بخارى

 

  بخارى إحدى مدن جمهورية أوزبكستان الحالية ، يبلغ تعدادها نحو (300) ألف نسمة ، وهي من البلدان التاريخية القديمة تقع على طريق الحرير ممر التجارة الشهير ، أنشأت قبل الإسلام بعدة قرون في موضع يمتلىء بالمروج والغياض العامرة بحيوان الصيد فقصدها الناس لخصب أرضها وطيب هوائها ، وهي مدينة كبيرة هامة من بلاد التركستان نشأت على المجرى الأدنى لنهر زرافشان ؛ سماها الصينيون فى القرن الخامس الميلادى (نومى) وهو الاسم المقابل للاسم القديم لبخارى (نومجكات) ويسمونها حاليا(بوهو) .

ويقال إن كلمة بخارى تحوير تركي مغولي للكلمة السنسكريتية (فهارة)أي صومعة أو دير إذ كان للبوذيين معبد فيها أوعلى مقربة منها .

وبخارى إقليم من بلاد خراسان الواسعة التي تمتد من الأراضي التي تلي العراق وحتى بلدان غزنة وسجستان وكرمان ، وتشتمل خراسان على العديد من البلدان الهامة التي كانت تذكر كثيرا في التاريخ الإسلامي منها : نيسابور، هراة ، بلخ ، طالقان ، سرخس ، والبلاد التي دون نهر جيحون (أموداريا) ، وعاصمتها مرو ؛ وتعني كلمة خراسان بالفارسية بلاد الشمس .

أول مافتحت بخارى على يد عبيد الله بن زياد والي معاوية بعد حروب انتهت صلحا على مال تؤديه (الخاتون) ملكة بخارى وذلك عام 54هـ ــ 673 م . وقد كانت بخارى ممعنة فى الوثنية ولم يستقر بها الإسلام إلا على يد ( قتيبة بن مسلم ) الذى فتحها للمرة الرابعة عام 94هـ  - 712 م .

كان حكام بخارى قبل الإسلام يسمون ( بخار خدا ) ولما فتحها المسلمون أقاموا إلى جانب حاكمها عامل عربى تابع لأمير خراسان المقيم فى مرو .

تعرضت بخارى على مدار تاريخها للغزو والتخريب مرات عديدة ولكن كان يعاد بناؤها دائما فى مكانها الأول، وكانت بخارى مدينة عامرة ذات ثراء طائل بها صناعات وزراعة وتجارة مزدهرة.

خضعت بخارى للعديد من الدول والحكام ، فقد كانت حاضرة آل سامان حتى سقوط الدولة السامانية وسيطرة الدولة القراخانية عليها وعلى بلاد ما وراء النهر (389هـ - 999 م )، وكانت الدولة القراخانية قد نشأت فى تركستان الشرقية ( 267هـ - 880 م ) واتخذت من كاشغر عاصمة لها وهى تعد من أهم وأكبر الدول التركية التي نشأت فى تركستان الشرقية كما شهد عهدها التحول الكبير للأتراك إلى الإسلام (349 هـ - 960 م ) وقد ساهم القراخانيون بقوة فى نشر الإسلام بين مختلف قبائل الأتراك فى آسيا ، وقد انقسمت الدولة القراخانية إلى قسمين الشرقية فى منطقة تركستان الشرقية الحالية وعاصمتها كاشغر ، وأصبحت بخارى عاصمة الدولة القراخانية الغربية التى حكمت منطقة فرغانة وبلاد ما وراء النهر (تركستان الغربية) فى الفترة  (1042 ــ 1141م)، كما خضعت بخارى لحكم المغول وخربها جنكيز خان (616هـ     1220م)  وغزاها أيضا تيمورلنك ومغول فارس ، وفتحها الأوزبك عام (905 هــ ــ 1500 م) وكانت عاصمتهم سمرقند ؛ وأقام في بخارى اثنان من أشهر أمراء بني شيبان هما :  عبيد الله بن محمود وعبد الله بن إسكندر وفي عهدهما أصبحت بخارى مركزا سياسيا ودينيا ، كما أصبحت عاصمة الأسرتين الجانية والإستراخانية .

منذ القرن العاشر الهجرى (السادس عشر الميلادى ) توثقت الصلات بين الأوزبك والروس القياصرة فاشتهرت بخارى في روسيا وأوروبا ، وكان الروس يطلقون اسم بخارى على جميع تجار آسيا الوسطى وكذلك على سكان تركستان الشرقية التي كانوا يسمونها بخارى الصغرى ، كانت آخرعهود الأوزبك القوية عهد الخان عبد العزيز ( 1645 ــ 1680 م) وقد عجز خلفاؤه عن الاحتفاظ بوحدة الدولة فاستقل العديد من أمراء الأوزبك بالحكم في الكثير من بقاع الدولة وأصبح الخان المقيم في بخارى لايحكم إلا حيزا صغيرا من دولة الأوزبك .

في سنة (1153هــ  ـــ 1740 م ) خضعت بخارى لحكم نادر شاه الصفوي حتى ظهور محمد رحيم خان من أسرة منغيت ــ إحدى قبائل الأوزبك ــ والذى أعلن نفسه خانا لبخارى عام (1170هــ 1756م ) واستردت بخارى تحت حكمه كمعقل للإسلام ؛ في عهد مظفر الدين شاه(1277 ــ 1303 هـ) (1860 ــ 1885 م )تغلغل النفوذ الروسى فى بلاد التركستان وسقطت الكثير من أراضي بخارى فى يد الروس ولم يتعرضوا لمدينة بخارى وظل مظفر الدين يحكم تحت نفوذ الروس؛ وفى عهد الأمير عبد الأحد خان (1885 ــ 1910م ) أنشأ الروس ما عرف ببخارى الجديدة التى أصبحت مقر المبعوث الروسى الحاكم الفعلي لبخارى ، وقد استولى عليها الروس وخربوها كتخريب المغول عام 1918م ؛ وفي عهد عالم خان بن عبد الأحد ألغى الروس إمارة بخارى وأعلنت جمهورية بخارى والتى تم تقسيمها عام ( 1343هـ 1924م ) بين جمهوريات طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان .وبقيت مدينة بخارى تابعة لأوزبكستان .

أخرجت بخارى العديد من أعظم وأشهر علماء الإسلام والحضارة الإسلامية مثل : الإمام البخاري صاحب أشهر وأصح كتب الأحاديث النبوية ، الشيخ الرئيس ابن سينا الطبيب الفيلسوف ، أبوحفص عمر بن منصور (البزار) ، الرودكى ، بهاء الدين النقشبندى ، وغيرهم.

                                                               

                    د/ عزالدين الوردانى