المقامات الأويغورية ال12.. (لشعب الأويغور في تركستان الشرقية) لكل مقام مقال

  "ياحبيبتي يداي مقرونتان بالأصفاد، فإن لم أر وجهك سأموت.. القاتل يحاول انتزاع حياتي، ياحبيبتي إن لم أر وجهك سأموت .. ياعيني، وجنتاك جميلتان كالزنبق، وفمك الصغير مثل الكرز، وقعت في حبك منذ أن رأيتك.. ياحبيبتي إن لم أر وجهك سأموت".

تبدو هذه الكلمات المغناة وكأنها وصف لمزيج من حالة عشق وعذاب، يختلط الأمر على قارئها حتما وعلى سامعها أحيانا، وذلك بحسب المقام الموسيقي الذي تؤدى عليه، فغناؤها على مقام الصبا مثلا سيشعرك بنهاية حزينة للقصة، في حين سيعطيك مقام الكرد قليلا من الأمل والحماس الذي ينتهي بالحرية وانتصار الحب. أما مقام البيات فسيدخلك عالم العشق حتى تجد نفسك أحد أشخاص الأغنية.

تلك الكلمات المغناة تعود للشاعر الأويغوري يوسف عاج وهي بعنوان "غريب وسنام" (أسطورة الحب)، وتمثل جزءا من قصيدة حب تشار في التركيبة الموسيقية للمقامات الأويغورية الاثنتي عشرة التي تشتهر بها قومية الأويغور في إقليم شنجيانغ ذاتي الحكم، وفي مدينة كاشغر على وجه الخصوص، حيث تشارك في هذه المقامات قطع الأغاني السريعة بإيقاعات مختلفة وتسمى "المشرب"، وتكون من الشعر الشعبي في قصص الحب الشهيرة، ويرافق هذا القسم من المقام أداء راقص.

يمتاز فن المقام الأويغوري بشموليته الموسيقية من خلال تنوع المحتوى وأساليب الرقص، وتدل كلمة مقام في اللغة الأويغورية على عدة معان منها "مجموعة موسيقية كبيرة" و"مجموعة قواعد" و"مجموعة ألحان"، لكنها في الأصل لفظة عربية مدلولها الاصطلاحي هو أسلوب من أساليب الأدب العربي يتضمن قصة مسجوعة، ثم تحولت إلى اصطلاح موسيقي يمثل 12سلما أساسيا من الموسيقى العربية الإسلامية، ثم شهدت تطورا متكررا خلال فترات تاريخية طويلة، فظهرت لدى الشعوب الإسلامية مقامات متباينة الأنماط.

والمقامات الأويغورية تمثل مجموعات تقليدية من الألحان التي تجمع بين "لحن الغناء"، و"لحن الرقص"، و"لحن الجواب" وهو لحن سريع يأتي غالبا في ختام اللحن الغنائي (الرقة والعشاق والعذال). وتعتبر المقامات الاثنتي عشرة أروع أعمال المقام الأويغوري بألحانها الرائعة وقصائدها الجميلة ورقصاتها المبهرة، ويمكن وصفها بالروائع الفنية النادرة وبالرمز الحقيقي لقومية الأويغور.

وللكشف عن الحد الذي تتشابه فيه المقامات الأويغورية مع المقامات العربية والتركية والفارسية، وعن الجذور الحقيقية لتلك المقامات، التقينا بالفنان والخبير الموسيقي الأويغوري خالق عبد القادر الذي وضح لنا أنه بعد دراسة المقامات الأويغورية ستجد أنه توجد ستة أنماط مختلفة للمقامات، وهي كاشغر، إيلي، خوتان، دولان، توربان، قومول. وبين تلك الأنماط هناك نقاط تشابه واختلاف طفيفة، بينما يعتبر الفرق ملحوظا بالمقارنة بينها وبين المقامات العربية والتركية والفارسية، وهذا دليل على التبادل والتأثير بين حضارات الشعوب، وعلى التطور الذي لحق بالفن الأويغوري على مدى التاريخ الطويل.

يضيف عبد القادر أن وجهات النظر مختلفة في هذا الأمر، حيث يقول الكاتب الأذربيجاني ميرزا يبلاينوف إن المقامات الأويغورية هي أم مقامات القوميات ومقامات الدول الأخرى في آسيا"، بينما يرى الكاتب الصيني جو تشينغ باو في كتابه "الثقافات الموسيقية في طريق الحرير" أن "المقامات نتاج الثقافات الإسلامية التركية".

ومن جهته يرى ويد الخبير الأميركي في دراسة الموسيقى الإسلامية أنه "عندما نحلل المقامات من حيث النوع والهيكل واللحن والسلم الموسيقي والفاصل والإيقاع، نجد أن هناك فروقات ملحوظة بين كل المقامات تميز المناطق والقوميات المختلفة"، وبالتالي فإن فهم وتوضيح الفروق والاختلافات بين مقامات المناطق المختلفة يحتاج إلى تبني نظرية جديدة ليتمكن العامة من معرفة أسرار المقامات.

يتكون كل مقام من المقامات الاثنتي عشرة من ثلاثة أجزاء هي الألحان وإيقاع الآلات، والقصائد الروائية، والرقصات، وبواقع عشرين إلى ثلاثين أغنية وقطعة موسيقية يستغرق عرضها الكامل حوالي ساعتين، بينما يستغرق عرض جميع المقامات أكثر من عشرين ساعة متواصلة، وتعرف باسم "أم الموسيقى الأويغورية" وتلقب "بلؤلؤة الموسيقى الشرقية".

 

ورغم الارتباط الاسمي بين تلك المقامات وقومية الأويغور، فإنه لا يعتبر فنا حصريا لأبناء تلك القومية، إذ توجد أشكال متنوعة من هذه المقامات في مختلف مناطق شنجيانغ (تركستان الشرقية)، علاوة على أنها تنتشر في 19دولة ومنطقة في آسيا الوسطى وشمال أفريقيا. لكن الفضل في شهرة المقامات الأويغورية يعود إلى موقع شنجيانغ الجغرافي على طريق الحرير القديم، وفي هذا الاتجاه يمكن فهم التقارب بين فن المقامات الأويغورية والأداء الموسيقي والاسمي للمقامات العربية والموشحات الأندلسية، حيث ساهم طريق الحرير في تطوير ذلك الفن بالاستفادة من التبادل الثقافي بين الشرق والغرب، ليكون بذلك شاهدا تاريخيا على حوار الثقافات الصينية والهندية والعربية الإسلامية واليونانية.

وفي التاريخ الأويغوري الشفوي يذكر أن فن المقامات الأويغورية بشكله العام يدين لامرأة أويغورية تدعى "آمان نسا مولعة بالموسيقى والشعر، وما إن تزوجت من أحد الملوك بمنطقة شنجيانغ عام 1547، حتى دعت إليها عددا كبيرا من فناني المقام آنذاك، وعملت معهم على جمع روائع هذا الفن وتنظيمها وتوحيدها، وأخذ هذا الفن يتطور بحكم التجارب والتبادلات إلى أن تبلور بالشكل الحالي للمقامات الأويغورية الاثنتي عشرة.

في شنجيانغ أو كما يحلو للبعض تسميته "موطن الغناء والرقص"، يتسم أبناء كل قومية من القوميات في المنطقة بمهارة الغناء والرقص، بحيث تعكس أغانيهم ورقصاتهم التي تتضمن الشعر والأمثال والسرد الشعبي والحب والتأمل في الحياة؛ التاريخ العريق والحياة المعاصرة للمجتمع الذي يحتاج إلى هذه النافذة الثقافية للتحليق عاليا من وإلى جبال الأويغور البعيدة التي وصلها الإسلام بالكلمة الطيبة والدعوة الحسنة لا بالسيف والقتل. ولأن المقام يستخدم للتعبير عن حالة مزاجية معينة، ولأن لكل مقام مقالا، فما عليك إلا أن تعد مقالك ليكون متناغما مع المقامات الأويغورية الاثنتي عشرة قبيل وصولك إلى أرض شنجيانغ (تركستان الشرقية).

ملف العدد – مجلة الجزيرة أكتوبر2015

الكاتب: رافع أبو رحمة

أورومتشي