الأزمة السورية والصراع الصيني الأمريكي

إميل أمين – الشرق الأوسط

11/10/2015

وسط الأزمة المحتدمة بين موسكو وواشنطن من جراء التدخل العسكري الروسي في سوريا، تبقى الصين شبه متوارية عن الأعين، وكأن الأمر لا يعنيها، بينما مصادر إخبارية أخرى تذهب إلى أن المشهد بخلاف ذلك جملة وتفصيلاً، وأنها قد تكون أقرب قلبًا وعقلاً إلى موسكو منها إلى واشنطن.

الذين قدر لهم متابعة كلمة الرئيس الصيني تشي جين بينغ من فوق منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد وقرت لديهم قناعة مطلقة أيضًا بأن الصين لا تفكر أبدًا في خوض غمار الحروب، وأنها تتطلع إلى بناء نمط جديد من العلاقات الدولية يتميز بالتعاون المستمر للجميع وخلق مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وعند بينغ كذلك أنه «لا بد أن تتبع الدول الكبرى مبادئ عدم النزاع وعدم المواجهة، والاحترام المتبادل والتعاون المثمر للجميع في التعامل مع علاقاتها».

ولعل ما يلفت النظر كذلك في العشاء الذي أقيم في البيت الأبيض على شرف الرئيس الصيني، حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما على بلورة استراتيجية ما للتعاون مع الصين عوضًا عن السعي وراء التيارات الأميركية المحافظة، التي ترى أن الصين ورئيسها لا يمكنهما عند نقطة فاصلة من الزمن أن يكونا شريكين استراتيجيين للولايات المتحدة.

على أن الأنباء التي تسربت من اللقاء لم تشر كثيرًا أو قليلاً إلى وجهتي النظر تجاه الأزمة السورية، وجل ما أعلن عنه هو فتح قنوات دبلوماسية وعسكرية، لتفادي حدوث نزاع مسلح بين بكين وواشنطن بسبب إشكالية جزر بحر الصين الجنوبي.

هل يعني ذلك أن الصين غائبة بالفعل أو ستغيب بالكلية عما قريب وبخاصة إذا احتدم وطيس المعركة العسكرية بين الروس والغرب بقيادة واشنطن شرق أوسطيًا؟

يجزم الصينيون بأن الديمقراطية الغربية ومحاولة فرضها على العالم فرضًا، السبب الرئيسي وراء أزمات الشرق الأوسط عامة، وما يجري في سوريا خاصة.

هل أتاك ما كتبه المعلق السياسي الصيني تيان نيلين الباحث في مركز دراسات العلاقات الدولية المدعوم من الحكومة في بكين عبر صحيفة «الشعب» اليومية، الناطق الإعلامي بلسان الحزب الشيوعي الصيني الحاكم؟

يقول نيلين: «إن الأزمة السورية هي صراع بين الحكومة والمعارضة على السطح، ولكن الوضع تعرض للتلاعب من قبل قوى خارجية منذ فترة طويلة».

للمرء أن يتفق أو يفترق مع صدقية كلام نيلين من عدمه، لكنه في جميع المآلات يكشف رؤية الصين، لحديث الراديكاليات المتصاعدة شرق أوسطيًا، بل قد يميط اللثام ولو من طرف خفي عن مخاوف حقيقية تنتاب الصينيين لجهة تلاعب أطراف غربية وفي مقدمتها واشنطن بالاستقرار السياسي للصين، وهو ما يمكن أن يدفعها لأن تضحى شريكًا قادمًا في الحرب الدائرة ضد «داعش» وأخواتها في الشرق الأوسط برمته.. ماذا عن ذلك؟

أمران يزعجان الصينيين أيما إزعاج؛ الأيغوريون الذين تشير مصادر استخباراتية إلى وجود أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل منهم في قرية قرب جسر الشغور، يمارسون دورًا مرسومًا اليوم في القتال ضد الأسد، وغدًا قد يكونون خنجرًا في خاصرة الصين، المستعدة لفعل أي شيء لوقف هذا التيار المهلك لصعودها القطبي، والعهدة هنا على وزير الدفاع الصيني الذي تحدث عام 2011 في «مؤتمر أمن آسيا IISS» والذي أشار إلى أن حديثًا عن الانفصال يعني تهديد أمن الصين، ما يجابه بالقوة المطلقة.

والأمر الثاني يتمثل في تنظيم خراسان، الكائن في المنطقة التي تضم أجزاء كثيرة من أفغانستان وباكستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وإيران، وتصاعد هذا التنظيم قد يقف ذات مرة قريبة زمنيًا سدًا أو جسرًا خطيرًا في مواجهة احتياجات الصين المستقبلية من الطاقة والموارد الأولية، وبخاصة في منطقة الخليج العربي، إذا اشتد عوده، وبلغ به العنف مبلغه على مذهب «داعش».

عودة إلى السؤال المؤجلة إجابته: هل للصين أن تتأخر عن الظهور في مثل هذا المشهد؟ يبدو أن بكين لديها ترتيب ما مع الروس يتصل بتصاعد الأحداث، ودلالة ذلك المناورات الروسية – الصينية المشتركة في الفترة الأخيرة، فوفقًا للأرقام التي جمعها «أتلانتك كاونسل»، فقد عقد الجيش الروسي ما لا يقل عن ست من المناورات العسكرية الكبرى التي تنطوي على ما بين 65 ألفًا و160 ألفًا من الأفراد بين بداية 2013 وحتى نهاية عام 2014، وفي الفترة نفسها كانت أكبر مناورات الناتو بالكاد قد تجاوزت 6 آلاف فرد.

حال وضع هذه الرؤى إلى جانب ما يتردد وما ذكرته تقارير أبرزها تقرير وكالة «شينخوا» الصينية من أن حاملة الطائرات الصينية «ليا ويننغ» مع القوة المرافقة لها، والتي تتضمن عددًا من سفن الصواريخ الموجهة قد رست في ميناء طرطوس، فإن المرء يحق له التساؤل: هل كان ثعلب السياسة الأميركي هنري كيسنجر على حق حينما تحدث في 2012 عن المواجهة الحتمية بين واشنطن من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى؟

حتى الساعة وبتعبير مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس لا تعد الصين حليفًا لأميركا وليست عدوًا أيضًا، وعليه فإنها أحد «الأصدقاء الأعداء» أي الأعدقاء، إن جاز التعبير، فهل تتصاعد الأزمة في سوريا لتجعل من بكين عدوًا مباشرًا ومكافئًا موضوعيًا لموسكو في مواجهة الغرب الحائر في حاضرات أيامنا؟