التنين الصيني.. فاعل رئيسي في صراعات المنطقة

حازم مشاقبة
كاتب وشاعر

أكثر ما يميز هذا القرن هو عدم اليقين الذي يلف الأحداث ويكتنفها بالغموض ويعمل على تشابك الخيوط بتعقيد رهيب. العالم كله يسير مغمض العينين على غير هدى، ودون أهداف، واضحة أو حدود ضامنة، والجهد البشري العلمي الذي يحدد مدى تفاؤلنا وتشاؤمنا يندفع في جميع الاتجاهات معتمدا على بعضه البعض دون أي ترتيب مسبق وغير محمي من شراهة البشر للسلطة والتحكم.

ينعكس عدم اليقين ذاك على السياسة مع تعقيداتها الخاصة التي لا تنتهي فتزيد المشهد تعقيدا على تعقيد، ومن المستحيل دون نظرة شمولية دقيقة فاحصة لتحركات الدول ومصالحها وفرصها وردود فعلها وحالتها الإقتصادية أن تتعرف على المحرك الفعلي للمشهد.


إنه وعلى غير المتوقع أن تكون الصين هي اللاعب الرئيسي والمحرك الفعلي لما يجري في المنطقة العربية من دماء وأشلاء وتحولات وانقلابات، لكونها إحدى ميادين إركاع أميركا وإجبارها على التسليم للصين ووراثة الهيمنة العالمية عنها، ولما لبلادنا من أهمية إستراتيجية واقتصادية حاسمة.

نعم؛ لأميركا مشروعها التسلطي التهديمي الخاص في المنطقة باستغلال نفوذها الهائل، ولكن الصين تستخدم ذلك المشروع باقتدار فتتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المثالية لاستغلال التحرك الأميركي وخططه وتغييره لصالحها بالكامل وكأنها المحرك الفعلي للأحداث. قد تبدوا أميركا المحرك للمشهد في المنطقة والعالم؛ ولكن نظرا لنفوذ اللوبي الصيني الكبير داخل الولايات المتحدة فإنه ليس من المستبعد أن يكون للصين علاقة مباشرة بتحريك المخططات الأميركية في المنطقة لاستغلالها كما هو حاصل حاليا.

ولا غرابة من تحركات الصين التي استغلت الظروف العالمية، وفهمت الدروس التي قدمتها الدول المختلفة في التاريخ الحديث، فاحتفظت باحتياطات مالية هائلة تمكنها من شراء المواقف والذمم وتسيير الدول والهيمنة على العالم.

على ذلك فإن كانت سوريا مسرح الصراع الصيني الأميركي عن طريق روسيا، فإن الخليج هو مسرح الصراع الصيني الأميركي عن طريق إيران. وإن كانت الصين دعمت روسيا في خضم صراعها مع أميركا لإحياء طريق الحرير وتأمينه؛ فإنها ستحارب إيران لتكسب ود الخليج وتستغل قدرته على إضعاف الدولار الأميركي الذي يعد من أهم أسباب الهيمنة الأميركية على العالم.
 
إن كانت تلك التحليلات بشأن الصراع الصيني الأميركي صحيحة -عربيا- فإن المواجهة بينهما ستكون أكثر وضوحا على المسرح الخليجي لما له من أهمية بالغة للطرفين. يدعم تلك التحليلات ما ورد في كتاب "التوجه الصيني للهيمنة العالمية الإمبريالية الاقتصادية" لأنطوان برونيه و جون بول جيشار؛ من أن الصين لديها أعلى احتياطي للعملات برصيد أربعة آلاف مليار دولار، بينما لدى كل من أميركا وكامل أوروربا وأستراليا مجتمعين ألفين وثمانمائة ألف دولار، ما يفسر قدرة الصين على شراء المواقف و استغلالها بكل بساطة في المنطقة والعالم، وكذلك دعم مشاريعها في تطوير التسلح العسكري.
 

6f16c799-42d4-485d-957e-439c94ec3293

ومما يؤكد قوة اللوبي الصيني داخل أمريكا هو قدرته على إبقاء الموقف الإيجابي من الصين رغم خسارة أميركا الأموال والتقنيات التي تهاجر للصين، وهو سبب رئيسي لاستمرار ودعم تفوق الصين على أمريكا كما يذكر الكتاب.

ويكفي أن نذكر بأن الصين قد قامت بإنشاء نفق بطول خمسة آلاف وخمسمائه كيلومتر وبعمق كيلومتر مزود بمئات الرؤوس النووية، تم تجهيزه لاستخدامه في الرد على أي ضربات نووية قد تتعرض لها الصين للتأكيد على واقعية الصراع الأميركي الصيني وكشف أطماع الأخيرة في السيطرة على العالم ومواجهة أميركا.

وتبقى البلاد العربية الإسلامية محط الأنظار ولعبة سهلة في أيدي القوى العالمية على الرغم من المقدرات الهائلة التي تحويها المنطقة؛ لافتقارنا لمخططات شمولية تجمع الشمل وتقود للتغير وتصنع الفارق.

سواء كانت التحليلات صحيحة أو غير ذلك فحاجتنا لمشروع شمولي ضرورة وجودية ملحة، ورغم أن أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا يمكنها حمل تلك التغييرات الكبيرة التي نحتاج؛ لكننا نملك قدرات بشرية هائلة بمجتمعاتنا الفتية التي يمكنها ريادة التغيير وقلب الطاولة بالكامل.