دولقون عيسي المتحدث باسم مسلمي «الأويغور» في حوار «خاص»: الصيام «تهمة» في تركستان الشرقية

حوار: د. رضوى عبداللطيف

  إذا نظرت عزيزي القارئ في منزلك ستجد لديك حتما سبحة وفانوس رمضان وسجادة صلاة جميعها مكتوب عليها عبارة «صنع في الصين» ،  ولكنك ستصاب بدهشة مصحوبة بالغضب إذا عرفت أن الصين التي تصدر لنا كل ما نحتاجه لممارسة شعائرنا الدينية  تمنع المسلمين هناك من الصلاة والصوم . . وستندهش أكثر وأكثر إذا عرفت أن هناك دولة ثانية محتلة في العالم أقدم من  فلسطين المحتلة ، وأن الواقع الذي يعيشه سكان تركستان الشرقية الدولة الإسلامية منذ القرن الأول الهجري  يزداد قتامة منذ أن وقعت في أيدي الاحتلال الصيني  عام 1881 ليتعرض سكانها  المسلمون الإيغور إلي حرب إبادة شاملة ، فالأرقام تتحدث عن مقتل 60 مليون مسلم منذ بدء الاحتلال الصيني والواقع اليوم يشير إلي  أجيال هاربة تعيش في الشتات وأقلية مضطهدة تعيش تحت سلطة الاحتلال الصيني الذي يصنفهم باعتبارهم إرهابيين ويعاقبهم بالإعدامات الجماعية.
كان يستوقفني خبر مسلمون ممنوعون من الصوم مع بداية شهر رمضان ، وقررت أن أبحث عن الحقيقة فتحدثت مع دولقون عيسي المتحدث الرسمي للمؤتمر الأويغوري العالمي المقيم في ألمانيا والذي تعتبره الصين إرهابيا مطلوبا لأنه مواطن مسلم من تركستان الشرقية طالب بالحصول علي أبسط حقوق شعبه الضائعة.

 ومن شهر رمضان المختلف لدى الأويغور بدأت الحديث مع السيد دولقون.. ما حقيقة أن حكومة الصين تمنع مسلمي الأويغور من صوم  رمضان؟
ــ ليست هذه هي المرة الأولى التي تمنع فيها الصين المسلمين من صيام رمضان ومنذ سنوات طويلة والصين تفرض عددا من القيود على المسلمين . ولم تكن القضية تحظى بالاهتمام لدى الإعلام العالمي قبل ذلك ولكن منذ  3 أعوام تقريبا بدأ الاهتمام بالقضية من قبل بعض وسائل الإعلام العالمية فبدأ العالم يتحدث عن قضيتنا شيئا فشيئا . ومن وقت لآخر تخرج الصين وتصدر بيانات تدعي فيها  أنه لا يوجد تضييق على المسلمين. ولكن الواقع شيء آخر  فخلال شهر  رمضان تجبر السلطات الصينية أصحاب  المطاعم في مناطق المسلمين أن تفتح  أبوابها وتقدم الطعام في نهار رمضان و كل المطاعم مجبرة أن تبيع الكحول والسجائر ومن لا  يفعل ذلك يحطمون له مطعمه أو يجبرونه علي إغلاقه نهائيا. 
كما تمنع المدرسين والطلبة والموظفين من الصيام فيضطر كثير من المسلمين إلي الصيام في الخفاء ولكن كي يتأكدوا من أنه لا يوجد هناك صائم في العلن، كل من يرفض الأكل والشرب في وقت الغذاء  يتهم «بالصوم» ويتم معاقبته بالطرد من الوظيفة أو المدرسة إذا كان طالبا. 
ونشرت الصين بيانا قبل رمضان بيوم واحد قالت فيه  بأنها تحترم حرية الأديان ولكن الواقع أنه بيان للاستهلاك الإعلامي والحقيقة أنها منعت المسلمين من الصيام وتمنع النساء وكبار السن من الصلاة في المساجد فتركستان ممنوعة من الصيام والصلاة  . وليس هذا فقط  فهي تتعمد أيضا إهانة المقدسات الإسلامية وطمس الهوية الدينية والثقافية  للأويغور حتي أنها  تجمع كل الأئمة أمام المساجد وتجبرهم على الرقص. هي تريد إهانة المسلمين وتنتهك بذلك القانون الدولي ودستورها الذي يكفل حرية الأديان والعقيدة.

ذات الوجهين


   الصين تتمتع بعلاقات طيبة وقوية مع معظم الدول العربية والإسلامية وما أسمعه منك الآن يشير إلى أن هناك صيناً أخري لا نعرفها؟
ــ هذا صحيح فالصين دولة  لها وجهان وجه محب ومسالم تتعامل به مع الدول الاسلامية وهناك وجه آخر علي النقيض تماما تتعامل به مع  المسلمين في الصين. فهي تنظر لهم باعتبارهم إرهابيين  وأنهم يمثلون خطرا علي أمنها القومي وهو حكم ظالم وجائر  ولكنها استغلت بذكاء الحملة العالمية التي تضع الاسلام والارهاب في نفس الكفة كي تحقق أهدافها الخاصة.
فدائما تقول لدينا أقلية إسلامية ونحترمها ..وهو مجرد شعار لبناء جسر للعلاقات مع الدول الإسلامية والعربية ولكن كل وجه يظهر كلما اقتضت المصلحة.
   أشرت في حديثك إلى النظرة العالمية التي وضعت الإسلام والإرهاب في كفة واحدة وأن الصين أجادت استخدام هذا المفهوم لتحقيق أهدافها مع المسلمين الأويغور فماذا تقصد؟
ــ قبل 11 سبتمبر كان في تركستان الشرقية عدد من الحوادث الفردية ويتم التعامل معها بنفس المسمي ولكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفي لمح البصر، غيرت الصين من لغتها تماما واستخدمت ايضا لغة "الارهاب" وقلبت الحقائق في كل ما كان يحدث في تركستان واعتبرته إرهابا وأصدرت أحكاما كثيرة بالإعدام على مسلمي الأويغور باعتبارهم إرهابيين. واعتبرت المعارضة في تركستان المعنية بالحفاظ على حقوق المسلمين وهويتهم الثقافية والتاريخية إرهابا.    وأصدرت أحكاما على الكثير من الناشطين الأويغور بالسجن. فلو كتبت مقالا للاعتراض على الانتهاكات التي تحدث للأويغور فأنت إرهابية. حتي طلبة المدارس والجامعات صدرت ضدهم أحكام بنفس التهمة. أية معارضة أو مطالبة بالحقوق هي في نظرهم إرهاب يستحق صاحبه الإعدام ولذلك أصدرت الصين قانونا خاصا للإرهاب كما فعلت دول كثيرة.

لغة المصالح


  أنا أتحدث الآن مع إرهابي ومطلوب من الإنتربول وفقا للمفاهيم الصينية التي تحدثت عنها ...فكيف رغم هذه الأحكام تواصل طريقك وتدافع عن قضيتك وقضية شعبك أمام المنظمات الدولية والدول الأوربية التي تمتلك هي الأخري علاقات قوية مع الصين؟
ــ الصين تريد أن تجد سببا وعذرا كي تحكم علي الناشطين بالإعدام وما أسهل ذلك لو كنت مسلما،  فهي تستغل الموقف جيدا كي لا نحصل علي تأييد أو دعم من أحد دوليا. ولكن أحيانا نحظي بتعاطف البعض ..لأن الصين تمتلك علاقات قوية مع دول العالم وهي تنجح في تحجيم أي تحرك عالمي للأويغور للحصول على حقوقهم ومن أقوى الأمثلة على أن  لغة المصالح  هي التي تنتصر دائما حتى لو كان الموضوع له علاقة بالدين ، العلاقة القوية التي تربط الصين بباكستان إحدي أكبر الدول الإسلامية في آسيا ولكن بسبب المال باكستان من أكبر الداعمين للصين. لك أن تتخيلي سيدتي أنه في العام الماضي  عندما أصدرت الأمم المتحدة بيانا تدين فيه الاضطهاد الديني في الصين لم تؤيد البيان أية دولة إسلامية أو عربية بل تجاهلوه والبعض الآخر أعلن عن تأييده للصين!!


 ماذا عن دول العالم الأخرى التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان وحرية الأديان؟
ــ ألمانيا علي سبيل المثال وأمريكا يحذران الصين دائما ويطالبانها باحترام حرية الأديان ووقف اضطهادها للأقليات سواء في قضية التبت أو المسلمين الأويغور . ولكن كل هذا غير مؤثر فكل الدول تبحث عن الفائدة والمكاسب المادية ولا تهتم كثيرا بهذه القضايا التي غالبا ما تثار للإستهلاك الإعلامي. فكما قلت المال والمصلحة هي الصوت الأعلى دائما في مثل هذه الحالات. نعم نحن نتحرك ونتظاهر ونقدم شكاوى فيتضامن معنا بعض النشطاء والمؤسسات الحقوقية ولكن مازال التأثير محدودا طالما امتلكت الصين المال والنفوذ . وهذه هي الأيدولوجية  التي تفكر بها الصين.

مسلم ولاجئ


  أنت مواطن ألماني منذ عام 2006 وألمانيا والدول الأوربية لديها أحزاب يمين متطرف تؤيد هي الأخري فكرة العداء للمسلمين والمهاجرين بصفة عامة كنوع من الحفاظ على هوية أوربا .. فلماذا اخترت ألمانيا إذا كانت النظرة للمسلمين سلبية  نوعا ما؟
ــ أزمة اللاجئين تحظى باهتمام أوربي كبير و لها أهمية خاصة في ألمانيا التي تحتضن أكثر من مليون لاجئ ، والشعب الألماني لديه وعي جيد ومعرفة جيدة بقضايا الشرق الأوسط والديكتاتوريات الحاكمة، ويتعاطفون مع اللاجئين . ولكن مع الوقت أصبحت هناك جماعات متطرفة تعتدي على اللاجئين خاصة بعد حوادث الاعتداءات التي وقعت في الكريسماس العام الماضي وتغير موقف الألمان من اللاجئين وقل التعاطف معهم تدريجيا. ولكن عليهم أن يدركوا أنه خلال الحرب العالمية الثانية ذهب كثير من اللاجئين الأوربيين لدول الشرق الاوسط  وعاشوا حياة كريمة والآن  ونحن نشهد حركة هجرة عكسية الواقع مختلف وعلى النقيض تماما بسبب بعض وسائل الإعلام التي تتحكم فيها جماعات يمين متطرفة تساهم في زيادة العداء للمسلمين واللاجئين.  وهنا لديهم حجة قوية جدا فيما يخص اللاجئين  فهم يستشهدون بإغلاق كثير من الدول العربية أبوابها في وجه اللاجئين السوريين ومعظمها دول ثرية ، وهو شيء مشين فيجب أن تظهر هذه الدول شيئا من الإسلام  في التعامل مع اللاجئين.

أوراق ضغط


   ما تقييمك لأداء المنظمات الاسلامية والدولية في قضية مسلمي الأويغور؟ وما الجهود المبذولة لاسترجاع حقوقهم من الصين؟
ــ بالنسبة للمنظمات  الدولية لديها معرفة جيدة بالقضية في الوقت الحالي، فمنذ 20 عاما كنا نواجه صعوبة توصيل ما كان يحدث في تركستان الشرقية للعالم،  ولكن مع التطور الذي حدث في الإعلام وظهور مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا أصبحنا قضية معروفة للمنظمات الدولية وبعض وسائل الإعلام العالمية . ونشارك في فاعليات تنظمها الأمم المتحدة و مؤتمرات تخص حرية الإعتقاد الديني و قضية اللاجئين . فنحن أنفسنا عشنا  لاجئين في جزء من تاريخنا  ذهبنا لتايلاند وماليزيا و تركيا وفي الخمسينيات كنا نعيش في مخيمات للاجئين وحتي يومنا هذا يترك كثير من الأويغور تركستان الشرقية ويسافرون لتايلاند وتركيا وغيرهما من الدول طلبا للجوء. والعام الماضي رحلت تايلاند 109 لاجئين أيغور إلى الصين وحتي اليوم لا نعرف عن مصيرهم شيئا.
 ولكن للأسف المنظمات الإسلامية تأثيرها محدود وجهودنا مقيدة بالسياسة ولديها قوة محدودة للتأثير على قرارات الدول العظمى  ومنها الصين. لذا فأنا أدعو الدول الإسلامية أن تكون لها أوراق ضغط على الصين كي تضمن للمسلمين الأويغور أبسط حقوقهم الدينية  وهي الصيام والصلاة والذهاب للمسجد . فما الضرر في ذلك على الأمن القومي الصيني؟ فالعبادة قضية خاصة.


مشكلة سياسية


   كثير من التحليلات الأجنبية  تتناول مشكلة الصين مع مسلمي الأويغور على أنها مشكلة سياسية أكثر منها دينية ..لماذا في رأيك؟
ـ الصين تتعامل مع القضية على أنها مسألة هوية وأمن قومي فهي تريد القضاء على ثقافة وتاريخ الأويغور وأي أقلية أخري. و في رأيي هي حرب على الهوية وليس الدين فقط،  فاللغة والدين أهم مقومات الثقافة ومنذ أن كنت طالبا في الجامعة منعت الصين  اللغة الأويغورية في المدارس  وعام 2004 منعت اللغة الأويغورية في الجامعات. لذا تختفي اللغة تدريجيا حتي في التعاملات اليومية.  والصين تلعب على عنصر الوقت و تدرك أنها إذا حاربت اللغة والدين فلن تبقى هناك عقبة لفرض ما تريد علي الأقليات .. ففي عام 1949  كان الصينيون يمثلون 5 % من سكان تركستان ولكن منذ 60 سنة أصبح الأويغور يمثلون 45% من السكان. وكان عدد السكان قبل الاحتلال الصيني ١٥ مليون نسمة، أما اليوم فعددهم قد تناقص إلي ٨ ملايين نسمة (حسب الإحصاء الصيني) أي أننا أصبحنا أقلية في بلدنا. 

http://www.dar.akhbarelyom.com/issuse/detailze.asp?field=news&id=215692