التعامل المزدوج بين المسلمين الأويغور والمسلمين الصينيين الخوي

 

        المسلمون الأويغور والمسلمون الصينيون الذين تصنفهم السلطات الصينية الشيوعية بقومية خوي Huizhu دينهم واحد الإسلام وينتمون عموما إلى المذهب السني الحنفي و يعيشون تحت نظام حكومي واحد، الذي يفترض أن يعاملهم بدون تمييز بينهم وفق المبادئ الإنسانية العالمية والقيم الأخلاقية المشتركة وتنفيذا لدستور جمهورية الصين الشعبية، وطبقا لأحكام الإسلام المبني على أن المسلمين أخوة متساوون ، و ليس هناك فرق بينهم ظاهريا إلا أن الأويغور يتكلمون اللغة التي تنتمي إلى اللغة التركية ، والمسلمين الصينيين الخوي يتكلمون اللغة الصينية،

        بيد أن الحكومة الصينية التي دأبت على استعمال سياسة فرق تسد تفرق بينهم في كافة المعاملات, ويتمتع المسلمون الصينيون ( الخوي ) بحريتهم الدينية في ممارسة شعائرهم الإسلامية وتعليمهم الديني في المساجد  ومدارسهم الخاصة ، و لا يشترط بلوغ السن القانوني 18 عاما لأطفالهم لدراسة العلوم الإسلامية ، ويشترك البنين والبنات  في هذه الحرية ، ولا يمنع الموظفون والأساتذة وغيرهم منهم من أداء الصلاة وصيام رمضان المبارك ، وحرية السفر لأداء فريضة الحج، ويشاهدونهم السياح والزوار المسلمون على هذه الحرية التي يتمتعون بها ، و هم منتشرون في كل أنحاء الصين ، ويعتقد السواح المسلمون وغيرهم أن جميع المسلمين في كل الصين يتمتعون بحريتهم الدينية، ولا يبادر إلى ذهنهم أن حكومة الصين تعامل المسلمين الأويغور بخلاف ذلك ، و حتى أن بعضهم لا يصدق أن المسلمين الأويغور في مقاطعة شينجانغ لجمهورية الصين الشعبية محرومون مما يتمتع به أخوانهم المسلمون الصينيون في مقاطعات الصين الأخرى ، ونادرا ما تجد أحد المسلمين الزائرين إلى الصين يلاحظ هذا الفرق ، أو يكتب عنه !؟ مع أن من واجب الحكومات والهيئات الإسلامية أن تنبّه إلى هذا التمييز العنصري البالغ الخطورة!

    (أئمة مساجد أويغور يتم إجبارهم على الرقص)

وبالإضافة إلى الدكتورة جاكي ارميجو Jackie Armijo  الأستاذة في جامعة زايد في أبو ظبي بدولة الأمارات العربية المتحد التي تطرقت إلى سوء وضع المسلمين في تركستان الشرقية في بحثها بعنوان : التعليم الإسلامي في الصين، فقد كتبت الدكتورة اليزابث اليس Elisabeth Alles  في بحثها بعنوان : ( تعليم الدين الإسلامي في الصين ) و بعد أن تحدثت عن واقع التعليم الإسلامي عند مسلمي الصين في مقاطعات الصين   تقول : في مقاطعة شينجيانغ فرضت سياسة تعليمية متشددة في تدريس الدين واللغة ، والتعليم الديني الذي نشط في ثمانينات القرن العشرين منع في عام 1996 ، ثم بدء بانفراج في عام 2002 حيث أجيز للإمام أن يدرس طالب أو طالبين فقط ، وأن يكون ذلك بموافقة مكتب الشؤون الدينية والسلطات المحلية ، بينما مئات الطلاب يدرسون في مدارس المساجد في كل مقاطعات الصين الأخرى ، كما أن الشرط الذي ينص على أن يكون طالب العلوم الدينية يبلغ من العمر 18 عاما لا يطبق فيها وإنما يتم تطبيقه فقط في مقاطعة شينجيانغ ، التي لا يوجد فيها إلا معهد قرآني واحد في أورومجي، وتديره السلطات الصينية و تراقبه ,   ويقول الباحثان في معهد آسيا الشرقية في جامعة سنغافورة الوطنية : إن الإسلام يعتنقه الأويغور كما يعتنقه المسلمون الصينيون (الخوي) المنتشرون في أنحاء الصين ، وفي الوقت الذي تعتبره حكومة الصين الإسلام تهديدا سياسيا لها في شينجيانغ ( تركستان الشرقية) و تحاربه ، فإن المسلمين الصينيين في مقاطعات نينغشيا وكانسو و جينغهاي وغيرها أحرار في ممارسة شعائرهم الإسلامية الدينية.

      وفي خارج مقاطعة شينجيانغ تسمح حكومة الصين للجماعات المسلمة في إدارة مدارس خاصة في المناطق الصينية ، والقيام ببرامج الإغاثة والإعانة ، وقد امتدح موقع إلكتروني حكومي منجزات مدرسة إسلامية خاصة في مقاطعة كانسو  في عام 2005، كما شكرت صحافة مقاطعة جينغهايQinghai مسجد دونغوان  Dongguanعلى تقديمها الطعام والمأوى للمحتاجين، كما ترخص للمساجد أن تنظم الدروس الدينية للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، و المسلمات الصينيات يتولين الإشراف والإدارة لمساجد خاصة بهن ، كما توضحه ماريا جاشوك وشوي جينغ جون Maria Jaschok & Shui Jingjun  في كتابهما ( تاريخ مساجد النساء في الصين ) ويتمتعن بتدريس أبنائهن وبناتهن القران الكريم والعلوم الإسلامية وممارسة حياتهن وفق التعاليم الإسلامية ، ولكن المسلمات الأويغوريات في مقاطعة شينجيانغ (تركستان) لا يحق لهن دخول المساجد أو الصلاة أو تعلم القران الكريم أو حتى وضع الساتر على رؤوسهن كما تفعل المسلمات الصينيات .

         و في مقاطعة  شينجيانغ فإن حكومة الصين تصنف ممارسات الأويغور للمناشط الدينية والاجتماعية بالتطرف الديني والانفصال القومي ، و تفرض على الأويغور قيودا شديدة على حياتهم الدينية والثقافية والاجتماعية أكثر مما تفرضه على المسلمين الآخرين ، وطبقا لأقوال أحد أعضاء أكاديمية العلوم الاجتماعية في شينجيانغ : فإن شينجيانغ (تركستان) تتميز بكثرة القوانين الدينية أكثر من أي مقاطعة أخرى تستخدمها الدولة سلاحا لمحاربة الدين، ويمكن ملاحظة ذلك في التصريح السياسي لسكرتير الحزب الشيوعي لمقاطعة شينجيانغ (تركستان)  حيث أعلن السكرتير وانغ ليجون  في يناير 2005 وقال : (لن يتهاون التعليم العام على تفعيل الإلحاد لتغيير العادات الاجتماعية حتى يقود الجماهير إلى تطوير حياتها العلمية والمدنية والصحية و يحفز على التطور الوطني )

         وفي الوقت الذي أعلن مسؤولو الحكومة المركزية في بكين للإعلام الخارجي في مارس  2005 عن تأكيدهم على أن الأقليات يتمتعون بالحرية في ممارسة شعائرهم الدينية ، كانت حكومة شينجيانغ (تركستان) تمنع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما من دخول المساجد و دراسة العلوم الدينية، حتى في منازلهم، وتمنع الطلاب من المشاركة في الأعياد الدينية ومن الصيام في رمضان أو ارتداء الملابس الإسلامية, وكانت تطلب من المدرسين أن تبلغها عن الطلاب الذين يصلون أو يصومون ، و قيدت بناء المساجد و أغلقت العديد منها ، كما أغلقت المدارس الدينية  منذ تسعينات القرن العشرين .

   و لم تكتف الصين بتقييد الحرية الدينية وانتهاك حقوق المسلمين في شينجيانغ (تركستان الشرقية) ولكنها انتهكت أيضا حريتهم في التعبير و حقهم في حماية ثقافتهم الخاصة ، والتي منحها لهم قانون مناطق الحكم الذاتي القومي والعهود العالمية التي التزمت بها الصين دوليا . 

      ومن المفارقات العجيبة أن نشر وتوزيع الكتب الدينية الإسلامية مسموح بها في مقاطعات الصين الأخرى ، ولكن  في شينجيانغ (تركستان)  و هي مقاطعة صينية أيضا لا يسمح فيها بتداول نفس الكتب ، كما أن نقلها من مقاطعات الصين و نشرها في شينجيانغ تعتبر جريمة كبرى يعاقب عليها القانون الصيني الذي يسمح به هناك ، وتمنعه هنا ، و كلها في دولة نظامها واحد ، ولكن هذا ما حدث ، وهذا ما يوضحه قرار محكمة التفتيش الشعبية في أورومجي بتاريخ13/1/2010 ويتضمن ما يلي :

السلطات الصينية اعتقلت 8 أشخاص هم :

  • عبد الأحد محمد أمين ، 30 عاما ، من قراقاش في خوتن بتاريخ 5/6/2009
  • عبد الكريم يعقوب ، 30 عاما , من مدينة اقسو بتاريخ 5/6/2009
  • على ناصر ، 32 عاما, من مدينة كاشغر بتاريخ 1/4/2009
  • أحمد محمود ،31 عاما, من بلدة كوما بولاية خوتن 1/4/2009 
  • عبد السلام عبيد الله , 39 عاما ، من آباد بمدينة اقسو بتاريخ 1/5/2009
  • محمد يوسف محمد أمين ، 26عاما , بلدة كوما بولاية خوتن بتاريخ 10/4/2009
  • يوسف عبد القادر , 31 عاما , من بلدة كوما بولاية خوتن بتاريخ 22/3/2009
  • عبد الحميد عبد الجليل , 28 عاما ، من بلدة كوما بولاية خوتن بتاريخ 19/4/2009

فقد قام هؤلاء المتهمون بجمع مبلغ 32 ألف يوان ( 4700 دولار) والشراء من ماخاكي (مسلم صيني غير معتقل)  في مدينة لا نجو في بولاية كانسو الكتب التالية :

تفسير أبن كثير  2- النبع الصافي 3- مختصر سيرة التابعين 4- الإيمان والحياة 5- شروط الإيمان 6- الأسس الإسلامية 7- ماذا يقول الإسلام للنساء 8 – أثر الهجرة 9- تربية الأولاد في الإسلام 10- الحلال والحرام في الإسلام 11- طريق المسلمين 12- الخلفاء الراشدون 13 – مفاهيم يجب أن تصحح 14- قاموس عربي – أويغوري.

     وعدد النسخ التي تم شراؤها من هذه الكتب عشرين ألف نسخة ، و تم نقلها إلى مدن أورومجي و خوتن وكاشغر واقسو و بيعها ، وحيث أن هذه الكتب كلها كتب غير قانونية ، وتحرض على الانفصال ، فقد تم اعتقال المذكورين وسجنهم لمحاكمتهم طبقا للمادة 141 من قانون جمهورية الصين الشعبية الجنائية ، الموقعون على القرار من محكمة  التفتيش الأهلية لمدينة أورومجي  :

المفتش المؤقت : فريدة محمد ،  والمفتش المؤقت أمير الدين حسن في يوم 13/1/2010

المعتقلون في سجن شسه ن.

وهكذا لم تكتف حكومة الصين الشعبية من تمييز معاملة الأويغور بالنسبة إلى الصينيين،  القومية الرئيسة هان Hanzhu  بل تسئ إليهم حتى بالنسبة إلى إخوانهم المسلمين الصينيين ، الخوي Huizhu وما هو مسموح لهم يعاقب عليه الأويغور ، أنظر إلى أي درجة وصل التمييز العنصري؟!

 حتى أن الطلاب الأويغور الذين يدرسون في مدارس المسلمين الخوي تمنعهم من الدراسة فيها وتعتقلهم السلطات الصينية و تعيدهم بالقوة إلى شينجيانغ ( تركستان) بدعوى الاشتغال بأنشطة دينية غير قانونية.  

               وأما ما يمارسه المسلمون الصينيون ( الخوي) من أمور دينية وشؤون تعليمية إسلامية لا يعتبر في نظر السلطات الصينية أنشطة غير قانونية أو إرهابية أو انفصالية ! مع أن الشعائر الدينية والممارسات الشخصية لها واحدة.

  عندما فرضت في المعهد الإسلامي في أورومجي و هو المعهد والمدرسة الإسلامية الوحيدة في مقاطعة شينجيانغ ( تركستان) المواد الشيوعية وهي : تاريخ الحزب الشيوعي الصيني ، وتاريخ شينجيانغ ، النظرة الماركسية نحو الدين و مختارات من أقوال الرئيس دينغ شاوبينغ ، احتج كل من أساتذة المعهد الشيخ محمد عبد الله الحاج و الشيخ يوسف الحاج واعتقلا و أجبر مدير المعهد الشيخ محمد صالح على الاستقالة في أكتوبر  2000 ، وفي بلدة قراقاش في ولاية خوتن أغلق مسجد دونغ Dong لأنه مجاور لمدرسة ابتدائية يتردد إليه طلابها ،  وفي عام 1989 في  بلدة توقسون بولاية آقسو عندما طالب المسلمون بأرض مسجد رسته Reste التي باعتها السلطات الصينية لرجل أعمال صيني، اعتقلت كلا من : ياسين تردي والهام مجيد و اوتكور عمر و محمد أحد و تردي أحمد و توختي قوتي و عيسى حسن و رحيم رحمان لأنهم يطالبون بأرض المسجد ، و لا يزال أكثرهم معتقلون في السجن الأول في أورومجي حتى الآن.

 

 بقلم الأستاذ  توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"