أهداف الصين من مشروع طريق الحرير الجديد

حسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن الصين تخطط لصرف حوالي ألف مليار دولار على مشروع طريق الحرير الجديد.

وهناك العشرات من الدول التي انضمت إلى هذا المشروع فعلا في حين هناك عدة دول تبدي رغبتها في الانضمام إليه.

ويتم تمويل هذا المشروع الصيني الطموح من قبل بنك آسيا للاستثمار في البنى التحتية التي تعرف اختصارا باسم  "AAYB"والتي أنشأتها الصين كبديل للبنك الدولي للتنمية. ويتم من قبل هذا البنك أيضا تمويل البنى التحتية كإنشاء الطرق السريعة والسكك الحديدية في الدول المجاورة كباكستان، وبنغلاديش، وكمبوديا.  بالإضافة إلى ذلك بتمويل من البنك الصيني نفسه يتم إنشاء شبكة من الممرات البحرية والبرية والسكك الحديدية الجديدة. ويتم من خلال تلك الممرات والطرق ربط الصين التي تقع في الشرق الأقصى من آسيا بأوروبا وإيصال البضائع الصينية إليها.

 وجدير بالذكر أن تلك المشروعات جميعها مشروعات صينية،  الهدف منها خدمة المصالح الصينية فقط.

إن "مشروع طريق الحرير الجديد الذي هو جزء من مبادرة حزام واحد ، طريق واحد" هو  في الواقع رؤية الصين والذي أعلنه من قبل شي جن بينغ و يتم الدعاية له على نطاق واسع على أنه مشروع لجميع الدول المجاورة التي تدور في فلك الصين، ولكن الحقيقة أن تلك المشروعات جميعها وسائل وأدوات مؤقتة للتدليس على الحكومات والشعوب التي لا تعرف عن الصينيين وأساليبهم المخادعة.

أهمية المشروع للصين

إن تلك المشروعات التي أطلقها رئيس الحزب الشيوعي الصيني الجديد شي جين بينغ ويحاول تنفيذها على المدى البعيد تنطوي على أهمية قصوى بالنسبة للصين للأسباب التالية:

  1. يتم حاليا نقل ٨٩٪‏ من الصادرات الصينية إلى الخارج عن طريق بحر الصين ومنطقة الباسيفيك .
  2. تتواجد البحرية الأمريكية في بحر الصين منذ الحرب العالمية الثانية حيث تقوم بحماية حرية الملاحة هناك. وهذا التواجد الأمريكي في تلك النقطة الحيوية يشكل نقطة ضعف كبيرة بالنسبة للصين. وتكمن إنشاء الصين في السنوات الأخيرة لجزر صناعية في بحر الصين لمحاولتها أن تكون لها كلمة في منطقة الباسفيك. وتهدف الصين من خلال إنشاء تلك الجزر وإقامة نقاط تفتيش فيها إلى التخلص من السيطرة الأمريكية على تلك الممرات الحيوية ومن ثم نقل صادراتها وبضائعها الحيوية كالبترول والغاز الطبيعي وغيرها من البضائع التي هي ذات أهمية قصوى في التنمية الصينية إلى الخارج تحت سيطرتها، ولكن تلك الخطوات الصينية أحدثت قلقا في الدول المجاورة من الطموح الصيني. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما بإرسال خمس قطع بحرية إلى بحر الصين للتأكيد على أنها لن تسمح للصين بالسيطرة على تلك المنطقة الحيوية من العالم.

 

جسر كاشغر -غوادرات الاقتصادي

 ومن جهة أخرى بدأت الصين بعد توقيعها مع باكستان ١٧ اتفاقية للتعاون في إنشاء مشروع جسر كاشغر -غوادرات الاقتصادي. ويعتبر هذا المشروع الذي كلفته حوالي ٤٦ مليار دولار أكبر مشروع اقتصادي يتم إقامته بين الصين وباكستان حتى الآن حيث بلغت العلاقات الصينية الباكستانية ذروتها من خلال هذا المشروع.

وهذا المشروع يعتبر أيضا كبديل آمن ومهم بالنسبة لنقل المنتجات الصينية عن طريق البر وكذلك للواردات الصينية. وينظر إلى هذا الجزء من مشروع طريق الحرير على أنه خطوة مهمة للغاية في طريق التخلص من السيطرة الأمريكية على الممرات البحرية ونقل البضائع الصينية بشكل آمن إلى الخارج.

سياسة التوسع الصينية التاريخية ونتائجها

 لقد قامت الصين عبر التاريخ بالتوسع عن طريق البر في حين أنها كانت الطرف الخاسر في السيطرة على الممرات البحرية.

وانطلاقا من التجارب التي عرفتها الصين عبر التاريخ يحاول الحزب الشيوعي الصيني التوسع نحو الغرب بشكل تدريجي.

ومشروع طريق الحرير الجديد الذي هو من اختراع الصين سوف تربط الدول التي تقع في نطاق هذا المشروع بعقد يمكن أن نسميه "الزواج الكاثوليكي" مع الصين وتمهد الطريق للهيمنة الصينية.

وفِي حال تحقق هذا المشروع يمكن للصين على المدى البعيد أن تتخلص من الهيمنة الغربية على وسائل تأمين الطرق والممرات التجارية في نقل المنتجات الصينية إلى العالم. وهذا المشروع ذي التكلفة الضخمة سوف تربط مصالح الصين بمصالح الدول المشاركة فيه بحيث تعتبر أمن الصين امتدادا للأمن القومي لتلك الدول.

وبهذا سوف يعتبر أي تهديد للصين بمثابة تهديد لتلك الدول.

منظمة شانغهاي للتعاون الأمني

لقد وقعت الصين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينات في قلق عميق من تأثير استقلال الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى على شقيقتها تركستان الشرقية الواقعة تحت الاحتلال الصيني للمطالبة بالاستقلال. ولذلك عمدت  وفِي شهر أبريل/ نيسان من عام ١٩٩٦إلى المبادرة لإنشاء منظمة شانغهاي للتعاون الأمني بمشاركة خمس دول من آسيا الوسطي.

 والهدف من إعلان شانغهاي كانت  مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجهها الصين في الداخل والخارج من خلال تحويلها إلى تهديد للعالم بأسره.

وكان الهدف أيضا التحول فيما بعد بتلك المنظمة التي انضمت إليها المزيد من الدول لتحدي الولايات المتحدة والغرب بحيث تتحول الصين إلى قوة فعالة ليست في آسيا فقط بل في مناطق نفوذ الغرب أيضا.

التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة والغرب والفرصة السانحة للصين

 وفِي حين كان يتعين على الولايات المتحدة والغرب أن يطورا وسائل تكتيكية جديدة للتعامل مع المساعي الجادة للصين لأن تصبح قوة عالمية وبدلا من أن تواجها تهديدات الصين قامت بالتقوقع على نفسها واختراع عدو جديد لها بحيث ركزت على الإسلاموفوبيا والتهديدات العرقية والدينية.

 وبذلك تراجعت الدول الغربية أمام الحملات الصينية المستمرة بحيث أن تلك الدول الغربية التي اخترعت العولمة  وضعت نفسها في مأزق حقيقي. والأمر المؤسف أنه وصل في تلك الدول إلى الحكم زعماء ليست لهم تجارب سياسية بحيث أنهم لم يجدوا حلا أمام الصين غير الرضوخ على مضض بسياستها المنتهكة لحقوق الإنسان .

 كما لم تجد الدول الغربية حلا أمام مساعي الصين لملإ الفراغ الناتج عن عدم قيام تلك الدول بدورها في سياسة العولمة سوى إتاحة المجال للصين.

وفِي ظل هذا المناخ السائد سوف تستمر الصين كمصدر جذاب للعديد من الدول في العالم. كما سوف تصبح الصين كقوة  للتوازن العالمي في ظل الصراعات التي يشهدها العالم.

الغرب وقضية تركستان الشرقية

 في الوقت الذي تحاول فيه الدول الغربية مواجهة ما تسميها  "الاٍرهاب" أو "العدو الإسلامي" تستمر الصين في مساعيها لأن تصبح قوة عالمية لها كلمتها في المحافل الدولية. وفِي ظل هذا الوضع الدولي الفعلي تقف قضية تركستان الشرقية في مركز هذا التوازن العالمي.

ومن هذا المنطلق فإن الخطوات الصينية لن تبقى فقط على المستوى الإقليمي بل يمكن أن تتوسع لتصل إلى المستوى العالمي بحيث يكون لها تأثير قوي على مسار قضية تركستان الشرقية.

وسوف أحاول في المرات القادمة إن شاءالله أن اقدم ملاحظات جديدة في هذا الموضوع.

الكاتب : محمد توختي

ناشط ومحلل سياسي وأكاديمي أيغوري مقيم في كندا

المترجم من التركية: محمد عبد الله توران

مصدرالمقال:

http://www.uyghurnet.org/cinin-yeni-ipek-yolu-projesi-hakkinda-dusunceler/