نظرة في سياسة الصين نحو تركستان الشرقية

 

        لقد أعترف الصينيون أن شعب تركستان مختلف عنهم حيث ورد في كتاب تاريخ أسرة هان المتأخرة )   Hou Han Shu  ) : إن هؤلاء الغربيين  Hu   Xi يعيشون بعيدين في النطاق الخارجي ، وإن منتوجات بلادهم جميلة وثمينة ، ولكن صفاتهم جافة وخشنة ، ولا يتبعون عادات الصين ، وإن الصينيين لديهم كتب دينية ، و لكن هؤلاء الغربيين  لا يسلكون طريق الآلهة ، وأنهم جهلاء ومعاندون (107) ، ولم يكن  سكان تركستان القدماء ينتسبون إلى الصينيين كما أثبتتها الاستكشافات الأثرية Mummies of Urumqi    (108)، وعلاقة الصين مع شعوب تركستان قديمة و موضوع طويل،  وهناك باحثون متخصصون لهم دراسات وأبحاث واسعة يمكن أن يرجع إليها من أراد المعرفة والدراسة ، والذي يهم في هذا البحث هو كيف احتلت الصين تركستان وكيف كانت تحكمها وتعامل سكانها المسلمون .

وإذا تم بحث تعامل الصين بقضية تركستان الشرقية منذ أن تأسست جمهورية الصين في عام 1911 يمكن تقسيمه إلى النقاط التالية :

أولا- مع أن الإمبراطورية المانشورية ( جينغ ) حكمت الصين أكثر من أربعمائة سنة ، وأكثر ما تعيش عليها الصين في الوقت الحاضر من توسع وامتداد يعود إليها ،وازدهرت الحضارة الصينية  في عهدها بعد أن تشرب المانشور بالثقافة الصينية مضحين بهويتهم القومية الخاصة بهم، ولكن الصينيين اعتبروهم شعبا أجنبيا يحكمهم ، و يجب التخلص من ربقهم  وقد  أكتشف مؤسس جمهورية الصين صن يات سن ما قد يمثله ذلك على الصين في المستقبل ، حيث أقر أن الشعب الصين يتكون من خمسة  أجناس ، وهم الصينيون ، المانشور ، المغول ، الأويغور ، والتبتيون ، ومع أنه دعا إلى صهرهم في شعب الصين الواحد ، لكن هذا كان اعترافا بوجود هذه الشعوب الأجنبية التي لها بلاد خاصة بها ذكرت أنها على حدود الصين ، وفي مؤتمر الحزب الوطني الأول في عام 1924 اعترف الكومنتانغ بحق هذه الشعوب بحق تقرير المصير ، ثم تراجع عن ذلك فيما بعد ، مؤكدا على أنها تكون شعب الصين Zhonghua Minzu , و لكن الجنرال شيانغ كاي شيك عاد إلى فكرة تكوين اتحاد فيدرالي يضم الصين مع شعوب مقاطعات الحدود: منشوريا و منغوليا والتبت وتركستان لأن ذلك يتفق مع المبادئ الثلاثة التي صاغها المؤسس الرئيس صن يات سن وتدعو إلى التعامل مع القوميات على قدم المساواة في الصين ، وكان الجنرال شيانغ كاي شيك يرى أن منح الثقة لشعوب الحدود والاعتراف بحقها يحفظ ولاؤها للصين ، و يمكن أن يتحقق ذلك بمنح المقاطعات حكم ذاتي ضمن الاتحاد الفيدرالي بدون تدخل من الحكم المركزي ( fangren zizhi ) .(109)

     ورئيس جمهورية الصين يوان شيكاي Yuan Shikai في مرسومه المؤرخ في 22 إبريل 1912يؤكد أن بلاد المغول والتبت و بلاد الأويغور Huijiang تتساوى مع المقاطعات الداخلية في الحقوق على قدم المساواة .

The reason is that Mongolian , Tibetan and Huijiang are placed on equal footing with interior provinces.

       و تحقيقا لهذا الاعتراف ، أعتبر الجمهوريون الصينيون الأوائل الشعوب التي تقع على حدود الصين وهي منغوليا ومنشوريا والتبت وتركستان شعوبا غير صينية، وأكد عليه علم جمهورية الصين فيما بين 1912-1928 الذي تكون من خمسة ألوان ، إشارة إلى الشعوب التي تتكون منها جمهورية الصين  وهذه الأعراق الخمسة التي يشير إليها العلم هي : اللون الأحمر: الصينيون Han ، الأصفر : المانشور ، الأزرق : المغول ، الأسود : التبتيون ، الأبيض : الأويغور  Hui   , ذلك لأن مصطلح خوي  كان يطلق حينذاك على تركستان الصينية ( الشرقية ) التي كانت تسمى بلاد الخوي  Hui  chiang

       و إذا كانت جمهورية الصين رأت أن معالجة قضايا الشعوب التي تحتلها يمكن أن تكون بتكوين اتحاد فيدرالي ، فقد دعا إليه يانغ زينغ شين والي تركستان الصيني إبان تأسيس جمهورية الصين حيث كتب يقول : بالاتحاد الفيدرالي الجمهوري وحده يمكن معالجة خصومة الأعراق بالتدريج ، ومن المهم جدا قبل كل شئ أن نحقق الإصلاح السياسي والإداري ، و لا يجب أن يكون أرض المسلمين هدفا للاستغلال ، و يجب أن يتم حكمه بطريق غير مباشر بمنحه حكما ذاتيا عاليا ، و إلا سيكون من الصعب الابتعاد عن اندلاع المشاكل الداخلية (110) .

      و يتضح مما سبق أن الصين كانت تعترف بشعوب البلدان التي تحتلها على الحدود على أنها شعوب أجنبية عنها ، و أن لها بلدانا خاصة بها ، و أن الطريقة المثلى لمعالجة مطالبها هو الاعتراف بها و ببلدانها وضمها إلى الصين على شكل اتحاد فيدرالي ، وهذا لا يعني أنها لم تكن تسعى من خلال أجهزتها إلى دمج و صهر هذه الشعوب في بوتقتها الواحدة بدعاوي شتى ، ولكن إصرار أهلها على رفض الاحتلال الأجنبي و الاهتمام الدولي بهذه البلدان علاوة على تداخلات الحرب العالمية الثانية لم يمكنها من تنفيذ ذلك .

      ولم يكن الحزب الشيوعي الصيني في بداية نشاطه بعيدا عن تبني نظرية الجمهوريين الصينيين نحو الشعوب المحتلة ، بل حاول أن يكسب تعاطفهم مع ثورته ضد ما أسماه الرأسمالية والإمبرالية والبرجوازية منتهجا سياسة الشيوعيين السوفيت في روسيا،  و الحزب الشيوعي الصيني في فترة تكوينه فيما بين 1925-1935 قرر أن تكون في منغوليا والتبت وشينجيانغ حكومات ذاتية الحكم تتحد طواعية مع الصين في جمهورية فيدرالية ، و اعترف الشيوعيون في قرارهم أن الأقليات القومية تعرب عن رغبات وطنية عميقة و مخاوف شديدة من التذويب الإجباري ، وفي عام 1931 في دستور الجمهورية الصينية السوفيتية الذي يعرف بدستور جيانغ شي Jiangxi أكد الحزب الشيوعي الصيني على حق مساواة الأقليات و بعبارة قوية اعترف بحق تقرير المصير للأقليات في الصين و بحقها في الانفصال الكامل عن الصين و تأسيس دول مستقلة لها ، وكانت القرارات التي ذكرت في دستور جيانغ شي تعكس نظرية الزعيم السوفيتي لينين حول تقرير المصير للأقليات القومية ، فقد كان لينين يرى أن منح بعض الحريات لها يعزز ترابطها مع الحكومة المركزية ، وأن شعار حق تقرير المصير يمكن أن يكون وسيلة مفيدة لتدمير النظم القديمة وتأسيس نظام جديد ، ولكن كما ذكر ولفرام ابرهارد Wolfram Eberhard    فقد كانت السياسة الصينية أكثر توجها إلى التذويب العنصري بتأكيدها على تفوق الثقافة الصينية ، وفي عام 1934 أكد ماو Mao أن سياسة الأقليات التي اتخذت في دستور جيانغ شيJiangxi لم تكن إلا مجرد دعاية لاكتساب دعم الأقليات ضد الكومنتانغ Guomindang  )  KMT )

      وفي عام 1938 وخوفا من خطط الاتحاد السوفيتي في شينجيانغ قام الحزب الشيوعي الصيني بأول تغير جذري في سياسته في التعامل مع الأقليات ، وفي خطاب نوفمبر غير ماوMao  من لغة دستور جيانغ شي ، فاتخذ الحزب الشيوعي الصيني قرارا جديدا يلغي فيه حق إمكانية الانفصال و حق تقرير المصير، ولكنه منح الأقليات حق المساواة مع الصينيين على أن يتم تشجيعها على تطوير ثقافاتها الذاتية و عدم إجبارها على تعلم اللغة الصينية و أن تدير شؤونها بنفسها طالما بقيت جزءا من الدولة المتحدة ، وقد أرجع العلماء هذا التصرف إلى أن ماو شعر بمرارة انفصال منغوليا الخارجية عن الصين و أنه يخشى أن ستالين يعمل على فصل شينجانغ , وهكذا كان هذا نهاية لوعود الحزب الشيوعي الصيني بحق تقرير المصير و الانفصال

        وعندما بدء الحزب الشيوعي الصيني بتأسيس مناطق الحكم الذاتي للأقليات ، استنتج كثير من الساسة أن الصين بدأت سياسة طويلة المدى , تقوم على منح مناطق الأقليات قدرا من الحكم الذاتي بهدف تهدئتهم ودعم عاداتهم ودينهم و لغاتهم مع قدر من الحكم الذاتي حتى يتمكن التهجير الصيني أن يغير التركيب السكاني ، و من خلال فرض قوة وتفوق الحضارة الصينية ستعمل على امتصاصها .

     ولما تأسست مقاطعة شينجيانغ أويغور الذاتية الحكم كان الحزب الشيوعي الصيني لا يزال يتضمن خطابه مسؤولية الرجل الصيني و أن امتصاص المقاطعة سيتم تحقيقه على المدى الطويل ، وقد لعبت نظرية تفوق الصين والدعوة إلى وحدة الصينيين دورا كبيرا لتحقيق أهداف الشيوعيين ، كما تم دفع الأقليات لانتهاج النموذج الصيني المتقدم و المتمدن ، وقد عمل الحزب الشيوعي الصيني على إظهار كره الأقليات للصينيين على أنه صراع طبقي ، واستغل مشاعرها لكره الصينيين إلى توحيدها في كفاحهم المشترك المزعوم  لتحقيق الشيوعية ، و انتقاد ماو Mao  العلني لعنصرية الصينيين كان دعما ظاهريا لوعود الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق الحكم الذاتي  والانسجام العنصري ، ولكنه كان بمثابة حبة دواء مر مغلف بالسكر لزيادة السيطرة الصينية , ومع أن الحزب الشيوعي الصيني أكد على أن دمج الأقليات سيتم بزوال صفات القوميات كلها، إلا أن سياسات الحكومة المركزية منذ عام 1949 تفيد أن الاندماج يعني التحديث و التصيين ، لأن الحقيقة أن قوى التذويب غالبا ما كانت ترتدي لبوس التقدم و التطور الاقتصادي ، وإن تفحص القوانين الخاصة بالحكم الذاتي الإقليمي يوضح أن السياسة الحالية تعمل على استعمال دعوى الاندماج وسيلة لامتصاص الأقليات القومية بما فيها الأويغور

       وفي الإعلانات الرسمية  يتشدق الموظفون الصينيون بالحكم الذاتي  لإثبات رحابة صدرهم في معاملة الأقليات ، والكتاب الأبيض  الصيني عن الحكم الذاتي الإقليمي يقول : تؤسس أركان الحكومة الذاتية في مناطق الحكم الذاتي ، وذلك لتمارس الحكم الذاتي لشعب الأقليات القومية لكي يكون سيدا على أرضه و ينظم شؤونه الداخلية في مقاطعته ، فهل يمكن أن يكون سيدا على أرضه ؟  هذا غير واضح ، وكثير من العلماء يقول عن هذا النظام : إنه وهمي والحكم الذاتي حبر على الورق .

          في عام 1949 طلب البرنامج العام للمؤتمر الشعبي السياسي الاستشاري الصيني من الحزب الشيوعي تفعيل نظرية الحكم الذاتي الإقليمي الوطني ، وفي عام 1952 أجازت الحكومة المركزية البرنامج العام لتأسيس الحكم الذاتي الإقليمي لتطبيق نظرية الحزب الشيوعي ، واحتفظت الحكومة المركزية وحدها بحق تعديل و تفسير البرنامج العام الذي استهدف  تأسيس الحكم الذاتي المحدود مع التأكيد على سيطرة الحكومة المركزية عليه ، وحسب منطوق دستور عام 1954 الذي تضمن البرنامج العام منحت مناطق الحكم الذاتي حقوق الحكم الذاتي ضمن السلطات التي حددها الدستور والقانون ، و في الواقع فإن تحديد الحكم الذاتي بموجب دستور عام 1954 والقانون كان يعني منح الحكومات الذاتية في الأقاليم ضمانا قانونيا ضئيلا لأن ممارسة الحكم الذاتي كانت تخضع لموافقة الحكومة المركزية . (111)

ثانيا –  كانت تركستان الشرقية إبان الولاة الصينيين: يانغ زينغ شين (1912-1928) Yang Tseng-hsin، جين شو جن ( 1928-1933) Chin Shu-jin ، شنغ شي تساي( 1934-1944)  Sheng Shih-ts`ai، مقاطعة شبه مستقلة إقطاعية خاصة استغلها الولاة ، وتتبع الصين اسميا، حيث أن كل واحد منهم كان يحكمها على طريقته بدون أن يسمح لحكومة الصين المركزية أن تتدخل في شؤونها ، وكانت إداراتهم تتم بواسطة الحكام المحليين من التركستانيين ، حتى أن الوالي يانغ زينغ شنغ  كان يعرف بملك شينجانغ حيث خط لها سياسة اقتصادية خاصة وأصدر لها نقودا خاصة ضمن سياسة مالية حدد إطارها ، وقد أبرم كل منهم اتفاقيات دولية ، وقد تطور هذا الوضع السياسي في عهد شنغ شي تساي الذي استعان بقوات حربية من الاتحاد السوفيتي للقضاء على جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية ، ووقع عدة اتفاقيات مع الاتحاد السوفيتي و اقترض خمسة ملايين روبل ذهبي وغدت تركستان مقاطعة روسية سوفيتية ، وقد وصف أحد الدبلوماسيين البريطانيين الذي زار تركستان في عام 1940أن حكومة شنغ شي تساى مطلقة الصلاحية ، و أن سلطاته في شينجيانغ تساوي سلطات الجنرال شانغ كاي شيك رئيس جمهورية الصين في الصين ، ومن جشعه و استبداده  تمكن من جمع 500 ألف أوقية من الذهب الخالص فقط من ثروات المسلمين (112) .

ثالثا – إن ثورات المسلمين ضد الاستبداد الصيني لم تكن لها نهاية ، وقد استعملت السلطات الصينية كافة وسائل البطش والعنف ، و مساعدات مالية وحربية أجنبية و لم تكن وحدها قادرة على مواجهتهم ، وعلاقاتها مع بريطانيا وروسيا وأمريكا تشهد على ذلك ، و جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية التي تأسست في كاشغر في 12 نوفمبر 1933 ،تم غزوها بمساعدة  القوات السوفيتية التي بلغ عددها عشرة ألاف جندي  ودباباتها وطائراتها الحربية التي دخلت البلاد ليس بطلب من حكومة الصين المركزية بل بطلب من والي تركستان الصيني و قصفت الثوار المسلمين في شهر يوليه 1934 ،و أجبرت الحكومة التركستانية الوليدة على الاستسلام.

      بيد أن الاستبداد و الظلم قد تزايد وخاصة أن الحاكم الصيني شنغ شي تساي الذي اغتصب من المسلمين نصف مليون أوقية من الذهب الخالص قتل من المسلمين أكثر من مائة ألف منهم ، ولم يبق من المسلمين القازاق الذين نفاهم إلى جنغهاي البالغ عددهم عشرين ألف نسمة إلا 153 من الأرامل والأطفال و تجددت الثورات في البلاد،  و تمكن التركستانيون من دحر القوات الصينية و تأسيس جمهورية تركستان الشرقية برئاسة العالم الشيخ على خان توره البلاساغوني في مدينة إيلي في 12 نوفمبر 1944 ، بيد أن الاتحاد السوفيتي الذي كان قد بسط سلطانه في تركستان ، إبان شنغ شي تساي الذي أصبح عضوا في الحزب الشيوعي السوفيتي حتى باتت محمية سوفيتية ، تدخل لإجراء تفاوض بين التركستانيين وحكومة جمهورية الصين التي كان يرأسها الجنرال شانغ كاي شيك حينذاك ، وتدخلت الحرب العالمية الثانية ورغبة الاتحاد السوفياتي لتأمين الاعتراف الدولي باستقلال جمهورية منغوليا الخارجية عن الصين و موقف أمريكا والاتحاد السوفيتي من التقدم الياباني في آسيا و ما نتج عن مؤتمر يالتا الذي تم بين ستالين و روزفلت وتشرشل فيما بين 4-11 فبراير 1945  أدى أن يفرض الاتحاد السوفيتي  على التركستانيين قبول توقيع اتفاقية سلام بينهم و بين جمهورية الصين في 6 يونيه 1946 و نشرت رسميا باللغة الصينية في نانكين بتاريخ 7 يونيه 1946 وكانت المفاوضات مستمرة بين الجانبين إلى أن استولى الحزب الشيوعي الصيني على حكم الصين ، و أرسل ممثله دينغ لي جون Deng Lichun لاستكمال التفاوض مع زعماء جمهورية تركستان الشرقية ودعوتهم لحضور المؤتمر الوطني الشعبي الاستشاري ، وسافر أحمد جان قاسمي رئيس الوزراء مع أربعة من الوزراء إلى بكين عن طريق الاتحاد السوفيتي في 22/8/1949 ، ولكن في 3/9/1949 أعلن الاتحاد السوفيتي عن مقتلهم بسقوط الطائرة التي كانت تقلهم قرب بحيرة بيكال ، وفي عام 1991 نشر رجال الاستخبارات السوفيتية وثائق تفيد أن ستالين أمر بقتلهم بطلب من ماوزيدونغ في يوم 27/8/1949 ، واحتل الجيش الشعبي الأحمر تركستان الشرقية في 12 /10/1949 ، ولكن النضال التركستاني  استمر إلى عام 1952 حيث أعلن الحكم الشيوعي لتركستان عن إعدام 120 ألف شخص من العلماء والزعماء والأحرار .

           وفي المحادثات التي تمت بين زعماء جمهورية تركستان الشرقية وبين ممثل الحزب الشيوعي الصيني  اعترف الحزب الشيوعي الصيني بالاتفاقيات السابقة ، مما أدى إلى قبول التركستانيين بدخول الجيش الأحمر الصيني لبلادهم ، ووعده بتقرير المصير والحكم الذاتي والذي على أساسه تم تأسيس الحكم الذاتي ، وقد أشارت إلى ذلك الدكتورة ليندا بينسون أن الهدف الرئيس للانفصاليين هو تحقيق الحكم الذاتي الحق الذي وعدتهم به جمهورية الصين الشعبية ولكنه لم يتحقق أبدا ، وتم ترشيح بعض الأويغور في مناصب الحزب الشيوعي الصيني  ، ولكن النتيجة  أن الصينيين هم الذين يحكمون مقاطعة شينجيانغ  بأغلبية ،و في الواقع إن الحكم الذاتي لا يمثل حقيقة بقدر ما هو شكل بلا معنى ، ولا يسمع لهم صوتا في شؤون المقاطعة وليس لهم دور في تقرير شؤونها .( 113)

      وفي الواقع إن المناطق  غير الصينية التي ألحقت بالصين نظريا لم تكن نتيجة  تحقيق رغبة الزعماء أو مجرد غزو لها بل هي نتيجة اتفاقيات عقدت بين زعماء القوميات المحليين الراديكاليين ( في شينجيانغ ومنغوليا الداخلية ) أو المحافظين ( في التبت )، و أسس هذه الاتفاقيات تضمنت التوفيق بين أهداف الشيوعية الصينية و مطالب القوميات غير الصينية نحو تحقيق الحكم الذاتي الوطني أو التحرير ، وقد تضمنت هذه الاتفاقيات سبعة عشرة بندا وكثيرا من الأمور التي أتفق عليها الشيوعيون الصينيون والوطنيون المتعاونون والشيوعيون المحليون غير الصينيين حتى عام 1949 , وتستمد شرعية نظام الحكم الذاتي لمناطق القوميات من هذه الاتفاقيات ، وبصيغة أخرى تعتبر معظم الأقليات القومية في مناطق الحكم الذاتي أنها بواسطة  زعمائها السياسيين ( الثوريين أو المحافظين) آنذاك انضمت إلى جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 ، ولكنها بعد هذا التاريخ تمت تصفية أولئك الزعماء تدريجيا و استبدالهم بموظفين مطيعين من القوميات أمكن تنصيبهم ممثلين شرعيين يعملون لمصالحهم الشخصية و يخشون عليها أكثر مما يدافعون عن مصالح القوميات المحلية .

    وإن دمج شينجيانغ في الصين يعتمد على الإدعاء بأن تحقيق المصالح المشتركة بين الصينيين والقوميات غير الصينية ، مما يستلزم إلغاء حق الشعوب غير الصينية في تقرير المصير الذاتي ،لأن كثيرا من الصينيين يعتبرون أن نظام القوميات القائم على مناطق الحكم الذاتي فاشل ، لأنه يعطي القوميات مميزات يرون أنها فوق القانون ، وينتقدون سياسة النظامين والدولة الواحدة التي أعلنت في عام 1984 ، وهذه الفكرة التي يروجونها أثارت مشاعر الصينيين القومية بطلب تشديد القبضة على مناطق الحكم الذاتي ، والتفاخر بما كان الجنرال وانغ زن Wang Zhen رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة تركستان يمارسه من قمع واضطهاد لمواطنيها في خمسينات القرن العشرين ، حتى أطلق عليه الأويغور جزار الشعب ، وقد انتقد ماوزيدونغ عنفه وعزله عن منصبه ، ورئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شينجيانع الحالي وانغ ليجونWang Lequan ذاع صيته بين الأويغور بلقب الجزار كسلفه ، بيد أن الصينيين يعتبرونهما من الأبطال لأنهما فرضا السيطرة الصينية على شينجيانغ ، وهذا ما دعا بعض الساسة الصينيين مثل جيان شوسن Qian Xuesen  إلى المطالبة بمراجعة مميزات سياسة القوميات ، ومطالبة الآخرين بإلغاء نظام مناطق الحكم الذاتي وتحويل مقاطعة شينجيانغ الحكم الذاتي إلى مقاطعة عادية في الصين (114).

ويقول استيفان هاريل : يرغب الأويغور والتبتيون أن تستقل بلادهما ، ولكن يدرك أكثرهم أن هذا مستحيل في المستقبل القريب ، ويعمل معظمهم مع النظام الحالي ، ويستخدمهم المستعمر أداة لتنفيذ سياسته كما يعمل في كل مكان من العالم ، فهم يذهبون إلى المدارس ويتعلمون اللغة الصينية و يهاجرون للعمل في  مناطق الصين ، ويصبحون موظفين محليين ، وبعضهم ينضم إلى الحزب الشيوعي و يترقى في المناصب ، ولكن معظمهم يشعرون أن بلادهم تحكمها قوة أجنبية ، والسلطات الصينية قد تلاحظ هذا أو لا ، ولكن أولئك لا يقبلون ذلك , وبالنسبة لها كل الأقليات مواطنون صينيون وعليهم الإخلاص لحكومتهم والامتنان لسخائها ، ولكن لن يكون هناك رضا إذا لم تمنح السلطات الصينية هذه المجموعات الحكم الذاتي الحقيقي و تضمن لها حرية الدين و توقف التهجير الصيني إلى مناطقها و تمنع الإهانة بسبب تخلف الأقليات التي لا شك أنها تحتاج إلى مساعدتها ، ولكنها لا تريد الإهانة ، وهذا ما يسبب السخط والاضطراب.(115)

   وفي حلقة البحث التي عقدت في الكونغرس الأمريكي بتاريخ 11 ابريل 2005 تم تحليل وتفنيد الحكم الذاتي المزعوم لمقاطعات التبت و شينجيانغ و منغوليا الداخلية في الصين  حيث ناقشه الخبراء بالتفصيل بعنوان : ( قانون الحكم الذاتي الإقليمي الصيني ، هل يحمي حقوق الأقليات القومية ؟ ) (116)

والموضوع يحتاج إلى دراسة عميقة تكشف الجوانب الحقيقة التي توضح الأسباب التي أدت فعلا إلى سقوط تركستان الشرقية فريسة الاستعمار الصيني ، وما هي الأساليب القانونية التي يمكن انتهاجها للمطالبة بالحقوق الإنسانية لهذا الشعب المسلم الذي اشتدت معاناته في الوقت الذي بدأ إخوتهم في العرق والدين لا يهتمون إلا بمصالحهم الخاصة وأصبحت النصوص الدينية التي تدعو إلى النصرة والعون نصوص يتم مطالعتها في الكتب فقط .بل أن بعض الدول الإسلامية التي تدعي أنها إسلامية تدعم سياسة الصين التعسفية ضد المسلمين. 

بقلم الأستاذ توختي آخون أركين "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"