تاريخ وجغرافيا..الأتراك

 

الأتراك من أعظم الأمم وأكثرها عددا وأوسعها انتشارا في أنحاء المعمورة.

 نشأ العرق التركي في المنطقة الشاسعة الممتدة مابين هضبة التبت والصين الأصلية (أي المناطق التي تقع خلف سور الصين العظيم)، وسهول سيبريا الشاسعة ما بين جبال الأورال والمحيط الهاديء، وفي سهل أوروبا الشرقي حتى أقصى شمال أوروبا على حدود الشعوب الفنلندية، وفي البوادي والأودية الممتدة من بحر الخزر حتى جبال آلتاي.

وكانت تلك الجماعة العرقية (الترك) في العصور الأولى تنتظم داخلها العديد من الأجناس كالمغول والتنكت والتتر وغيرهم أيضا، يتحدثون بلغات تنحدر من عائلة اللغة الآلتائية نسبة إلى جبال آلتاي.

دخل الأتراك في طور التاريخ بعد أن شرعوا في الاندفاع من سفوح جبال تنغري تاغ (تيان شان) إلى بوادي وأودية آسيا الوسطى وكانت قد نمت لهم خصائص عرقية مميزة يدعوها علماء الأجناس بالخصائص الطورانية، وبينما ظهرت الملامح المغولية بين أتراك الشمال في سهوب منغوليا حيث تشكلت ونشأت القبائل المغولية، احتفظت الفروع الجنوبية بشكل جسدي متناسب الأعضاء يميل إلى الكبر بعض الشيء ووجه متوسط الطول وأنف مستقيم بارز وجبهة عالية منحدرة وشعر كثيف. ومن ثم تميزت القبائل التركية عن غيرها .

كان الترك يجوبون الوديان والسهول الفسيحة في بلادهم الشاسعة في وسط آسيا (بلاد ما وراء النهر) وسيبريا ، وبحر الخزر حتى أوروبا الشرقية، فينزحون إلى الشمال في الصيف عند ذوبان الجليد، وإلى المناطق الدافئة في الجنوب عند حلول الشتاء وذلك طلبا للمرعى والتجارة وكانوا يحترفون الرعي والصيد والزراعة في مناطق الاستقرار.

 استطاع الأتراك تأسيس الكثير من الدول والخانيات المستقلة في مختلف أراضيهم الشاسعة منذ ما قبل الميلاد ومن أشهر الدول التركية الهون الآسيويون ، والهون الغربية أو الأوروبية، كوك – تورك (تو- كيو)، توركش . استطاعت تلك الدول تأسيس امبراطوريات ضخمة سيطرت على مناطق شاسعة واجتاحت أوروبا، وتلتها العديد من الدول كدولة الأويغور والدولة القراخانية ، والسلاجقة والغزنوية والإمبراطورية العثمانية. فضلا عن الخانيات العديدة فىسيبريا، ومملكة قازان غرب جبال الأورال فى سهل أوروبا الشرقي وخانية استراخان على مصب نهر الفولجا على بحر قزوين. كما استطاع الكثيرون من ذوي الأصول التركية تأسيس العديد من الدول خارج مناطقهم الأصلية كدولة المماليك في مصر والشام، ودولة مماليك دهلي في الهند والدولة التيمورية المغولية في الهند.

وقد تقلصت ممالك الترك وأراضيهم الأصلية من جراء الهجمات الاستعمارية لروسيا والصين، اذ اندفع الروس نحو سيبريا شرق الأورال بعد أن سيطرو على مملكة قازان 1552م ، وخانية استراخان 1556 م ؛ ورغم الدفاع البطولي لخانات الترك في سيبريا (جوشن خان وعلي خان وإيشيم خان) عن أوطانهم إلا أن الروس نجحوا في اكتساح سيبريا والقضاء على خانيات الترك وتمكنوا من الوصول لساحل المحيط الهاديء في أوكتسك عام 1650م بعد نحو مائة عام من المواجهات مع خانيات وقبائل الأتراك في سيبريا التي سقطت بأسرها عام 1676م وضم الروس بذلك نحو 12,5مليون كم2 إلى أراضيهم؛ كما سيطروا بحلول عام 1885م على خانيات الترك الأربع فى تركستان الغربية بخارى، وخيوة (خوارزم)، وقازاق ، وفرغانة (خوقند). بينما كان الصينيون فى عام 1760م قد استكملوا احتلال بلاد الأتراك فى تركستان الشرقية، فى حين بقيت الإمبراطورية العثمانية مزدهرة على مساحة شاسعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وفي صراع دائم مع محيطها الخارجي لمواجهة الهجمة الاستعمارية الشرسة على بلدان العالم الإسلامي في العصر الحديث.

                د/ عز الدين الورداني

باحث متخصص في شئون آسيا الوسطى