تطريز على طريق الحرير3

رمزي الغزوي


 تلفتك لوحة فنية كبيرة قرب مدخل البازار الشعبي (السوق) في قلب مدينة أرومتشي القديمة، مرسوم في اللوحة رمانتان. واحدة على حالها، والثانية مفلوقة مكشوفة الأبراج، بانت حباتها المصطفة والمنضدة بشكل جميل نموذجي. تحت الرمانتين كُتب باللغة الصينية: التضامن القومي. 


 حينما تفرط رمانة سترى أن كل حبة منها تنفرد وحدها، وكأنها ياقوتة. لكل حبة لها استقلالها وكيانها وفرادتها؛ لكن المعنى الذي يكمن في الرمانة ومحتواها كبير عميق. كن فريدا متفردا، كن أنت، ولا أحد سواك، ولكن تنضد مصطفاً مع الحبات الأخريات؛ لتكون برجاً يأتلف مع آخر، ثم لتكون في النهاية حبة الرمان صلبة تضم الجميع وتجمعهم. هكذا ينظر إلى التضامن. 


  في هذه السوق العامرة تثيرك القبعات من كل الاشكال والألوان. فقلما تجد هنا رأساً حاسراً. فالقبعات زينة ودفء وفن. وهذا يذكرني بمديح العرب لأغطية رؤوسهم حينما قالوا: العمائم تيجان العرب.
  أكثر من 150 نوعاً من القبعات لدى قومية الأويغور وحدها، حسب صانع من صنّاعها. قبعات من الصوف والبر والقطن والحرير وفراء حيوانات ثديية وقطط وسنانير وثعالب. التأقلم مع البرد صنع لنا هذا الجمال. والأهم أن مقولة دارجة ستختصر المشهد: إن لم يدفأ رأسك لن تدفأ. 


 غير بعيد عن السوق ستقود خطواتك مسحوبة بخيوط الروائح المثيرة نحو شارع شهير. شارع الوجبات الخفيفة. هنا تصطف المطاعم التي تقدم الأطعمة من كل القوميات التي تقيم في المدينة. 
 خط واضح تكاد تشترك به هذه الأطعمة: اللحوم الحمراء مركزية فيها، فلا تخلو وجبة منه حتى الإفطار. وهذا من ضروريات الطقس البارد، ومن فضائل الوفرة في خصب المراعي.


 الخبز (يسمى هنا النان) سيد الطعام. فلربما اختلفت القوميات في ألوان وأشكال مأكلها ومشربها، لكنها تلتقي على الخبز. وقد قال لي شاب من قومية الأوزبك: الخبز يوحدنا. 


  يخبز النان في أفران تنور مسجورة بالجمر، ثم تلصق على جدرانه الأرغفة بعد أن تطلى بالحليب وصفار البيض. ولا تجد المائدة إلا عامرة بكثير من أصنافه: المحشو بالبصل والأعشاب والجبن والفاكهة المجففة، والمطعّم بمعجون الورد. وستجدون لو حضرتم مشهد خبزه أنّ لا رائحة في العالم تضاهي الخبز أو تدانيها. الخبز يقربنا من أصلنا الأرضي. حيث القمح والتراب والعناء الإنساني في كل الأزمنة.

المصدر: جريدة الدستور

http://addustour.com/articles/987306