مآسي المسلمين (2) أراكان

مأساة مسلمي ميانمار(بورما)

*الموقع : تقع أراكان – ولاية راخين – جنوب غرب ميانمار وهى إقليم جبلي مطير يحده من الشرق امتداد لسلسلة جبال الهيمالايا مما يجعله  منفصلا عن سائرميانمار، ويحده من الغرب خليج البنغال ومن الشمال الغربى بنجلاديش ومن الشمال الهند.

*السكان : وسط غموض التقديرات وتزييف الواقع من قبل سلطات بورما تشير التقديرات إلى أن نسبة المسلمين ما بين 10- 20% من سكان ميانمار البالغ عددهم (55مليون)نسمة يعتنق 70% منهم البوذية ؛ وبذلك يبلغ تعداد المسلمين أكثر من (10مليون)نسمة ،وتتركز أعداد المسلمين فى العاصمة القديمة (يانجون) ومدينة ماندلاي وولاية راخين(أراكان) حيث يعيش بها حوالى70% منهم، والغالبية العظمى فى تلك الولاية من الروهينجيا – ومعناها بالعربية الرحمة -  وترفض سلطات ميانمار منحهم الجنسية أو الاعتراف بهم كواحدة من العرقيات التى تعيش على أراضيها وأحد مكونات المجتمع البورمي والذى يزيد عدد أعراقه على (130)عرقا وقومية.

*نبذة تاريخة وصور الاضطهاد: انتشر الإسلام فى منطقة أراكان عن طريق التعاملات التجارية مع التجار المسلمين الذين وفدوا إليها للتجارة عبر خليج البنغال والهند وذلك منذ القرن السابع الميلادى، وأصبحت أراكان دولة مسلمة عام 1430م ، و يرجع اسم أراكان إلى أركان الإسلام إذ حين اعتنق ملكها (غولتجى) الإسلام وتعلم أركانه الخمسة سمي عاصمة بلاده بهذا الاسم.  وكانت مملكة مستقلة عن بورما.

فى عام 1784 احتل ملك بورما البوذي(بوداباي)  أراكان وضمها إلى بلاده وقام باضطهاد المسلمين لإبعادهم عن دينهم مخافة انتشار الإسلام فى بلاده.

عام 1824 احتلت بريطانيا بورما ووضعتها تحت ادارة حكومة الهند البريطانية. واتساقا مع سياسة بريطانيا المعادية للإسلام والمسلمين قامت بتحريض البوذيين البورميين ضد مسلمي الروهينجيا ومدهم بالسلاح فارتكبوا مذابح هائلة ضد المسلمين على سبيل المثال: مقتل (30ألف) مسلم عام 1938م، ونحومائة ألف مسلم عام 1942 وتدمير مئات القرى وتشريد عشرات الآلاف وتهجير أكثر من(180ألف)خارج أراكان.

استقلت بورما عام 1948 على شرط أن يتم منح الأقليات المختلفة حق الاستقلال بعد عشرسنوات إذا رغبت في ذلك، لكن زعماء بورما لم يلتزموا بذلك وقاموا باضطهاد بشع للمسلمين. ويمكننا التساؤل ولماذا لم تمنح بريطانيا إقليم أراكان استقلاله؟. هل رغبة في الانتقام من المسلمين الذين قاوموا الاحتلال البريطاني أكثر من غيرهم؟. أم هي الكراهية والخبث الاستعماري المعهود من بريطانيا ضد المسلمين على مدار تاريخها البغيض معهم؟. فعشر سنوات كافية بمعونتهم لكي يعد البوذيون أنفسهم لمواجهة واجتياح مواطن المسلمين!!.

في عام 1962م قام العسكر بانقلاب واستمر اضطهاد المسلمين وارتكاب المذابح ضدهم مما اضطر الآلاف من المسلمين إلى الهجرة خارج بلادهم. في عام1978 قام الجيش البورمى بتهجير(500ألف)مسلم من مناطقهم بقسوة أدت لموت أكثر من (40ألف) من النساء والأطفال والشيوخ، وهجرت أعداد مماثلة عام 1991 عقب إلغاء الانتخابات التي فازت بها المعارضة.

استمر مسلسل القمع والتدمير لمقدرات المسلمين من قبل حكام بورما وسط تعتيم على المشهد. تصاعد القمع الرسمى ومن قبل الأهالي والمتطرفين البوذيين وبتشجيع ودعم من الرهبان البوذيين ووصل ذروته عام 2012م حيث قتل (20ألف) مسلم وتدمير المنازل والقرى واغتصاب الفتيات ولايزال القمع مستمرا حتى الآن من قتل واغتصاب (نحو ثلثى المهجرات تم اغتصابهن)، حرق وتدمير المنازل والمساجد والمدارس ومنعهم من استكمال التعليم، كما يعاني الروهينجيا من تدني أوضاعهم الاقتصادية والبطالة وتعيش غالبيتهم العظمى تحت خط الفقر ويمنعون من شغل الوظائف الحكومية، ويجبرون على العمل بالسخرة فى معسكرات الجيش، وتسحب منهم بطاقات الهوية وتستبدل ببطاقات دون هوية لا ترتب لهم أية حقوق طبقا لقانون الجنسية الصادر عام 1982، كما يمنعون من الزواج إلا بعد بلوغ الفتاة (25سنة) والشاب (30سنة) وتمارس ضدهم كل أنواع التمييز العنصرى وسوء المعاملة من قبل الإدارات الحكومية والجماعات البوذية المتطرفة التى تلقى تشجيع الدولة بل وغالبية المجتمع البورمي بسبب المناخ المعادي للمسلمين والذي خلقته الدولة والرهبان البوذيين المتطرفين.

*الموقف الدولي: غير جاد. ويبدو أن المقولة الشهيرة " مقتل جندي غربى واحد مسألة لاتغتفر ومقتل أمة مسلمة بأسرها مسألة فيها نظر" هى سيدة الموقف إذ يتسم الموقف الدولي في هذه القضية بالتراخي الشديد واللا مبالاة ويتراوح ما بين الشجب والإدانة في أحسن الأحوال دون اتخاذ أي موقف حازم لوقف هذه المجزرة. ويمكن رصد بعض مواقف المجتمع الدولي على سبيل المثال:- قرار للبرلمان الأوروبي يدعو حكومة ميانمار للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ودعم حقوق الروهينجيا وتقديم المساعدة الإنسانية للمشردين.

فيمؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامى فى مكة 15/8/2012 دعت المنظمة لوقف الانتهاكات وأدانتها وطالبت بإعادة المواطنة للروهينجيا والتي سحبت منهم عام 1982 وتشكيل لجنة تقصي حقائق، ودعت الدول الأعضاء التى لها علاقات مع ميانمار للضغط عليها، وقدم العاهل السعودي تبرعا للاجئين بقيمة 50مليون$ ؛ وقررت المنظمة رفع ملف القضية للجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها(67 ) ، وأكدت على قرار الجمعية العامة رقم 238/64 بأن الروهينجيا أقلية عرقية فى شمال ولاية راخين.

زيارة السيد/أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة التعاون الإسلامى لميانمار15/11/2013، وزيارته لمخيمات اللاجئين وتقديمه لتطمينات لهم ووعود بالمساعدة.

في الدورة الاستثنائية لمجلس وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامى في كوالالمبور19/1/2017 أعرب المجتمعون عن القلق البالغ من اندلاع أعمال عنف فى شمال راخين، كما حث الاجتماع الهيئة الدائمة لحقوق الإنسان بالمنظمة على إبقاء وضعية أقلية الروهينجيا قيد النظر على جدول أعمالها باعتبارها قضية ذات أولوية. وقد عينت المنظمة مبعوثا خاصا لها لمتابعة القضية وزيارة الإقليم.

أما الأمم المتحدة فلها أيضا صولات وجولات من الانتقادات الرقيقة – منها تصريحات الأمير زيد بن رعد مفوضها السامي لحقوق الإنسان والتي ينتقد فيها حكومة ميانمار لعدم سماحها لمراقبي الأمم المتحدة بدخول الإقليم المنكوب وأن ذلك يعد إخلالا من ميانمار بالتزاماتها بموجبات القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأن هذا أمر مسىء جدا للضحايا ، وأنه ليس بوسعنا سوى أن نخشى الأسوأ!!!. ويذكر أن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قد أصدرت تقريرا في3/2/2017 أكدت فيه وقوع انتهاكات بحق الروهينجيا من قبل القوات الحكومية وعصابات الأهالي من البوذيين.

 كما أن الأمم المتحدة قد صنفت الروهينجيا كأكثر الأقليات اضطهادا وبؤسا في العالم. وقد زارت مبعوثة المنظمة لحقوق الإنسان المناطق الملتهبة فى ميانمار وصرحت فى بيانها بالآتى: "توضح الأحداث خلال الشهور الماضية بأنه يجب أن يظل المجتمع الدولي يقظا في متابعة وضع حقوق الإنسان" ويعني ذلك رصد ومتابعة المأساة بل وربما متعة المشاهدة لدماء المسلمين النازفة !!!! (كتر خيركم بالمصري، لاوفيتم ولاكفيتم).

 ومن المؤسف أن نذكر الموقف المتخاذل لحكومة بنجلاديش المجاورة للإقليم والتي فر إليها (300ألف) لاجىء إذ تحاول الآن منع الروهينجيا الذين يحاولون الفرار من المذابح إلى أراضيها بالقوارب المتهالكة بالقوة وإطلاق الرصاص ومطاردتهم بالمروحيات العسكرية.

وتعد أقوى المواقف هى التصريحات والمناشادات الكلامية التى لاتسمن وتغني من جوع ولاتحقن دما بريئا ولاتصون عرض فتاة مسلمة تغتصب كتصريح رئيس وزراء ماليزيا "كفى اضطهادا للروهينجيا"، وكذلك تصريحات وتحركات لمسئولين من الإمارات وإيران، وتركيا التى قام وزير خارجيتها /أحمد داود أوغلو على رأس وفد تركي بزيارة مؤثرة – عاطفيا - للإقليم ومخيمات الضحايا؛ لكن كل ذلك غير مجدٍ ولاتزال الدماء الطاهرة تنزف والأعراض البريئة تنتهك.

والسؤال أين التهديد بسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية؟

إنهاليست الصين القوية التي تضطهد الأويغور، وأنتم تنشدون ودها أيها الضعفاء؛ أين تفعيل الفصل السابع من مواثيق الأمم المتحدة الذى ينص على استخدام القوة وفرض عقوبات على الطرف المعتدى؟؛ وأين الإحالة للمحكمة الجنائية الدولي ؟

 وأين الاتهامات بالإرهاب ؟ إن المعتدى عليه مسلم فالمسألة فيها نظر!!!!!!!.

أيها المجتمع الدولي صاحب المعايير المزدوجة والعدالة المعوجة، يا أصحاب القرار إنها الدنية في الدين والدنيا، أيها المتخاذلون لانامت أعين الجبناء.

قال صلى الله عليه وسلم فيما معناه " من نصر مؤمنا فى موقف ينتهك فيه عرضه وتنتقص فيه من كرامته إلا نصره الله فى موقف يحب فيه النصرة، ومن خذله خذله الله فى موقف يحب فيه النصرة" إن الفتن والاضطرابات تطرق أبواب أوطانكم فانصروا المظلوم عسى الله أن يدفع عنكم الدمار وضياع الأوطان والسلطان، اجعلوا قبلتكم إلى الله وليس إلى البيت الأبيض، أو الكريملين،أو10 داوننج ستريت. واعلموا أن الله يكون لكم بقدر ماتكونوا لعباده. أيها الأسود(على شعوبكم).

           د/عزالدين الوردانى

باحث مختص في شئون آسيا الوسطى