اللغة الأويغورية والتعليم في تركستان الشرقية

 

          الأويغورية هي أحدى  اللغات التركية الشرقية وهي وثيقة الصلة بالأوزبكية وإن كان المتحدثون  بالأخيرة أكثر عددا من الأولى ، وكل من الأويغور والأوزبك هم سكان الواحات وكلاهما يعتبران أنهما الوارثان الأصيلان لثقافة ولغة جغتاي التركية التي كانت سائدة عند أتراك آسيا الوسطى في العصور الوسطى ، والأويغورية حاليا تكتب بالأحرف العربية  المعدلة و أكثر من 30 % من مفرداتها كلمات عربية و10% كلمات فارسية وهي لغة المسلمين الأويغور وغيرهم من الأتراك الذين يزيد عددهم عن 20 مليونا ، و يتحدثون ويكتبون بها و يتعلمونها في تركستان ، وقد تعرضت خلال الحكم الصيني الشيوعي في الفترة من 1950-1980 لثلاثة تغيرات لأبجدية كتابتها ، فقد كان الأويغور منذ تشرفهم بالإسلام يكتبون بالأحرف العربية ، ( مع أن لهم أبجدية خاصة عرفت بالأبجدية الأويغورية ،ولا يزال المغول يستعملونها حتى الآن) كما هي تماما مثل أحرف القران الكريم بدون تحريف ، ثم فرضت عليهم في عام 1955 الكتابة بالأبجدية السلافية ( كيريل Cyrillic )كما في الاتحاد السوفياتي عندما كانت علاقة الصين معه جيدة ، و عندما ساءت العلاقة بين الطرفين ألغي ذلك وفرضت عليهم الأبجدية اللاتينية في عام 1966، ولكن خوفا من أن يؤدي ذلك إلى علاقات ثقافية مع تركيا ألغي ذلك أيضا وفرضت عليهم الأبجدية العربية المحرفة المستعملة الآن منذ عام 1984 ، وهذه التغيرات الثلاثة في كتابة اللغة الأويغورية خلال ثلاثين عاما أدى إلى اضطراب تعليمي وثقافي بين الأويغور ،  ولكنها حققت أهداف الساسة الصينيين على زعزعة أسس الثقافة الأويغورية وعزل الأويغورالمعاصرون  عن تراث أسلافهم ، ومنع علاقاتهم مع أبناء عمومتهم المجاورين من الأوزبك والقازاق والقيرغيز والتركمان والتتار الذين يستعملون الأبجدية السلافية ( أبجدية كيريل) وأتراك تركيا الذين يستعملون الأبجدية اللاتينية ، وتركمان إيران والعراق الذين لا يزالون يستعملون الأبجدية العربية  ، وكلهم أتراك و يتكلمون لهجات تركية متقاربة ، بينما لا توجد بين اللغة  الأويغورية وبين اللغة الصينية أية علاقة لغوية أوصلة ثقافية، حتى أن تأثرها بالمفردات الصينية حصل في العقود الأخيرة بحكم الاستعمار الصيني ،وقد كانت الأويغورية لغة التعليم العام التي استمرت في المساجد والمدارس الشعبية والرسمية والجامعات في تركستان منذ عشرات القرون ، وبحكم علاقات القرابة ووحدة الأصل فالأوزبك والقازاق والقيرغيز والتتار يستعملونها في تركستان، لأنها تنتمي إلى اللغة التركية التي تجمعهم و يتكلمون بها ،

         والمادة الرابعة من دستور جمهورية الصين الشعبية  تفيد : أن الحكم الذاتي يمارس في المناطق التي يتركز فيها مجموعات الأقليات القومية ، وكل القوميات تتمتع بحرية استعمال وتطوير لغاتها المنطوقة والمكتوبة ، وتصون أو تطور عاداتها و أساليب حياتها ،  والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي وقعت عليها الصين في عام 1992 تفيد : أنه في الدول التي توجد فيها الأقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية أو الأفراد الذين ينتمون إلى الشعوب الأصلية ، فإن الأطفال الذين ينتمون إلى تلك الأقليات أو الشعوب لا يمكن حرمانهم من حقهم من التمتع بثقافتهم  وممارسة دينهم واستعمال لغتهم الخاصة بهم .

          ولكن السلطات الصينية اتخذت عدة إجراءات على محاربة اللغة الأويغورية في الحياة العامة ، منها أن التلفزيون مع تعدد قنواته في تركستان الذي يبلغ أكثر من 43 قناة منها ثلاث قنوات أويغورية  ، ولكن لا تعرض برامجها إلا ساعات محدودة ، ومنذ عام 1999 بدأ تقليص ساعات البث بالأويغورية إلى ثمان ساعات يوميا في كل من تلفزيون شينجيانغ وإذاعة شينجيانغ  ، وكان عدد الصحف التي تصدر فيها 100 جريدة في عام 2007 ، بيد أن الذي يصدر منها بالأويغورية لا يزيد عددها عن عشرين صحيفة ، وأما أفلام السينما والفيديو تعد  باللغة الصينية أولا ثم تترجم اإلى اللغة الأويغورية  ، فالممثل الأويغوري  يجب أن يؤدي دوره باللغة الصينية ، وبعد أن تعتمد النصوص تترجم إلى اللغة الأويغورية وحتى الأخبار تعد باللغة الصينية ثم تترجم إلى لغة الأقليات، وتفرض حكومة الصين  استعمال المصطلحات الصينية وإطلاق أسماء صينية على المدن والقرى وتروج استعمالها ،و في الوقت الذي تستعمل الصين اسم (التبت Tibet)على بلاد التبت مع استعمال المرادف الصيني له ( شي زانغ Xizang  ) وعلى منغوليا الداخلية  ) ني منغو Nei Menggu ) بالإضافة إلى اسم (Inner Mongolia ) ، إلا أنها تصر وتعاقب كل من يستعمل اسم  (تركستان الشرقية ) أو ( أويغورستان ) على بلاد الأويغور ، مجبرة الإعلام والعلماء والأفراد والهيئات على استعمال الاسم الصيني ( شينجيانغ Xinjiang  ) ، و لم تكتف بفرض هذا الاسم على البلاد ، بل حتى أسماء المدن والقرى جرى تحويلها إلى أسماء صينية ، مثلا في الكتاب الذي ألفه  تيمور دوامت رئيس مقاطعة شينجيانغ أويغور الذاتية الحكم ( تركستان) الأسبق باللغة الأويغورية ثم ترجم إلى العربية و نشرته دار النشر الشعبية في شينجيانغ في اورومجي 1993، و إليكم أسماء المدن كما تكتب بالأويغورية ثم كما جاءت  كتابتها في الكتاب نقلا من الصينية :

ص 1   توهكشيون    في الكتاب              وتكتب باللغة الأويغورية  ( توقسون)

ص 2   قيتسيلسو      في الكتاب             وتكتب باللغة الأويغورية ( قيزيل سو)

ص 2   هامي          في الكتاب              وتكتب باللغة الأيغورية    ( قومول)

ص 2   خوتيان        في الكتاب              وتكتب باللغة الأويغورية  ( ختن )

     وكذلك غيرها من الأسماء التي وردت في الكتاب : مدينة كاشي ،جبال  تيان شان ، نهر يرتشيانغ ، و بحيرة تياننتشي ، وهكذا يستمر تصيين الأسماء في الكتب التاريخية ، وفي كتاب : A collection of Important Historical Sites and Relics in Western Regions لم يكتف المؤلف أن كتب تاريخا صينيا لمنطقة تركستان موضحا في أكثرها أن الآثار صينية ، بل استعمل الأسماء الصينية على المواقع التاريخية كالآتي :

Jiaohe for yargul ( p.20) cheshi for Qush , yanji( p.17)  for kenkit , tianchi(p17)for Tengry Gul,  qiuzi (p.73),for Kuchar, shule( p.8&9)for Soli  , Gaochang ( p.24 )  for Kara Khoja , Beiting ( p.106)for urumchi       

         ويستعمل  الأويغور في الأغلب أسماء إسلامية عربية ، لكن السلطات الصينية تكتبها بشكل مغاير تماما بحجة تناسق كتابتها باللفظ الصيني وأن الوثائق الرسمية كلها باللغة الصينية ، و يتضح هذا التحريف من جوازات سفر الأويغور:

 الاسم (زينورة  Zainora) لا يكتب كما يلفظ  أويكتب اويغوريا أوعربيا ، و أنما يتم تحويره إلى التلفظ الصيني ويكتب Sai nu la) )  واسم (محمد ) الذي يكتبه الأويغور (موهه ممد ) تكتبه السلطات الصينية  ( ( Maimaitiفي جواز السفر أو الوثائق الرسمية الصينية ، وهكذا ( أحمد)  يكتب ( ايمايتي Aimaiti  ) و ( مغفرت) يكتب ( Mai he pi lai ti ) و حبيب الله ( ابيبو Aibibu  ) و عبد الله ( ابولا Abula  ) و هكذا الأسماء العربية التي يستخدمها الأويغور و يكتبونها كما يكتبها العربي تحرفها  السلطات الصينية لكلمات غير مفهومة و لا معروفة بهدف فصل الأويغور عن هويتهم ، مع أن بالإمكان كتابة الأسماء العربية بالأحرف اللاتينية كما يحدث في كل بقاع العالم بدون إشكالية ، ولكنها وسيلة لفرض الأسماء الصينية على التركستانيين المسلمين ،  ثم جاءت الضربة القاضية على اللغة الأويغورية في تصريح وانغ ليجون رئيس الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ ( تركستان) الذي نشر في 29 مارس 2002 :إن  لغات الأقليات القومية قاصرة عن استيعاب المصطلحات في العلوم والتقنية الحديثة مما يجعل التعليم بها مستحيلة ، وإنها لا تناسب القرن الحادي والعشرين.

       وفي 23 يونيه 2002 صرح وانغ لي جوان Wang Lequan سكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ في مقابلة صحفية : إن العمل الإيدولوجي والتعليمي في غاية الأهمية في المعركة ضد  الانفصال ( القومية)  ، مؤكدا أن معاقبة الذين يرتكبون جرائم العنف هي قمة مسؤولياته ، وأنه لابد من تعليم الشعب من خلال إرسال الحملات إلى القرى بسياسة الدولة في المدارس والمؤسسات الدينية 

        ومع أن الأويغورية هي أحدى لهجات اللغة التركية التي يتحدث بها شعوب الأوزبك والقازاق والقيرغيز والتتار ولم  يشتكي شعب من هذه الشعوب أن اللغة التي يستعملونها قاصرة عن مواكبة التطور العلمي ، بل احتلت الدرجة الأولى في الكتابة والتدريس  والثقافة بعد اللغة الروسية التي كانت سائدة قبل استقلالها ، ولا زالت الأويغورية  تدرس في المدارس والجامعات في قازاقستان وقيرغيزستان و لم يعلن أحد عن قصورها ، وديوان لغات الترك الذي وضعه محمود الكاشغري في كاشغر  في القرن العاشر الميلادي يعتبر المرجع لكل اللغات التركية ، ولكنها السياسة الصينية التي تقصد طمس الثقافية لشعب الأويغور المسلم ، حيث أصدرت السلطات الصينية في 2مايو 2002 أمرا بفرض التدريس باللغة الصينية في الجامعات والمدارس في تركستان كلها ، وفي جامعة شينجيانغ وحدها التي يبلغ عدد طلابها 32 ألف طالب وأكثر من نصفهم من الأويغور المسلمين فرضت عليهم الدراسة باللغة الصينية بعد أن أغلقت الكليات التي كانت تدرس طلابها بالأويغورية ، ويشير تقرير منظمة العفو الدولية أن عملية فرض اللغة الصينية يهدف إلى منع التدريس باللغة الأويغورية في كل المستويات التعليمية العليا ، حتى أن تدريس الأدب والشعر الأويغوري يتم بالصينية , وتعمل السلطات الصينية على فرض اللغة الصينية في مراحل التعليم الأولى ، وأنها تلقت تقارير تفيد أن السلطات الشيوعية أخذت الأطفال بالقوة من أولياء أمورهم وحجزتهم لتعلم اللغة الصينية في المدارس لمدة 6 أيام في الأسبوع ، وقد أجبر الأطفال الأويغور الذين تبلغ أعمارهم خمسة أعوام للابتعاد عن أسرهم للتعلم اللغة الصينية في رياض الأطفال ، وذكرت التقارير أن الأطفال والمدرسين الأويغور يعاقبون ماديا إذا تحدث أي واحد منهم بكلمة أويغورية ،  وفي عام 2008 أعلنت حكومة شينجيانغ أنها ستقوم برفع عدد مدرسي المدارس الابتدائية الذي يدرسون  باللغة الصينية حسب النظام الجديد إلى 15600 مدرسا خلال الأعوام 2008-2013 ، وإعداد مدرسي اللغة الصينية الذين ستحتاجهم الخطة لرفع مستوى طلاب رياض الأطفال بما يمكنهم من مواصلة تعليمهم باللغة الصينية في المدارس الابتدائية ، ثم أعلنت أنها ستزيد العدد إلى 16,000 مدرسا في 20 يناير 2009، وعلى تحقيق ذلك قامت حكومة الصين بتعميد عشر كليات وجامعات صينية من خارج مقاطعة شينجيانغ لإرسال خريجيها لسد عجز المدرسين الصينيين في شينجيانغ ، ودعت إلى التخلص من المدرسين الأويغور الذين لا تتفق معايرهم مع المستوى المطلوب لتدريس المواد  باللغة الصينية ، وعدم قبول المدرسين الأويغور في المدارس والمعاهد ، وفي حالة الضرورة يتم قبول المدرسين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما على أن يكون على مستوي عال من الوعي السياسي ، وتكون توجهاته الدينية والقومية موافقا لسياسة الدولة الشيوعية ، و أن يكون مخلصا لنظام الحزب الصيني الشيوعي ، وفي مايو 2009 أعلنت إدارة التعليم في مقاطعة شينجيانغ عن طلبها لعدد 9,339 مدرسا من أنحاء الصين لشغل شواغر المدرسين باللغة الصينية في الأرياف في شينجيانغ ( تركستان)،  ولم تكتف السلطات الصينية بهذا بل أخذت ترسل الطلاب الأويغور في بعثات داخلية إلى الصين لتعليمهم اللغة الصينية وقد بلغ عددهم 18,685 طالبا في عام 2008.

لقد كان التعليم في مدارس تركستان يتم بطريقتين مختلفتين :

  • Min Kao min المدارس الأويغورية التي يتم تدريس المناهج الدراسية فيها  باللغة الأويغورية ، ويتعلم الطلاب الأويغور وغيرهم  اللغة الصينية بحسبها اللغة الوطنية الثانية ،بدء من الصف الثالث الابتدائي 
  • Min kao han المدارس الصينية التي يتم تدريس المناهج الدراسية فيها باللغة الصينية ، و يتعلم فيها عموما طلاب المهجرين الصينيين وبعض الطلاب من موظفي الأويغور وغيرهم ، و لا تدرس فيها اللغة الأويغورية ولكن يدرسون اللغة الانجليزية بدء من  المرحلة المتوسطة  

         و في عام 1999 كان  عدد المدارس الصينية 27 مدرسة متوسطة وعدد طلابها 2629 طالبا ، وفي عام 2004 أرتفع عددها إلى 52 مدرسة و بلغ طلابها 35948 طالبا، وبموجب القرار الذي صدر في 2 مايو 2002 أمر مكتب التعليم الإقليمي في شينجيانغ ان تكون الصينية ( Mandarin  ) لغة التعليم في كافة المدارس والمعاهد والجامعات ، وان تكون اللغة الأويغورية مادة دراسية في مدارس الأويغور في شينجيانغ (تركستان)  ، ومثلا في مدينة غولجة منذ سبتمبر 2007 أجبر الطلاب الأويغور على الدراسة باللغة الصينية بدء من الصف الأول الابتدائي بدون البدء من تعلم اللغة الأم  ، وفي الصف الرابع الابتدائي فقط يتعلمون المهارات الرئيسة للغة الأم ، وهكذا في جميع مدارس الأويغور في شينجانغ (تركستان) يدرس الأويغور لغتهم الأم كمادة دراسية إضافية لمدة ساعتين إلى أربع ساعات أسبوعيا ( وتسمي السلطات الصينية هذا النوع من التدريس ( التدريس المزدوج باللغتين ) يعني تدريس الأقليات القومية باللغة الصينية ، ودراسة اللغة الأم مادة ثانوية ، ويعني هذا أن اللغة الصينية ستكون لغة التعليم الوحيدة في السنوات القادمة ، وقد أتضح من خلال المسح الذي تم على الأطفال أن 12 % منهم لا يتعلمون لغتهم الأم ، وأن هذه النسبة سترتفع إلى 40 % في العام القادم. 

        وفي سبيل الإسراع على تعميم التدريس باللغة الصينية فقد افتتحت فصول دراسية باسم ( فصول شينجيانغ )  في مدن صينية في داخل الصين بلغ عددها 26 مدينة في عام 2006 نقلت إليها عشرات ألآف من طلاب الأويغور لتدريسهم اللغة الصينية بعيدا عن مجتمعاتهم ، وقال عنها رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شينجيانغ (تركستان)  وانغ ليجون : أن الهدف منها ليس الأعداد الأكاديمي بل التدريب على الفكر السياسي ، وتعميق الشعور الوطني وتقوية التوجهات السياسية لحماية وحدة البلاد والاستقرار والسلام على المدى الطويل ) وفي هذه الفصول التي تسمى ( فصول شينجيانغ ) يمنع الطلاب من التحدث باللغة الأويغورية  فيما بينهم ، وقد تم منع أحد الصحفيين الأويغور الذي كان في زيارة رسمية لهم من التحدث باللغة الأويغورية في مدينة جينغداوQingdao في 18 مايو 2007 , وإرسال الطلاب الأويغور إلى هذه الفصول في المدن الصينية إجبارية ، وقال أحد أولياء أمور الطلاب : إن المسؤولين يستعملون ضغوطا سرية ، ويقولون إذا لم يتم إرسال الطالب الذي يتم اختياره إلى فصول شينجيانغ سيواجه مشاكل ، أو أن الطالب قد يواجه مستقبلا سيئا.    

  

        وفي يوم 4 يونيه 2009 نشر سوي جيا Cui Jia  مقالا بعنوان : دروس اللغة الصينية في شينجيانغ تساعد على محاربة الإرهاب ذكر : ( إن التعليم المزدوج يعني التدريس باللغة الصينية وتعليم لغة الأقليات كمادة مستقلة ، وأن الرئيس نور بكري قد أكد أن التدريس باللغة الصينية سيساعد المقاطعة على مقاومة الإرهاب ، لأن الإرهابيين من دول الجوار يستهدفون الأويغور المعزولين عن المجتمع بسبب عدم تحدثهم باللغة الصينية )

        وفي الوقت الذي فرض التعليم باللغة الصينية في المدارس والمعاهد والجامعات في شينجيانغ (تركستان) ، كانت عوائل الأويغور في جنوب شينجيانغ( تركستان) لا تستطيع تأمين نفقات تعليم أبنائها التعليم العام في المدارس الحكومية ، مع أن التعليم العام لمدة تسع سنوات الأولى  لما قبل الثانوية هو تعليم إجباري إلا أن التعليم يتم مقابل دفع رسوم دراسية ، ولا تستطيع تلك الأسر أن تتحمل تبعاتها ، والطفل الأويغوري الذي يأتي من الأرياف و تحصيله العلمي محدود ، لا يتمكن من الاستمرار في دراسته لما بعد المرحلة المتوسطة ، وإذا أرادت تلك الأسر من تعليم أطفالها على طريقتها التقليدية في المساجد عليها أن تنتظر إلى أن يبلغ الطفل من العمر  18 عاما  حتى يتمكن من الدراسة بموجب القانون ، أو أن عليها أن ترسله إلى أحد المساجد في أحدى مقاطعات الصين الأخرى ، أو أن ترسله إلى خارج الصين ، وهذا مما تمنعه السلطات الصينية أيضا , وبسبب هذه المعاناة يضطر الأطفال الذين يبلغون من العمر ما بين 12-18 عاما إلى العمل في سوق العربات التي تجرها الحمير في النقل في الأسواق الشعبية، وقد نقل تيموثي غروس   Timothy A.Grose معاناة بعض الأويغور من عدم تمكنهم  تسديد الرسوم ، قالت ربيكا طالبة أويغورية تدرس في بكين : إن والديها بسبب  تحمل رسوم دراساتها في الكلية لم يتمكنا من دفع رسوم دراسة شقيقها التوأم الذي يدرس في المدرسة  المتوسطة و قدرها 600 يوان ( 90,7 دولارا) للفصل الواحد ، لأن والديها لا يستطيعان تسديد الرسوم الدراسية إلا لطفل واحد ، ، وأرثر مدير مدرسة في قرية دا لانغ كان Da Lang Kan  بالقرب من مدينة تورفان قال :  إن على الطالب أن يدفع 100 يوان ( 15،15 دولارتقريبا ) للفصل الواحد في المدرسة الابتدائية و 600 يوان ( 90,7 دولار تقريبا ) في المدرسة المتوسطة و 1000 يوان ( 151 دولار تقريبا ) في المدرسة الثانوية ، وأكد أن الصعوبات المالية تجبر أولياء كثير من الطلاب على منع أبنائهم من الدراسة بعد المدرسة المتوسطة في أورومجي ، والمسح الميداني لنسبة الطلاب المنقطعين عن الدراسة بسبب الصعوبات المالية في ضاحية كاشغر رقم 51 بلعت 68% ، وأظهرت دراسة أجريت في قرية مولاومجون Mulaomacun  الزراعية بالقرب من كاشغر أن أكثر عوائلها سحبت أبنائها من الدراسة بعد الدراسة الإلزامية التي تقدر بتسعة أعوام بسبب ارتفاع الرسوم الدراسية ، وقد ذكر كثير من الأباء الأويغور أنهم لا يكسبون بما يكفي من مساعدة أبنائهم على استكمال دراستهم العالية ، مع العلم أن 81% من الأويغور هم من  الفلاحين ، ومتوسط دخل الفلاح الأويغوري 3220 يوان ( 487 دولار تقريبا)  في السنة   ، وأفادت مجموعة من الفلاحين في تورفان أن دخل الفرد منهم من زراعة وبيع الشمام والعنب 5000 يوان ( 756 دولار تقريبا) في السنة ومع ذلك يجدون صعوبة على تسديد الرسوم الدراسية لأبنائهم وقد ذكر التقرير السنوي للجنة التنفيذية عن الصين في الكونغرس الأمريكي لعام 2008 : أن حكومة الصين منعت وأعادت الطلاب الأويغور الذين يدرسون العلوم الإسلامية في مقاطعات الصين الأخرى بدعوى اشتغالهم في الأنشطة الدينية غير القانونية.

          وبدلا أن تعالج السلطات الصينية الإشكاليات التي تحول دون استمرار الطلاب والشباب الأويغور في دراستهم والارتقاء بمستواهم العلمي والعملي بتخفيف الرسوم الدراسية وتسهيل سبل التعليم لهم , فرضت عليهم  الدراسة  باللغة الصينية في المدارس الابتدائية في الأرياف والقرى  ، وإلحاق  الطلاب الأويغور والصينيين معا فيها ، و بدأت  مدينة غولجه الأولى في تطبيق نظام التعليم الصيني في مدارسها ، وألغيت المدارس الأويغورية ، وضم طلابها إلى المدارس التي تدرس باللغة الصينية وقد بلغ عددها 561 مدرسة منذ العام الماضي 2009 ، وقال عبد الحكيم المسؤول الحزبي لإدارة المعارف لمدينة غولجه  : إن المدارس الثانوية في الأرياف جرى إغلاقها بسبب عدم توفر الإمكانات المالية على تلبية الاحتياجات الخاصة بالتدريس باللغة الصينية ، وقد ذكر أحد المدرسين أن هذا الإجراء أدى إلى حرمان الشبان الذين تتراوح أعمارهم مابين 16 - 17سنة من التعليم، وفرض على الطلاب الأويغور  الدراسة باللغة الصينية من الصف الأول الابتدائي ، وتعلم اللغة الأويغورية في الصف الرابع الابتدائي.

      وحسب الخطة الخمسية الحادية عشر لجمهورية الصين فإن التعليم المزدوج باللغة الصينية سيتم تعميمها في كل مدارس شينجيانغ حتى عام 2012 ، وقد حلل بعض الباحثين الأويغور سياسة التعليم المزدوج التي تطبقه الصين في تركستان على ضوء التعليم المزدوج الذي ينفذ في بعض المدارس في بعض الدول الأخرى ، وأكد  كل من الدكتور أركين صديق و الدكتور قهار برأت  أن  الصين تهدف من سياستها إلى هيمنة التعليم باللغة الصينية ومحو اللغة الأويغورية وثقافتها ، ومع أن بعض المفكرين والأساتذة الأويغور كانت لهم أراء وأفكارا لتصحيح المناهج الخاصة بالتعليم المزدوج باللغتين ، إلا أن حكومة الصين اعتبرت ذلك حركة مقاومة لسياستها فاعتقلت عددا منهم ، وطردت عددا آخر من أعمالهم .

      و الباحث جيمس بيبين  James D.Pippinفي بحثه الخاص برسالة الماجستير ومن خلال وجوده في المدرسة شينجيانغ الأولى Xinjiang Senior School  التابعة لمليشيا جيش الإنتاج والبناء ( بينغتوان Bingtuan ) التي يدرس فيها نخبة من الطلاب الصينيين ، ولم يجد فيها الطلاب الأويغور يقول : إن استبعاد طلاب الأقليات من هذا النوع الجيد من التعليم يعني بالتأكيد استبعادهم من التطور الاٌقتصادي الذي تشهده شينجيانغ  واستمرار خضوع الأويغور اقتصاديا لهم ، و استمرار فوارق الدخل المالي بينهم ، و هذه المدارس و أساتذتها لا يمارسون فرض السيطرة الاقتصادية فحسب ، وإنما يهدفون إلى السيطرة الاجتماعية واللغوية عليهم .

      ومع أن المادة ( 49)  من نظام الحكم الذاتي يقرر أن على الموظفين الصينيين والمسؤولين تعلم لغة الأقليات القومية تحدثا وكتابة ،  فأن السلطات الصينية بدلا من أن تتخذ الخطوات الكفيلة لتنفيذ القانون ويتحدث المسؤولون الصينيون لغة مواطنيهم الأويغور ، أعلن   وانغ ليجون رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شينجيانغ ( تركستان ) : أن تطبيق اللغة الصينية سيحقق تطوير الأقليات العرقية ، ويقضي على اللغات المحلية في القرن الحادي والعشرين  ورئيس حكومة مقاطعة شينجيانغ( تركستان)  نور بكري ذكر لجريدة الصين اليومية أن الإرهابيين من دول الجوار يستهدفون الأويغور الذين لا يستطيعون التحدث باللغة الصينية وأن هذا أوقعهم في الإرهاب ، وجعل الأويغور يحتلون المرتبة الأدنى في التعليم لأن التقدير الرسمي هو مدى معرفتهم باللغة الصينية والعلوم ، (58) وحتى تكون اللغة الصينية هو مدخل التعليم لأطفال الأويغور وقبل أن يتعزز صلتهم باللغة الأم  فقد جعلت السلطات الصينية هي لغة روضات الأطفال وطبقت دورات تأهيلية لمدرسي رياض الأطفال لمدة سنتين في عام 2005 ، وأبلغتهم أن التدريس في كل الفصول ستكون باللغة الصينية في عام 2007 ، والمدرسون الذين لا يجيدون اللغة الصينية أما ينقلون  لوظائف أخرى أو يفصلون عن العمل (59)

          ويقول الدكتور دافيد ستراوبردج David Strawbridge المستشار التعليمي لمنظمة ( أنقذوا الأطفال) العالمية الذي زار تركستان ( شينجيانغ)  و بحث ودرس سياسة التعليم مزدوجي اللغة التي تطبقه حكومة الصين الشعبية في مقاطعة شينجيانغ ( تركستان) في بحثه المنشور بعنوان : ( تحديات التعليم مزدوجي اللغة في مقاطعة شينجانغ أويغور الذاتية الحكم بالصين الشعبية ) : مع أن حق الطفل على تعلم لغته الأم مع لغة ثانية  تعتبر سياسة تعليمية وطنية صحيحة، و يتوافق مع نتائج دراسات واسعة أكدت جدوى هذه السياسة إذا تم تنفيذها من خلال تدريس الطفل أولا بلغته الأم ، ثم تعلم اللغة الثانية ، إلا أن ما ينفذ في شينجيانغ من تطبيقات التعليم مزدوجي اللغة يختلف تماما عن ذلك و يزيد من صعوبة تحقيقها ،

ثم يذكر الصعوبات التي تعترض فائدة التعليم مزدوجي اللغة الذي يجري تنفيذه في تركستان منها :

1 – نقص الفرص التي تساعد على الاستفادة من التدريس باللغتين في المدارس ، وذلك بسبب فرض اللغة الصينية وسيلة وحيدة في الدراسة في مدارس الأقليات ، ومنع البرامج الخاصة باستعمال اللغة الأم

2- تركيز المدرسين على رفع مستوى الطلاب في اللغة الصينية أدى إلى إهمال الطلاب للغتهم الأم

      ومع أن القوميات تدرك أهمية تعلم اللغة الصينية لتقدم أبناؤها ، ولكنها تدرك أيضا أن التركيز على اللغة الصينية فقط يؤدي إلى تقليص استعمال لغة الأم و اضمحلال الثقافة المحلية ، وقد ظهر هذا جليا في المدارس التي تمت زيارتها ، فقد كان الأطفال يتحدثون باللغة الصينية بطلاقة ، بينما يجدون صعوبة الحديث بلغة الأم

 ثم انتهى الباحث إلى القول بأن ليس من السهل لمنظمة ( أنقذوا الأطفال !) أن تدعم سياسة التعليم مزدوجي اللغة التي تنفذ في شينجيانغ( تركستان)  ، لأنها تركز على اللغة الصينية على أنها الوسيلة الرئيسة أو اللغة الوحيدة في التدريس في المدارس ، لأن الدعوى على أنها وسيلة لرفع مستوى خريجي طلاب القوميات للالتحاق بسوق العمل أدى إلى تدني مستواهم في لغة الأم والثقافة المحلية .

           ونسبة التعليم بين الأويغور هي الأدنى في تركستان ، إذ تبلغ نسبتهم في الجامعات 0,5% وفي التعليم العام 45% ، ونسبة الأمية 26,6% والتتار وهم أقلية مسلمة في تركستان تعتبر الأعلى إذ تبلغ نسبة الخريجين منها من الجامعات نسبة 3,6%  ونسبة الأمية فيهم 4,9% ، والذي يتضح من هذا أن التصنيف الرسمي يعتمد على المعرفة باللغة  والعلوم الصينية.

       ومع أن الهدف من تدريس الأويغور باللغة الصينية هو تأهيلهم لسوق العمل كما تدعي السلطات الصينية  إلا أن البروفيسور إلهام توختي أستاذ الاقتصاد في الجامعة المركزية للقوميات في بكين : يقول لا يعني تخرج الأويغور من الجامعات الصينية أنهم يحصلون على فرص عمل في السوق , بخاصة في الأجهزة الحكومية لأن خلفيتهم الثقافية غير مقبولة عند الصينيين . وأكبر أمين  البالغ من العمر 28 عاما من مدينة ألتاي في شمال شينجيانغ(تركستان) تخرج من مدرسة صينية ، ولكنه وقع في مأزق الثقافتين ، فهو يشعر أنه غريب عن الثقافتين ، ولم يعد يفهم ثقافته الأصلية كما ينبغي ، كما أنه بالرغم من أجادة اللغة الصينية ونجاحه في استيعاب الثقافة الصينية لم يجعله صينيا في نظر الصينيين ، إذ لا يزال في نظرهم أويغوريا ، كما أن هناك نظرة استخفاف من خريجي المعاهد الأويغورية بالأويغور الخريجين من المدارس الصينية على أنهم لا يجيدون لغتهم الأم وتاريخهم وثقافتهم ، بينما هم في نظر هؤلاء ضيق الأفق 

      ومن الواضح أن حكومة الصين الشعبية ترى أن المبادئ الإسلامية أساس الإرهاب، مع أن الشواهد تؤكد أن كثيرا من الأويغور لا يعرفون القاعدة أو الطالبان وليس لهم علاقة بالإرهاب ، والسياسة الصينية تفرض على الشباب الدراسة في المدارس الحكومية حيث التعليم غير الديني و والصلاة ممنوعة فيها ، و يحظر على الأطفال دراسة التعالم الدينية ، حتى يتشبع الطلاب بالتعاليم الإلحادية ، و يعتقد الصينيون أنه  يمكن إذابة الأطفال في الثقافة الصينية الإلحادية المهيمنة مع بلوغهم السن 18 عاما، وأنهم سوف لا يهتمون بالإسلام فيما بعد ، و كل توجهات التعليم تشير إلى أن النظام التعليمي يستهدف إذابة الأويغور وفرض وحدة الأمة الصينية عليهم من خلال تعليم أبنائهم ، كما أن الصين اتخذت التعليم المختلط للأويغور و الصينيين في المدارس أساسا بهدف التسريع لإذابة الأويغور حيث نفذ ذلك في المدرسة المتوسطة الأولى بضم 730 طالبا أويغوريا مع 1800 طالبا صينيا في مدينة كورلا .

         وقد أكدت وزارة التربية الصينية و لجنة الشؤون القومية المركزية أنه تقرر أن  تكون مادة الوحدة الوطنية إجبارية من خلال المناهج الدراسية و اختبارات الدخول إلى المعاهد  جاء ذلك في كلمة المحرر لجريدة الصين اليومية في يومي 18-19 يوليه 2009 وفي جريدة الشعب اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية كتب المحرر يقول : و حيث أنها بلد يضم قوميات متنوعة فإن فكرة الوحدة الوطنية موضوع أساسي لسلامة كل القوميات ، كما أنها وسيلة عظيمة تحفظ لحضارة الصين الاستمرار.

 

بقلم الأستاذ  توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"