«تثقيف» المسلمين على الطريقة الصينية… باعتقالهم

رأي القدس

باستثناء ردود أفعال من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق إنسان فلا يبدو أن الدول العربية والإسلامية معنيّة بالواقعة الفظيعة لاحتجاز قرابة مليون مسلم في الصين وذلك بحجة «تأهيلهم» و«تثقيفهم»، أو بمجمل سلسلة الانتهاكات الممنهجة وغير المعقولة الجاري تنفيذها ضد أقلية الأويغور المسلمة هناك.
يرتبط ذلك باتساع نطاق الأزمات التي يتعرض لها المسلمون على أيدي خصومهم السياسيين أو الدينيين، كما هو الأمر في فلسطين وميانمار (وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبعض الدول الأوروبية التي فاز فيها اليمين المتطرف في الانتخابات)، مضافاً إلى ذلك ما تقوم به الدول الإسلامية أو العربية نفسها ضد مواطنيها من مجازر مرعبة، كما هو الحال في سوريا ومصر والعراق، وهو أمر يضعف ميزان المقارنة ويبلبل البوصلة العالمية، وخاصة حين يخلط كل هذا مع ما يجري من تبرير لهذه الممارسات بالخلط المقصود بين أشكال الاحتلال والاستبداد وإرهاب الدول المعمم مع الحرب العالمية المعلنة ضد «الإرهاب» الذي تمثله التنظيمات الجهادية السلفيّة المسلّحة كتنظيم «الدولة الإسلامية» سيئ الصيت، أو الميليشيات المحسوبة على إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان، كـ»عصائب أهل الحق» و«كتائب أبو الفضل» والتنويعات المحسوبة على «حزب الله» و«الحرس الثوري الإيراني».
وإذا كان كل هذا يفسّر، جزئياً، التجاهل السياسي والإعلامي العربي والإسلامي للانتهاكات الرسميّة الصينية لحقوق المسلمين فيها لكنّه لا يبرّر تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع ذلك، كما هو حال السلطات المصرية التي قامت باعتقال المئات من الطلاب الصينيين الدارسين في جامعاتها بناء على طلب من سلطات بكين، كما أنه لا يبرّر تجاهل النخب السياسية والفكرية العربية لدلالات هذه الأحداث ومعانيها وارتباطها بـ«الاجتهاد» الصيني في التعاطي مع الظواهر السياسية ـ الاجتماعية، وبوقائع السياسة العربية المعاصرة.
تشير المعلومات الواردة من الصين أن الشخص المسؤول عن هذه السياسة القمعيّة المعممة ضد المسلمين، المسؤول في الحزب الشيوعي الصيني تشين تشوانغو، نشأ خلال «الثورة الثقافية» التي أطلقها الزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ، وأنه انضم بعد ذلك للجيش وانتمى للحزب الحاكم وبدأ رحلة صعود حتى أصبح عضوا في المكتب السياسي، وكانت من مهامه الكبرى إخضاع التيبت عن طريق «تكييف البوذية» مع «الحضارة الاشتراكية» وذلك بزرع 100 ألف كادر حزبي في قرى التيبت و1700 منهم في المعابد، أي أنه وضع مجتمع التيبت كله تحت المراقبة بحيث حوّل البلد إلى سجن كبير.
بعد قيامه بما يشبه هذه السياسة في إقليم شينجيانغ الذي يقيم فيه المسلمون الصينيون بحيث زرع مخبرا في بيوت الأيغور، ابتكر تشوانغ «تطويرا» على سياسته باستعادة مناهج «الثورة الثقافية» الماوية الآفلة عبر احتجاز مئات الآلاف في معسكرات «إعادة التثقيف» بحيث تحوّل أولئك إلى سجناء بجريمة الإسلام وهم لا يملكون حق تمثيل قانوني للدفاع عنهم وتبرئتهم من تلك الجريمة الرهيبة.
آخر طبعات هذه البارانويا الشيوعية الصينية من الإسلام هي تغيير اسم نهر «آيي» ـ الذي يعني، بالنسبة للمسلمين الصينيين، نهر السيدة عائشة ـ وسيحمل هذا النهر اسما جديدا (ديانونغ)، وبذلك يتم تثقيف الطبيعة بعد «تثقيف» البشر من خلال اجتثاث أي معنى دينيّ لا يتناسب مع رؤية المسؤول الشيوعي الصيني للعالم.
كان على الصين، في سعيها للازدهار الاقتصادي الكبير الذي تحصد ثماره حاليا، التخلّص من الحقبة الماويّة المتطرّفة التي تمثّلت بـ«الثورة الثقافية الكبرى»، وهو ما جعلها، وهي الدولة «الشيوعية»، تفتح الباب لرأسماليات العالم للاستثمار فيها، ومكّنت مئات الآلاف من مواطنيها ليصبحوا من أصحاب الملايين، لكنّها، حين يتعلّق الأمر بالأقلّيات، لا تني تعود إلى الوسائل الوحشيّة الغبية التي ثبت فشلها وكانت أحد الأسباب الأساسية لتأخر الصين الصناعي والسياسي.
يستطيع العرب والمسلمون تعلّم الكثير من الصين، لكنّ الممارسات القمعية بحق الأقليات الدينية، والمسلمين خصوصا، ليست إلا «علوما» في البلاهة السياسية والطغيان الأعمى.