يدفع بائع أويغوري عربة البطيخ إلى الجنود الصينيين أثناء قيامهم بدورية في أورومتشى بمقاطعة شينجيانغ بشمال غرب الصين. الصورة: فريدريك ج. براون، فرانس برس
بقلم راشيل هاريس 17 يناير 2019
في عام 2017، بدأت الصين في بناء شبكة ضخمة من معسكرات الإعتقال في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الأويغور في شمال غرب الصين. ويتم إحتجاز أكثر من مليون من الأويغور والكازاخ الأصليين دون محاكمة. وتصور الصين هذه المعسكرات بأنها "مراكز تدريب مهني" حميدة، لكن الشهادات تكشف عن نظام وحشي لتلقين الأفكار السياسية وجلسات النقد الذاتي، والظروف المزدحمة، والغذاء غير الكافي، والتعذيب الجسدي.
أما خارج المعسكرات، يُطلب من الناس حضور الإجتماعات السياسية ودروس اللغة الصينية أيضاً. كما صودرت جوازات السفر، وأصبحت الإتصالات في الخارج مقيدة للغاية، ويلزم الحصول على إذن خاص لمغادرة البلاد. القيود الدينية صارمة لدرجة أن الحكومة قد حظرت الإسلام فعلياً.
وقد أُنشئت شبكة عالية التقنية من نظم المراقبة لضمان الإمتثال للقيود الجديدة. ويتم إرسال الأطفال الذين يتم نقلهم إلى المعسكرات إلى دور الأيتام، وتقوم الصين بإعادة توطين البالغين الذين تم "إعادة تأهيلهم" أيضاً، وإرسالهم سراً إلى السجون في شمال شرق الصين.
الإبادة الثقافية
وتصف الصين هذه الإجراءات بأنها ضرورية لمكافحة التطرف الإسلامي، ولكن الأعداد الضخمة المعنية، وإحتجاز العديد من قادة الثقافة الأويغورية -الكتاب والشعراء والأكاديميين والناشرين والمغنيين والكوميديين-تشير إلى أنه تم تصميم المعسكرات للقضاء على اللغات والثقافات المحلية لإعادة إعمار شعوب المنطقة كمواطنين صينيين علمانيين ووطنيين. ويطلق الأويغور في المنفى على الوضع الآن أنه حالة من الإبادة الجماعية الثقافية.
وكباحث على المدى الطويل لثقافة الأويغور، سوف نتحدث عن الموجة الأخيرة من حالات الإختفاء لفنانين من الأويغور بارزين في ديسمبر 2018، من بينهم من تعاون على المدى الطويل وصديقة، المغنية صنوبر تورسون.
التقيت للمرة الأولي بصنوبر في صيف عام 2000، بعد إصدار ألبومها الأول، عندما كانت في ذروة سلطتها. وفي الوقت الذي سافرت فيه إلى جنوب شينجيانغ، كان صوت صنوبر يملأ بازارات المدينة ويصدر من سيارات الأجرة المحلية والحافلات على مسافة طويلة. كانت مغنية مبدعة، الأفضل في جيلها، وكان ينبغي معاملتها ككنز وطني، ولكن السلطات كانت دائما تشك في تأثيرها وبذلت السلطات قصارى جهدها لمنعها في كل مناسبة.
وقد تداخلت مهنة صنوبر مع فترة مضطربة في التاريخ الحديث لمنطقتها. وسرعان ما جاءت هجمات 11سبتمبر على نيويورك وإعلان أميركا "الحرب العالمية على الإرهاب". وفي أعقاب ذلك، أعلنت الصين حربها الخاصة على التطرف الديني والإرهاب في شينجيانغ، وبدأ إنحدار المنطقة في العنف والقمع.
وأعربت أغاني صنوبر للشعب الأويغوري عن المشاعر التي لا يمكن أن تقال بصوت عال. تحدثت معي عن كيفية اختيارها للكلمات بعناية، وكان الشعراء المعاصرين يضعون الكلمات غالباً. وكانت حذرة دائماً وحاولت ألا تتخطى الحدود التي وضعتها السلطات، ولكنها أرادت أن تتحدث أغنياتها عن جمهورها وإلى شعبها. فهمت سلطتها عليهم وقالت لي بإعتزاز كبير عن حفلاتها في الجنوب الريفي، والتي اجتذبت آلاف الجماهير.
في عام 2009، قضيت الصيف في المناطق الريفية بشينجيانغ، وجاءت صنوبر للزيارة. كانت القرية بأكملها مزدحمة في بستان الأسرة للإستماع لغناءها. وجاء حتى الملا والسيدات المتدينين وجلسوا على مقربة من سانوبار على قدر المستطاع، يستمعون لها بإهتمام شديد. تنازعت العائلات من أجل شرف إستضافة صنوبر. لم أستطع عد الأغنام التي ذبحت لشرف أن تتذوقها شفتيها.
وقالت إنها بدأت في السفر: بتقديم الحفلات الموسيقية بصفة منفردة في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة. وقد رعتها مبادرة الأغاخان للموسيقى وعملت مع كبار الفنانين من المناطق المجاورة. وقد قامت بالغناء في مهرجان قونيا الموسيقي الصوفي، وتعاونت مع الصينية الموهوبة بيبا وو مان وجالت في رحلات في الصين وعلى الصعيد الدولي. وتم تعزيز شهرتها كقاضية للتحكيم في برنامج المواهب "صوت شينجيانغ من طريق الحرير".
تقسية شينجيانغ
في عام 2016، ومع بداية شدة الوضع السياسي في شينجيانغ، بدأت في رفض الدعوات للغناء في الخارج. وكان الكثير من الصينيين يسافرون إلى الخارج للدراسة أو السياحة، ولكن بالنسبة للأويغور، فإن الإتصالات الأجنبية أصبحت مشبوهة. وبما أن شي جين بينغ قد أحاط شينجيانغ ب"جدران من الفولاذ" تعبيراً عن شدة القمع، واخضع شعبها لنظام مكثف من المراقبة والتوريق التي لا مثيل لها في العالم، فقد قمت بقطع كل علاقاتى مع صنوبر، خوفاً من تعرضها للخطر حتى من مكالمة هاتفية.
زادت الصين من وجودها الأمني في شينجيانغ في السنوات الأخيرة. الصورة: يوهانس ايزيل، فرانس برس
وبما أن أخبار معسكرات الإعتقال بدأت في الظهور وعلمنا بضم الفنانين والمثقفين البارزين من بين الملايين من الأشخاص المحتجزين، فلا يمكننا إلا أن نأمل في أن تقوم شهرة صنوبر بحمايتها. ويبدو الآن أن الأمل كان عبثاً. حيث نشرت الأخبار احتجازها وحكماً محتملاً بالسجن لمدة 5 سنوات في ديسمبر. لم تكن هناك تهمة رسمية كالعادة، ولا حتى إعلان عن احتجازها.
ومن خلال ما عرفناه من الظروف داخل المعسكرات، من المرجح أن تكون صنوبر محتجزة في زنزانة مكتظة وغير صحية إلى جانب ما يصل إلى 60 من النساء الأخريات اللاتي لديهن مساحة للنوم فقط في نوبات. وتقضي الأيام في نظام رتيب من غناء الأغاني الثورية الصينية، ودراسة اللغة الصينية وفكر شي جينبينغ، وفي جلسات النقد الذاتي التي يطلب منهم التنديد بدينهم وثقافتهم.
ويخضع المحتجزون للمراقبة المستمرة، ويضطرون إلى الجلوس بلا حراك، وأيديهم على المكاتب، خلال جلسات دراسية تستغرق أربع ساعات. ويُعاقب على عدم الإمتثال بالحرمان من الغذاء. وهناك تقارير مروعة عن وجود أشكال غير معروفة من الأدوية التي يتم إجبار المحتجزين عليها قسرا، والعنف والتعذيب، والإنهيارات العصبية، وحالات الإنتحار والوفيات.
ولا ينبغي حتى لأكثر المتطرفين عنفًا أن يخضعوا لنوع المعاملة التي يتعرضون لها في هذه المخيمات، ولكن كما توضح قضية صنوبر فإن الإعتقالات الجماعية في شينجيانغ بعيدة عن الإستجابة المستهدفة للتطرف الإسلامي التي تزعم الحكومة إنها تسعى إليه.
جاء سقوط صنوبر السريع من الشهرة إلى معسكر الإعتقال إلى جانب موجة من التقارير عن الفنانين المعروفين الذين يتم إعتقالهم. لدينا أخبار واضحة تشمل الكوميدي المحبوب عادل ميجيت، نجمة البوب المخضرم رشيدة داوود، المغني الشاب زاهيرشاه الذي جاء إلى الشهرة من خلال برنامج صوت طريق الحرير، والمغني الشعبي المخضرم بردي محمود الذي كانت شرائط الكاسيت الخاصة بأغانيه من كاشغر الساحرة تشرق مشهد ما بعد الثورة الثقافية في الثمانينات.
ويمكننا أن نستخلص إستنتاجين من هذه القائمة الأخيرة للإحتجاز. أولاً، لا يوجد أويغوري آمن من المعسكرات مهما كانت شهرته أو شعبيته الكبيرة. إن مستويات الرعب داخل المنطقة لا يمكن أن ترتفع فيها أية إحتجاجات أو أصوات معارضة. ثانياً، من الواضح أن هناك سياسة متعمدة تستهدف القادة الثقافيين: الكتاب، والأكاديميين، والفنانين، وبالإضافة إلى تهمة الإبادة الجماعية الثقافية التي تثار الآن من قبل الأويغور في المنفى.
وقد تركت صنوبر إرثاً دولياً هادئاً، وآمل أن المنظمات التي رعتها والجماهير التي استمتعت بموسيقاها لن تنساها. حيث أصدرت قرصا مضغوطا في إيطاليا بعنوان الأمل (آرزو)، وقد تم تكييف أغانيها لصالح كرونوس كوارتيت.
وآمل أن يستخدم الناس الفرصة لدعوة الحكومة الصينية للإفراج عن صنوبر تورسون أينما عُزفت موسيقاها، وإغلاق معسكرات الإعتقال في شينجيانغ.
تنويه: الآراء ووجهات النظر المعرب عنها هنا هي للمؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لصحيفة غلوب بوست.
راشيل هاريس
تدرس في مدرسة الفنون في سوس soas، جامعة لندن. وقد نشرت على نطاق واسع عن الثقافة التعبيرية الأويغورية والدين وحالياً كتابة كتاب عن النهضة الإسلامية الأويغورية. وهي تعمل مع المشاريع التطبيقية على موسيقى آسيا الوسطي، بما في ذلك مشروع صندوق التنمية المستدامة للأكاديمية البريطانية لتنشيط تراث الأويغور في كازاخستان.
https://theglobepost.com/2019/01/17/cultural-genocide-xinjiang
/