مسلمو الصين بين الحفاظ على الهوية الدينية والاندماج المجتمعي

 إنّ التعايش مع مختلف الأطياف البشرية هو من الأمور اللازمة لنهوض المجتمعات، ومن أبرز العوامل التي ساعدت على نشر الإسلام في العالم هو قدرة المسلمين على التعايش مع غيرهم من مُختلف القوميات والأعراق والأديان.
ويسعى مرصد الأزهر الشريف لمتابعة كافة أحوال المسلمين في المجتمعات الغربية، وسُبل اندماجهم فيها. وفي هذا الصدد تُلقي وحدة اللغة الصينية نظرة عامة على اندماج المسلمين وتعايشهم في الصين، والمشاكل التي تُواجههم في ممارسة شعائرهم.
بداية، وفيما يتعلّق بأعداد المسلمين في الصين، فإنّ الأعداد تختلف بين التقارير الحكومية والتي تُشير إلى أنّ أعدادهم تبلغ قُرابة 30 مليون مسلم، وهناك تقارير حقوقية نُشرت خارج الصين ذكرت أنّ عددهم يفوق 50 مليون مسلم، والمسلمون الصينيون ليسوا مهاجرين قُدامى أو وافدين جُدد إلى الصين -كما هو الحال في بعض المجتمعات الأخرى- إنما هم مواطنون صينيون أصليون في هذه الدولة.
والمُلاحظ في السنوات الأخيرة هو ظهور مشاكل وأزمات تُواجه المجتمع الإسلامي داخل الصين، حيثُ يسعى المسلم الصيني إلى الحفاظ على هويته الدينية، وفي نفس الوقت لا يُعارض الهوية الوطنية الصينية، والتي لا تزال تُثير القلق لدى السُلطات الصينية، وخاصة في غرب الصين التي تُثار فيها النزعات العِرقية والانفصالية، فمن بين 56 قومية تُكوّن طوائف الشعب الصيني، يوجد 10 قوميات تعتنق الدين الإسلامي، ويتمركز أغلبهم في غرب وشمال غرب الصين، وتحدث عِدة اضطرابات بين وقت وآخر؛ بسبب شعور المسلمين بالتمييز ضدهم.

ومن خلال متابعة الوِحدة لأحوال المسلمين، فإنّ أحد التحديات التي تُواجه مسلمي الصين هي (المنتجات الحلال)، حيث ظهر لدى السلطات الصينية اتجاه قوي لحظر الكثير من المنتجات الحلال في الأسواق، بالإضافة إلى التشديد على المطاعم الصينية، ففي 28 أبريل/ نيسان 2017 ترأس "لي جيان هوا" سكرتير الحزب الشيوعي بمنطقة "نينغشيا" ذاتية الحكم - والتي يتركز فيها أبناء قومية "الهوي" - اجتماع اللجنة الدائمة للحزب، وأشار أثناء الاجتماع أنه ظهر في الأسواق بعض المنتجات عليها علامة (حلال) مثل: الماء، والمناديل، ومعجون الأسنان، ومستحضرات التجميل؛ ولذلك يجب أن تأخذ الدولة موقفًا حازمًا لحماية الأمن الوطني، وذلك على حد تعبيره.

كذلك من بين الأزمات التي واجهها المسلمون في الصين، هو إصدار السلطات الصينية العام الماضي مرسومًا بحظر الأسماء ذات المدلول الديني مثل: إسلام وقرآن ومكة والمدينة المنورة وحج. وكانت عِدة منظمات دولية خاصة بحقوق الإنسان مثل منظمة "Human Rights Watch"، ووكالات أنباء قد نشرت تقارير حول رغبة السلطات الصينية في السيطرة والتحكم في الحياة الشخصية وعادات المسلمين الدينية مثل: رغبتها في تقييد صيام شهر رمضان، وارتداء الملابس الخاصة بالنساء مثل: النقاب والحجاب.
المخاوف الصينية
تشعر الحكومة الصينية بالقلق تجاه مسلمي الصين، وخاصة قومية "الأويغور" المسلمة، والتي كانت لديها دولة قديمة في إقليم شينجيانغ كانت تُسمى (تركستان الشرقية)، والتي لا تزال بعض المنظمات الأويغورية العاملة خارج الصين تُطالب باستقلال الإقليم، مما تُثير توجّس الصين تِجاه أبناء الإقليم المسلم، وخاصة بعد حدوث عِدة اضطرابات في الإقليم عام 2009.
هناك تقارير تُشير إلى أنّ السلطات الصينية تُحاول إدماج المسلمين من القوميات المختلفة ولاسيّما من قومية "الهان" داخل إقليم شينجيانغ، لكن في الواقع فإنّ محاولات الاندماج التي تفرضها السُلطات الصينية تهدُف إلى محو ثقافة أبناء الإقليم من المسلمين.
ومن أبرز هذه الإجراءات إجبار المسلمين على تعلّم اللغة الصينية وجعلها اللغة الأولى في مجال التعليم، وذلك بخلاف ما كان موجودًا منذ نشأة الدولة الصينية الحديثة عام 1949 حيث كان يُسمح لقومية الأويغور المسلمة باستخدام لغتها الخاصة وهي (اللغة الأويغورية) وكذلك نقل عدد كبير من أبناء قومية "الهان" إلى داخل إقليم "شينجيانغ" سعيا إلى التغيير الديموغرافي للمنطقة.
ومرصد الأزهر يدعم اندماج المسلمين في أوطانهم، وحق الحكومة الصينية في الحفاظ على الهويّة الوطنية لأبنائها، إلا أن ذلك لا يعني الحدَّ من الحُريات الدينية أو التضييق على المسلمين في ممارسة شعائرهم؛ لذا يجب أن يشعر المسلمون في أوطانهم بكامل حريتهم حتى يستطيعوا تحقيق مظاهر الاندماج على الوجه الأكمل، وهذا في الواقع هو السبيل إلى مكافحة أي نوع من التطرف أو النزعات الداخلية، والتي تكون محفزًا لنشاط الجماعات الإرهابية.

المصدر: http://www.azhar.eg