الصين: وحان دور القوة الناعمة!

سالم بن أحمد سحاب

 
لم يعدْ ثمَّة شكٌّ في أنَّ الصين قد بلغت درجةً متقدِّمةً جدًّا في السلَّم الاقتصاديِّ، بل وستبلغ قمَّته قريبًا، في ظلِّ تراجع أداء الاقتصاد الأمريكيِّ، الذي تربَّع على هذا العرش طويلاً. وكذلك هي متقدِّمة قويَّة عسكريًّا.

وقليل منَّا مَن لمْ يرَ منتجًا ممهورًا بجملةِ (صُنع في الصين)، بل حتَّى أنَّ كثيرًا من المنتجات الفاخرة تُصنع كليًّا، أو جزئيًّا في الصين. طبعًا ليس ذلك كلّه كفيلاً بتجميل وجه الإدارة المركزيَّة الصينيَّة، ففيها من القبح الشيء الكثير، منها الممارسات الجائرة في حقِّ مسلمي تركستان الشرقيَّة. ومن صورها أيضًا القبضة الحديديَّة التي يديرُ من خلالها الحزبُ الشيوعيُّ البلادَ منذ عقود مضت.. وحتَّى اليوم.

ومع ذلك، يسعى هذا الوجهُ الاستبداديُّ، المخلوطُ بشيءٍ من الرأسماليَّة (ذات الملمس الناعم)، إلى تحسين تلك الصورة الذهنيَّة، ليس عبر تغييرٍ جذريٍّ من الداخل، وإنَّما عبر ضخِّ أموالٍ كبيرةٍ هائلةٍ لرسم صورة ذهنيَّة جديدة، مقرونة بحراكٍ دبلوماسيٍّ مدروسٍ تمارسه الدولةُ على كلِّ المستويات، بما فيها السفارات، والقنصليات، والمراكز الثقافيَّة، وغيرها.

لمْ تعدْ تكتفي الصينُ بضخِّ المساعدات مثلاً للدول الفقيرة، على هيئة بناء الطرق، والمستشفيات، والمرافق، فذلك جزءٌ من هيمنتها الاقتصاديَّة، وهيبتها العسكريَّة، وإنَّما تريدُ أن تذهبَ بعيدًا في ميدان ما يُسمَّى (بالقوَّة الناعمة)، التي تخطِّط لدعمها خلال السنوات القليلة المقبلة بحوالى 10 مليارات دولار سنويًّا، عبر كل الوسائل المتاحة، وفي مناطق التأثير الفاعلة. فمثلاً ضخَّت الصينُ عشرات الملايين من الدولارات لملء اللوحات الإعلانيَّة الضخمة في تايمز سكوير، في نيويورك الصاخبة.

ومن صور هذه المحاولة (المدعومة من أعلى سلطة في البلاد)، دعم الفضائيَّات الصينيَّة الناطقة باللغة الإنجليزيَّة، ذات المحتوى الثقافي الصيني، كما دعم مئات المراكز الثقافيَّة التي تُعلِّم اللغة الصينيَّة الأم مجانًا حول العالم. وكذلك تحاول الصينُ شراءَ شركات للإنتاج السينمائيِّ والتلفزيونيِّ في الولايات المتحدة، وأوروبا؛ لبثِّ ثقافتها تدريجيًّا، وإعادة رسم الصورة الذهنيَّة عنها.

هل تنجح الصينُ في ذلك؟!

وهل يصلحُ العطارُ مَا أفسدَ الاستبدادُ؟!
 
المصدر: http://www.al-madina.com/article/518849?rss=1