حين تضطهد الأقلية الأكثرية

 نظرة سريعة على التحولات الديمغرافية التي شهدها إقليم تركستان الشرقية "شينجيانغ" خلال العقود الستة الماضية كفيلة بكشف النقاب عن سياسة التمييز العنصري والتفرقة العرقية التي تمارسها السلطات الصينية في الإقليم لتذويب القومية الإيغورية.

فحتى عام 1949 كان الأويغور يمثلون 80% من سكان إقليم تركستان الشرقية الذي كان يضم إلى جانب قومية الأويغور قوميات متعددة مثل الطاجيك، والمغول، والأوزبك، والقرغيز، والتتار، ولم تكن في ذلك الوقت قومية الهان الصينية تمثل أكثر من6%.

لكن بعد نجاح الثورة الشيوعية وضم الإقليم مرة أخرى إلى جمهورية الصين الشعبية باسم جديد "إقليم شينجيانغ" مارست السلطات الصينية صنوفا مختلفة من القمع والاضطهاد ضد أبناء قومية الإيغور، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف منهم إلى الدول والمناطق المجاورة.

وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام الحكومة الصينية لحث الصينيين من قومية الهان على الهجرة إلى الإقليم تحت شعار الانفتاح والتعايش السلمي بين القوميات، ولم تكن هذه الشعارات سوى غطاء لسياسات عنصرية أدت بشكل تدريجي إلى زيادة في نسبة السكان من قومية الهان الصينية الذين أصبحوا يمثلون اليوم قرابة 42% من سكان الإقليم.

ولم تكتف الحكومة الصينية باتباع سياسة التهجير والإحلال في الإقليم بل عملت أيضا على طمس المعالم الدينية والثقافية، وتهميش كافة مظاهر الحياة الإسلامية بحجة مخالفة القوانين والأعراف الصينية.

وقامت خلال العقدين الماضيين بإغلاق أكثر من ستة آلاف مسجد، وتسريح عشرات الآلاف من الأئمة الأويغور، وحظر استخدام الحروف العربية في الخطابات الرسمية، وإخضاع المؤسسات التعليمية للمناهج الصينية دون أدنى اعتبار لخصوصية الإقليم الدينية والعرقية.

ولم تقف سياساتها العنصرية عند هذا الحد، ففي 28يونيو/حزيران 2014 نشرت الإدارة المحلية لإقليم شينجيانغ بيانا على موقعها الإلكتروني حذرت فيه المسلمين الذين يعملون في المؤسسات والدوائر الحكومية من الصوم أو القيام بواجبات دينية مرهقة خلال شهر رمضان، كما طالبت أيضا الطلاب والمدرسين بعدم الصوم، والامتثال إلى القوانين المعمول بها داخل الإقليم.

تبع ذلك قرار أصدرته السلطة المحلية في مدينة قاراماي الواقعة شمال غرب شينجيانغ يقضي بمنع النساء المحجبات والرجال الملتحين وكل من يرتدي ملابس تحمل رمز الهلال والنجمة من ركوب الحافلات بحجة تعزيز الأمن والسلم في المدينة على اعتبار أنه رمز إسلامي يحرض على العنف، كما تدعي السلطات الصينية أن جماعات إسلامية متشددة تستخدمه شعارا لحملاتها الانفصالية وأعمالها العدوانية.

كما شرعت السلطات القضائية في العاصمة الإدارية أورومتشي في 11ديسمبر/كانون الأول 2014 قانونا يقضي بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة على اعتبار أن النقاب الذي يغطي كامل الوجه لا يعد من الملابس التقليدية للنساء الإيغوريات.

وحذرت السلطات الأمنية عقب صدور القرار كافة شركات الملابس في المدينة وكذلك الخياطين من تصنيع ملابس المحجبات، وأجبرت الشركات المنتجة لمثل هذه الملابس على التوقيع على وثيقة مكونة من عشرة بنود قانونية تضبط آلية تنفيذ القرار.

هذه القرارات المجحفة بحق أبناء قومية الإيغور تؤكد أن الصين ماضية في سياستها نحو فرض المزيد من السيطرة والهيمنة على إقليم تركستان الشرقية دون الالتفات إلى الدعوات والأصوات الدولية الحقوقية المطالبة بوقف العنف العرقي الذي تتعرض له الأقليات المسلمة في الصين.

هذه السياسات لا تطال أقليات مسلمة أخرى تقيم في مقاطعات وأقاليم صينية مثل قومية "هوي" التي تقيم في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم، وهو ما يؤكد أن الأزمة في إقليم شينجيانغ لا تكمن في ديانة قومية الأويغور بقدر ما تكمن في رغبة السلطات الصينية في السيطرة على الإقليم لما يمثله من أهمية إستراتيجية، نظرا لتقاطع حدوده مع خمس دول آسيوية، إلى جانب كونه مركز اتصال بالبر الأوروبي، فضلا عن تمتعه بثروات طبيعية هائلة، أهمها الفحم والغاز الطبيعي والنفط الذي يسد حوالي 80% من الاحتياج الصيني، ولا يمكن أيضا إغفال مساحة الإقليم الشاسعة التي تمثل خمس مساحة الصين والتي طالما كانت تشكل هاجسا أمنيا بالنسبة للسلطات الصينية لتقاطع حدودها مع خمس دول مسلمة كانت على صلة بالحركات الانفصالية في الإقليم.

ملف العدد

مجلة الجزيرة أكتوبر2015

الكاتب: علي أبو مريحيل

أورومتشي