانيا والقرم وبولندا والتوغل فى أوروبا الشرقية والاستيلاء على بست عاصمة المجر بعد هزيمة الجيش المجرى فى موقعة سهل موهى 1241م واتجهوا للسيطرة على فيينا بيد أنهم توقفوا لوفاة الخان الأعظم أوكتاى خان. وقد بلغت مساحة إمبراطورية المغول نحو(33مليون كم2).

 وفيما يخص تركستان نذكر أن  جنكيز خان الذى توفى عام 1227م  كان قد قسم إمبراطوريته بين أبنائه قبل وفاته وقد أُعطى جغتاى بلاد الأويغور وماوراء النهر وكاشغر وبلخ وغزنة وبخارى، وكان نهر جيحون (أموداريا) الحد الفاصل بينها وبين دولة إليخانات إيران المغولية أيضا. وبذلك وقعت تركستان الشرقية فى خانية جغتاى( 1227 ـ 1242 م ) (624 ـ 640 هـ ) التى كانت تابعة للدولة الأم والخاقان  المغولى الأعظم في قرا قورم بمنغوليا، ولم تقم الدولة المغوليـة الجغتائية التى تحمل اسمه إلا على يد حفيده ( قرا هولاكو بن موتكن ) (1251 ـ 1260 م ) (648 ـ 659 هـ )، وكانت عاصمتها ألماليق بجوار غولجا الحالية في تركستان الشرقية.

  وقد تبوأ الأويغور مكانة عظيمة في دولة المغول نظرا لما كانوا يتمتعون به من كفاءة علمية وإدارية فكان الكتبة والحسابات والختم بيد الأويغور، ومن لغة الأويغور تشكلت اللغة الجغتائية؛ ويجدر بالذكر أن اللغة الأويغورية كانت اللغة السائدة في وسط آسيا وكانت اللغة الرسمية في الدولة القراخانية والقراخطائية حيث حلت محل اللغة الطاجيكية والفارسية التى كانت سائدة في عصر الدولة السامانية. والمؤكد أن تأثير الأويغور على المغول عظيما فاعتنق المغول الإسلام وتبنوا قيم الحضارة الإسلامية التركية حتى عرفوا بالمغول المتتركين، وقد أسلمـت أسرة جغتاى فى عام 1357 م  فى عهد " توقلوق تيمور " ( 1348 ـ 1362 م ) الذى كان يحكم فى القسم الشرقى من بلاد جغتاى  .

  دخل خانات الدولة الجغتائية في صراعات  مع خانات الدول المغولية الناجمة عن تقسيم إمبراطورية المغول مما تسبب في ضعفها، كما مزقتها الحروب الداخلية إلا أنها احتفظت بمكانتها بين دول أبناء جنكيز خان، كما أخرجت من سمرقند فاتحا عظيما ـ تيمورلنك ـ أخضع لسلطانه أملاك آل جوجي وآل هولاكو وأقام آخر مملكة قوية فى آسيا الوسطى على أنقاض خانيات المغول.

 ولم يستطع تيمورلنك بعـد تأسيسه لدولة التيموريين فى تركستان الغربية السيطرة على تركستان الشرقية وإسقاط خانية الجغتائيين إلا أنه استولى على أجزاء من الجنـوب واحتل كاشغر عام 782 هـ ـ 1380 م حتى توقفت الحرب وعقد صلح بينهما عام 1386 م .

 

 ضعفت الدولة الجغتائية بسبب الحروب الخارجية والصراعات بين الأمراء وتكونت بها إمارات داخلية متنازعة. تمكن يونس خان والذى كان حاكما على الولايات الشرقية فى شرق تركستان (1462 ـ 1487م) من القضـاء على النزاعات الداخليـة ورغبـة حكام المدن فى التصرف كولاة مستقلين وبسط سيطرته على شرق تركستان كله ، وتولى بعده ابنه محمود خان ( 1487 ـ 1514 م ) .   

بوفاة محمـود خان انهارت وحدة الدولة  فانتهت الدولة الجغتائية التى استمر حكمها فى تركستان الشرقية ما يقرب من ثلاثمائة سنة. 

 

د.عز الدين الورداني

باحث متخصص في شئون آسيا الوسطى