جرائم الصين في تركستان الشرقية

منذر فؤاد

 يبدو أنّ السلطات الصينية استنفدت جميع وسائلها لطمس الهوية الإسلامية، في تركستان الشرقية، إقليم شينجيانغ حالياً، وقرّرت اللجوء إلى وسيلة أشدّ وطأة، في محاولة منها لثني المسلمين عن دينهم، والتضييق على شعائرهم الدينية.


توصلت عقلية سلطات بكين إلى اتخاذ قرار غير مسبوق ضد أقلية الأويغور المسلمة التي تشكل غالبية سكان تركستان، وهو حظر تداول كلّ ما هو إسلامي، بما في ذلك نسخ المصحف الشريف، وطالبت السلطات المسلمين بتسليم كل متعلقاتهم الدينية، وتوّعدت المخالفين في نفس الوقت.


ما تفعله الصين في تركستان الشرقية ليس جديداً، إذ سبق لها أن منعت المسلمين من الصوم خلال شهر رمضان مرات، ومنعت وصول المطبوعات الإسلامية من التداول في مناطق الإقليم، فضلا عن مواصلة جرائمها ومجازرها بحق المسلمين على مدى قرنين، ولم يكن قرار حظر المصحف الشريف إلا امتداداً لسلسلة طويلة من الإرهاب الفكري الذي تمارسه سلطات بكين بحق الأويغور.


أن تحظر الصين المصحف في منطقة يقطن فيها 22 مليون مسلم، من دون أدنى احترام لحرية الاعتقاد، فتلك إهانة ليس لهؤلاء الملايين فحسب، وإنّما لمليار ونصف المليار مسلم، وهذا يستوجب تحرّكا إسلاميا لوقف هذا الأمر، والعمل على منح مسلمي تركستان حقهم في حرية الاعتقاد، والتي كفلها حتى الدستور الصيني نفسه، كما على الشعوب المسلمة أن تضغط بكل ما تقدر على الحكومات والأنظمة، لتتحرك نصرة للحقوق الأساسية والإنسانية للمسلمين الأويغور، والضغط على حكومة بكين لوقف ممارساتها الآخذة في التصعيد، خصوصاً في الفترة الأخيرة.


تدرك الصين جيداً أنّها كلّما ضيّقت الخناق على المسلمين في دينهم دفعهم ذلك إلى التمسك به أكثر، وقرارها أخيرا حظر المصحف إنّما يعكس حالة التخبّط والحقد والخيبة التي أصابت السلطات، وهي تشاهد تعثر خطواتها في طمس الهوية الإسلامية.

 قد تنجح الصين في مصادرة نسخ المصحف الشريف، لكنها لن تستطيع انتزاع المصحف من قلوب مسلمي الأويغور وحياتهم العملية، وكل المحاولات تثبت أنّ الممارسات القمعية تؤتى ثمارها بما لا يشتهي حاكم بكين.

في ظل الصراع الذي تشهده المنطقة العربية، تذهب بعض القضايا المهمة في مهب الريح، ويراد لها أن تمحى من أذهان الأجيال المسلمة، ومنها تبرز تركستان الشرقية التي أصبحت تعرف باسم شينجيانغ، وهي منطقة يقطنها ملايين المسلمين، وتحرمهم السلطات الصينية من التمتع بالثروات الغنية التي يملكها الإقليم، فضلا عن محاربتهم بشتى السبل، لكونهم مسلمين فقط. 


ومن باب الإنصاف، ما كان للصين أن تمارس الإرهاب بحق مسلمي تركستان، لولا وجود تواطؤ عالمي ضد الأقلية المسلمة هناك، ولولا انشغال المسلمين بصراعاتهم فيما بينهم.


في مطلع يوليو/ تموز الماضي، اعتقلت السلطات في مصر عشرات من مسلمي الأويغور من طلاب الأزهر، في خطوة تعكس مدى تواطؤ النظام المصري، مع النظام الشيوعي القمعي في الصين، ضمن خطة صينية للتضييق على الأويغور خارج حدودها، بعد أن ضيّقت الخناق عليهم في الداخل.


ربما كان على الصين أن تواصل حملتها المسعورة، وهي تشاهد ما وصل إليه حال المسلمين اليوم، من تخاذلهم لقضاياهم، ومثالا على ذلك ما يحدث من مجازر وحشية وإبادة ممنهجة ينفذها نظام الأسد بحق الشعب السوري، وسط خذلان عربي وإسلامي، إن لم يكن تواطؤاً وتأييدا لما يحدث.