علي خان تُورَمْ ملهم ثورات الأويغور وزوايا التاريخ المعتمة

 

آخر خبرين وردا حول الأويغور، كانا على الشكل التالي: الصين تمنع مسلمي الأويغور من صيام شهر رمضان الماضي، فقد نقلت الإندبندنت البريطانية أن السلطات الصينية طلبت من المسلمين في شنيجانغ عدم الصيام، كما أمرت أصحاب المطاعم المسلمين بالاستمرار في فتح مطاعمهم لتقديم خدماتها النهارية خلال الشهر، وأوردت الصحيفة حديثاً للزعيم الأويغوري ديلشات راشت وصفه لأوامر السلطات الصينية بأنها محاولات للتحكم في معتقدات المسلمين، وحذر من أن هذه القيود ستجبر المسلمين على مقاومة الحكومة أكثر وأكثر.
الخبر الثاني، يقول إن داعش تستثمر الشعب الأويغوري، موظفة مشاعر الاضطهاد لديه، لسوق شبابه في حربها “المقدّسة” الجهادية، ضد العالم بأجمعه، أطراف مختلفة تتهم تركيا بتسهيل مرور الأويغور عبر أراضيها، الأمر الذي نفته الخارجية التركية على الفور، وتقول بكين “إن أبناء أقلية الأويغور الناطقة بالتركية مواطنون صينيون في المقام الأول وإن الأويغور الذين يهربون من الصين يجب أن يعادوا إلى موطنهم في الإقليم الواقع بأقصى غرب البلاد على الحدود مع آسيا الوسطى. وقال تونغ بيشان رئيس قسم البحث الجنائي في وزارة الأمن العام الصينية أمام مجموعة صغيرة من الصحفيين في العاصمة الصينية “السفارات التركية تعطيهم وثائق إثبات شخصية. من الواضح أنهم صينيون لكنهم سيعطونهم وثائق على أنهم أتراك”.
لكن المؤكد أنه قد تمّ رصد عودة أكثر من مئة من الآويغور من تايلاند إلى الصين مؤخراً، ويذكر أن المئات وربما الآلاف من الأويغور سافروا سراً إلى تركيا عبر جنوب شرق آسيا للفرار من الاضطرابات في شينجيانغ. ويعيش نحو 20 مليون مسلم في الصين ولا يمثل الأويغور سوى نسبة منهم.
وقال تونغ إن مئات الأويغور حصلوا على وثائق من دبلوماسيين أتراك خاصة في كوالالمبور ثم سمح لهم بالسفر إلى تركيا، وأضاف، “هناك تنافس عليهم. البعض يرسل إلى العراق وآخرون يرسلون إلى سوريا. الجماعات الإرهابية هناك بحاجة إلى أشخاص. تدفع الجماعات الإرهابية ألفي دولار على الأقل نظير كل شخص. فهذه هي طريقتهم للتجنيد بعد غسل أدمغتهم وينقلونهم إلى جبهة القتال. كي يستخدموا كوقود”.
ثورات متتالية
غالبا ما تكون ينابيع الإرهاب، مرتبطة بحركات تحرر مجهضة مرت بتاريخ طويل من المآسي وأعمال العنف والاضطهاد، التي تتحول مع الزمن إلى حراك فعلي لنيل الحقوق، لا سيما حق تقرير المصير وهو الحق الذي أحيانا يحصل عليه المطالبون به، وأحيانا أخرى تكون مجرد المطالبة به تعني مزيدا من أعمال العنف والقتل والحروب المتواصلة، وهي النتيجة التي يمكن لمسها في ما تسميه أقلية الأويغور “جمهورية تركستان الشرقية”، أو ما يعرف رسميا بإقليم “شينجيانغ” كما تسميه الحكومة الصينية، وما لتاريخ هذه المنطقة من حراك طويل يمتد إلى مئات السنين، ولا يزال مستمرا إلى اليوم، حاملا معه ملايين الضحايا من أقلية الأويغور المسلمة بين قتيل ومفقود ومعتقل.
مصير علي خان تُورَمْ تختلف الروايات التاريخية حوله، فبعد الاجتياح الصيني، أشارت معظم الروايات إلى أن فئة مما كان يسمى وقتها بالشبيبة الشيوعية كانت قد قامت باختطافه وتسليمه لروسيا التي وضعته تحت الإقامة الجبرية حتى تاريخ وفاته في العام 1979
ما يميز نضال أقلية الأويغور وتعني “التضامن” عن غيرهم من شعوب العالم الأخرى، هو امتداد الاضطهاد الشيوعي الصيني لهم ليصل إلى حد الحرمان من ممارسة التقاليد الثقافية كونهم يعودون إلى أصول تركية اختلطت مع العرق الصيني، ومنع ممارسة الشعائر الدينية الإسلامية على اعتبار أنها عرقية تدين غالبتها بالإسلام، وهي الممارسات التي لا تزال مستمرة منذ عقود لتزداد منتصف القرن الماضي خاصة بعد محاولة إعلان استقلال جمهورية تركستان في العام 1944، وتسلم الشيوعيين للحكم في الصين.
وأكثر ما يمكن أن نَصِف به تاريخ أقلية الأويغور مع الصينيين هو أنه تاريخ مصبوغ بلون الدم، نظرا لارتفاع عدد الضحايا وكمّ الدماء الهائل الذي أسيل على أرض الأويغور، منذ أن ضمتها الصين إلى أراضيها رسميا في العام 1881، وما تبع ذلك من ثورات آيغورية متتالية على القوات الصينية، كانت كرد فعلٍ منهم على اتّباع الصين سياسات تهجير قسرية للآيغور الذين يشكلون 90 بالمئة من سكان المنطقة ونحو “11.5 مليون نسمة في عموم الصين”، لتكون أولى نتائج ذلك التهجير انخفاض نسبة الأويغوريين في منطقتهم “تركستان الشرقية” إلى 70 في المئة.
علي خان تُورَمْ رجل الدولة
على الرغم من أن الثورات الأويغورية ضد الحكم الصيني بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، إلا أن حلم الأويغوريين في الاستقلال تحقق على يد شخص اسمه علي خان تُورَمْ أول رئيس لجمهورية تركستان والذي قاد ثورة في العام 1944 مكنته من تغيير تاريخ تركستان والشعب التركستاني، على اعتبار أن الثورة انتهت بقيام جمهورية تركستان الشرقية في 30 يناير 1945 وعاصمتها “إيلي”، والتي أقيمت على بعد سيطرة الثوار على ولايتي” تادبا غاتاي” و”التاي”.
عرف عن علي خان أنه كان رجل دولة وسياسة على اعتبار أنه مارس العمل السياسي منذ شبابه بانتمائه إلى العديد من المنظمات القومية، ما مكنه بعد ثورته وإعلان الاستقلال من بناء جيش قوامه 60 ألف مقاتل مدربين بشكل جيد، لا سيما وأن الكثير من أفراد ذلك الجيش مارسوا الكفاح المسلح ضد الصينيين قبل إعلان الجمهورية، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمه الروس آنذاك للثورة الأويغورية ودولتهم في تركستان، إلى جانب شروعه ببناء الدولة بكافة نواحيها حيث تشكلت لجنة خاصة بالتمهيد لإجراء انتخابات عامة كما تم تشكيل حكومة اتبعت سياسة صارمة في إعادة الصفة الوطنية لكل المؤسسات في تركستان، فأنشئت مطبعة وعدد من المدارس، كما صدرت مجلة شهرية باللغة التركية.
على الرغم من أن علي خان تُورَمْ كان رجل سياسة، إلا أن الصفة الغالبة عليه كانت التمسك والتشدد باستقلال دولته بشكل كامل ما دفعه إلى رفض وصاية الحلفاء الروس على تركستان، كما أن اندفاعه الكبير حيال مسألة الاستقلال التام جعلته يأمر جنرالات جيشه بالاستعداد للحرب مع الروس الذين دعموه سابقاً.
حلم خان تُورَمْ ومعه حلم الأويغور ينهار سريعا، بعد تغيير روسيا وجهتها وقرارها التحالف مع الصينيين لإسقاط الدولة الوليدة التي كانت مرفوضة بالنسبة إلى النظامين الشيوعيين في موسكو وبكين، ما قاد في النهاية إلى اقتحام القوات الصينية أقاليم الأويغور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية
إلا أن حلم خان تُورَمْ ومعه حلم الأويغور لم يدم طويلا، فعندما رفض الوصاية الروسية على دولته، وأمر جنرالات جيشه بالاستعداد للحرب مع روسيا التي اتجهت للتحالف مع الصينيين لإسقاط الدولة الوليدة التي كانت مرفوضة بالنسبة إلى الدولتين ذاتي النظامين الشيوعيين، ما قاد في النهاية إلى اقتحام القوات الصينية أقاليم الأويغور في العام 1949 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإجهاض أول دولة أسسها ذلك الشعب.
المصير المجهول
عرف علي خان الذي ولد في العام 1885 بنشأته الدينية، حيث كان يعتبر رجل دين كما كان حافظا للقرآن، بالإضافة إلى شكله الذي يوحي بتدينه كونه كان حليق الرأس طويل اللحية.
نشأته تلك، بالإضافة إلى نجاح الممارسات الصينية بطمس الكثير من معالم الأويغور الثقافية، دفعته للعمل على تأسيس دولة مستقلة، ما أثار أيضا نقمة السوفيات وقتها والذين لم يكن دعمهم إيمانا بقضية الأويغور وإنما رغبة بالانتقام من الصينيين.
لم يكن نشاط علي خان مقتصرا فقط على السياسة، وإنما كان مهتما بالكتابة الأدبية والتي طوعها لخدمة قضاياه كونه كان متمسكا جدا بهويته القومية، فصوّر معاناة شعبه في كتابه “مأساة تركستان” وهو كتاب ساهم إلى حد بعيد في عرض قضية الأويغوريين في ذلك الحين، بالإضافة إلى تناوله السيرة النبوية الشريفة في كتاب “التاريخ المحمدي”.
تختلف الروايات التاريخية حول مصير علي خان بعد الاجتياح الصيني، حيث أشارت معظم الروايات إلى أن فئة مما كان يسمى وقتها بالشبيبة الشيوعية قامت باختطافه وتسليمه لروسيا بأمر من أحمد جان قاسم الذي كان أحد أتباع علي خان، قبل أن يستميله الروس بعدما اعتنق المبادئ الشيوعية، لتضعه روسيا تحت الإقامة الجبرية حتى تاريخ وفاته في العام 1979.
أما الرواية الثانية، بالرغم من عدم انتشارها بشكل واسع، فقد أشارت إلى أن القوات الصينية قامت باعتقاله وإعدامه بعد استعادتها السيطرة على المنطقة.
مع دخول القوات الصينية إلى إقليم “شينجيانغ”، بدأت بتطبيق ممارسات وسياسات قمعية أكثر من ذي قبل طالت كل ما له علاقة بأقلية الأويغور، لا سيما وأن الشيوعية كانت قد تسلمت مقاليد الحكم في الصين، والتي ارتكبت العديد من المجازر بحق أبناء تلك الأقلية امتدت من العام 1949 وحتى 1970، وأدت إلى مقتل نحو ثلاثمئة وخمسين ألف شخص، واعتقال الملايين من الشبان الأويغوريين والذين لا يزال عدد كبير منهم مفقودا إلى الآن.
أعلنت الحكومة الصينية رسميا اعتبار الإسلام خارجا عن القانون ومنعت تدريسه وعاقبت كل من يعمل به، كما أغلقت أكثر من 28 ألف مسجد و18 ألف مدرسة دينية، ومنعت كافة مظاهر الدين الإسلامي بما فيها الفرائض من صوم وصلاة، وقراءة الكتب الدينية والقرآن، بالإضافة إلى إجبار الفتيات على الزواج من غير المسلمين وهو ما تحرّمه العقيدة الإسلامية وعدم ارتداء الملابس الإسلامية بما فيها الحجاب.
علي خان تُورَمْ يعد أول رئيس لجمهورية الأويغور فقد قاد ثورة في العام 1944 مكنته من تغيير تاريخ شعبه، ليعلن دولة عاصمتها مدينة “إيلي” التي أقيمت بعد سيطرة الثوار على ولايتي “تادبا غاتاي” و”التاي” 
بالرغم من تشديد الحكومة الصينية سياستها ضد الأويغوريين وانهيار تجربتهم الأولى في الاستقلال، إلا أن أفكار علي خان تُورَمْ ظلت حاضرة بين أبناء جلدته، حيث واصلوا حراكهم في سبيل الحصول على حق تقرير المصير، فقام شعب الأويغور بـ45 حركة تمرد ضد الشيوعيين في الفترة من عام 1949 إلى 1968، كان أشهرها في العام 1966 في مدينة كاشغر في شهر رمضان خلّفت وراءها نحو 75 ألف قتيل من الأويغور نتيجة المواجهات مع القوات الصينية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد شهد العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين استمرارا في حركات التمرد التي استلهمت أهدافها من تجربة علي خان تُورَمْ ومحاولات من سبقوه، كان بعض تلك الحركات مسلحاً وبعضها الآخر بقي سلميا، ففي العام 1990 قام شباب في مدينة بارين بجنوب الصين بثورة مسلحة لكنها انتهت بهزيمة مؤلمة لهم مخلفة مئات القتلى والجرحى.
وفي العام 1997 خرجت مظاهرات مطالبة بحرية ممارسة الشعائر الدينية مع بداية شهر رمضان في مدينة غولدجا (والتي تسمى باللغة الصينية يننيغ)، انتهت أيضا بوقوع عشرات القتلى ومئات الجرحى من المتظاهرين.
تواصلت الاحتجاجات الأويغورية على الرغم من ارتفاع عدد القتلى في الاحتجاجات السابقة ففي العام 1999 اعتقلت السلطات الصينية تسعة وعشرين ناشطاً آيغورياً بتهمة محاولة القيام بمظاهرة مناهضة لبكين، كما ظهرت في العام ذاته بوادر ثورة في مدينة أورومتشي على خلفية إطلاق شعارات تطالب بالاستقلال، وكانت نتيجتها اعتقال 150 شخصاً في عاصمة الإقليم أورومتشي.
جذور الإرهاب
مع مرور نحو ثلاثين عاما على وفاة خان تُورَمْ ، إلا أن أفكاره واتجاهاته القومية بقيت الملهم الأول لكافة الحركات الأويغورية، خاصة وأنها أفكار نبعت من مطالب الأويغوريين أنفسهم بالاستقلال والحصول على حق تقرير المصير، ما دفع الكثير من المؤرخين والمتابعين لشؤون الأويغور، إلى اعتباره أحد عرابي الثورات الأويغورية، وبالتحديد انتفاضة 2009 التي كانت فعليا أولى الأحداث التي ساهمت في تسليط الضوء عالميا على قضية تلك القومية، لينتشر اسم علي خان تُورَمْ كواحدٍ من أبرز رموز النضال الأويغوري.
كيف يجري تصنيع داعش؟ بكل ذلك القمع والاضطهاد وطمس الهوية، ثم بالاستثمار الخبيث لتحقيق مصالح استراتيجية، ليتحول شباب تلك الفئات المضطهدة في أنحاء العالم، إلى حطب يسعّر نار الإرهاب ويضرب في كل مكان.

المصدر:تركستان وب