تركستان بين فلسطين والتبت

 

  المسلمون التركستانيون..دعاة الحق.. و ضحايا الإرهاب الصيني !  

     إن الأوضاع الإنسانية و الاضطهاد الديني و التمييز العنصري التي يعيشها التركستانيون ( الأويغور المسلمون ) ليست خافية على كثير من الباحثين المسلمين وغيرهم ، وقد كتب الكثيرون عن مأساتهم , منبهين إلى تدهور الحياة الإنسانية ، وما قد يؤدي ذلك إلى انفجار الوضع ,  و قد طالب بعضهم الدول والمنظمات الإسلامية بالاهتمام بالظروف السيئة التي يعيشها الأويغور ، ومنهم  الأستاذ فيصل قوطي بعنوان :  (سريان التصفية العرقية بصمت ) في 26 مايو 1999 : { هل تظن أن انتهاكات حقوق الإنسان تتم في كوسوفا وفلسطين ؟  , لا ... إن حكومة الصين تقوم بقمع و اضطهاد المسلمين في تركستان الشرقية أيضا ، واستغرب تعاون حكومات قازاقستان و قيرغيزستان وتاجيكستان مع الصين في ذلك ، وأن العالم الإسلامي الذي يعتبر سوقا مفتوحا لمنتجات الصين و مصدر نفط  دائما لها  يجب أن يتكلم لحماية المسلمين الأويغور قبل أن يتدهور الوضع كثيرا في شينجانغ .)  1)

     والكاتب المسلم نعيم صديقي من كندا كتب في جريدة ميشغان مسلم بعنوان ( حان الوقت لإنهاء الصمت عن اضطهاد المسلمين  في الصين ) : بعد أن ذكر أمثلة لما تمارسه الصين من اضطهاد ديني ضد المسلمين ، واستنكر صمت المسلمين و الحكومات والمنظمات الإسلامية و على رأسها منظمة المؤتمر الإسلامي. وأن صمت العالم الإسلامي نحوهم شيء مخجل ، بينما تتم المظاهرات حول الكتب والصور المسيئة  ، و معاناة المسلمين الأويغور أصبحت مجهولة ، ولا يرى أحد منهم في المؤتمرات والندوات الإسلامية، وبينما يستمر دعاء المسلمين في صلواتهم بطلب النصر للمسلمين في أفغانستان والعراق وكشمير وفلسطين ، ولكن لا أحد يقول دعوة أو كلمة عن المسلمين الأويغور ، وهم يستحقون معاملة أفضل من حكومة الصين و من أخوانهم المسلمين )(2) .

        وفي الوقت الذي كانت الهيئات الدولية تراقب وضع المسلمين الأويغور والإجراءات التعسفية التي يواجهونها لحماية دينهم و هويتهم الثقافية والإسلامية ، وما كتبه العشرات من المراسلين والإعلاميين توضح القيود التي فرضتها عليهم السلطات الصينية بمنع الصلاة والصيام والحج وحظر التعليم القرآني على نساء وأطفال وشباب المسلمين ، على الرغم أن السلطات الصينية و بعض المسؤولين الصينيين  يعلنون عن تطبيقها ضدهم رسميا بدون مواربة ، ثم جاهرت الحكومة الصينية مؤخرا بمنع التعليم باللغة الأويغورية في المدارس ، و نقلت الفتيات و البنات المسلمات من ديارهن إلى مناطق الصين و كتبت عن ذلك هيئات أوروبية ودولية ،

      وحيث إن انتهاك الصين لحقوق الإنسان لم يكن أمرا خافيا فكل الهيئات الدولية و الباحثين المختصين بحقوق الإنسان في دول العالم تقريبا قد لاحظتها و سجلتها ، حتى أن الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة قد طالب الصين بتحسين سجلها و احترام حقوق الإنسان في كلمة ألقاها في مدرسة الحزب المركزي في بكين .(3)

         و لكن مع الأسف الشديد فإن معظم حكومات الدول الإسلامية لم تحرك ساكنا و لم تنطق بكلمة استغراب أو إشارة ، وكأن الأويغور لم يكن شعبا مسلما له واجبات وحقوق الإسلام ، مع أن الأحداث الأخيرة التي وقعت في أورومجي في 5/7/2009 لم تكن إلإ نتيجة طبيعية لتفاقم الظلم والقمع الديني ، وتفاعلت معها  الشعوب الإسلامية و تحركت  لنصرة إخوتها في الدين الأويغور من إندونيسيا إلى المغرب والأقليات المسلمة في دول العالم ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وهي تمثل الدول الإسلامية لم يكن لها إلا موقفا هزيلا ،  و كذلك رابطة العالم الإسلامي وهي أكبر المنظمات الشعبية الإسلامية فقد آثرت الصمت ، ولو لم تكن نداءات الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة وغيرهما من المؤسسات الإسلامية الشعبية ، ما كان العالم قد سمع صوتا لأي منظمة إسلامية، بالرغم أن معظم وكالات الأنباء العالمية نقلت المجزرة الدامية بدون مواربة

       كما هب كثير من الإعلاميين والباحثين المسلمين  المتأثرين بالأحداث الأخيرة  بالكتابة عن مأساة إخوانهم الأويغور ،  وحفلت بعض الصحف العربية والإسلامية بالكثير من الكتابات تندد بالجرائم التي ترتكبها حكومة الصين ضد المسلمين ، وطالب الكثيرون حكوماتهم الإسلامية بنصرة المسلمين , كما قامت بعض الصحف بنشر المقالات والترجمات العربية لأبحاث كتبها بعض الباحثين والإعلاميين الأمريكيين والأوروبيين ، وكانت سببا لتعريف الرأي العام العربي والإسلامي بجوانب قضية الأويغور المسلمين ، ولفت الانتباه لما يجري ضدهم ، ولكن بعض الحكومات الإسلامية أوعزت إلى أجهزتها الإعلامية بعدم التطرق أو الاستمرار في عرض جوانب هذه القضية الإسلامية ... لماذا؟ و لمصلحة من ؟ .

       وما صدر من بحوث علمية باللغة العربية عن معاناة المسلمين الأويغور ( التركستانيين ) من الحكم الصيني الشيوعي ، أو عن الأسباب التي أدت إلى الانتفاضة التي حدثت في أورومجي 5/7/2009 ، كانت قليلة مقارنة بما نشر باللغة الإنجليزية ، ومع ذلك كانت مهمة لكثير من القراء العرب المتطلعين  لمعرفة أحوال أولئك المسلمين , كما ساعد نشر الكتب التاريخية عنها على التعريف بماضي هذا الشعب المسلم  ، ومن ذلك :

+ الدكتور نصر الله مبشر الطرازي : تركستان ماضيها وحاضرها ، مكتبة الآداب ، القاهرة 1431 هـ/ 2010 .

+ الدكتورة ميادة أحمد محمد : دور عيسى يوسف البتكين في قضية تركستان ، ، القاهرة 1430هـ/ 2009 م .

+ بولات تورفاني ( ترجمة الدكتور إسلام صالح عبد الفتاح) تركستان الشرقية تحت الاحتلال الصيني ، دار اليسر ، القاهرة  1431هـ/ 2010م .

+ الدكتور عز الدين الورداني : تركستان الشرقية و الصين .. صراع حضارتين ، مركز الحضارة العربية ، القاهرة 2009 .

     وقد ظهر في أوروبا وأمريكا واليابان عدد من  الكتب والأبحاث العلمية في الواقع كانت زاخرة توثق لمأساة المسلمين الأويغور ، و توضح جوانب تاريخهم وحضارتهم والممارسات التي تطبقها ضدهم الحكومة الصينية  منذ احتلالها بلادهم، وأما الهيئات الدولية مثل : منظمة العفو الدولية ، ومنظمة حقوق الإنسان ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان ومنظمة اللاجئين الدولية وغيرها لها إصدارات خاصة توضح مواقفها من هذه القضية الإنسانية وقد تم ذكر بعضها في هذا الكتاب.

        وكتب بعض الباحثين مقالات تقارن بين قضيتي تركستان والتبت اللتين تحتلهما الصين ، موضحا أن الأولى لا تجد الدعم الدولي لها ، بينما قضية التبت تجد دعما دوليا واسعا ، وهذا أيضا يؤدي إلى السؤال الآتي :

       كم عدد المقالات والتحقيقات و الأخبار التي تنشر عن التبت في الصحف العربية و الإسلامية بالمقارنة لما ينشر فيها عن قضية تركستان ؟ أيهما يحتاج إلى تعريف الرأي العام الإسلامي أكثر ؟

         وقد كتب جون بوفرت يقول : إن  شينجيانغ منطقة مضطربة منذ زمن طويل ، ومثل ما حدث في التبت فإن الاضطرابات قد زادت بعد أن بدأت الصين تقيد حرية الدين فيها منذ 1980 ، ولكن الأويغور لا يوجد لديهم زعيم مؤثر مثل الدلاي لاما زعيم التبت الروحي ، بالإضافة إلى أن البوذية تجد كثيرا من التعاطف في الغرب  ، و الإسلام الذي يهيمن في شينجيانغ لا يجد ذلك الدعم الدولي  ، بينما تفقد الصين التعاطف الدولي معها في حربها في التبت ، إلا أنها تكسب في قضية الأويغور على أنها معركة بينها وبين الأصولية الإسلامية (4) .

     ولم تبد معظم دول غرب آسيا الإسلامية اهتماما بالأحداث التي وقعت في تركستان ماعدا تركيا التي استنكر رئيس وزرائها الإبادة العرقية التي تجرى فيها وطالب ببحث الأزمة في مجلس الأمن ، وإيران التي ندد منها آية الله نصر مكرم شيرازي بالوضع ، وكان وزير خارجيتها مانوشهر متقي قد اتصل هاتفيا بالوزير الصيني وأعرب له عن قلق الدول الإسلامية للأحداث الدامية في أورومجي , والجزائر متمثلة في شخصية الشيخ أبو جرة السلطاني رئيس حركة مجتمع السلم ( حمس) حذرت السفير الصيني من خطورة الانعكاسات السلبية لوضع مسلمي الأويغور على علاقات الصيني بالعالم الإسلامي (5).

        ولكن أكثر الدول الإسلامية آثرت الصمت والتجاهل و منها الدول المجاورة لتركستان ، قازاقستان وقيرغيزستان وتاجيكستان وأوزبكستان التي تشترك مع الصين في منظمة تعاون شنغهاي ، و ترتبط معها بعلاقات اقتصادية واتفاقيات ثنائية ،  وقد فضلت مصالحها على الروابط  العرقية والدينية والثقافية التي تربطها بشعب تركستان المسلم .

       وسفير جمهورية سوريا خلف محمد الجارد أيد الإجراءات التي اتخذتها الصين لقمع الأحداث ، وقال : ( إن شينجيانغ جزء من الصين وأن ما يهدد شينجيانغ و استقرارها مما يضر تطور الصين وتقدمها )(6) ،  وجمهورية السودان ( الإسلامية ) صرح وزير دفاعها عبد الرحيم محمد حسين الزائر لجمهورية الصين حينذاك أن حكومة السودان تؤيد بقوة كل الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصينية ضد المسلمين الأويغور (7 (  وأما باكستان لم تكتف بتأييد إجراءات القمع الصينية ضد المسلمين ، بل استعملت علاقاتها ببعض الدول الإسلامية لمنع إثارة قضية مسلمي تركستان  في منظمة المؤتمر الإسلامي (8)،       وفي خبر أذاعته قناة  سي إن إن  قال سجاد مالك : إن باكستان لعبت دورا مهما لصرف بعض الدول الإسلامية عن بحث قضية العنف في مقاطعة شينجيانغ في منظمة المؤتمر الإسلامي و أنقذت الصين من موقف محرج ، قال ذلك لو زاوخوي Lou Zhaohui  السفير الصيني في إسلام آباد ، وقال السفير ذلك في إجابة لأحد الأسئلة مؤكدا أن باكستان قامت بذلك الدور في الوقت الذي تمول بعض الدول الغربية مسلمي الأويغور ، وقال إن باكستان تقدم مساعدة مهمة لقمع حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تثير الاضطرابات في شينجيانغ ، وقال السفير الصيني إن الصين قدمت مساعدات مالية بنحو 1,5 بليون دولار منذ عام 1998، وأن في باكستان 120 مشروعا صينيا للاستثمار و يعمل فيها أكثر من 1000 مهندس صيني ( 3/3/2010 ) (9).

       وهناك دول إسلامية مثل المملكة العربية السعودية التي تعتبر أكبر شريك تجاري لجمهورية الصين الشعبية  في كل آسيا الغربية وشمال أفريقيا ، وحسب تقرير البنك السعودي- البريطاني فإنها ثاني أكبر دولة مستوردة من الصين وخامس دولة مصدرة إليها ، تتطلع إلى أن تقدر حكومة الصين علاقاتها الودية والاقتصادية معها ، و مكانتها الدولية والإسلامية ، وأن تعمل على تحسين سياستها نحو المسلمين ، وهي تعلم يقينا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين دائم الاهتمام بشئون المسلمين وتراعي في علاقاتها الدولية والإقليمية أحوال المسلمين و تحسنها ، و لكن يبدو أن الصين الشعبية  لم تعي ما قد يؤثر اضطهادها لمواطنيها المسلمين في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الإسلامية التي تهتم بالشأن الإسلامي، وتلاحظ ما كانت لهم من مواقف نحو مسلمي كوسوفا والبوسنة والهرسك وغيرهما من القضايا الإسلامية .

         والصين تسعى على تطوير علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية , كما أعلن الرئيس الصيني هو جينتاو في إبريل 2006 : أن الدولتين تعملان على رفع التبادل التجاري بينهما إلى 150 بليون ريال سعودي بحلول عام 2010 ، وقد تحقق ذلك في عام 2008 ، وحسب الأرقام الصينية في عام 2007 فإن تجارة الصين مع دول الخليج العربي بلغ 58 بليون دولار منها 30,3 بليون دولار واردات ، و 27.7 بليون دولار صادرات ، وإيران تحتل المرتبة الثالثة في تزويدها الصين بالنفط الخام حيث تزودها بنسبة 12% من احتياجها من النفط سنويا علاوة أن الصين تدعم برنامج إيران النووي وحليفتها ضد محاولات أمريكا والغرب على عزلها وفرض العقوبات عليها وبينهما علاقات عسكرية ، لا بد أن تعمل الصين  مع هذه العلاقات الوثيقة مع الحكومات الإسلامية -على كسب صداقة شعوبها المسلمة برفع الاضطهاد الديني عن المسلمين الأويغور، و تهيئة ظروف التقدم والتطور التعليمي و الاقتصادي والاجتماعي لهم . 

        والحقيقة أن الدبلوماسية الصينية وأعلامها تعتقد أن علاقاتها السياسية والاقتصادية مع بعض الحكومات الإسلامية يعطيها الحق في اضطهاد المسلمين الأويغور  ، وأنها قد نجحت في كسب تعاطف تلك الدول  معها ، وقد أشارت إليه السيدة رابية قادر رئيسة المؤتمر الأويغور العالمي ، وقالت : إن العالم الإسلامي لم يحرك ساكنا لما يعانيه المسلمون الأويغور و أن السلطات الصينية قد نجحت في تضليل الرأي العام الإسلامي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 ، بدعوى علاقة الأويغور بالإرهاب العالمي و دعمها لأمريكا في حربها ضد الإرهاب ،وصداقتها مع الدول الإسلامية الكبرى (10). ولكن بالتأكيد لو اهتمت تلك الدول بدراسة حقيقة ما يعانيه مسلمو الأويغور من الاضطهاد والممارسات غير الإنسانية واستفادت من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية لخير الإسلام لأتت ثمارها لصالح المسلمين .

    ويقول براسانتا براذان :  لكن يبدو واضحا أن موقف دول آسيا الغربية متباينة وغير متحمسة لقضية المسلمين الأويغور ، لأن ماعدا تركيا لم تتخذ أي دولة إسلامية أية خطوة جادة نحو هذه القضية ، ولو أن مثل هذه الأحداث حصلت في كشمير أو فلسطين أو في أي جزء آخر من العالم لكانت هذه الدول سارعت إلى إظهار موقفها من ذلك ، ولكنها آثرت مصالحها التجارية والسياسية  مع الصين (11) .

         كما استغرب مراسل وكالة الأنباء اسوشتيدبرس Associated Press  من القاهرة صمت  معظم الدول الإسلامية عن أحداث الصين (12) ، ويقول جون توفل درير June Teufel Dreyerالمتخصص في شؤون الأقليات العرقية في الصين في جامعة ميامي : إن الأويغور يعانون التمييز العنصري والتهميش الاقتصادي ، منذ أن  تدفق المهجرون الصينيون واحتلت القوات الشيوعية بلادهم ، و يشعرون بالبؤس و يرغبون أن يعالج هذا البؤس ، ولكن لم يحدث هذا ، ولا يعاملون بالعدالة و لا يجدون دعما من أحد (13) .

      وكتب غوردون فايركلوغ في جريدة وول إستريت : إن قضية حقوق الإنسان الأويغوري لقيت اهتماما ، ولكن أقل مما حظي به التبتيون عالميا، ذلك لأن دلاي لاما زعيم التبت الروحي اكتسب احتراما  ودعما دوليا لقضية التبت ، أما الأويغور وهم مسلمون في الجملة تسعى الصين أن تجعل حملاتها ضد حقوق الأويغور على أنها معركة ضد الإرهاب الإسلامي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 (14) .

      ويقول دنيس بورك Denis Burke  أن التبت منذ أن احتلتها الصين قبل 60 عاما ، و هي تحظى باهتمام الجماعة الدولية ، و يتعاطف معها دول آسيا والعالم الغربي ، بيد أن شينجيانغ  تكاد تكون مجهولة ، ولا يعرف عن شينجانغ الكثير ، بينما قضية التبت وجدت تعريفا في العالم ، ولكن  شينجيانغ لا تجد إلا دعما ضئيلا ، وإذا كانت اضطرابات التبت عام 2008 تناقلها الكثيرون  من المخبرين الغربيين ، فإن الإعلام الغربي  بنقل الأحداث الأخيرة أكد أن الأويغور مضطهدين في ديارهم أيضا. (15)

      واستغرب فرانك جينغ Frank Ching   أن التفاعل الدولي مع الأحداث التي حصلت في شينجيانغ كان مختلفا عن تفاعله مع الأحداث التي حصلت في التبت في العام الماضي (2008)  ، في العام الماضي قامت الدول الغربية بممارسة الضغوط على الصين  لإجراء حوار مع ممثلي التبت ، حتى أن الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي هدد الصين بمقاطعة الأولمبياد إذا رفضت الصين الحوار ، بينما مع أحداث شينجيانغ فإن الموقف الغربي تميز بالتجاهل ، والرئيس الأمريكي باراك أوباما اكتفي بدعوة الطرفين إلى ضبط النفس ، والاتحاد الأوروبي دعا أيضا إلى ضبط النفس ،  مع أن  قضيتا شينجيانغ و التبت متشابهتان ، ولكن العالم تغير ، فالصين شريك مؤثر مع أمريكا وأوروبا لمعالجة الأزمة المالية ، و الدبلوماسية الصينية تساعدهم في معالجة قضية التسلح النووي الإيراني وكوريا الشمالية ،والمشكلة الرئيسة للأويغور أن العالم لا يعرف الكثير عنهم ، لولا الأحداث الأخيرة التي ساعدت على تعريف الرأي العام بقضيتهم لبقيت مجهولة .(16)

     كما تباينت مواقف بعض الدول الأوروبية حيث قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل : (ستتاح لنا الفرصة لمناقشة مسألة شينجيانغ مع الرئيس الصيني هو جينتاو في لاكويلا ، و نحن ندعم مبدأ وحدة الصين ، وهذا واضح، و لكن يجب أن يكون من الممكن ضمان حقوق الأقليات )(17) وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية اريك شوفالييه : ( إننا قلقون . سيكون هناك على الأرجح رد فعل أوروبي )(18) ، وأعلنت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي : (أن الاتحاد الأوروبي يشعر بقلق شديد من الاضطرابات ... وأنه يأسف للخسائر في الأرواح ، و يعرب عن تعاطفه مع عائلات الضحايا.. وأن الاتحاد الأوروبي يدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس و يطالب بإيجاد نهاية سلمية للوضع )(19)

       وأما منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم في عضويتها 57 دولة إسلامية ومقرها المملكة العربية السعودية فقد أعربت في أول الأمر عن بالغ قلقها إزاء الأحداث التي وقعت في شينجيانغ ، ثم دعت الحكومة الصينية إلى الإسراع في إجراء تحقيق ميداني بشأن الأحداث الخطيرة و اتخاذ جميع التدابير الممكنة للحيلولة دون تكرارها ،  مبدية استعدادها لتقديم المساعدة والتشاور مع الحكومة الصينية حول الجهود التي يتعين بذلها من أجل إيجاد مناخ قوامه السلم و الاستقرار في الإقليم .

    وكانت الدورة السادسة والثلاثون لمجلس وزراء الدول الإسلامية المنعقدة في دمشق بالجمهورية العربية السورية في الفترة من 92 جمادي الأول – 1 جمادى الآخرة 1430 التي يوافقها 23-25 مايو 2009 أي قبل الأحداث الأليمة التي وقعت في أورومجي في 5/7/2009 اتخذت القرار التالي :

القرار رقم 1/36 أ م بشأن الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي  المادة (15) :

( يدعو الأمين العام إلى مواصلة اتصالاته مع الحكومة الصينية لحثها على الاستجابة للمطالب المشروعة للمسلمين في إقليم سينج يانج ( شينجيانغ) هناك ، ويحث الدول الأعضاء ذات العلاقة الوثيقة بالصين دعم جهود الأمين العام في هذا الصدد ) 

    وبعد الأحداث الأخيرة قام وفد منها  برئاسة مستشار الأمين العام لشؤون الأقليات المسلمة السفير السيد قاسم المصري بزيارة جمهورية الصين الشعبية في الفترة من 16-21 أغسطس 2009 ، وزار مدينة أورومجي عاصمة شينجيانغ ( تركستان) و مدينة ينجوان عاصمة مقاطعة نينغشيا خوي الذاتية الحكم و هي مقاطعة يتمركز فيها المسلمون الصينيون , وجاء في الخبر الذي نشرته جريدة الرياض  عن نتائج هذه الزيارة بتاريخ 5 رمضان 1430 : وقد اتفق الجانبان على ضرورة معالجة مشكلة الأويغور المسلمين في إقليم شينجيانغ عبر ملامسة جذور الأزمة التي أدت إلى اندلاع الاشتباكات في الإقليم ، في الوقت الذي عزا فيه الجانب الصيني بعض أسباب أزمة 5 يوليه الكامنة إلى الفجوات الاقتصادية التي خلفتها النهضة التنموية الفارقة في البلاد ، وأن الوفد تناول في مباحثاته مع المسؤولين الصينيين حول السياسة التعليمية في إقليم شينجيانغ ، و مسألة الإدارة والاستفادة من المصادر الطبيعية للإقليم ، بالإضافة إلى قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بعملية الزواج والميراث ، فضلا عن حدوث عمليات إجبار على ألإجهاض طالت مواطنات أويغوريات مسلمات ، كما طرح الوفد الإسلامي قضية نسبة توظيف الأويغور في مناصب عليا في حكومة الإقليم على طاولة البحث في أكثر من مناسبة ، بالإضافة إلى دخل الفرد في شينجيانغ مقارنة بين الأويغور المسلمين والهان الصينيين من جهة ، ومع الأقاليم الأخرى من جهة ثانية .

        ووفق مصادر في المنظمة ، فإن الجانبين اتفقا على استمرار الحوار بين الجانبين بغية تطويق الأزمة ، أو أية احتمالية لنشوب مشكلة في المستقبل ، كما أقر الجانبان بضرورة الحفاظ على العلاقات بين العالم الإسلامي والصين قوية ، فيما أكدت الأخيرة حرصها على استمرار الحوار مع المنظمة التي تعتبرها من أهم المنظمات الدولية المعنية بالشأن الإسلامي ، وشددت المصادر على رغبة بكين تعزيز ورفع مستوى العلاقات مع المنظمة وفق الفرص المتاحة  (20) .

 

     بيد أن الدورة السابعة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقدة في دوشنبه بجمهورية تاجيكستان في الفترة 4-6 جمادى الآخرة 1431 التي توافقها 18-20 مايو 2010 كان قرارها الذي اتخذته في هذا الشأن هزيلا ، ولم يصل إلى مستوى اهتمامها بقضايا المسلمين في جنوب الفلبين وماينمار وتراقيا الغربية في اليونان والهند التي تطرقت إليها ، كما لم يعبر عما جاء في تصريح الوفد الإسلامي ، حيث  نص القرار رقم 1/37 أ م الخاص بشأن حماية حقوق الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي  :

(14) يرحب بالدعوة الموجهة للآمين العام للقيام بزيارة رسمية إلى جمهورية الصين الشعبية من أجل تطوير العلاقات بين منظمة المؤتمر الإسلامي و جمهورية الصين الشعبية للاطلاع على أحوال المسلمين ، ويحث الدول الأعضاء على دعم جهود الأمين في هذا الصدد .

(15) يعبر عن ارتياحه للنتائج الناجحة لزيارة و فد الأمانة العامة إلى جمهورية الصين في الفترة من 17-21 أغسطس 2009 ، ويجدد حرصه على تعميق العلاقات بين العالم الإسلامي و جمهورية الصين الشعبية .

      و على ضوء الترتيبات السابقة قام معالي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية في الفترة 14-22 يونيه 2010 وفي البيان الصحفي المشترك الذي صدر في ختام الزيارة الرسمية الذي تضمن زياراته لمدينتي أورومجي وكاشغر في شينجيانغ ( تركستان) لم يتطرق إلى أحوال المسلمين الأويغور و ما تم بحثه بشأنهم ، بينما ذكر الأوضاع الاقتصادية التي تحسنت والحقوق الدستورية التي توفرها الحكومة المركزية لسكان الإقليم من الأويغور المسلمين ، وأن الجانبين اتفقا على تنظيم ندوة أكاديمية مشتركة حول العلاقات التاريخية بين الصين والعالم الإسلامي بهدف توطيد علاقات الصداقة بين الصين ومنظمة المؤتمر الإسلامي واستكشاف آفاق المستقبل ، كما ذكرت مصادر دبلوماسية مطلعة في المنظمة بأن القيادة السياسية الصينية طلبت رسميا من الأمانة العامة للمنظمة حضور الاجتماعات الدورية التي تعقدها المنظمة في خطوة تعد أولية من أجل تعزيز و رفع سقف العلاقات بين الجانبين، وأوضح البيان بأنه وبناء على التفاعل والنقاش المثمرين بين الوفد الصيني ووفد منظمة المؤتمر الإسلامي أبرز الجانبان العلاقة الصينية مع العالم الإسلامي مشيرا إلى قرون من أواصر الصداقة القديمة والتعاون بين الحضارتين العظيمتين و أعرب الجانبان عن عزمهما في الاستمرار في المزيد من التعاون القائم في كافة المجالات ذات الاهتمام المشترك ، وبحث الجانبان إيجاد سبل مختلفة من أجل تعزيز التشاور والتعاون بين الصين ومنظمة المؤتمر ، واستذكر الجانبان بأن الصين و منظمة المؤتمر الإسلامي يتقاسمان مواقف مشتركة في العديد من القضايا الدولية و بناء على ذلك أبرز أهمية الدعم المقدم لبعضهما البعض في المسائل ذات الاهتمام المشترك و بخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و عملية السلام في الشرق الأوسط .(21)

      والحديث الوحيد الذي أشار البيان فيه إلى موضوع مسلمي  شينجيانغ (تركستان ) هو ما ذكره أن إحسان أوغلو خلال لقائه بحاكم و رئيس بلدية مدينة قشغر السيد أكبر غفور دعا إلى ضرورة الحفاظ على الطابع الحضاري لقشغر ، محذرا من أن يكون التوسع الصناعي والاقتصادي على حساب الخارطة الثقافية التي تمتاز بها مدينة قشغر و تجعلها من أبرز المدن التاريخية في غرب الصين وآسيا الوسطى (22)

         ويتضح من هذا أن آمال المسلمين الأويغور و توقعاتهم من منظمة المؤتمر الإسلامي أدت إلى لا شيء ، وربما يكون في المستقبل ما يحقق بعض النصرة لهم ، وبخاصة أن الدكتور إحسان أوغلو صرح على هامش مشاركته لمؤتمر الدوحة السابع لحوار الأديان : أن منظمة المؤتمر الإسلامي هي المنظمة الدولية الوحيدة التي تهتم بقضية مسلمي الصين و ذلك بدافع من مسئولية المنظمة تجاه الأقليات المسلمة بحسب ميثاق تأسيسها حيث لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي بدون رد فعل على ما يتعرض له المسلمون في أي مكان )

و إذا كان هناك من طلب يتطلع إليه المسلمون الأويغور هو أن تعتمد منظمة المؤتمر الإسلامي ممثلا لهم فيها حتى يمكن التواصل معهم و معرفة أوضاعهم عن كثب  و بخاصة أن منظمة الأمم المتحدة قد اعتمدت السيد محمد توختي عضو مجلس المديرين في منظمة  مؤتمر الأويغور العالمي  World Uyghur Congress ممثلا لهم فيها ، كما اعتمد ت السيدة كاثي بولياس Polias Kathy ممثلا لهم في الاتحاد الأوروبي واللجنة الأوروبية والبرلمان الأوروبي  و قد كانت  قبل ذلك تعمل عضو ارتباط للجمعية الأويغورية الأمريكية في الأمم المتحدة  (23)

         والمسلمون التركستانيون الذين كانت رابطة العالم الإسلامي لهم سندا لقضيتهم منذ نشأتها عام 1381هـ / 1962 ، بل كان زعماؤهم أعضاء في المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد برئاسة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود طيب الله ثراه في يوم 26/11/1344 هـ ثم في المؤتمر الإسلامي العام الذي عقد في موسم حج عام 1381 ، وكان المغفور له المجاهد الشيخ محمد أمين بوغرا من المؤسسين لها ، ثم الشيخ عيسى يوسف البتكين رحمه الله عضوا في مجلس تأسيسها ، و بعده كان الجنرال المتقاعد محمد رضا بكن  عضوا وقد شغرت عضوية تركستان الشرقية في الرابطة بعد وافته في عام 2008 ، ويتطلع التركستانيون أن تسعى الرابطة إلى اختيار عضو منهم ، حتى يتواصل العالم الإسلامي من خلاله معهم و مع قضيتهم الإسلامية التي لا تقل أهمية عن قضايا فلسطين و كشمير و قبرص التركية وجنوب الفلبين ، وقد استغرب التركستانيون وغيرهم من المهتمين بالشأن الإسلامي صمتها عن الأحداث التي ألمت بالمسلمين الأويغور في أورومجي في 5/7/2009 ، و قام وفد إسلامي رفيع المستوى برئاسة معالي أمينها العام الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بزيارة أورومجي وكاشغر في الفترة من 7-15 اكتوبر 2010(24) ، ومع أن الرابطة لم تنشر نتائج هذه الزيارة ، ولكن التركستانيين يأملون أن تكون لها أثرا حسنا لرفع معاناتهم .  

و من الهيئات الإسلامية العالمية التي اهتمت بمأساة التركستانيين كان الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي أعرب عن موقف الشعوب المسلمة وعلمائهم تجاه الأحداث الدامية في أورومجي في 5/7/2009 حيث أصدر البيان التالي :

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن تبعه وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد،

فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد تلقى ببالغ الأسف والأسى الأنباء التي تداولتها وسائل الإعلام عن رفض عدد من الدول الإسلامية العربية وغير العربية المشاركة في الاجتماع الذي دعا إلى عقده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي يوم الثلاثاء 28 من رجب 1430هـ = 21/7/2009م للتداول في شأن الاعتداءات التي ارتكبتها قوات الأمن الصينية ضد مسلمي تركستان الشرقية في الأسبوعين الأول والثاني من شهر يوليو الجاري .

لقد كان الموقف الصيني بالغ العنف والقسوة ضد المدنيين الأبرياء، وحرص الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على التنبيه إلى خطورة ما يجري في تركستان الشرقية، وآثاره المحتملة على العلاقات الصينية الإسلامية، في بيانه الختامي الصادر في نهاية اجتماعات مجلس أمنائه (اسطنبول 6-7/7/2009).

وقدّر الاتحاد تقديراً خاصاً الاهتمام التركي ـ حكومةً وشعباً ـ بما يجري لإخواننا المسلمين في تركستان الشرقية، لكن هذا التقدير قابلته خيبة أملٍ محزنة من موقف الدول الإسلامية والعربية التي رفضت دعوة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو اعترضت عليها، أو أبدت رغبةً قويةً في عدم التجاوب معها، الأمر الذي أدى إلى عدم عقد الاجتماع في الموعد الذي كان محددًا له.

وإذا كانت الحكومات الإسلامية والعربية لها حساباتها الخاصة التي حملتها على اتخاذ ذلك الموقف المخيب لآمال المسلمين في تركستان الشرقية بخاصة وفي العالم كله بعامة، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما يمثله من مرجعية دينية وروحية شعبية، لمسلمي العالم أجمع، لا يسعه مع التعبير عن أسفه لما جرى ويجرى في الصين من ناحية ولموقف الدول الإسلامية والعربية من هذه القضية من ناحية أخرى إلا أن يدعو العلماء والأئمة والجمعيات والهيئات والمؤسسات الدينية وشعوب الأمة الإسلامية في العالم أجمع إلى اتخاذ المواقف المناسبة سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا من الصين الشعبية إزاء عدوانها المستمر على إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية وإصرارها على التغييرات السكانية التي تجريها في تلك المنطقة الإسلامية منذ عقود لتحول الأغلبية المسلمة إلى أقلية مقهورة بلا حقوق ولا حماية ولا ضمان لهويتها ودينها وإقامة شعائرها.

إن مَثَلَ المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، والمسلمون يدٌ على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم، والنصرةُ واجبة على كل مسلم لكل مسلم. فإذا كانت الحكومات قد خَذَلتْ إخواننا المسلمين في الصين فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يبادر إلى دعوة الأمة إلى أداء واجبها، كل بقدر طاقته وفي مجال قدرته حتى تشعر الحكومة الصينية أنها غير منفردة بمسلمي بلادها وأن لهذه الأمة قوة تواجه العدوان على الشعب الأويغوري المسلم بما يستحقه من مقاطعة اقتصادية وثقافية ورياضية وسياسية.

            والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (25)

    و أما علماء المملكة العربية السعودية فقد كان لهم موقف يؤكد اهتمامهم بشأن إخوانهم المسلمين

 

بيان مكة المكرمة بشأن مأساة المسلمين في تركستان الشرقية

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:-

فإن إخواننا المسلمين في تركستان الشرقية وهم أكثر من ثلاثين مليون مسلم يتعرضون لاضطهاد مستمر منذ سنوات طويلة على يد الحكومة الصينية ومن ذلك قهرهم والتنكيل بهم والتمييز الظالم ضدهم ، وسجن العلماء والدعاة والناشطين منهم ، ومنع إظهار الشعائر التعبدية، ومحاولة تصفية المؤسسات والمظاهر الإسلامية، والعمل على تذويب هوية المسلمين، وتغيير التركيبة السكانية ليصبح أهل تركستان الشرقية أقلية في بلادهم .

 ومن صنوف التضييق والقهر التي تقوم بها الحكومة الصينية إجبار الفتيات التركستانيات المسلمات على الهجرة إلى الصين بذريعة تشغيلهن كعاملات في المصانع وهناك يواجهن من المآسي ما يعجز اللسان عن وصفه مع منع الزواج قبل سن اثنين وعشرين سنة وحرمان الأزواج من الإنجاب قبل مضي خمس سنوات من الزواج بالإضافة إلى غرامات وعقوبات لمن ينجب أكثر من طفل .

ومع ما تزخر به أرض تركستان الشرقية من ثروات كبيرة مثل النفط والثروات المعدنية والأراضي الخصبة فإن إخواننا من شعب تركستان يعيشون في فقر مدقع وعوز شديد .

 

ولقد نقلت لنا وسائل الإعلام وشاهد الناس جميعهم ما جرى مؤخرا من مجزرة قامت بها الحكومة الصينية في حق إخواننا هناك بعدما أبدوا مطالباتهم بمحاكمة من اعتدى عليهم من أبناء القومية الصينية حين قتلوا منهم العشرات دون وجه حق . وهذا وما سبقه ذلك يعد خطباً جليلاً ونازلة عظيمة توجب على المسلمين حكوماتٍ وشعوباً أن يتداعوا لتفريج هذا الكرب وكشف هذا الظلم بكافة الوسائل الشرعية المتاحة، استجابة لأمر الله تعالى القائل عز وجل: {وَإِن اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُم النَّصْر... الآية}، وقوله عز من قائل: {وَالمؤمِنُونَ والمؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ... الآية}، وقوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمِنُونَ إِخْوةٌ... الآية}، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه... الحديث»، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما مِن امرئٍ مسلمٍ يخذل أمرا مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب في نصرته، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موضعٍ ينتقص فيه من عرضه وتنتهك فيه حرمته إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته».

 

وإن الموقعين على هذا البيان، وانطلاقاً مما أوجبه الله على أهل العلم من تبيين الحق وعدم كتمانه ليودوا إيضاح الحقائق الآتية:-

 

أولاً: أن نصرة إخواننا مسلمي تركستان ودعمهم واجب شرعيٌّ، ، على عموم المسلمين حكومات وشعوباً، كل بحسبه، بشتى أنواع الدعم السياسي والإعلامي والاقتصادي . ومن ذلك التعريف بقضيتهم وكشف ما يتعرضون له من ظلم وتنكيل، في المحافل العالمية ولدى المنظمات الدولية، وأن تبذل الحكومات الإسلامية قصارى جهدها للضغط على الحكومة الصينية عبر الوسائل الدبلوماسية وغيرها؛ لرفع الظلم والتمييز عنهم ، والعمل على إعطائهم حقوقهم وحفظ كرامتهم، والتوقف عن اضطهادهم وتذويب هويتهم الإسلامية.

 

ثانياً: على المسلمين عامة ومسلمي تركستان الشرقية خاصة أن يفطنوا لخطط الأعداء التي تسعى جاهده إلى تحويل قضية تركستان الشرقية من قضية إسلامية إلى قضية عرقية إثنيه للأويغور في مقابل عرقية الهان وفي ذلك مشابهة لقضية فلسطين التي بدأت إسلامية ثم تحولت إلى عربية لينتهي بها الحال قضية فلسطينية .

 

 ثالثاً:وإننا إذ نثمن لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما قامت به من جهد في هذا الشأن، لنأمل منها أن تبذل المزيد من الجهد للوصول إلى حل عبر توصل المنظمة إلى اتفاقية مع الحكومة الصينية لإعطاء مسلمي تركستان الشرقية جميع حقوقهم وأن تبادر المنظمة إلى فتح مكتب لها في تركستان الشرقية وتحث دول المنظمة على بذل المزيد من الدعم والنصرة لإخواننا هناك . ونناشد بقية المؤسسات والمنظمات والاتحادات والمجالس الإسلامية الحكومية والشعبية؛ أن تبذل قصارى جهدها في نصرة هؤلاء المستضعفين، ومن ذلك تثبيتهم على دينهم، ونشر الدعوة بينهم عبر الوسائل المتاحة كالقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية التي تخاطبهم بلغتهم وكفالات الدعاة وتيسير قبول الطلبة في الجامعات الإسلامية ، وأن تبادر هيئات الإغاثة ببدء عملها الإغاثي والإنساني لمواساتهم وسد حاجتهم في برامج لكفالة الأيتام والطلبة وإنشاء المدارس والمساجد ؛ ولاسيما وأنهم يمرون بظروف معيشية بالغة الصعوبة ، كما نناشد عموم المسلمين ولاسيما الموسرين وأصحاب الدثور؛ أن يخصصوا جزءًا من زكواتهم وصدقاتهم لهؤلاء المسلمين، على أن يتم إيصالها عبر القنوات الإغاثية الإسلامية المأمونة.

 

رابعاً:قد يكون من الخيارات المطروحة في حال عدم كف الحكومة الصينية عن ممارساتها القمعية ضد إخواننا مسلمي تركستان الشرقية، تفعيل سلاح المقاطعة الاقتصادية للبضائع والمنتجات الصينية، ولاسيما وأن حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الإسلامية لا يستهان به، ولذا فإننا نناشد علماء المسلمين أن يكون إصدار فتوى جماعية بهذا الشأن قيد الدراسة والنظر، وأن يتم تفعيل هذا الخيار في الوقت المناسب بما يحقق مصلحة المسلمين إذا اقتضى الأمر ذلك.

 

خامساً:أن من أعظم أسباب كشف الكروب وتفريج الهموم ودفع البلاء؛ تقوى الله تعالى والتوبة وصدق اللجوء والضراعة إليه سبحانه، ولذا فإننا نوصي إخواننا مسلمي تركستان بتقوى الله تعالى والصبر والمصابرة، وليعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفَرَجَ مع الكرب، وأن مع العسر يسراًَ، كما نوصي عموم المسلمين بالإلحاح على الله تعالى بالدعاء لكشف الضر عن المسلمين بعامة، ونوجه نداء إلى إخواننا في تركستان الشرقية بمعالجة أمورهم بالحكمة واللين و البعد كل البعد عن اللجوء إلى العنف وتحاشي استفزاز الحكومة الصينية لقوله تعالى (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) وقوله تعالى (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ونوصيهم بالتفقه في الدين .

نسأل الله تعالى أن يرفع عنهم الضر والبلاء، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.(26)

        والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي مقره القاهرة بجمهورية مصر العربية فقد أهاب بالحكومات الإسلامية والدول الكبرى والمنظمات الدولية وكل محبي الحق والعدل أن ينصروا حقوق الإنسان ويوقفوا ممارسات الظلم والتمييز العنصري على شعب تركستان الشرقية في الصين، وأن ينهوا المعاناة الطويلة الواقعة منذ ستة عقود، وهي عمر الاحتلال الصيني لدولة تركستان الشرقية، وأن جرائم حقوق الإنسان في إقليم سينجيانج عاصمة تركستان الشرقية بالصين معروفة لدى جميع دول العالم رغم تعمد التعتيم الإعلامي عليها مما ينبغي أن تبادر الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والأمن والسلام لشعوب العالم ، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة والدول الصديقة للصين بتقديم مبادرة تنهي مأساة الشعب الأويغور في الصين .

ويطالب المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة المنظمات الأعضاء التحرك لدى حكومات دولهم بالضغط على حكومة الصين لدمج مسلمي الصين في مجتمعاتهم وإعطائهم حرية العبادات والعيش في سلام وأمان ، خاصة وان التبادل التجاري بين الصين والدول العربية وصل العام الماضي  133 مليار دولار ويزيد بنسبة 40 % سنويا، كما يطالب المنظمات الأعضاء بتقديم الإغاثات العاجلة والمشروعات التنموية والتعليمة والدعوية للمسلمين في الصين.(27)

بالإضافة إلى هذه الهيئات والمنظمات الإسلامية أتخذ المجمع الفقه الإسلامي العالمي بجده أيضا قرارا يطالب حكومة الصين بوقف الاضطهاد الديني ودعوة الحكومات الإسلامية بنصرة المسلمين الأويغور ،(28) وهناك العديد من الجمعيات الإسلامية في الهند واندونيسيا وماليزيا والكويت والأردن واليمن و الجزائر والمغرب وتركيا ، وحتى المنظمات الإسلامية في بريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية كانت لها مواقف نبيلة في نصرة المسلمين الأويغور.

            يقول ما تثو مونيهون : إن  تزايد الاهتمام العالمي بقضية التبت أنعش آمال الأويغور إلى المطالبة بحقهم في  تقرير المصير السياسي ، ولكن لم يجد الأويغور مثل التبتيين جيرانا يساعدونهم على دعم قضيتهم عالميا ، والجهود التي تبذل لتعريف العالم بقضية الأويغور يمكن ملاحظتها بكثرة المواقع الإلكترونية التي تنادي بالحرية والديمقراطية والاستقلال لشينجيانغ , وأكثر هذه المواقع وأدبيات الأويغور تصف هذه المقاطعة باسم (تركستان الشرقية ) غير الصيني . ( 29)

     ثم يقول : مع أن حركة التبت الحرة حظيت باهتمام كبير في الإعلامي العالمي و قضية الأويغور تكتسب  اعترافا تدريجيا ، إلا أن استقلال شينجيانغ على أي حال ليست قضية سهلة يدعو إليها الأويغور لأنهم بعكس جيرانهم البوذيين في الجنوب لا يوجد لهم منفا دائما و دعما واضحا لمحنتهم من أخوتهم ، بالإضافة إلى أن الإعلام الغربي يروج تهمة الإرهاب ضد المناضلين الإسلاميين مما يسيء إلى قضية الأويغور ،(30) .

    والباحث فالنتين غوريف كتب بحثا للمقارنة بين قضيتي التبت و شينجيانغ و يقول : مع أن ظروف التبت وتركستان اللتين تحتلهما الصين متشابهة  و لكن قضية التبت اشتهرت في الغرب و تمكن التبتيون من تأسيس نشاط سياسي فعال ، بينما شينجيانغ لم تكن معروفة و بقي الأويغور غير معروفين في الساحة الدولية ، وعلى هذا كانت الدراسات العلمية حولها قليلة ، ولكن مع تزايد الاهتمام بالصين وتنامي مصالحها في آسيا الوسطى  بدأ الاهتمام بمقاطعة شينجيانغ ، كما أن تزايد نضال الأويغور حظي بالاهتمام قليلا ، ولم تبلغ قضية شينجيانغ إلى ما تستحقها من الدراسة والاهتمام بسبب دعاوى الإرهاب (31) .

    كما كتب عدد من الباحثين مقارنة بين وضع المسلمين في تركستان و فلسطين من حيث ما يمارس فيها من تغيير ديمغرافي لتركيب سكانها و ما تمارسه كل من الصين الشعبية و إسرائيل من إجراءات عنصرية ضد سكانهما المسلمين وأن ما تمارسه الصين في تركستان يعتبر حربا عنصريا بدون قرار و لانهاية  (32)     وكتب الباحث الهندي : س.ك. دوتتا S.K.Dutta بعنوان : (شينجيانغ : فلسطين الصين ) عن التغيير الديمغرافي الذي يتم في تركستان ، وأن قضية شينجيانغ تشبه الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وأن المشكلة ستبقى إذا لم تجد حلا عادلا لها (33).

وكتب أكثر من صحفي وباحث عن الرسوم الكاريكاتورية التي دفعت أكثر من 11 سفيرا إسلاميا للاحتجاج عليها لدى السلطات الرسمية في الدانمارك والجموع الإسلامية التي خرجت تطالب بوقف التعامل الاقتصادي و التجاري معها ، بينما كان موقفها التجاهل للأحداث الدامية التي تعرض لها المسلمون الأويغور في الصين .

  • Joshua Kucera : Hypocrisy on China and the Muslim World , New World Order, July 15, 2009
  • Omri Ceren : Pro-Uighur Solidarity Marches Sweep Across Globe in Aftermath of Chinese Clashes. ( http://www.merehetoric.com/2009/08/13/pro-uighur-solidarity-marches-sweep-across-globe-in-aftermath-of-chinese-clashes)
  • Anna Mahjar-Barducci : Xinjiang : What Does China Have That Denmark Doesn`t? (http;//www.hudson-ny.org/661/xinjiang-what-does-china-have-that-denmark-doesn’t)
  • Matthew Clark : Unrest in Xinjiang : Where`s the Muslim outrage ? The Christian Science Monitor , July 13, 2009
  • Sreeram Chaulia : Xinjiang riots confound Islamists , Asia Times July 18,2009 ( http://www.atimes.com)
  • Moises Naeem : Mute Muslims : Why Doesn`t The Islamic World Speak up about the Uighurs? Foreign Policy , July 13, 2009

        وكذلك كان لبعض الصينيين الذين يحبون الحق و العدل والإنصاف موقفا جيدا حول الأحداث الدامية وبخاصة من الصينيين الذين يعيشون في خارج الصين الشعبية كما تمت الإشارة إليهم في ثنايا الكتاب ، و بعض الصينيين في داخل الصين كان لهم مواقف إنسانية حيث طالب أكثر من مائة كاتب و مثقف صيني إطلاق سراح الدكتور إلهام توختي الذي كان ينتقد الممارسات الحكومية الجائرة ضد الأويغور ، و التي أدت إلى اندلاع انتفاضة أورومجي 5/7/2009 و قد اتهمت السلطات الصينية موقعه الإلكتروني ( Uighurbiz.cn ) بالدعوة إلى إثارة الاضطرابات في أورومجي كما جاء في تصريح تلفزيوني لحاكم مقاطعة شينجيانغ في 6/7/2009 (34) .

 

      وفي هونغ كونغ كتبت يينغ جان Ying Chan تدافع عن الصحفي الأويغوري غيرت نياز الذي حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما بسبب انتقاده لوضع الأويغور في مقابلة صحفية أجراها مع ممثلي مجلة آسيا الأسبوعية ( Yazhou Zhoukan ) حول الأحداث التي وقعت في أورومجي .(35) . و لا تزال أصوات المدافعين عن الحق والعدالة ترتفع مدافعا عن حقوق الأويغور في الحياة الكريمة بعيدا عن الاضطهاد الديني والثقافي والسياسي والاستغلال الاقتصادي .

        بيد أن المطلوب من الهيئات والمنظمات الإسلامية أن تهتم بدراسة أحوال المسلمين الأويغور وغيرهم من الذين يواجهون ممارسات جائرة لإذابتهم عرقيا و محو هويتهم الشخصية بمحاربة ممارساتهم الدينية والتعليمية والثقافية ، ومصادرة أملاكهم وبلادهم ، لأن فضح هذه السياسات الإجرامية تحمي الشعوب من الاغترار بالإعلام الدعائي والدبلوماسية الخادعة ، وبخاصة أن المصالح الدولية والإقليمية بين الحكومات لا تدوم إلا بوجود المنافع بينها ، و إنما تتغير بتغير المصالح .

 

بقلم الأستاذ توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"