تطريز على طريق الحرير

رمزي الغزوي


 حينما كتبتُ هنا عن زيارة ثرية إلى بكين قمت بها في أيلول الماضي، لم أكن أتوقع أن تأتي فرصة أخرى لتتبع طريق الحرير الذي عشقت حميميته الإنسانية بكل عنائها وغناها المعرفي والتجاري. ولهذا أفرحتني دعوة كريمة من إذاعة الصين الدولية cri لأكون في الجولة الخامسة لمشاهير طريق الحرير الصيني بمرافقة بضعة كتاب وأعلاميين من العالم.


 قبل الجولة إستضافتنا الإذاعة في مقرها ببكين. في متحفها الخاص، أدهشني مجسم زجاجي كروي يمتلئ بالظروف البريدية. هذه رسائل المستمعين عبر العالم. عمر الإذاعة 76 عاما. في بداياتها كانت تنطلق عبر شعار( هنا بجيين). واليوم تبث أثيرها ب 63 لغة. كأكثر إذاعة عالمية في هذا المجال، ولديها ذراع صحيفة قوية على الشبكة العنكبوتية.  


 سأحاول أن أطرز بعض النقوش التي لفتتني في الجولة. ستكون تطاريز إنسانية وحياتية وثقافية. فنحن في عالم صنعته التجارة والسفر وتلاقح الثقافات وتمازجها. وطريق الحرير كان شريانا رئيسا في هذا المبنى والمعنى. 
 أربع ساعات طيران حتى وصلنا شنجيانغ. هي منطقة ذاتية الحكم في الشمال الغربي للصين تجاور روسيا وكازخستان. المقاطعة محطتنا في تتبع الطريق. فقد كانت بوابة الصين على العالم القديم: أسيا وأروربا وأفريقيا. وهي بوابته الآن. 


 شنجانيع تعني باللغة الصينية (المستعمرة الجديدة) (إسمها التاريخي والجغرافي: تركستان الشرقية). هي مثال خصب للتنوع القومي والعيش المشترك، ففيها ما يقرب من 15 قومية : الأويغور، الطاجيك، الأوزبك، الهان، الهوي، القرغيز، والتتار، وغيرها مع التذكير أن في الصين 56 قومية. 


 أورمتشي العاصمة. والاسم مأخوذ من اللغة المنغولية، بمعنى المرعى الجميل. باردة شتاء تنحدر فيها الحرارة إلى 20 تحت الصفر؛ لكن الناس لا يكفون عن ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي. المدارس التي زرناها كان الثلج يغطي ساحاتها، ولا تعليق للدراسة، ولا تثبيط للنشاط.


 كانت أورمتشي مركزاً على طريق الحرير القديم. تتجمع القوافل فيها قبل أن تلج العمق الصيني. ولهذا ترى في حياة الناس تنوعا حيويا وتلاقحا ثقافيا عز نظيره. بالطبع مع  محافظة كل قومية على روح هويتها.
 تشهد المدينة نهضة متسارعة. وأحد الزملاء الأتراك قال لي: زرت المدينة قبل خمس سنوات. هي اليوم ليست كما كانت. إنها تسابق نفسها، وتتفوق على طموحها.


 ضمن مباردة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ. تحتل المدينة موقعا مميزا لتجمع خطوط السكة الحديدية، التي تصل نهايتها لندن عبر أسيا وأوروبا. فأكثر من 6000 قطار تمر من هنا. وستبهرك مقارنة الأزمنة. فالقطار الذي كان يأخذ عشرين يوماً للوصول إلى وجهته. يقطعها الآن في يومين أو أدنى.

المصدر: جريدة الدستور

https://www.addustour.com/articles/986943