«داعش» في الصين.. وتوقعات بعمليات إرهابية ببكين

جماعات إرهابية صينية تنتشر في العراق وسوريا

تنظيم البغدادي يتمدد في شرق آسيا ..ويتوعد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن

خلال الشهرين الماضيين نجح تنظيم داعش الإرهابي في توجيه ضربات مؤلمة لعدد من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لا سيما روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، ففي 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، سقطت طائرة الركاب الروسية فوق سيناء وراح ضحيتها 224 راكبا روسيا، وأعلن التنظيم مسؤوليته عن العملية، وفي 13 نوفمبر (تشرين الثاني) التالي وجه التنظيم ضربات موجعة للعاصمة الفرنسية باريس، راح ضحيتها نحو 130 شخصا وجرح 368 آخرون. وفي 2 ديسمبر (كانون الأول) 2015، نفذت تاشفين مالِك وزوجها، وهما ينتميان فكريا لـ«داعش»، في مقاطعة سان برناردينو، في ولاية كاليفورنيا الأميركية، هجوما إرهابيا أدى إلى مقتل 14 شخصًا وإصابة 17 آخرين.
هذه الحوادث تؤشر لاتجاه «داعش» لاستهداف أعضاء مجلس الأمن الدولي. ورغم أن الصين، إحدى الدول الخمس دائمة العضوية، فلم تشهد حوادث مماثلة حتى الآن، لكن ذلك لا يعني أنها ليست في مرمي الإرهاب الداعشي، وقد تواترت، مؤخرًا، المعلومات والتقارير التي تشير بالفعل إلى اتجاه بوصلة «داعش» الإرهابية نحو الصين تحديدً، ودول جنوب شرقي آسيا واستراليا عمومًا.

الصين.. هدف قادم لـ«داعش»

في 8 ديسمبر 2015، بث «مركز الحياة»، ذراع تنظيم داعش الإعلامي، عبر الإنترنت شريطا يحمل نشيدا بعنوان «أنا المجاهد» باللغة الصينية (المنادرين)، مدة النشيد 4 دقائق وتدعو كلماته «الإخوة الصينيين المسلمين» إلى الانضمام إلى صفوف «داعش». وفي الوقت ذاته تقريبًا، ذكرت تقارير صحافية أن دبلوماسيين غربيين قدموا معلومات مهمة للسفارة الصينية في بيروت عن نجاح عناصر من «داعش» في الدخول إلى الأراضي الصينية تمهيدا لتنفيذ عمليات إرهابية. وتفيد المعلومات بأن المدعو محمد عبد الرحمن نجح في إدخال مجموعة «تنفيذية» مكونة من 7 أفراد إلى مناطق محددة في بكين حيث سبقتهم مجموعة أخرى معنية بالمراقبة والتخطيط. ووفقا للمعلومات، فإن «داعش» تخطط لعمليات «إرهابية» في مناطق حيوية ردا على ما تعتبره دعم الحكومة الصينية للنظام السوري، وتشمل الاستعدادات استخدام صواريخ موجهة في العمليات ضد مواقع عسكرية وأمنية، كذلك تشمل استشهاديين بهدف «زرع» الرعب «والهلع» في الأسواق الشعبية.

وفي 10 ديسمبر 2015، ذكر التلفزيون الرسمي الصيني (سي سي تي في) اعتقال الشرطة في مدينة شيغيازهونغ في شمال غربي البلاد لرجل، قيل إن اسمه أكبر، للاشتباه بتخطيطه لتفجير مركز تسوق، وقد اعترف الرجل أن رجلاً آخر يدعى علي، قال له بأنه سيدخل الجنة فيما لو مات، وهو يشن حربًا جهادية. وفي 13 ديسمبر 2015، أشار تلفزيون صيني إلى إطلاق الشرطة النار على أربعة أشخاص وقتلهم في إقليم يونان، على الحدود مع فيتنام ولاوس وميانمار، بسبب محاولتهم الهروب عبر الحدود، كما اعتقلت الشرطة أكثر من 550 شخصًا لمحاولتهم الهروب خارج الصين، خلال العام والنصف الأخير. وأعلنت الشرطة في شينيانغ، عاصمة إقليم ليانينغ، شمال شرقي الصين، أنهم قتلوا خلال غارة ثلاثة إرهابيين من شينغيانغ، ممن كانوا يغطون رؤوسهم بأوشحة سوداء، ويحملون سكاكين ويرددون شعارات متطرفة. ووفق تقارير إعلامية رسمية ومحللين صينيين، يتزايد عدد الأويغور الهاربين من الصين عبر منطقة جنوب شرقي آسيا بهدف الوصول إلى تركيا. وفي بداية ديسمبر 2015، أشارت وسائل إعلام صينية رسمية قيام السلطات التايلاندية بترحيل 109 من الأويغور إلى الصين، ممن سعوا لأن يقاتلوا في صفوف المتشددين في سوريا والعراق.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، أصدرت وسائل الإعلام الصينية، ومحطات التلفزة الرسمية، سلسلة من التقارير التحذيرية لمواطنيها بشأن النتائج الخطيرة لمغادرتهم البلاد من أجل الانضمام لجماعات متشددة في الشرق الأوسط، لا سيما من أقلية «الأويغور» في إقليم شينغيانغ (تركستان الشرقية). وقال خبير في مكافحة الإرهاب في جامعة لانزهو، يانغ شو، بأن عددًا من الأويغور هربوا من الصين في عام 2014، بعدما نشر فيديو دعائي لتنظيم داعش يعتبر إقليم شينغيانغ جبهة جديدة في الخلافة المزعومة، مضيفًا: «تأتي سلسلة التقارير الأخيرة في إطار استخدام الحكومة الصينية حملتها الخاصة لمحاربة محاولات (داعش) لدفع المسلمين الصينيين للانضمام للتنظيم». وفي بداية يونيو (حزيران) 2015، بث التلفزيون الرسمي الصيني (سي سي تي في) برنامجًا وثائقيًا حول الأويغور الذين فروا من الصين من أجل الانضمام إلى معسكرات تدريب إرهابية خارجية، وقد عرض الفيلم الوثائقي لمقابلات مع ثلاثة من أولئك الأويغور (رجلان وامرأة) ممن وصفوا قذارة المعسكرات والبيوت التي أقاموا بها، والتي امتلأت بالمياه عقب سقوط أمطار، وقد وجد أحدهم لنفسه عملاً طباخا لدى قائد إرهابي، وعمل آخر مساعدا لرجل عمل في جهاز الدعاية الخاص بـ«داعش»، وقد فقد ساقه اليمنى في المعسكر. ولكن الفيديو الوثائقي لم يوضح موقع المعسكر، ولا كيفية سفر الأويغور، أو كيفية أو أسباب عودتهم إلى الصين.

الصين والأويغور.. تاريخ من العداء

يمثل المسلمون في الصين أقل من 2 في المائة من سكان الصين، أي أكثر قليلا من 20 مليون نسمة، ينتمي نحو 60 في المائة منهم إلى قومية «هوي»، الذين يعيشون بسلام مع باقي قوميات الصين المتعددة، لكن مشكلة الصين الرئيسية مع مسلميها هي مع قومية «الأويغور» الذين يبلغ تعدادهم نحو 8 ملايين فقط، والأويغور من الشعوب ذات الأصول التركية المسلمة ويعتبرون أنفسهم ثقافيا وعرقيا مرتبطين بشكل وثيق بدول آسيا الوسطي ويتمركزون في مقاطعة «شينغيانغ» ذاتية الحكم، والتي تمثل مساحتها نحو سدس مساحة الصين، ويشهد الإقليم اضطرابات متكررة تغذيها العداوة بين إثنيتي هان (الأكثرية في الصين) والأويغور (وهم مسلمون ناطقون بالتركية) الذين تعتبرهم السلطات المركزية «إرهابيين» أو «انفصاليين». وفي يوليو (تموز) عام 2009، قُتل ما يقرب من 200 شخص في أعمال شغب عرقية اندلعت في أورومتشي، العاصمة الإدارية لمنطقة شينغيانغ، بسبب مقتل 2 من الأويغور في مناوشات مع مجموعة الهان داخل أحد المصانع في جنوب الصين.
وعلى مدى العقد الماضي، تعرض الكثير من الشخصيات البارزة من الأويغور إلى السجن أو طلب اللجوء السياسي في الخارج بسبب اتهامهم بالتخطيط لعمليات إرهابية في الصين، ودائما ما تقول الحكومة الصينية أن متشددي الأويغور يشنون حملات عنيفة من أجل إقامة دولة مستقلة بداخل الصين، بالإضافة إلى تخطيطهم لتنفيذ تفجيرات واضطرابات مدنية تهدد الأمن العام في البلاد، فمنذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، صورت الصين الانفصاليين الأويغور باعتبارهم عناصر فاعلة في تنظيم القاعدة.

وبعد هجوم دام في أورومتشي في 22 مايو (أيار) 2014، حيث اقتحمت سيارتان رباعيتا الدفع حشدًا في سوق مفتوحة في المدينة، فيما رمى ركابهما متفجرات. وقتل في العملية 39 شخصًا والمهاجمون الأربعة، فيما أصيب 90 شخصًا بحسب الحصيلة الرسمية. وقد ردت الحكومة بحملة اعتقالات كبيرة، ورفعت من قيودها المشددة أصلاً. واتبعت الحكومة الصينية أساليب قمع سياسية ودينية وثقافية وحشية بحق السكان في إقليم شينغيانغ، ومنها المراقبة الدائمة، فضلاً عن حظر الزي الإسلامي التقليدي، ومنع بعض المجموعات من الصيام في شهر رمضان الكريم. وتوقيع عقوبة تصل إلى السجن 10 سنوات لمن يقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وتغريم السيدات اللاتي يرتدين الحجاب غرامة كبيرة توازي خمسة أضعاف الدخل السنوي للإقليم ككل! وفي 25 مايو 2015، أعلنت الصين تفكيك 181 مجموعة وصفتها بـ«الإرهابية»، وبحسب الإحصاءات التي وفرتها السلطات المحلية، فقد تم تعطيل 96 في المائة من هذه «المجموعات الإرهابية» قبل أن تتمكن من التحرك.

صينيون في «جبهة النصرة»

وأقام الحزب الإسلامي التركستاني، الذي أسّسه أبو محمد التركستاني (حسن مخدوم 1964 – 2003) أواخر تسعينات القرن الماضي، معسكرات عدّة في مناطق سيطرة طالبان في أفغانستان وبإشرافها، وتخصّص بعضها في تدريب «الجهاديين الفتيان» وهم مقاتلون تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 16 عامًا. وتنقل تقارير عدّة عن محللين عسكريين باكستانيين تأكيدهم أن «الكثير من المقاتلين في صفوف طالبان تعود أصولهم إلى الجماعة التركستانية المقاتلة».
وتنظر الحكومة الصينية إلى أعضاء «الحزب الإسلامي» باعتبارهم إرهابيين انفصاليين. وأنشأت الصين وروسيا وأربع دول في آسيا الوسطى – هي قرغيزستان وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان – منظمة شنغهاي للتعاون في 2001 كتكتل أمني إقليمي لمواجهة التهديدات التي يشكلها التطرف وتجارة المخدرات من أفغانستان المجاورة. وأعلنته الإدارة الأميركية عام 2009 جماعة إرهابية. وأدرجته الأمم المتحدة على قائمات المنظمات الإرهابية بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. كما تعتبر الحكومة الروسية هذه الجماعة تنظيمًا محظورًا منذ عام 2006.
ويعد الحزب الإسلامي أحد أهم المنظمات التي تُسْهم في إرسال مقاتلين إلى سوريا للقتال في صفوف جبهة النصرة، وأحرار الشام والفصائل الجهادية المسلحة، بالإضافة إلى تنظيم داعش. فالحزب الإسلامي التركستاني، النواة الحاضنة لـ«الجهاديين» الأويغور في سوريا هو «الحزب الإسلامي التركستاني» (المنادي بالانفصال عن الصين)، ومنذ مطلع عام 2013 شكّل «الحزب» فرعًا له باسم «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام».

الشرطة الصينية المسلحة خلال تدريبات لمكافحة الإرهاب عند جسر للسكك الحديدية (غيتي)

وحسب دراسة نَشرها معهد واشنطن في يونيو 2014، فقد «جعل الحزب من سوريا قاعدة ثانية للعمليات المتقدمة له بعد أفغانستان في السنوات الأخيرة». أسهم العدد الكبير للاجئين الأويغور في تركيا (نحو 20 ألفًا) بسهولة استقطاب «مجاهدين» من بينهم، للانضمام إلى «الحزب» الذي اتخذ من الأراضي التركية مسرحًا أساسيًا لنشاطه، مع غضّ نظر ودعمٍ من المخابرات التركية. وتؤدي «جمعية التضامن والتعليم لتركستان الشرقية» دورًا محوريًّا في عمليات ضم المقاتلين، وتجهيزهم للتوجه إلى سوريا، تحت غطاء «تقديم الدعم الإنساني إلى الشعب السوري».
وقد أثارت دعوات «النّفير» إلى سوريا حماسة مقاتلي إقليم شينغيانغ، غرب الصين أو ما يعرف تاريخيًّا بإقليم «تركستان»، منذ بواكير الصراع السورية، ليبدأ دخولهم فُرادى عبر الأراضي التركيّة، قبل أن يتحولوا تدريجيًّا إلى نواة لواحدة من أشد المجموعات «الجهاديّة» تنظيمًا.
وفي 2012 بدأ الظهور العلني لصينيين في تنظيم «جبهة النصرة» فرع تنظيم القاعدة بسوريا، كان عددٌ قليل من المقاتلين التركستانيين (ويُعرفون باسم «الأويغور»، وهم من أقلية صينية تدين بالإسلام في غرب الصين) قد انتظموا في صفوفها. يدفعهم إلى ذلك وجود صلات «عقائديّة» وطيدة بين حاضنهم «الحزب الإسلامي التركستاني» من جهة، وبين كلّ من حركة طالبان في أفغانستان وتنظيم «قاعدة الجهاد» من جهة أخرى. كذلك كان عدد قليل من هؤلاء (خمسة يتقنون اللغة العربية) قد انضووا في صفوف حركة أحرار الشام الإسلاميّة.
وشارك مقاتلو «التركستاني» في معارك متفرقة في الشمال السوري (إدلب، وريف حلب) بأعداد محدودة، تحت راية «جبهة النصرة» حينًا، وراية «أحرار الشام الإسلاميّة» حينًا، و«جيش الفتح» خلال معارك إدلب الأخيرة. شكّلت معركة «جسر الشغور» انعطافةً في عمل «الحزب»، حيث كان فعليًّا رأس الحربة الأساسي فيها.

صينيون في «داعش»

ولم يتوقف وجود الصينيين في تنظيم «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام» الإسلامية، ولكن كان هناك عدد كبير من الصينيين انضموا إلى تنظيم داعش في العراق وسوريا، فقد أشار وو سايكي، مبعوث الصين الخاص للشرق الأوسط، في نوفمبر 2014، إلى تقارير حول وجود ما يُقارب 100 مواطن صيني يُحاربون في الشرق الأوسط أو يتدربون على القتال غالبيتهم من حركة تركستان الشرقية، كما أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، في كلمته خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر 2014، على ضرورة تنسيق الجهود لمواجهة «قوى الشر الثلاث: الإرهاب، والتطرف، والانفصالية».
ولا ينفصل ذلك عن إعلان تنظيم داعش، في يوليو 2014، عن خريطة الدولة التي يسعى لإقامتها، والتي ضمت غرب الصين كأحد الامتدادات المستقبلية للتنظيم خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما أكدته تصريحات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي حول سعى التنظيم «للدفاع عن حقوق المسلمين المهدرة في الصين والهند وفلسطين»، ويتسق ذلك مع تحذيراتٍ كثيرةٍ أطلقتها مؤسسات بحثية صينية حول اختراق «داعش» للمجال الحيوي للصين، ووجوده في دول مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا والدول المحيطة بالصين.

ومن ناحية أخرى، رصدت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية التابعة للحزب الشيوعي الصيني في منتصف ديسمبر 2014، وجود ما لا يقل عن 300 صيني يُقاتلون في صفوف «داعش» في العراق وسوريا، وهو ما سبقه إعلان وزارة الدفاع العراقية عن اعتقال مقاتل صيني ينتمي لتنظيم داعش في سبتمبر 2014، فضلا عن رصد الأجهزة الأمنية العراقية، قبيل نهاية ديسمبر 2014، وجود ثلاثة كوادر قيادية صينية تنتمي للتنظيم في وسط السعدية شمال شرقي بعقوبة، من بينهم أحد القيادات المقربة من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وإعلانها عن قتل 9 صينيين من عناصر «داعش» في بيجي، مما يكشف انتشار العناصر الصينية عبر الحدود بين سوريا والعراق.
كما أكدت تقاريرُ أمنية أخرى أن العناصر الصينية بـ«داعش» تشغل مواقع قيادية، خاصة في شمال شرقي سوريا حيث مراكز القيادة والسيطرة للتنظيم، وقد أعلن تنظيم داعش عن تشكيل كتيبة خاصة للمقاتلين الصينيين سماها كتيبة «الأسود الحيدرية». وغالبية المقاتلين من العناصر الصينية قدموا مع عائلاتهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة «داعش» والذي قام بإسكانهم أثناء سيطرته على تل أبيض في قرى الأكراد كقرية تل أخضر التي سكن فيها أكثر من ثلاثة آلاف من المهاجرين الصينيين، وخصص عدة معسكرات لتدريبهم وتدريب أطفالهم لا يدخلها غيرهم. واستخدمهم التنظيم صيف عام 2014 في اقتحام اللواء 93 في مدينة عين عيسى شمال الرقة، ويعتبرون من القوات الخاصة لـ«داعش» واستخدمهم في المعارك الحاسمة بسبب شجاعتهم في القتال، وخبراتهم القتالية التي اكتسبوها في إقليم شينغيانغ، فضلا عن تخصص بعضهم في نُظم الاتصال والمهام التكنولوجية الدقيقة، وقدرتهم على استخدام الأسلحة الثقيلة الخاصة بالجيوش النظامية.
وتُطلق بعض المصادر اسم «الدواعش الصينيون» على العناصر الأقل تشددًا في التنظيم، والذين التحقوا بصفوفه عقب تمكنه من السيطرة على الموصل في العراق، وهم أقل إيمانًا بالفكر المتشدد للتنظيم وبالمنهجية الدينية له، لكنهم انتسبوا إلى التنظيم للحصول على فرص عمل وامتيازات خاصة، وهو ما أدى إلى تأجيج الصراع بينهم وبين أعضاء تنظيم داعش القُدَامى.

لماذا ينضم الأويغوريون إلى داعش؟!

لا شك أن ثمة عوامل محددة تدفع بعض الأويغوريين للانضمام لتنظيم داعش أهمها:
1 – العداء التاريخي: ففي بداية القرن العشرين أعلن الأويغور لفترة وجيزة استقلالهم، لكن عاد الإقليم بالكامل تحت سيطرة الصين الشيوعية في عام 1949، بعدما قام الشيوعيون الصينيون بقتل 5.4 مليون مسلم أويغوري. وطوال هذه المدة قلصت الحكومة المركزية في بكين تدريجيا الأنشطة الثقافية والدينية والتجارية للأويغوريين، حيث فرضت بكين إجراءات قمعية عليهم، وقامت بتغيير الطبيعة الديموغرافية للإقليم، حيث غيرت نسبة المسلمين فيها من 90 في المائة إلى 50 في المائة بقصد طمس الصبغة الإسلامية عن الإقليم. فضلا عن الآثار السلبية التي نجمت عن التجارب النووية التي أجرتها الصين والتي بلغت ما لا يقل عن 35 تجربة نووية بالإقليم تسببت الإشعاعات المنبعثة منها في وفاة 200 ألف مسلم، فضلا عن ولادة نحو 20 ألف طفل يعانون من التشوهات الخلقية حتى عام 1998.
2 – التقارب الجغرافي: بمعايير الجغرافيا السياسية، تُعد الصين من أقرب دول القارة الآسيوية للشرق الأوسط، إذ لا يفصل بين إقليم شينغيانغ (غرب الصين) وبؤر الصراعات المحتدمة سوى إيران، وهو ما يجعل انتقال المتطوعين عبر الحدود ممكنًا، حيث أكدت السلطات الأمنية الصينية أن بعض العناصر الإرهابية والانفصالية من إقليم شينغيانغ يتسللون إلى خارج البلاد عبر الممرات الجبلية في جنوب الصين في المناطق غير محكمة الحراسة، وأن بعضهم قد تم ضبطه، وكشفت عن قيام آخرين بالسفر إلى كمبوديا وتايلاند للحصول على جوازات سفر تركية مزورة قبل التوجه لإندونيسيا وماليزيا حيث يتم تسهيل سفرهم إلى الحدود السورية – التركية للانضمام لتنظيم داعش.
3 – التجربة الأفغانية، حيث لا يُعد انتقال المقاتلين الصينيين إلى سوريا والعراق أحد مستجدات حركة المقاتلين الصينيين عبر الإقليم، حيث أشار تايلور فرافيل Taylor Fravel أستاذ العلاقات الدولية بجامعة MIT إلى أن تدفقات المقاتلين الصينيين من أقلية الأويغور المسلمة ترجع إلى الحرب السوفياتية على أفغانستان، وانضمام هذه الكوادر لحركة طالبان بعد ذلك، كما تكشف مراجعة خبرة الحرب الأميركية في أفغانستان عن اعتقال الولايات المتحدة نحو 22 من المقاتلين الصينيين المنتمين لتنظيم القاعدة عام 2006، وإيداعهم معتقل غوانتانامو لفترة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، دون توجيه أي تهمة لهم، ومعظمهم الآن أُعيد توطينه في أماكن أخرى.
3 – الدعم الخارجي: يبدو أن عملية انتقال الكوادر المتطرفة الصينية عبر الإقليم تلقى دعمًا من جانب التنظيمات الجهادية في المحيط الإقليمي للصين، خاصة في باكستان وإندونيسيا وماليزيا، فضلا عن تسهيل تركيا الانتقال عبر حدودها إلى داخل سوريا.
4 – الترويج الجهادي: نجح تنظيم داعش في صناعة صورة جاذبة للكوادر الراديكالية في مختلف أرجاء العالم خاصة الصين، في ظل تركيزه على إعادة إنتاج نموذج «دولة الخلافة»، و«تطبيق الشريعة»، و«الجهاد ضد الكفار»، و«نصرة المستضعفين»، و«مواجهة الظالمين»، وغيرها من المصطلحات الجاذبة للمتعاطفين مع التيارات الإسلامية، والتي قد تجد صدى لدى الأقلية المسلمة في شينغيانغ التي تسعى للانفصال أو الحصول على الحكم الذاتي، وهو ما استغله تنظيم داعش بتضمين الإقليم وكل المناطق في غرب الصين ضمن حدود «دولة الخلافة» التي يزعم التنظيم سعيه لتأسيسها.

التنافس بين «القاعدة» و«داعش» حول الصين وشرق آسيا

في الواقع، لم يكن استقطاب «داعش» لمقاتلين من دول القارة الآسيوية تطورًا استثنائيًّا في قدرات التنظيم، لا سيما من جنوب القارة الآسيوية حيث الحاضنة الفكرية للتيارات المتطرفة، وهو ما يتضح في اهتمام التنظيم باللغات الهندية والأردية في الإصدارات التي ينشرها على شبكة المعلومات الدولية. ويرتبط ذلك بتمدد فروع التنظيم في باكستان عقب انشقاق جماعات إرهابية عن تنظيم القاعدة، ومبايعتها لأبي بكر البغدادي، أهمها «جماعة الأحرار» و«جماعة الخلافة» في بيشاور وكونار، وتولي كلتا الجماعتين تجنيد كوادر من باكستان وأفغانستان وإلحاقهم بالتنظيم في سوريا والعراق. والأمر نفسه ينطبق على جماعة «عسكر جنكوي» التي أعلنت قياداتها، في سبتمبر 2014، انضمام ما لا يقل عن 200 مقاتل من عناصرها وعناصر حركة «طالبان باكستان» إلى تنظيم داعش في سوريا، وهو ما يرتبط بترويج جماعة الخلافة لتنظيم داعش في مخيمات اللاجئين الأفغان في شرق باكستان، وسعيها لاستقطاب كوادر لصالح التنظيم.
وفي السياق ذاته، أكد مير ويس القيادي بـ«الحزب الإسلامي» المتحالف مع حركة طالبان في أفغانستان، في سبتمبر 2014، أن الحزب لديه تواصل دائم مع «داعش»، وأنه قد ينضم للأخير «إذا ثبت سعيه لتأسيس الدولة الإسلامية»، كما أكدت بعض القبائل الأفغانية انتشار «داعش» في الأقاليم الجنوبية، خاصة إقليمي بكتيا وغزني بقيادة قاري إكرام، وهو ما توازى مع اعتقال القوات الأفغانية للقيادي قاري أمان الله المسؤول عن العمليات العسكرية للتنظيم في منتصف ديسمبر 2014.

الشرطة الصينية لمكافحة الإرهاب (غيتي)

كما شهد الجوار الجغرافي للصين صعود «داعش» نتيجة انتشار خلايا تابعة للتنظيم في الشطر الهندي من إقليم كشمير، وفي ولايات مومباي وكيرلا وتاميل نادو وتيلانجانا بالهند، حيث كشفت السلطات الأمنية الهندية، في أكتوبر 2014، عن تجنيد تلك الخلايا لمتطوعين يتراوح عددهم بين 100 و300 من المواطنين الهنود. أما بنغلاديش فقد شهدت قيام جماعة «المجاهدين» وجماعة «حفظة الإسلام» المنشقة عن حركة «التحرير» المحظورة بتجنيد عناصر لصالح «داعش». فيما يبلغ عدد المقاتلين من إندونيسيا، وماليزيا والفلبين مجتمعين أكثر من 125 شخصًا، وكازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان وأوزباكستان معا أكثر من 400 مقاتل. كما تُواجه إندونيسيا تهديدًا نتج عن تجدد نشاط «الجماعة الإسلامية» بزعامة أبو بكر بشير وأمان عبد الرحمن، وإعلانهما تأييد توجهات تنظيم داعش بتأسيس دولة إسلامية نواتها سيطرته على نطاقات متصلة في سوريا والعراق، مما يكشف اتجاه التنظيم للتمدد شرقًا باتجاه دول القارة الآسيوية التي تُعد بمثابة النطاق الجغرافي المركزي للفكر الراديكالي.
ومن ناحية أخرى، بدأ تنظيم القاعدة، خلال عام 2014، في تغيير بوصلته لتتجه صوب محيط الباسيفيك وآسيا وبالتحديد الصين، حيث خصصت العدد الأول بالكامل من مجلتها الحديثة «ريسرجينس» عن آسيا وبالتركيز على الصين، فضلا عن عدد من التقارير عن أفغانستان وباكستان، إلى جانب مقالات متعمقة عن الهند وبنغلاديش، ويرى عدد من المحللين أنها مستوحاة من مجلّة «إنسباير» الإلكترونية الناطقة بالإنجليزية والصادرة عن تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، ويكمن الاختلاف بينهما في أن «إنسباير» كانت تخاطب بالأساس جمهور الدول الغربية، بينما تخاطب «ريسرجينس» الجمهور الآسيوي.

وهى خطوة رأى كثير من الخبراء أنها تأتى في إطار الصراع بين «القاعدة» و«داعش»، في ضوء اهتمام الأخير بالصين والذي تبدى في تصريح زعيمه أبو بكر البغدادي في يوليو 2014 والذي جاء به ما نصه «إن حقوق المسلمين بالصين والهند وفلسطين، يتم انتهاكها ليلا ونهارا»، في إشارة إلى القمع الذي تمارسه الحكومة الصينية ضد أقلية الأويغور المسلمة بإقليم شينغيانغ. كما ركز تنظيم القاعدة هو الآخر على إقليم «سينكيانغ» حيث أفرد مقالاً كاملا بالعدد الأول من مجلته سالفة الذكر بعنوان «10 حقائق غائبة عن تركستان» استعرض من خلاله محاولات الصين تغيير الطابع الإسلامي للإقليم ومحو إرثه التاريخي، وتبني ممارسات قمعية بحق سكانه المسلمين من أقلية الأويغور.

هل تشارك الصين في الحرب على «داعش»؟!

قلائل فقط هم من انتبهوا للتصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في الأول من أكتوبر 2015، خلال اجتماع مجلس الأمن، حيث قال: «لا يمكن للعالم أن يسمح لنفسه بأن يبقى متفرجًا ومكتوف الأيدي تجاه ما يجري في سوريا، ويجب عليه ألا يتصرف بطريقة غير منطقية». وفي أواخر الشهر ذاته، أرسلت الصين حاملة طائراتها «لياونينغ «Liaoning – CV – 16»، إلى البحر المتوسط، حيث رست قبالة السواحل السورية.
وفي 20 نوفمبر 2015، أعلنت الصين رسميا دخولها الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ليجتمع نصاب القوى الدولية الكبرى، التي تحاربه، عقب إعلانه عن ذبح رهينة صيني (وآخر بلجيكي)، بعدما عرضاهما للبيع من قبل. ونقلت صحيفة «تشاينا ديلي» الصينية، عن مسؤولين صينيين تأكيدهم أن بكين ستعمل على تقديم «داعش» في سوريا والعراق وأى مكان للعدالة، بعد إعلانه قتل الرهينة الصيني «فان جين جهوي»، والذي يعتبر أول رهينة صيني يقتله التنظيم. وأشارت الخارجية الصينية إلى أن الحكومة الصينية «ستحاسب المسؤولين بالتأكيد على فعلتهم». وتجنبت الصين طوال الفترة الماضية التدخل في الحرب الدولية الدائرة حاليًا ضد «داعش»، رغم نشر التنظيم إعلانا في مجلته «دابق»، في سبتمبر 2015، يعرض فيه الرهينة الصيني للبيع، وأن هذا العرض سار لفترة محدودة.

وقالت وزارة الخارجية الصينية إن إطلاق مسلحي «داعش» لنشيد باللغة الصينية، في 8 ديسمبر 2015، يدل على وجود خطط لدى الإرهابيين لتجنيد أعداد أكبر من المواطنين الصينيين، وتدلل على الحاجة لتعزيز التعاون الدولي ضد الإرهاب وأن الإرهاب هو عدو البشرية جمعاء، داعية المجتمع الدولي إلى التعاون لمكافحة الإرهاب بكل صوره، مؤكدة أنه لا يمكن لأي دولة أن تواجه الإرهاب بمفردها وبمعزل عن الآخرين.
وقد تعتمد الصين على مقاتلات «جيان 15» المتطورة، في عملياتها العسكرية ضد «داعش»، وهى الموجودة على متن حاملة الطائرات الصينية، إضافة إلى وجود مجموعة القتال البحرية الصينية «152»، والتي تضم سفن صواريخ في البحر المتوسط، وستشارك في العمليات أيضًا. وستكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الصين التي يشارك فيها الجيش الصيني في عمليات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وهي المرة الأولى أيضًا التي تعمل فيها حاملة الطائرات الصينية المذكورة ضمن شروط وظروف الحرب الحقيقية!

أحمد دياب

صحافي ومحلل سياسي مصري متخصص في الشؤون الروسية،وباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

المصدر: المجلة