الحزب الشيوعى الصينى والبحث عن الزعيم المنقذ

  العالم يتحرك والمجتمع الصيني يتطور وتلاحقه الأفكار والبحث عن الحريات؛ والحزب باق كما كان بل يعيد إنتاج الماضي وقسوته وديكتاتوريته البغيضة. لقد تصلب الحزب الشيوعي الصيني وحكومته وتجمدت مؤسساته بدلا من أن تلين، إنه يسير ضد الحياة وأى شىء يسير ضد حقائق الواقع ومقتضيات المجتمع الإنساني إن عاجلا أو آجلا سينهار وهو الأمر الذى يدركه منظروا وقادة الحزب ، وما يمنعهم من احترام حقائق الحياة إلا طموحهم للسلطة.

يمن هنا كانت حتمية إعادة إنتاج الماضى وتنصيب الزعماء الآلهة أو أنصاف الآلهة ذوي الإلهام والرؤى والقرارات واجبة الطاعة، لعلهم يفسحون الطريق لاستمرار بقاء الحزب ومنتفعيه. لقد حصل الرئيس (شى جين بينج) على تلك المكانة، فقد قرر المؤتمرال(19) للحزب الشيوعي الصيني مكانة تاريخية لأفكاره ونظريته حول (الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد)، وذكر القرار أن تلك الأفكار هى جزء لا يتجزأ من منظومة نظريات الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وهى دليل العمل لجميع أعضاء الحزب وأبناء الشعب في كل البلاد في كفاحهم من أجل تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، كما تم التأكيد على دراسة وتطبيق روح سلسلة الخطابات الهامة للسيد/ شى الأمين العام للحزب. وتم تعديل دستور الحزب لإدراج ذلك ضمن بنود دستور الحزب الشيوعي الصيني والذي كُشف عنه لأول مرة في المؤتمر الثاني للحزب عام 1922 وكان يتخذ من أفكار زعيمه (ماو تسى تونج) كإيديولوجية توجيهية له.

 بعد (60) عاما أدرك الحزب خطأه وتم التصديق على (إصلاح الأخطاء اليسارية) وجعل الاقتصاد محور عمل الحزب وذلك في المؤتمرال(12) للحزب عام 1982م وفي عهد زعيمه الإصلاحي (دينج شياو بينج) والذي أدرجت أفكاره أيضا في دستور الحزب ولكن بعد وفاته. ومن ثم فإن السيد/ شي القاسي ذو التوجهات الشمولية القمعية والذى انتخب لفترة ثانية أمينا عاما للجنة الدائمة للمكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المكونة من سبعة أعضاء ليس من المتوقع أن يخلفه أحدهم في نهاية فترته الثانية بعد خمس سنوات لتقدمهم في السن ، ومن ثم فمن المتوقع امتداد حكم السيد /شي بعد انتهاء فترته الثانية في قيادة الحزب وحكم الصين، وليصبح في مكانة لم يحظ بها إلا السيد (ماو) الزعيم التاريخي والمؤسس للحزب.

 من جانبه وفي إشارة إلى الصعوبات ومخاوف المستقبل أكد/ شى ضرورة بذل جميع المواطنين المزيد من أجل الدفاع عن سلطة الحزب والنظام الاشتراكي ، والتصدي بحزم لأي أقوال أو أفعال من شأنها أن تقوضهما. ووصف المستقبل بأنه واعد لكنه يواجه تحديات جسيمة ، كما أقر بأن الوضع في الداخل والخارج يشهد تبدلات عميقة ومعقدة لذا نعد بمزيد من الانفتاح على العالم، كما أكد عزمه على محاربة الفساد ومقاومة النزعات الانفصالية.

إن السيد /شي يدرك جيدا أن الصين تواجه الكثير من المشكلات قد تقودها قريبا للانهيار على غرار الاتحاد السوفيتى السابق وزعيمه جورباتشوف الذي حاول تطبيق سياسات منفتحة إصلاحية ولكن كان قد فات وقت الإصلاح. فهل فات وقت الإصلاح في الصين ولن يجدي نفعا تطبيق إصلاح سياسي أو انفتاح ثقافي في المجتمع الصيني الذي يعج بالاختلافات العرقية والدينية والثقافية ولم يتطور الحزب الشيوعي الحاكم فكريا وسياسيا لاستيعابها والتعامل الصحيح معها بدلا من قمعها.

 تعانى الصين أيضا من ارتفاع الدين الحكومي نحو(25) مليار$ بنسبة 237% من الناتج القومي في نهاية الربع الأول من عام 2016م * ارتفاع معدلات الفساد في الحزب والجيش وكافة مؤسسات الدولة * اختلال معدلات التنمية بين مختلف أقاليم الصين * النزاعات الحدودية الكثيرة مع العديد من دول الجوار وهو ما يقودها لسباق تسلح يرهق ميزانيتها، فضلا عن رغبتها في التوسع والانتشار العسكري عالميا فافتتحت أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي شرق أفريقيا.

إن مشاكل الصين المتعددة لايمكن معالجتها بالتصلب السياسى والاقتصادي والتعتيم وسيطرة الدولة على الإعلام وتدفق المعلومات أو القمع الأمني، فأي حكومة آمنة مستقرة لا تقوم بهذا القمع والسيطرة على كافة الأمور، ولن ينقذها من التدهور والانهيار إعادة الزعيم الإله والعودة لترتيل الشعارات بلا روح ولا قناعة.  

د/عزالدين الوردانى

 باحث متخصص في شئون آسيا الوسطى