لماذا لا تتدخل الصين عسكريًا في الشرق الأوسط؟

 

تثير الصين استغراب دول العالم؛ من عدم تدخلها عسكريًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، في الوقت الذي تشارك فيه عشرات البلدان العربية والغربية والآسيوية، في مهمة قتال التنظيم المُسلح، الذي يصنف كخطر يهدد النظام العالمي.

ينبع هذا الاستغراب من موقع جمهورية الصين الشعبية، المعتبرة، في المنظومة العالمية، كقوة اقتصادية وعسكرية عظمى، غير أن دورها في التعاطي مع أزمات منطقة الشرق الأوسط عمومًا، يتسم بالتحفظ، حتى في أمر يلقى إجماعًا دوليًا كمشكلة «تنظيم الدولة» في الشرق الأوسط. فلماذا إذًا لا تهتم الصين بمكافحة التنظيم؟

للإجابة عن السؤال، يجدر بنا أولًا، التعرف على سياق هذا التوجه المتحفظ في سياستها العامة، تجاه الشرق الأوسط عمومًا.

كيف تتعاطى السياسة الصينية مع الشرق الأوسط؟

لطالما تبعت الصين سياسة النأي بالنفس تجاه أزمات الشرق الأوسط، وإذا ما اضطرت إلى توضيح مواقفها حول بعض قضايا المنطقة، فعادة ما تمسك العصا من المنتصف.

كانت دومًا التدخلات السياسية للصين بمنطقة الشرق الأوسط، مقتصرة على الاعتراف الدبلوماسي، ولم ترق بأي حال إلى درجة الفاعلية نحو «حماية المصالح»، كالشأن مع أمريكا وبعض الدول الغربية. وظلت الدبلوماسية الصينية تتجنب أي اصطفاف سياسي في ما يخص قضايا الشرق الأوسط، متخذةً في كل أزمة شعارها المألوف «مشاكل الشرق الأوسط يجب أن تُحل عن طريق شعوب المنطقة، بعيدًا عن أية تدخلات خارجية».

وعلى الرغم من أن اتباع الصين سياسة الحياد تجاه قضايا الشرق الأوسط، جلب لها بعض الاحترام وحماها من التورط في دوامة فوضى المنطقة، إلا أن العديد من المراقبين اعتبروا أن ذلك قد يُمثّل ضعفًا لسياسة الخارجية الصينية أمام منافسيها التقليديين، وتفريطًا في دورها المستحق، كلاعب أساسي على الساحة الدولية.

 

لكن مع اندلاع الثورات العربية في عام 2011، كان لزامًا على الصين مواجهة الوضع عن كثب، وتوضيح موقفها من التحولات السياسية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تماشيًا مع الرؤية الاحترازية، اعتبرت الصين الثورات التي ضربت البلدان العربية اضطرابات سياسية، ينبغي حلها بالحوار والمفاوضات، رافضةً التدخلات الخارجية بالمنطقة. بيد أنه سرعان ما تبين لها أن سياستها، تحتاج إلى مزيد من التكيف مع الوضع الجيوسياسي الجديد، لتصبح أكثر فاعلية في المشهد الدولي. الأمر الذي جعلها تتبنى في السنتين الأخيرتين خطًا أكثر قربًا تجاه قضايا الشرق الأوسط، وإن كان لايزال يحتفظ بسمته الحيادية والمتجنبة.

لكن لماذا لم تتدخل الصين عسكريًا ضد «تنظيم الدولة»؟

وافقت الصين على قرارات مجلس الأمن المُدينة لأعمال «تنظيم الدولة»، ولم تبد معارضة لرؤية واشنطن، والإجماع الدولي ككل، في محاربة التنظيم، إلا أنها أيضًا لم تقدم أي مساهمة عسكرية تذكر في جهود الحرب هذه، خلافًا لأغلب دول العالم الفاعلة على الساحة الدولية.

ربما يدخل تجنب الصين الانخراط في الحملة العسكرية ضد «تنظيم الدولة» في إطار رؤيتها السياسية تجاه الشرق الأوسط ككل، القائمة على النأي بالنفس والحفاظ على صداقة كل الشركاء في المنطقة. لكن لا يبد ذلك مقنعًا؛ إذ إن مشاركتها في الحرب ضد «تنظيم الدولة» لن تكلفها أية خسارة سياسية، باعتبار أن محاربة «تنظيم الدولة» هو أمر يحظى بإجماع دولي.

إذًا ما الذي يمنع الصين من الانخراط العسكري في جهود محاربة «تنظيم الدولة»، بالرغم من كل الدعوات الإقليمية والدولية المقدمة لها للمشاركة، خاصة بعدما أعلن التنظيم في 19 أيلول (سبتمبر)2015عن إعدام الرهينة الصيني، «فان جينغ هوي»، في سوريا، ثم مقتل ثلاثة من مواطنيها في فندق «راديسون»، بالعاصمة المالية «باماكو»، خلال نفس الشهر؟

بالنسبة للباحث الدولي الصيني وانج زهين، فإنّه يرجع ذلك إلى عاملين أساسيين يتمثل الأول في ارتباط العقيدة العسكرية للجيش الشعبي الصيني بالحدود، وبالتالي فليس لديه خبرة سابقة في الحرب خارج حدود الصين، أما الثاني فيتجلى في البعد الجغرافي لساحة المعركة؛ إذ لا تملك الصين قواعد عسكرية في الشرق الأوسط يمكن الانطلاق منها؛ لشن هجمات عسكرية ضد عناصر «الدولة الإسلامية».

بينما اعتبرت «لوفيكاجو» الفرنسية، تردد القيادة الصينية عن التدخل العسكري في سوريا، راجع إلى حذر الصين من النتائج العكسية للتدخل، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تداعيات سلبية على استقرار منطقة «شينجيانغ»، ذات الأغلبية المسلمة، البالغ عددها 13 مليون، والتي يمكن أن تكون محطة تجنيد من قبل «تنظيم الدولة»، إذا ما واجه هجمات عسكرية صينية.

كما أن الصين لا ترغب في تدخل عسكري يصب في نهاية الأمر في مصالح خصومها التقليديين (أمريكا والغرب)، ومن ثمة فتجنبها الانخراط في حرب ضد «تنظيم الدولة»، هو حفاظ على توازن المصالح بين الدول العظمى، ولاسيما أنها لا تواجه أي تهديد من قبل التنظيم الجهادي.

وإذا كانت الصين تنأى بنفسها عن التورط في أي عمل عسكري بالشرق الأوسط، فإن هذا لا يعني أنها غير معنية بالمنطقة، بل إنها تسعى إلى بدائل جديدة للتدخل.

كيف تتدخل الصين في الشرق الأوسط بدون آلة عسكرية؟

أخذ اهتمام الدبلوماسية الصينية بمنطقة الشرق الأوسط يتزايد، منذ انطلاقة الثورات العربية. وكانت زيارة الرئيس الصيني لمصر والسعودية وإيران، خلال يناير(كانون الثاني) من العام الجاري، دليلًا على محاولة الصين منافسة نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، من خلال تقوية علاقاتها السياسية مع بلدان الشرق الأوسط.

تعول الصين في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، على إرثها الحيادي تجاه أزمات المنطقة. على سبيل المثال موقفها المعتدل تجاه القضية الفلسطينية، المتمثل في دعمها حل الدولتين وفق حدود 1967، ورساميلها الاقتصادية الهائلة، بالإضافة إلى حرصها على الالتزام بسياسة ودية تجاه كل بلدان المنطقة، قوامها خمسة مبادئ أساسية، كما ذكر بيانها الحكومي: «الاحترام المتبادل لسيادة الدول، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، والحفاظ على المصالح المشتركة، والتعايش السلمي».

ترغب الصين بالانتقال من الركود والسياسة السلبية، إلى الفاعلية في المشهد الشرق أوسطي. لكنها في نفس الوقت تعي جيدًا افتقارها إلى الخبرة التاريخية، للتعامل مع هذه المنطقة الجغرافية، التي تحفل بالتناقضات الطائفية والسياسية، والمحفوفة بالمخاطر، كساحة للتنافس الدولي. ومن ثم فإن الصين تظل أكثر اهتمامًا بالاقتصاد والإعلام، كطريق محبذ أكثر من السياسة، لدخول هذه المنطقة الخطرة.

وبالرغم من السياسة الانعزالية للصين، عن قضايا الشرق الأوسط، فإن هذا الأمر لا ينطبق على الاقتصاد؛ إذ تربطها مصالح اقتصادية متبادلة مع المنطقة، ولا سيما أنها واحدة من أكثر بلدان العالم تعطشًا للنفط، مثلما تمثل مجتمعات الشرق الأوسط سوقًا استهلاكية مواتية لطوفان المواد الصينية الرخيصة.

 

وقد تضاعف حجم التبادل التجاري بين بكين ودول الشرق الأوسط، بأكثر من عشر مرات خلال العقد الأخير، إذ انتقلالرقم من 20 مليار دولار في 2003، إلى ما يزيد عن 200 مليار دولار في 2015، ويرتقب أن يصل الرقم إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2020.

وفي سياق تعزيز الصين سياستها الاقتصادية، أعلنت الصين قبل شهرين تقديم قروض واستثمارات لدول الجامعة العربية، تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 55 مليار دولار. ووقعت بكين، مع بداية العام الجاري، 21 اتفاقية مع مصر، تهم مشاريع استثمارية في مجال الكهرباء والبنى التحتية، بقيمة 15 مليار دولار.

ولا تغفل الصين توظيف الأدوات الناعمة في سياستها نحو الشرق الأوسط، فكما لوحظ في السنوات الأخيرة، غدت بكين توسع نشاطاتها الإعلامية الموجهة، للمنطقة من خلال وكالة «شينخوا». وتدعم الشراكات الثقافية مع منظمات المنطقة المدنية والرسمية. كل ذلك من أجل تعزيز التواجد الصيني الناعم بالشرق الأوسط.

http://www.sasapost.com/why_china_does_not_interfere_in_the_middle_east/