بلادنا تتحول إلى "أندلس" جديدة والمسلمون في صمت!

أمين جمعية «علماء تركستان الشرقية» لـ»المجتمع»: بلادنا تتحول إلى "أندلس" جديدة والمسلمون في صمت!
الكاتب :   أجرى الحوار: محمد سرحان
 06 نوفمبر 2017
 

- مسلمو تركستان من قوميات مختلفة أغلبها العرق التركي مثل الأويغور والتركمان والقازاق والأوزبك والطاجيك والتتار

- لم تهدأ ثورات المسلمين طوال 100 عام ضد محاولات «تصيين» تركستان الشرقية حتى استقلوا عام 1985م

- تركستان تعرضت لأربع غزوات صينية منذ عام 1860م أدت إلى إبادة كثير من المسلمين ونزوحهم من الإقليم

- الصين عمدت إلى سلخ بلادنا من هويتها الإسلامية فجعلت المسلمين يعيشون في معسكرات السخرة

- حسب العفو الدولية فالحكم الصيني يمارس سياسة التمييز العنصري في التوظيف ضد المسلمين

- حرمان المسلمين من موارد بلادهم ومن حقهم في التوظيف جعل أغلبهم فقراء

- هناك دول مسلمة تتضامن مع الصين لمكافحة ما يسمونه بـ»الأصولية الإسلامية»

يئن المسلمون في تركستان الشرقية تحت وطأة الاحتلال الصيني منذ عام 1949م، وسط مساع صينية حثيثة لتجريف كل ما هو إسلامي وسلخ أهالي تركستان من هويتها الإسلامية الراسخة لمئات السنين، بل و»تصيينها».. وللتعرف على مسلمي تركستان الشرقية والقمع الصيني بحقهم وما يعانونه من حرمان في أبسط حقوق الإنسان كالتعليم والصحة واحترام المعتقدات، وحتى لا يصبح هذا البلد المسلم كبلاد الأندلس، كان لـ»المجتمع» هذا الحوار مع د. عبدالوارث عبدالخالق، الأمين العام لجمعية علماء مسلمي تركستان الشرقية.

بداية، لو تقدم لنا نبذة على تاريخ تركستان؟

- تركستان كلمة تتكون من مقطعين «ترك» و»ستان»، بمعنى «أرض الترك»، وتاريخياً تركستان تنقسم إلى قسمين؛ تركستان الغربية وتركستان الشرقية، وكما هو معروف فإن تركستان الغربية هي تلك الأرض التي استقللت عن الاتحاد السوفييتي في عام 1990م وانقسمت إلى جمهوريات أوزبكستان، تركمنستان، أذربيجان، طاجكستان، قرغيزستان، كازاخستان، وأما تركستان الشرقية فهي لا تزال تحت استعمار الصين، وتعرف باسم مقاطعة شينجيانج باللغة الصينية، وتعني الوطن الجديد أو المستعمرة الجديدة.

تبلغ مساحة تركستان الشرقية حوالي 1.8 مليون كم، أي خُمس مساحة الصين، ويزيد عدد سكانها على 35 مليون نسمة من المسلمين الأصليين غير الصينيين الذين هاجروا إلى هناك من داخل الصين خلال العقود الماضية، ويحدها من الشمال الغربي ثلاث جمهوريات إسلامية؛ هي كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، ومن الجنوب: أفغانستان، وباكستان، ومن الشرق أقاليم التبت الصينية، بالإضافة إلى الصين ومنغوليا الشعبية.

ويتكون سكانها المسلمون من قوميات مختلفة، أغلبها من العرق التركي مثل الأويغور وهم يشكلون غالبية البلاد والتركمان، والقازاق، والأوزبك، والطاجيك، والتتار.

كيف ومتى وصل الإسلام إلى تركستان؟

- ما أن فرغ الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم من توطيد أركان الإسلام في تركستان الغربية حتى بادر إلى تركستان الشرقية، ففتح بعضها، ومرت السنوات حتى آتت الدعوة والاتصال الحضاري بين الإسلام والحضارات الأخرى أكلها، فتحول التركستانيون إلى الإسلام تحت قيادة زعيمهم ستوق بغراخان خاقان، رئيس الإمبراطورية القراخانية عام 323هـ/ 943م، فأسلم معه أكثر من 200 ألف خيمة (عائلة)؛ أي ما يقارب مليون نسمة تقريباً، وقد ضربت النقود باسم هارون بوغراخان، حفيد ستوق بغراخان، ووسع رقعة مملكته فشملت أجزاء من تركستان الغربية، كما ارتقت البلاد في عهده في النواحي الحضارية المختلفة، وكتبت اللغة التركستانية واللهجة الأويجورية بالحرف العربي لأول مرة، وكانت أوقاف المدارس تشكل خمس الأرض الزراعية، ولقب هارون بوغراخان بلقب «شهاب الدولة».

كيف سيطرت الصين على تركستان الشرقية؟

- لم تتوقف المحاولات الصينية لاحتلال تركستان، فقد استولى الصينيون عليها سنة 1174هـ/ 1760م بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقتلت القوات الصينية وقتها مليون مسلم، وألغى الصينيون نظام البكوات الذي كان قائماً بها، ووحدوا أقسام تركستان في ولاية واحدة، كما اتبعت الصين سياسة استيطانية في تركستان الشرقية، أو ما يسمى بـ»تصيين» تركستان الشرقية؛ عن طريق نقل كتل بشرية صينية إليها؛ فقام المسلمون بثورات عنيفة، منها ثورة «جنقخ» سنة 1241هـ/ 1825م، واستمرت سنتين، ولم تهدأ ثورات المسلمين طوال مائة عام، وكذلك كانت هناك ثورة سنة 1272هـ/ 1855م، استمرت عشرين عاماً، بقيادة يعقوب بك، وقد تمكن بعدها مسلمو تركستان الشرقية من الاستقلال سنة 1282هـ/ 1865م، وذلك أثناء الصراع مع أسرة مانشو، إلى أن تم احتلالها مرة أخرى سنة 1292هـ/ 1875م.

وتعرضت تركستان الشرقية لأربع غزوات صينية منذ عام 1277هـ/ 1860م؛ مرتين في عهد أسرة مانشو، ومرة في عهد الصين الوطنية، ومرة في عهد الصين الشيوعية؛ وقد أدت هذه الثورات والمذابح الصينية إلى إبادة كثير من المسلمين وحدوث عدة هجرات من هذا الإقليم إلى المناطق المجاورة.

وفي عام 1350هـ/ 1931م، قامت ثورة عارمة في تركستان الشرقية لم يستطع الصينيون حتى بمساعدة الروس إخمادها، وانتقلت هذه الثورة إلى مختلف مدنها، وسيطر المسلمون على مدن شانشان، وطرفان، واقتربوا من أورومجي، إلى أن أعلن قيام حكومة كاشغر الإسلامية، ثم تبعها إعلان تأسيس جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في 21 رجب 1352هـ/ 12 نوفمبر 1933م، وقد اختير خوجانياز رئيساً للدولة، وثابت داملا رئيساً لمجلس الوزراء، إلى أن استولى الصينيون على هذه الدولة وأعدموا أكثر من 10 آلاف مسلم، بمساعدة الروس.

في عام 1364هـ/ 1944م قامت ثورة إسلامية أخرى بقيادة علي خان الذي أعلن استقلال البلاد، غير أن روسيا والصين تعاونتا على إحباط هذا الاستقلال، وقام الروس وعملاؤهم باختطاف قائد الثورة، إلى أن حصلت تركستان الشرقية على الاستقلال الذاتي سنة 1366هـ/ 1946م، وتم تعيين مسعود صبري رئيساً للحكومة، إلا أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1368هـ/ 1949م، اجتاحت القوات الصينية الشيوعية هذه المنطقة واحتلتها.

منذ الاحتلال الصيني، كيف تغير وجه تركستان الإسلامي؟

- عمدت الصين إلى سلخ بلادنا من هويتها الإسلامية، فجعلت المسلمين يعيشون في معسكرات السخرة وعلى أطراف القرى، مقابل إغراق مقاطعة شينجيانج (تركستان الشرقية) بملايين الصينيين غير المسلمين، تحت شعار «اذهب إلى الغرب أيها الشاب»، ولهذا بدأ التذويب السكاني الصيني يهدد بنية المدن الإسلامية كمدينة كاشغر التي عرفت لمكانتها باسم «بخارى الصغرى»، كما يمنح الصينيون إعفاءات ضريبية شاملة، مع توفير المساكن والأراضي التي يتم مصادرتها من المسلمين وطردهم إلى المناطق القاحلة، حتى تحول أصحاب متاجر مسلمين إلى مجرد باعة متجولين أو طباخين يبيعون الأطعمة في الأزقة.

وقد اعتبر الصينيون أن الإسلام خروج على القانون، ومنعوا السفر خارج البلاد أو دخول أي أجنبي إليها، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، واتخذوا المساجد أندية لجنودهم، واستبدلوا بالتاريخ الإسلامي تعاليم “ماوتسي تونج”.

كما أكد تقرير منظمة العفو الدولية، الصادر في أبريل 1999م، أن الحكم الصيني يمارس سياسة التمييز العنصري في التوظيف ضد المسلمين؛ لأن العدد الساحق من العمال في حقول النفط والمشروعات هم من الصينيين.

أضف إلى ذلك تعمد الصين إجراء تجاربها النووية في منطقة لوب منذ عام 1964م؛ ما أدى إلى انتشار الأمراض والإجهاض وتشوه المواليد، ناهيك عن الممارسات الجائرة مثل منع رفع الأذان وتحريفه، والزواج المختلط بين المسلمين والبوذيين.

ماذا عن التعليم؟ كيف كان؟ وكيف أصبح تحت الاحتلال؟

- حرمان المسلمين من موارد بلادهم وحرمانهم من حقهم في التوظيف جعل أغلبهم فقراء، وبالتالي غير قادرين على تعليم أبنائهم فضلاً عن فرض التعليم باللغة الصينية لكافة المواد الدراسية، وتجريم التعليم الإسلامي حتى تعليم الأطفال أمور دينهم، وهو ما يضطر كثيراً من الأسر أو أهالي قرية إلى التكاتف لإرسال أحد أبنائهم للدراسة الشرعية بالخارج حتى يأتي ليعلم الناس أمور دينهم، وهو ما أصبح مجرَّماً أيضاً.

ما أسوأ القوانين وإجراءات التضييق الصيني على مسلمي تركستان؟

- منذ الاحتلال، والصين اتخذت آلاف الإجراءات سواء تحت ذرائع قانونية أو غير قانونية، مثل: حملة تحديد النسل وجعلها مسؤولية القيادات المحلية، بل وقتل الجنين الذي تحمل فيه أمه بعد المواليد المسموح بها، وحسب ما أورده مركز تركستان الشرقية للمعلومات في ألمانيا؛ فقد اقتيدت 28 سيدة أويجورية في 20 يونيو 2000م إلى مركز تحديد النسل في بلدة فيزاوات بولاية كاشغر، حيث أجريت لهن عملية إجهاض واستؤصلت أرحامهن، وتوفي على الفور نتيجة لذلك 7 سيدات.

كما بلغ مجموع النساء اللاتي تم تعقيمهن خلال عام 1991م في بلدة قارقاش وحدها 18765 سيدة، وهذا الرقم يشكل نصف السيدات في سن الإنجاب في تلك البلدة، كما تم إجراء عمليات إجهاض إجبارية لـ865 سيدة خلال عام 1992م في بلدة توقسو وحدها، وقد أصيبت 90% من تلك السيدات بالمرض أو الجنون نتيجة لذلك، كما توفيت 17 سيدة خلال 3 أشهر بعد العمليات.

أضف إلى ذلك منع الشباب من ارتياد المساجد، ومنع التعليم الإسلامي ومراقبة الهواتف إجبارياً، ومنع النكاح الشرعي، واعتقال عشرات الآلاف.

ما دور المؤسسات التركستانية في الخارج ودوركم في اتحاد العلماء؟

- المؤسسات والجمعيات التركستانية في الخارج تعمل على توصيل صوت مسلمي تركستان الشرقية إلى العالم للالتفات إلى مأساتهم، بالإضافة إلى مساعدة أبناء تركستان على مواصلة تعليمهم الإسلامي وغيره والتواصل مع الجهات المعنية حول العالم فيما يخص قضيتنا، بالإضافة إلى إبراز الحقائق التاريخية حول احتلال تركستان وكشف جرائم الاحتلال الصيني بحق المسلمين هناك.

هل هناك تحركات دولية على مستوى الدول أو المنظمات تنتصر لقضيتكم؟

- للأسف لم يقف العالم الإسلامي إلى جانب المسلمين الأويغور حتى الآن لوقف آلام إخوانهم، بل إن دولاً إسلامية مثل كازخستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، وأوزبكستان، تتضامن مع الصين لمكافحة ما يسمونه بـ»الأصولية الإسلامية»، وأكبر دليل على ذلك يتمثل في مجموعة «شنغهاي» التي تضم الدول الإسلامية الأربع، إضافة إلى الصين وروسيا، وعقدت عدة اتفاقيات تعمل على إعادة اللاجئين الأويجور بالقوة إلى بلادهم، وهو ما يمثل انتهاكاً لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين، وفي غمرة عكوف العالم كله على الحرب الأمريكية ضد الإرهاب تضيع قضية المسلمين في تركستان الشرقية وسط الزحام منشغلين بالإرهاب الذي تعرّفه أمريكا وفق رؤيتها، ومتناسين الإرهاب الذي يحدث ضد مسلمي تركستان الشرقية، أخشى ألا يفيق المسلمون لمأساة إخوانهم قبل فوات الأوان، وقد أصبحت تركستان الشرقية المسلمة كبلاد الأندلس!

 

المصدر:

https://mugtama.com/reports/item/63185-2017-11-06-07-04-50.html