تطوير تركستان الشرقية ... أهدافه تكريس الاحتلال ونهب ثرواتها

 

  بينما تترجم العبارة الصينية (  Western Development Plan shibu da kaifa ) بخطة تطوير الغرب التي استخدمت لأول مرة في عام 1999 ، إلا أن الترجمة اللغوية لكلمة ( kaifa  ) الصينية تعني الاستغلال ، وما تمارسه الصين في تركستان الشرقية هو العمل لاستغلال الثروات الطبيعية فيها .

           وتدعي حكومة الصين أنها تعمل على تطوير الحياة الاقتصادية في تركستان ، والخطة التي تعمل على تنفيذها هو جزء من مشروعها الكبير لتطوير الغرب ، وتضم مقاطعات كانسو  GansuوغويزوGuizhou و جنغهاي Qinghai و شانشي Shaanxiو سيشوان  Sichuanو يوننان Yunnan و ننيغشيا  Ningxia و تبت  Tibetو تركستان Xinjiang و تقدر جملة مساحتها 2 مليون كيلو متر مربعا ويسكنها أكثر من 300 مليون نسمة ، وتبلغ التكلفة 14 بليون دولار ، وسيتم إنشاء مطارات و طرق وأنابيب تقدر طولها 2500 ميلا  لنقل الغاز الطبيعي من حقولها في تركستان إلى شنغهاي في جنوب الصين ، وقد أعلن الرئيس جيانغ زمينJiang Zemin  أن خطة التطوير محورية لاستقرار الصين ، بيد أن خطة تطوير الغرب الكبيرة تهدف إلى تشجيع الصينيين وخاصة الشباب منهم للانتقال إلى الغرب ، وقد أشار بعض العلماء الصينيين في ذلك إلى المفهوم الأمريكي لتطوير غرب أمريكا ، حتى أن أحد الدبلوماسيين الغربيين وجد في ذلك تشابها لخطة إسرائيل في توطين اليهود في الضفة الغربية ، وقد لاحظ أن تقنية الري التي يستخدمها الصينيون المهجرون تشبه الخطة الإسرائيلية والسلطات الحكومية الصينية تعمل على التطوير الذي يتناسب مع الصينيين كي يكون حافزا لهم على الهجرة إليها و الاستيطان فيها ، أما الأويغور الأقلية التركية فإن الخطة لا تستهدفها ، والتطوير الذي ينفذ في تركستان هو لمنفعة المستوطنين الصينيين واستغلال ثرواتها لصالح الصين ، وليس بالضرورة أن يكون لصالح شينجانغ ( تركستان ) ، ومثلا النفط الذي يعتبر من أهم أسس الاقتصاد التركستاني ، فالصينيون هم الذين يتولون صناعته تماما ، لأن شركة الصين البترولية الوطنية China National Petroleum Co. تجلب عمالها إلى هناك من كل أنحاء الصين  ويتولى مكتب بترول شينجيانغ الإقليمي تشغيلهم (117) .

      وبدلا أن تخبر السلطات الصينية عن السبب الحقيقي الذي يجعل الأويغور يفقدون أعمالهم في بلادهم و لا يجدونها ، وهو أن مديري الشركات والمكاتب صينيون ويوظفون العمال الصينيين فقط ، ويتهمون المسلمين بأن ممارستهم لشعائرهم الدينية تمنعهم من تشغيلهم في القطاعات أو المؤسسات الحكومية التي تلتزم بالنظام الإلحادي(118)

         وقد كتب مراسل أسوشيتد برس Associated Press من أورومجي في 12 يوليه 2009 يقول : ترى الحكومة الصينية أن يكون الأويغور ممتنين لها لأنها عملت على التطوير السريع لبلادهم ، وجلبت المدارس الحديثة والطرق السريعة والمطارات و القطارات و حقول الغاز الطبيعي وآبار البترول في هذه المنطقة الفقيرة من آسيا الوسطى ، ولكن كثيرا من الأويغور وهم أهالي مقاطعة شينجيانغ الذين يتكلمون اللغة التركية يتهمونها بالتمييز بينهم و بين الصينيين ، لأن الصينيين يشغلون  كل الوظائف الرئيسة و الجيدة ، والكثير منهم يقول أن الحزب الشيوعي يضطهدهم لأنه يريد أن يقضي علي دينهم الإسلامي ولغتهم وثقافتهم (119) .

بقلم الأستاذ توختي آخون أركين "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"

و كتب الدكتور نيكولاس بكيولين Nicholas Bequelin الباحث في منظمة مراقبة حقوق الإنسان في جريدة خليج تايمز الإماراتية  : إن استعمار شينجيانغ بدأ فعليا بعد خمسينات القرن العشرين عندما بدأت الصين بتوطين أفراد جيش التحرير الشعبي حتى ارتفعت نسبة الصينيين من 6% إلى 40% ، ثم بدأت الدورة الثانية من التذويب المكثف على إثر انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وخوفا من الاضطرابات في المنطقة و بدلا من التهجير السكاني بالقوة ، اختطت بكين وسائل الإغراء الاقتصادي لنقل الصينيين إلى شينجيانغ ، ومن خلال البرنامج الطموح بتطوير الشمال الغربي الكبير نجحت على نقل ما يقرب من مليوني صيني جديد في أقل من عقد ... والتطوير الاقتصادي المندفع أدى إلى استغلال النفط والتطوير السريع في المناطق الحضرية ، ولم يكن الأويغور ضمن المستفيدين من التطور المتنامي ، إضافة إلى استيائهم من التمييز في الأعمال و فقدان الأراضي مع تزايد الغضب من تزايد الاضطهاد الديني وتدفق المستوطنين الصينيين الجدد ؛ ما أدى إلى سخط الأويغور ... و كانت استجابة حكومة الصين لذلك كله ممارسة القمع  وتزايد التشديد الديني والثقافي ، حتى إن أية مقاومة للمعارضة اعتبرت تحريضا للانفصال الذي يعاقب عليه القانون الصيني بالموت ... و بعد أن فشلت المظاهرة في مدينة غولجه في عام 1997 قامت السلطات الصينية بقمع شامل أدى إلى اعتقال عشرات الآلاف وقتل العشرات في شينجيانغ التي أصبحت دولة بوليسية حيث الأويغوري يعيش في خوف من الاعتقال لأية تهمة بتهمة الخيانة لبكين  مهما كان شكلها أو نوعها ، وقد اشتكى مسؤولو السجن أن السجون و معسكرات السخرة في شينجيانغ قد امتلأت.... وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في أمريكا أخذ الصينيون يبررون حملاتهم في شينجيانغ على أنها جزء من إسهامهم في الحرب العالم ضد الإرهاب ، كما استخدمت نفوذها المتصاعد لتأمين تعاون الدول المجاورة لاعتقال الأويغور الفارين من الاضطهاد إلى بلادهم   وترحيلهم إلى الصين  ... و مما زاد من استياء الأويغور أن بكين تحاول الإسراع في تغيير هويتهم ، وسكرتير الحزب الشيوعي لشينجيانغ وانغ ليجون في عام 2002 أعلن أن اللغة الأويغورية أصبحت خارج التقدم في القرن الحادي والعشرين ، و أخذت السلطات الصينية تعمل على التغيير الكلي لنظام التعليم إلى اللغة الصينية و تم استبدال المعلمون الأويغور بالمدرسين الصينيين المستقدمين ، كما نظمت إحراقا شعبيا لكتب الأويغور و شددت من القيود المفروضة على الممارسات الدينية (120) .

        وكتبت لويسيا ليم Louisa Lim مراسلة بي بي سي نيوز BBC News ( منذ ثلاث سنوات تنفق الصين بلايين الدولارات لتطوير مناطق الغرب ، فمن يستفيد من ذلك ؟ إن مئات من العمال الصينيين يصلون إلى شينجيانغ يوميا ، ومنهم ليو غوي زن Liu Guizhen الذي يقول  أنه قطع 3000 كيلومترا ليصل إلى شينجيانغ ، وأن تطوير الغرب هو لإيجاد الطعام لأمثاله ، وإن كانت حكومة الصين تقول : أن ذلك سيقضي على دواعي انفصال الأويغور ، ولكن المهاجرين الجدد – حتماً - سيغيرون شكل المنطقة سكانيا.

      ومثلا العاملون في مصفاة تازونغ  Tazhongفي وسط صحراء تكلامكان هم جميعا من الصينيين ، ويقول وانغ ليجون  Wang Lequanسكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ : أن الأويغور لا تتوفر فيهم المهارات التي يحتاجها العمل ، لأن لغتهم الأويغورية هي لهجة تركية وهم لا يتكلمون الصينية أو أن معرفتهم بها قليلة جدا مما لا يمكنهم من تشغيلهم في الشركات الصينية ،

      ومع أن حكومة الصين تعمل على تسريع تطوير المنطقة ، إلا أن مشروعاتها تزيد من الفجوة الاقتصادية بين الصينيين والأقلية الأويغورية ، ومنافع المشروعات  تذهب  مباشرة إلى الصينيين ، ولا يوجد ما يساعد الأويغور على معالجة فقرهم وتطوير مناطقهم الزراعية .

          وهناك أيضا العديد من الأمثلة التي تدل على أن هؤلاء الأويغور يعيشون في البؤس ؛ فالسيد اتام يوسف رجل يبلغ من العمر 70 عاما ، يرغب أن يبيع عربة الحمار التي يملكها لأنه لا يجد ما ينفقه لإرسال أبنائه الأربعة إلى المدرسة ، مع أن الأويغور جزء من سكان أورومجي ، وهو يسكن في حي فقير غير بعيد عن الحي الذي ترتفع فيه المباني الفخمة التي شيدها الصينيون و يسكنونها، والطرق في الحي غير معبدة ومليئة بالقمائم ، وبجوار منزله حظيرة أغنام و عائلته المكونة من ستة أفراد ينامون في غرفة واحدة ، ومع ذلك يعتبر نفسه أفضل من غيره ، ويقول : هناك الكثيرون الذين لا يجدون عملا وبعضهم من خريجي الجامعات ولكن لا عمل لديهم ، وأكثر المتسولين هم من الأويغور في شينجيانغ ، ويشكلون الطبقة الأدنى من المواطنين في أرضهم (121) .

و خلال السنوات الأربع (2000-2004) سجلت مقاطعة شينجيانغ أعلى انخفاض في مستوى الدخل في الصين .

         وبريتي بهاتتاجارجي Preeti Bhattacharji  من الهند يكتب : استمرت بكين على تطوير شينجيانغ من خلال حملتها التي عرفت:( افتح الغرب ، اذهب إلى الغرب )، ومع أن هذه البرامج عملت على تقدم نسبي لمقاطعة شينجيانغ بالنسبة إلى الدخل القومي لها ، وأصبحت أعلى من مناطق الصين الأخرى فيما عدا مناطق الساحل الجنوب الشرقي ، لكن الملاحظ أن ثروتها تركزت في المراكز الغنية بالنفط ، والهيئات الدولية ومنها بنك التنمية الآسيوي؛ تؤكد على ارتفاع كبير في تفاوت مستوى الدخل ، لأن فرص العمل المتنامية شجعت على تدفق العمال - وأكثرهم صينيون - إلى مقاطعة شينجيانغ ، وهؤلاء الصينيون من مختلف الفئات عمال عاديين وخبراء فنيين مما أدى إلى التغيير الديموغرافي ، وحكومة الصين تشجع على هجرة الصينيين من كل أنحاء الصين بتقديم الحوافز لهم ، مع أن الحزب الشيوعي يدعي أن سياسته تهدف إلى التطوير الاقتصادي وليس إلى التغيير الديموغرافي ، بيد أن تدفق الصينيين أدى إلى الصراع على الأراضي الزراعية والمياه ، والأويغور - الذين هم أصحاب هذا الوطن - يرون أن استفادتهم من هذه المصادر معدومة، وفي عام 2006 قالت منظمة حقوق الإنسان في الصين : إن التزايد السكاني في شينجيانغ تسبب في شح المياه النقية والأراضي الصالحة للري والزراعة ، كما أن تفاوت الدخل بين الصينيين الأغنياء والأويغور الفقراء أدى إلى توسيع الفجوة الاقتصادية , وتسبب في تزايد العداء ، وعلى سبيل المثال فإن عدد الوظائف المدنية كان 840 وظيفة في عام 2006 وأعلنت مليشيا جيش شينجيانغ للبناء والإنتاج عن حجز 800 وظيفة منها للصينيين (122)  

      وقد ارتفعت ميزانية شينجيانغ بالمشروعات الاقتصادية من 105 بليون يوان في عام 1997 إلى 352 بليون يوان في عام 2007 وبلغ دخل المواطن الحضري 16,820 يوان (2537 دولارا)  بينما بلغ دخل المواطن الزراعي أو الرعوي 3150 يوان (475 دولارا)  في عام 2007(123)   والأويغور هم الأغلبية في الزراعة والرعي . وكان زو هاي لون Zhu Hai Lun  سكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني في ولاية خوتن قد صرح في عام 2006 أن الدخل السنوي لمزارعي خوتن يبلغ 1337 يوان ( 202 دولارا)  ، وسكرتير لجنة الحزب الشيوعي الصيني في ولاية كاشغر شي دا غانغ Shi Da Gang في  كلمته في مؤتمر الحزب ذكر أن الدخل السنوي لمزارعي كاشغر يصل إلى 1800  يوان (272 دولارا) ، وأما وانغ ليجوان سكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ -عند استقباله لوفد من الحكومة المركزية في أورومجي في  2006 - فقال : (إن الفقر مزمن في خوتن وكاشغر وقيزيل سو حيث تسكنها الأقليات القومية )  ، ومما يزيد من تدهور أحوالهم الاقتصادية الضرائب المفروضة  فقد ذكرت جريدة خوتن اليومية في 25 يناير 2008 أن الحكومة المحلية حصلت على أربعة ملايين يوان من الضرائب المقررة على الأراضي الزراعية وهي تزيد عما تم تحصيله في العام السابق ب2,690,000 يوان أي بنسبة زيادة  205,34%   (124) .

    وكتب بن بلانكارد Ben Blanchard  مراسل رويترز من بكين : تدعي الحكومة في وثيقة لها أن قوى تركستان الشرقية تسببت في عرقلة التطوير الاقتصادي لمقاطعة شينجيانغ و تسببت في تخلفها وتناقص الاستثمار فيها عن بقية الصين ، بينما الباحثون الذين ينتقدون سياسة الصين يقولون إن القليل جدا من هذه الاستثمارات يستفيد منها الأويغور ، وأن التفاوت كبير في الدخل بين الصينيين والأويغور هو سبب العداء بين الأقليات 0

         ومتوسط دخل عائلة الفلاح ، وأكثر الأويغور منهم ، بلغ في العام الماضي 3503 يوان أي ما يعادل 528 دولارا في السنة بينما المتوسط الوطنى 4761 يوان  (719 دولارا) وفي شنغهاي 11440 يوان (1726 دولارا)  (125) .

      ويرى الأويغور أن الصينيين يتدفقون إلى بلادهم بالملايين ، و أنهم المستفيدون وحدهم من ثروة بلادهم الغنية بالنفط والغاز وموقعها الاستراتيجي في آسيا الوسطى ، بينما يقول عنهم الصينيون أنهم كسالى وأكثر تمسكا بالدين من عملهم )126) .

          يقول وو شياوبين  Wu Xiaobin نائب المدير العام لإدارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في شينجيانغ : إذا كانت الصين مستودع الطاقة ، فإن شينجيانغ أيضا البوابة الجديدة لمصادر الاقتصاد والبترول في آسيا الوسطى ، وفي سبيل تحقيق هذه المقولة ومن أجل المهجرين الصينيين تنفق حكومة الصين بلايين الدولارات  لتطوير هذه المنطقة ، ولكن  المراقبين يقولون  أنها تهدف إلى استغلال ثروات شينجيانغ لتغذي مصانعها في الشرق ، و أن الأويغور لا يستفيدون من ذلك إلا قليلا ، وأن الاستفادة من هذا يجب أن يكون بالذوبان في ثقافة الصين بصرف النظر عن تعارض ما فيها مع معتقداتهم .

   والسائح الذي يزور شينجيانغ يرى الشوارع العريضة والمباني الفخمة والمحلات الكبيرة الراقية واللوحات الإعلانية التي تظهر الأهالي مبتسمون في ملابسهم الزاهية والمراعي الخضراء بيد أن الأهالي الأصليين من الأويغور والقيرغيز والقازاق يختفون من الوجود تدريجيا ليحل مكانهم الصينيون (127) .

        والسلطات الصينية التي درست حال المدن وضعت في تصاميمها تطوير شينجيانغ بما يلبي رغبات الصينيين حتى تشجعهم على الهجرة إليها ، ولم تكن تستهدف احتياجات الأويغور ( 128) .

   وفي شينجيانغ لا تزال الدولة تسيطر على أربعة أخماس الصناعات الدولة , والمزارع الكبيرة يديرها مليشيا جيش الإنتاج والبناء  Bingtuanوالإنفاق الكبير الذي تقوم به الصين استهدف مد أنابيب النفط و طرق الحديد والطرق السريعة مما يوضح أنها تنفق لاستغلال الثروات و ليس لمعالجة الفقر ، ومن زاوية الاقتصاد فإن شعار (اذهب إلى الغرب ) حوله بعض الشكوك ، وأما من الناحية الأمنية فالمناطق الغربية أكثر سكانها من غير الصينيين وهي تتاخم دول أجنبية أكثرها إسلامية (129) .

      وتطوير تركستان أدى إلى تقسيم سكانها إلى فقراء وأغنياء ، لأن الأويغور ومعهم القوميات التركية الأخرى من أهلها لا يزالون يرزحون تحت الفقر فالمشروعات التي حدثت في بلادهم لم تستهدفهم وإنما خلقت فرص عمل لآلاف المهجرين الصينيين ، في الوقت الذي طردتهم من أراضيهم - التي استثمرها الصينيون -  إلى مناطق الصين بعيدا عن موطنهم للعمل فيها ، فمثلا في المزرعة رقم 28 التي تقع على بعد 20 كيلومتر من مدينة كورلا في تركستان التي تعاني في الصيف نقصا في العمالة يرحبون بالعمال المهاجرين و ينتشر المهاجرون الصينيون الذين جاؤوا إليها في شوارع القرية المجاورة في السنوات العشر الأخيرة ، ويقول أحد الصينيين المهجرين من مقاطعة سيشوان Sichuan: هذا المكان أفضل من العودة ، هنا نستطيع أن نكسب ، شينجيانغ كبيرة و الأراضي موجودة ) وهكذا يورد باول مزورPaul Mozur قصص المهجرين الصينيين الذين يتمتعون بخيرات تركستان في ظل الاستبداد الصيني بينما أهلها يجبرون على العمل في مناطق الصين النائية .(130)

وتدفق الصينيين إلى شينجيانغ في عهد ماو زيدونغ بدعاوى أمنية 1949-1976 ثم انتقالهم إليها حاليا باسم التطوير الاقتصادي وأدى إلى ارتفاع نسبتهم من 6% إلى أكثر من 40% ، والتطور الاقتصادي الذي تشهده شينجيانغ إنما هو لمصلحة الصينيين لأنه لم يستهدف مناطق الأويغور الريفية لأن المناطق التي شملها التطوير أماكن النفط والغاز ومزارع القطن - التي وظفت العمال الصينيين والجنود الصينيين المسرحين - وأماكن التجار الصينيين ومساكنهم (131) .

      وفي الشوارع والمدن في شينجيانغ تسمع شكاوى الأويغور من القيود المفروضة عليهم في ممارسة شعائرهم الإسلامية ولغتهم وثقافتهم التي لها صلة وثيقة بحضارة بلادهم الإسلامية في آسيا الوسطى ، وفي المقابلات التي تمت في عاصمتها أورومجي فإن الشكاوى المشتركة للأويغور تؤكد أنهم مستبعدون من الفرص الاقتصادية ، وتدعي الصين أنها رفعت نفقاتها من 20 بليون دولار في عام 2000 إلى 44,5 بليون دولار في عام 2006 ، ولكن الأويغور يقولون : إن المستفيدين من ذلك هم الصينيون ، وأنهم مستبعدون عنها ، ويقول أحد الأويغور : إذا كنت صينيا فهناك فرص  ولكن إذا كنت من قوميتي لا يوجد لك شيء. نحن هنا جوعى ونبحث عن العمل ، وهم يقولون إنهم لا يريدون الأويغور في العمل.

       والطبيعة الأساس لاضطرابات الأويغور هو شعورهم بالاحباط الاقتصادي ، فالعمال الأويغور الذين واجهتهم المتاعب في مصنع الألعاب في مدينة شاوغوان بمقاطعة غوانغ دونغ ، بسبب عدم تمكنهم من العمل في بلادهم نقلتهم الحكومة إلى المدن الساحلية لتشغيلهم ، وعندما تعرض بعضهم إلى الإيذاء ؛ لم تدافع عنهم الحكومة ، وشعر الأويغور بالتمييز ضدهم ، فهم لا يجدون عملا في بلادهم التي ينقل إليها الصينيون ويوفر لهم فرص العمل في كل مجالات الحياة  ، بينما ينقل الأويغور من بلادهم إلى العمل في  الأماكن البعيدة ، ولا يجنون إلا الإهانة هناك.(132)

     والدكتور هنريك سزادزيفيسكي Henryk Szaziewski في بحثه بعنوان : كيف اكتسب الغرب ؟يقول:  توسع الصين إلى آسيا الوسطى يفيد أن الصين تهدف من تطوير الغرب إلى فرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية على دول آسيا الوسطى ، وتقوية قبضتها على تركستان الشرقية حتى تكون قاعدة لانطلاقاتها الاستراتيجية وهذا ما يعزز اعتمادها على العنصر الصيني واستبعاد الأويغور وغيرهم من مواطني تركستان ، وبعد أن عملت على تأسيس منظمة تعاون شنغهاي مع دول آسيا الوسطى لجأت إلى تعزيز تطلعاتها التوسعية على الواقع من خلال تطوير الغرب العظيم ، الأمر الذي يعزز نفوذها السياسي والاقتصادي مع روسيا ودول آسيا الوسطى ، وبخاصة أن علاقاتها التجارية قد تطورت في السنوات الأخيرة وبلغت قيمة التجارة المتبادلة مع دول منظمة تعاون شنغهاي الخمس كالآتي :

الدولة                 عام 2001           2005             نسبة النمو

روسيا            10,670,550         29,103,140         173%

قازاقستان         1,288,370           6,810,320           429%

قيرغيزستان       118,860               972,200           718%

تاجيكستان          10,760               157,940           1467.84%

أوزبكستان           58,300               680,560          1167.34 %

      وبالطبع فإن هذا التطور في العلاقات الاقتصادية لم يتضمن علاقات الصين الوثيقة مع باكستان وأفغانستان مما يعني أن الاهتمام الصيني بمقاطعة شينجيانغ لا يقتصر على استغلال ثرواتها الغنية بل إلى بسط سيطرتها السياسية على آسيا الوسطى ، و تعتقد حكومة الصين أنها لا تستطيع أن تحقق هذه الأهداف السياسية والاقتصادية إلا إذا أحكمت سيطرتها على مقاطعة شينجيانغ من خلال التهجير الصيني إليها وفرض اللغة والثقافة الصينية على أهلها ،والمسح الميداني الذي أجراه وانغ جيان جون Wang Jianjun في عام 2003 أظهر أن 67 % من الناس الذين تم استفتاؤهم كانت إجاباتهم أن إجادة اللغة الصينية بطلاقة شرط للحصول على العمل في تركستان الشرقية (133) .

والأنابيب التي ستنقل النفط والغاز من دول قازاقستان وتركمانستان وروسيا إلى الصين كلها ستمر من تركستان  علاوة أن تركستان نفسها تنتج 75 % من المعادن التي تحتاج إليها الصين و فيها ثلث مناجم الفحم الحجري ومنذ عام 2005 احتلت المرتبة الثانية في إنتاج النفط ، وهي مصدر الغاز الرئيسي في الصين ، وهذه الثروات هي التي دفعت الصين إلى تطوير المراكز الصناعية لاستغلال ثرواتها لمصلحتها.

      وتقرير الامم المتحدة لتنمية الإنسان في الصين لعام 2005 وتقرير بنك التنمية الآسيوي اللذين قاما بتوثيق انخفاض دخل الأويغور وارتفاع فقرهم مقارنة بالصينيين في تركستان ، يوضح أن الإصلاحات التي قامت بها الصين لم تتمكن من توفير الفرص الاقتصادية لتحسين أحوالهم ، وفي الواقع فإن القمع  الاقتصادي هو مرآة لما يواجهه الأويغور من اضطهاد سياسي واجتماعي و ثقافي(134) .

       وتذكر هاممون HamMun وهي منظمة دولية Hamburg Model United Nations مقرها هامبورغ في ألمانيا في تقريرها عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأقليات العرقية في الصين : أن الأقليات العرقية تواجه مشاكل عديدة في الصين ، وعموما هم فقراء ، حيث إن 70% منهم لا يجدون ما يكفي لحياتهم ، وأجورهم عادة أقل من أجور الصينيين الآخرين ، وبما أن الأقليات تتكلم لغاتها فليس من السهل عليهم الحصول على فرص التعليم وأكثرهم لا يعرفون الصينية ، وصلتهم بالعالم الخارجي وحضارته غير مألوفة لهم ، وأكثر الأقليات تخشى أن تستغلهم الصين وخاصة أن الأنظمة الحكومية تتهددهم (135) .

      وأحد المسلمين الأويغور عمل في مصنع النسيج في غولجه قبل هجرته إلى تركيا عبر الأراضي المقدسة يقول:  إنه عمل في المصنع منذ افتتاحه في عام 1960 وكان نسبة العاملين الأويغور في المصنع 75% ونسبة الصينيين 25% حينذاك ، و الآن تغير الوضع حيث أصبحت نسبة الصينيين 70 % و الأويغور نسبتهم 30 % من جملة العاملين البالغ عددهم 8000 عاملا ، وأصبحت إدارة المصنع تتخلص من الموظفين الذين لا يجيدون اللغة الصينية .

وتقول السيدة أيشم التي كانت تعمل في الاتحاد النسائي لمقاطعة شينجيانغ قبل انتقالها إلى إستانبول : إن عدد الموظفات 64 موظفة منهن 21 من الأويغوريات و إن رؤساء الأقسام البالغ عددها 30 قسما والباحثات الرئيسيات هن من الصينيات ، وقد صرح تلفزيون أورومجي أن عدد الموظفين فيه 110 موظفا وأن تسعة منهم فقط من ألأويغور(136) .

      وبقي الكثير من الأويغور عاطلين مهملين في القطاعين العام والخاص ، حيث سيطر الصينيون على المشروعات الاقتصادية وقد بلغت نسبتهم 70 % من العمال مع أن نسبتهم في الإحصائية الرسمية 40% ، و بالإضافة إلى ذلك فقد عانى الأويغور التمييز العنصري والديني  وقد أشاع الصينيون بأن الأقليات قليلو الذكاء و متخلفون و كسالى بسبب ممارستهم لشعائر الإسلام ، وعلى هذا فالصينيون أكثر قبولا في ميدان العمل ، وأصبح المسلمون يجدون صعوبة كبيرة في إيجاد فرص العمل ، وغدت الوظائف والأعمال الجيدة يحتكرها الصينيون الذين يجدون مميزات الترقي الوظيفي والحوافز ، بينما الأويغور يجبرون على الصمت و ينتظرون و يندبون حظهم ، و بينما نسبة البطالة الرسمية 3,8% في شينجيانغ ، فإن نسبة البطالة بين الأويغور ارتفعت إلى 15 % أو أكثر في عام 2000 (137) .

     ومع نزول الأقليات الوطنية في سلم التطور الاقتصادي الاجتماعي أصبح مستواهم المعيشي متدنيا جدا و بخاصة مع عدم وجود نظام للتأمين الاجتماعي ، وطبقا لإحصائية عام 1990 فإن متوسط موت الأطفال في شينجيانغ يرتفع إلى 3,6 مرات عما عند الصينيين ، كما أن متوسط عمر الفرد عندهم 62,9 سنة بينما عند الصينيين 71,4 سنة ، علاوة على أن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب الأويغور أدى إلى ارتفاع نسبة الجرائم وانتشار المخدرات ، وأصبح الأويغور يشعرون بمرارة استبعادهم من النمو الاقتصادي لصالح الصينيين ، وإنما الشعار الذي رفعه الحزب الشيوعي لتحرير بلادهم سلميا ما كان إلا وسيلة لفرض النظام الاستعماري عليهم (138).

والباحث الصيني يوخوي لي Yuhui Li الأستاذ في جامعة روان في نيو جرسي في الولايات المتحدة الأمريكية في تحليله لأسباب الأحداث في أورومجي يقول : في عام 2008 بلغ دخل الفرد الوطني في شينجيانغ 5385 دولارا في السنة و احتلت شينجيانغ المرتبة 15 بين مناطق الصين البالغ عددها 31 مقاطعة ، مما جعلها أحد أكثر المقاطعات المتطورة اقتصاديا بين مقاطعات الصين الداخلية . على أي حال فإن ثمرات هذا التطور لم تستفد منها الأقليات بالتساوي ، والدراسات أكدت على الفوارق الكبيرة في التطور الاجتماعي والاقتصادي في مدن شينجيانغ فمثلا : المناطق التي يتركز فيها الأويغور مثل خوتن ( 96% من سكانها أويغور) وكاشغر ( 90% من سكانها أويغور) وكلتاهما في جنوب شينجيانغ كانتا في أدني مستويات التطور ، بينما المناطق التي يتركز فيها الصينيون مثل أورومجي وقراماي حيث نسبة الصينيين في كلتيهما 75% كانتا في أعلى مستويات التطور الاقتصادي وكانت الأقليات نفسها تعاني التخلف الشديد (139) .

    وطبقا لمقال لفاينينشال تايمز مؤرخ في 10  يوليه 2009 فإن فرق الدخل الاقتصادي بين الفلاحين الأويغور والصينيين من مستوطني المدن قد توسع من 2,1 مرة في عام 1980 إلى3,24 في عام 2007 ، وجنوب شينجيانغ الذي يتركز الأويغور فيه بنسبة 90 % بتراجع أكثر ونسبة الفرق بين الشمال الغني و الجنوب الفقير بلغ متوسطها 6,28 في 2005 ، واستيراد بكين البترول والغاز من شينجيانغ وآسيا الوسطى لم يحسن من ظروف الأويغور إلا النخبة التي ترتبط بنظام الحزب الشيوعي الصيني . وإن كتاب شينجيانغ الأزرق الذي يوثق مستويات التطور الاجتماعي والاقتصادي حذر من مشاكل اجتماعية تؤدي إلى تهديد خطير للانفصاليين والمتطرفين ( 140) .

     إن سياسة التطوير الاقتصادي الإقليمية مع المراجعة التي تمت لأنظمة مقاطعات الحكم الذاتي قلصت من طبيعة الحكم الذاتي لمقاطعات الأقليات ،  ما يوضح أن برامج التطوير التي تنفذها الحكومة المركزية تهدف إلى الدفع نحو اندماج الأقليات مع غيرهم من السكان ، وقد يخلق هذا مشكلات لحكومة الصين المركزية بحقوق الحكم الذاتي التي تلتزم بها نحو الأقليات القومية ، والتي تحاول أن تعالجها باستمرار في برامجها بتهجير الصينيين إلى مقاطعات الحكم الذاتي  التي بدأت تنفذها  منذ تسعينيات القرن العشرين بهدف التغير الديمغورافي ( Chan shazi )

     وفي الواقع فقد بدأ المراقبون يلاحظون أن الوضع الذي بدأ يتكون في شينجيانغ من حملة ( اذهب إلى الغرب ) يتفق تماما مع مصطلح الاستعمار الداخلي الذي استعمله مكائيل هشتر Michael Hechter على الجزر البريطانية ، مما يؤكد على هذا ممارسة التمييز الثقافي العملي عشية تنفيذ السياسات الاقتصادية الجديدة في شينجيانغ ( 141) .

    وحتى في قطاع الزراعة فإن دخل الفلاحين الذين يعملون في المناطق التي يسيطر عليها الصينيون في الشمال يبلغ متوسطه 2666 يوانا (462 دولارا) ، بينما في المناطق التي يسكنها الأويغور في الجنوب بلغ متوسطه 1320 يوانا( 199 دولارا)  في السنة لعام 2001 ، وربما أقل من النصف ، لأن هناك فرق في زيادة الأجور بنسبة 9,8% بين الفلاحين في الشمال والجنوب في عام 2000 ( 142) .

ويقول ماتثيو مونيهون Matthew Moneyhonفي بحثه الطويل بعنوان (  البرنامج الصيني الكبير لتطوير الغرب في شينجيانغ – هل هو علاج أم حصان طروادة السياسي ؟ ) : أنه من خلال سياق تطور سياسة الصين نحو الأقليات ، فإن خطة ( اذهب إلى الغرب) يبدو أنها توجه أخير لاستراتيجية بكين نحو دمج وتذويب الأقليات القومية في بوتقة الصين الكبرى ، أكثر من أن تكون خطة اقتصادية جدية لمعالجة الفقر ، والسياسة الاقتصادية إنما هي وسيلة لتحقيق أجندتها السياسية في المنطقة مما يجعلها شبيهة بحصان طروادة (143) .

  إن العمل على تطوير الغرب الصيني اقتصاديا لا يعني فقط تطوير الأوضاع الاقتصادية في منطقة شينجيانغ ، بل تريد الصين من خلال تمركزها فيها أن تبسط نفوذها في آسيا الوسطى ، وتحقق انطلاقتها في التوسع السياسي نحو الغرب الذي غدا فضاء بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ، و أن تكون شينجيانغ قاعدة سياسية و اقتصادية معا تمكنها من فرض توجهاتها على جمهوريات آسيا الوسطى و تؤمن سوقا تجاريا تصدر إليها نفوذها ومنتوجاتها و تستورد منها الطاقة والمعادن و تمد ذراعها العسكري متى شاءت  .

 بقلم الأستاذ توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية