اصمت وإلا فستدفع عائلتك الثمن..الصين تهدد مسلمي الإيغور في الخارج

بعد يومين من شهادة عبدالجليل ايميت في المعرض العام للبرلمان الأوروبي، خلال جلسة استماع بشأن حقوق الإنسان، تلقى مكالمة هاتفية من شقيقته لأول مرة منذ ثلاث سنوات. لكن المكالمة التي أتت من منطقة شينجيانغ، في غرب الصين، كانت أي شيء سوى دردشة عائلية سعيدة. إذ كانت بتوجيه من ضباط الأمن الصينيين، جزءاً من حملة بكين لإسكات الانتقادات للسياسات التي أخذت تشهد احتجاز أكثر من مليون شخص من الإيغور والأقليات المسلمة الأخرى في معسكرات اعتقال، بحسب مار روى  بنجامين هاس، صحفي ومراسل سابق لصحيفة The Guardian البريطانية.

بدأت أخت ايميت المكالمة بالإشادة بالحزب الشيوعي، وترديد دعاوى حول مدى تحسن المعيشة وسبلها تحت إشرافه ورعايته، كل هذا قبل أن تصدمه بالقول: لقد تُوفي أخوك قبل عام. لكن ايميت، البالغ من العمر 54 عاماً، كان مرتاباً بالفعل منذ بداية المكالمة، فهو لم يسبق أن أعطى عائلته رقم هاتفه. وبين الأخبار المفجعة والشعارات التي ترددها أخته، كان بإمكانه سماع أصوات متقطعة من التلقين والهمس في الخلفية؛ ومن ثم طلب أن يتحدث إلى صاحب هذا الصوت غير المعروف. بعد لحظات، سُلّم الهاتف إلى مسؤول صيني رفض الكشف عن هويته.

فكِّر في عائلتك أولاً
في نهاية المحادثة، كشف الغطاء المزيف الذي أقامه عملاء الأمن الصينيون وبكت شقيقة ايميت، متوسلةً إليه أن يوقف نشاطه المُعارض. ثم أخذ المسؤول الصيني الهاتف مرة أخرى، ليوجِّه تحذيراً أخيراً.

وقال له: «أنت تعيش في الخارج، لكن عليك التفكير في عائلتك وأنت تتنقل من هنا إلى هناك وتشارك في أنشطة معارضة بألمانيا. عليك التفكير في سلامتهم».

في مقابلات مع أكثر من عشرين إيغورياً يعيشون في شتى أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، يتبين أن قصص التهديدات وتعرُّضهم لها في جميع أنحاء العالم هي القاعدة وليس الاستثناء. واشتكي الإيغور الذين يعيشون بألمانيا وهولندا وفنلندا والسويد وفرنسا، من تلقّيهم تهديدات مماثلة لأفراد من عائلاتهم في شينجيانغ، حتى إن بعضهم طلب منه التجسس لحساب الصين.

هناك أكثر من مليون فرد من الإيغور، الأقلية المسلمة  في الصين التي تعود أصولها إلى الشعوب التركية، وأقليات أخرى محتجزون في معسكرات اعتقال خارج نطاق القانون، وفقاً للأمم المتحدة، مع بعض التقديرات التي تتحدث عن أعدادهم، وصلت إلى «قرابة 3 ملايين» فردٍ.

ايميت، الذي تعود أصوله إلى مدينة أقسو في شيجيانغ، عاش بألمانيا أكثر من عقدين، وهو مواطن ألماني متجنس. عمل متطوعاً في «المؤتمر الإيغوري العالمي»، وهو أيضاً إمام بدوام جزئي بين أفراد مجتمعه. غير أنه لم يخبر أسرته قط عن نشاطه؛ على أمل أن تحول غفلتهم تلك دون تعرُّضهم لأي خطر.

يقول ايميت: «لن أصمت، وعلى الحكومة الصينية ألا تستخدم عائلتي لتهديدي. لقد كنت واضحاً معهم عبر الهاتف: إذا آذَوا أسرتي، فسأتحدث بصوت أعلى وسأصبح مشكلة أكبر للحكومة».

«تهديد الصين لأناس في ألمانيا يجب ألا يصبح أمراً طبيعياً بأي حالٍ، أبداً»
معظم الإيغور يظلون صامتين، وهم لم يجدوا سوى قليل من المساعدة من السلطات الأوروبية. غير أن مارغريت بوس، عضوة البرلمان الألماني الممثل عن ميونيخ، قالت إن التدخل الصيني غير مقبول، وحثّت الإيغور على التواصل مع نواب مناطقهم.

وقالت: «علينا أن نحمي كل من يلجأ إلى البرلمان الألماني ونوابه. فمراقبة البرلمان حق أساسي في أي ديمقراطية. من المهم أيضاً أن يعرف الجمهور الألماني كيف تحاول الصين ممارسة نفوذها هنا. يجب ألا يصبح تهديد الحكومة الصينية لأناس في ألمانيا أمراً طبيعياً بأي حالٍ، أبداً».

أخذت بوس في الاهتمام بقضايا الإيغور لما يزيد على عقد من الزمان، بعد أن حذرها دبلوماسيون صينيون في عام 2006، من حضور فعالية أقامها المؤتمر الإيغوري العالمي، لتجد نفسها بعد ذلك في أغسطس/آب، محظورة من الحصول على تأشيرة كجزءٍ من زيارة برلمانية للصين، وتُلغى الرحلة في النهاية رداً على ذلك.

بالإضافة إلى مساعيهم لإجهاض أنشطة المعارضة، دأب مسؤولون صينيون أيضاً على محاولة تجنيد أفراد من الإيغور المقيمين بالخارج للتجسس على الآخرين في الدوائر المحيطة بهم، وتزويدهم بصور التجمعات الخاصة والأسماء وأرقام الهواتف والعناوين وأرقام ألواح السيارات. ويُجنَّد بعض هؤلاء عندما يذهبون إلى مقرات البعثات الدبلوماسية الصينية في أوروبا لإخراج مستندات أو وثائق شخصية، وآخرون يتواصل معهم عملاء الأمن عبر WeChat، وهو تطبيق مراسلةٍ صيني شهير. ويقول ايميت إنه من المحتمل أن يكون رقمه قد وصل إلى عملاء الأمن الصينيين بهذه الطريقة، إذ إن رقمه معروف بين أفراد مجتمع الإيغور في ميونيخ.

إغراءات وعقوبات
يقدم العملاء الصينيون مبالغ نقدية أو وعوداً بتأشيرات زيارة لشينجيانغ أو معاملة أفضل لأفراد الاسرة كمكافأة، في الوقت الذي يستحضرون أيضاً فيه التهديد بعواقب وخيمة على أفراد الأسرة ذاتها، في حال رُفضت عروضهم. ويروي الإيغوريون قصصاً تصف كيف تُحجب وثائق الأفراد الخاصة المهمة من السفارات والقنصليات الصينية ويحال بينهم وبين الوصول إليها، ما لم يوافقوا على التعاون.

قال أحد الأفراد من أصل إيغوري يعيش في ألمانيا، طالباً عدم الكشف عن هويته؛ خشيةَ تعرضه لأعمال انتقامية، إن عميلاً صينياً طلب منه صور العيد والاحتفالات الأخرى، وطلب على وجه التحديد معلومات عن الإيغور الذين وصلوا مؤخراً إلى أوروبا.

وتعد الطفرة الأخيرة في النشاط بين الإيغور بالخارج، في معظمها، استجابة مباشرة للسياسات القمعية المتزايدة في شينجيانغ، ولمّا زاد عدد الناس الذين يتحدثون عن الصين وسياساتها، ضاعف النظام الصيني من جهوده لإسكاتهم والتحكم في السردية المنتشرة حول ما تسميه «معسكرات إعادة التأهيل».

وتشير بعض الدلائل إلى أن حملة الصين لإسكات الإيغور بأوروبا ناجحة في مساعيها. إذ غدت جالهومار هايتيواجي ناقدة صريحة لسياسات الصين القمعية بعد أن اختفت والدتها في أحد المعسكرات في شينجيانغ، وظهرت على شاشة التلفزيون الفرنسي، وأطلقت حملة لجمع التوقيعات لتوجيه عريضة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحصلت على ما يقرب من نصف مليون توقيع، لكن بعد تهديدات من مسؤولين صينيين بمزيد من الاستهداف لوالدتها، ألغت هايتيواجي ظهوراً كان مخططاً له في مارس/آذار، بقمة حقوق الإنسان في جنيف، وفقاً لمصدرين مطّلعين على خططها. ولم تستجب هايتيواجي ولا منظمو الاجتماع لطلبات متعددة بالتعليق.

وقال أدريان زينز، وهو باحث مستقل في شئون شينجيانغ، إن الحكومات الأوروبية ينبغي أن تبذل مزيداً من الجهد لحماية مواطنيها من حملات التخويف الصينية.

وقال زينر: «إن أكبر خطأ ترتكبه دول الاتحاد الأوروبي هو أنها بمجرد أن تسمح للصين بأن تفلت بشيء ما، فإن ذلك يشجعها على القيام بالمزيد. لدى الصين استراتيجيات منهجية يجري تطبيقها بالفعل، والتهديدات التي يتعرض لها الإيغور في المنفى تُبين ذلك. وعلى أوروبا اتّباع استراتيجية موحدة لمواجهة الصين والرد على مثل هذه التهديدات».

لم تردَّ السفارة الصينية في برلين على طلبات التعليق.