الإبادة الثقافية في تركستان الشرقية

          إذا كانت الصين قد ضمنت من خلال منظمة تعاون شنغهاي عدم مساندة جمهوريات آسيا الوسطى لحركات الأويغور لنيل حقوقهم الإنسانية أو مطالبهم لتحقيق الحكم الذاتي الكامل ، وتمكنت من خلال الاقتصاد والمال أن تضمن عدم تأييد الدول الإسلامية ، فقد استغلت هذه الظروف لممارسة  سياستها الجائرة في تذويب هوية الأويغور التي ترتكز على قاعدتين أساسيتين هما : الدين الإسلامي والقومية التركية ، وصمت المسلمين شجع السلطات الصينية على تطبيق مجموعة سياسات تهدف فعلا للقضاء على الهوية الشخصية لشعب الأويغور التركي المسلم وتسريع تذويبه في الإناء الصيني  ،و قد أعتبر ديلون  M.Dillonتطبيق السياسة المزدوجة في الاضطهاد الديني والثقافي مع تكثيف التهجير الصيني إبادة ثقافية للأويغور (1)، والإبادة الثقافية لأي شعب يعني تجريده من لغته وتاريخه وتقاليده وتراثه الخاص به, وهو قضاء عليه ، وإن كان أفراده يعيشون أحياء ولكنهم سيكونون في هوية مغايرة لهويتهم الأصلية  ، وقد أكدت المادة (السابعة ) لإعلان الأمم المتحدة لعام 1994 على منع ما يؤدي إلى الإبادة الثقافية لأي شعب أو قومية ، كما أن دستور جمهورية الصين الشعبية المعدل في 14/3/ 2004 يؤكد ضمنيا على ذلك في المادة (الرابعة ) التي نصت على أن : جميع القوميات في جمهورية الصين الشعبية متساوية في الحقوق والواجبات ، وأن الدولة تحمي الحقوق القانونية ومصالح الأقليات القومية ، وتعمل على تطوير علاقات التكافؤ والوحدة والتعاون المشترك بين كل القوميات على قدم المساواة، وتمنع تمييز واضطهاد أية قومية ، كما تمنع ممارسة الأفعال التي تؤدي إلى الإضرار بوحدة القوميات ، وتفاهمها.

         وأن الدولة تساعد المناطق التي تسكنها الأقليات القومية على تطوير اقتصادها و ثقافتها بما يتفق مع خصائص و احتياجات الأقليات القومية المتنوعة ، وتطبق الحكم الذاتي في المناطق التي تتركز فيها الأقليات القومية ، وتأسيس أجهزة الحكم الذاتي لممارسة حق الحكم الذاتي فيها ، وكل مناطق الحكم الذاتي أجزاء لا تنفصل من جمهورية الصين الشعبية ، ويحق لشعوب كل القوميات حرية استعمال وتطوير لغاتها المكتوبة والمنطوقة وحماية وإصلاح أساليب حياتها وعاداتها

         وإذا كانت المادة (33) من دستورها  قد تضمنت احترام الدولة لحقوق الإنسان و حمايتها ، فإن المادة (36) كفلت لمواطني جمهورية الصين الشعبية حرية الاعتقاد الديني وعدم الاعتقاد الديني ، وحماية الدولة لممارسة الشعائر الدينية المعتادة بشرط عدم الإضرار في النظام العام والصحة ونظام التعليم الحكومي ، وعدم التمييز بين المواطنين بحسب اعتقادهم في الدين أو عدم الاعتقاد فيه .

والدستور الخاص بمقاطعات الحكم الذاتي أيضا Regional Autonomy for Ethnic Minorities in China , Information Office of the State Council of People`s Republic of China, Beijing ,Feb.2005 المعلن الذي يمكن مطالعته في الموقع الرسمي www.gov.cn.com  لا يختلف كثيرا عما ورد بعاليه، كما في مواده : (10 و 11و12و36 و37 )، وكذلك المادة ( 12) من قانون التعليم لجمهورية الصين الشعبية - الذي أقره المؤتمر الوطني الشعبي الثامن في 1995 - والتي نصت على أن : اللغة الصينية المنطوقة والمكتوبة ستكون أساس اللغة المنطوقة والمكتوبة للتعليم في المدارس ومعاهد التعليم ، والمدارس والمعاهد التعليمية الأخرى التي تضم عموما طلابا من الأقليات القومية يمكن لها أن تستعمل لغاتها القومية أو اللغة المحلية المستعملة عموما في منطقتها.

            ولكن هل تطبق حكومة الصين  ما ورد في هذا النظام كما جاء بعاليه في الواقع اليومي والعملي في تركستان ( شينجيانغ )؟  ، أم أن تعطيله هو ما يثير غضب المسلمين الأويغور ، ويدفعهم إلى مطالبة السلطات الصينية بتنفيذ ما جاء في دستورها لحماية حقوقهم المشروعة ، بيد أن حكومة الصين بدلا من العمل على تنفيذ بنود دستورها المعتمد ، وما ألتزمت به قانونا ، ترد على المطالبات القانونية لمسلمي الأويغور بالقتل والاعتقال ، ناهيك عن عدم تنفيذها القرارت والاتفاقيات الدولية لمنظمة الأمم المتحدة وهيئاتها التي يفترض أن تلتزم بها أيضا جمهورية الصين الشعبية بحكم عضويتها وتوقيعها عليها ، ومن ذلك ما حدث في يوم 13 سبتمبر 2007 فقد صوت مندوبها لصالح الالتزام بتطبيق إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية ، و يقول أرينه م.دوير Arienne M.Dwyer : بالنسبة لمقاطعة شينجيانغ تحولت الحكومة الصينية من احترام تعدد الثقافات واللغات  إلى فرض لغة وثقافة واحدة (2) ، وتذكر المجموعة الدولية لحقوق الأقليات أنه على الرغم من الضمان القانوني الذي يوفره نظام الحكم الذاتي لجمهورية الصين الشعبية ،  إلا أن الأقليات غير قادرة على تفعيل هذا النظام أو ممارسة حقها في الحكم الذاتي في مجموعتها ، مما يعني عدم توفير الشروط التي تساعد على المشاركة الشعبية ، بالإضافة إلى انتهاك حكومي لحقوق الثقافة واللغة وممارسة الشعائر الدينية لها ، (3) ذلك أن الحكومة الصينية تعتبر ظهور الهوية الثقافية والتاريخية والدينية المتميزة في ممارسات الأويغور اليومية و في الإعلام والمدارس والمؤسسات الأكاديمية في تركستان عائق يحول دون تذويبهم في الأمة الصينية التي تسعى إلى صهرهم فيها من خلال فرض برامج ثقافية وتعليمية وتاريخية صينية واحدة على الأويغور

           وفي الواقع إن نظام الحزب الشيوعي الصيني الحاكم الخاص بالأقليات القومية في الصين مر بمراحل عدة  ، فقد اعترف خلال حروبه الأولى لفرض سيطرته الشمولية على الصين بحق الشعوب في منغوليا الداخلية ومنشوريا والتبت وتركستان في الانفصال عن الصين ، أو تأسيس حكومات ذاتية كاملة الحقوق حسب رغبتها، كما جاء في إعلانه في عام 1922 ثم في نظام الجمهورية السوفياتية الصينية التي أعلن الشيوعيون الصينيون تأسيسها في 7 نوفمبر  1933 ، وقد تضمن نظامها في المادة (الرابعة ) : كل المغول والأويغور و التبت والمياو واللي  Liوالكوريين وغيرها من القوميات التي تعيش في الصين تتمتع بالحق الكامل في تقرير مصيرها؛ وتحقيق رغبتها للانفصال عن الاتحاد السوفيتي الصيني أو تأسيس الحكم الذاتي الخاص بها (4)، ولكن عندما استولى الحزب الشيوعي الصيني  على الحكم في عام 1949تنكر لوعوده السابقة ووضع نظاما شكليا لحكومات ذاتية الحكم في المناطق التي تتركز فيها الأقليات القومية مؤكدا على رفضه لأي حق لانفصالها عن الصين ، معترفا بحق التعددية الثقافية واللغوية والعرقية والدينية في الصين ، كما نصت عليه المادة الثالثة التي وردت في الدستور الذي أقره المؤتمر الشعبي الوطني في 20 سبتمبر 1954، ولكن بعد أن تولى دينغ شوبينغ  Deng  Xioping زعامة الحزب الشيوعي الصيني بعد موت ماوزيدونغ  Mao   Zedong في عام 1979 وبدء عهد الانفتاح الاقتصادي والتغيير السياسي في الصين ، نشرت جريدة الشعب اليومية في ابريل 1979 برنامجا لتذويب الأقليات القومية وفق الخطوات التالية :

1- فرض لغة عامة واحدة مشتركة

2- إلغاء الوحدات الجغرافية للأقليات القومية

3- تطوير نظام اقتصادي عام

4- إيجاد مشترك ثقافي وفكري واحد

        ولم تكن الخطوتان الثانية والثالثة من البرنامج جديدتين ، لأنه منذ خمسينات القرن الماضي ، فالإصلاحات الاقتصادية المزعومة والتهجير الجماعي كانا ينفذان في مقاطعة شينجيانغ ( تركستان) ، ومسألة اللغة المشتركة كانت تثار من وقت لآخر ؛  ولكن لم توضع موضع التنفيذ إلا في ثمانينات القرن العشرين ، حيث بدء تطبيق وحدة اللغة والثقافة المشتركتين منذ أوائل الثمانينات (5)، وخاصة بعد أن أدى التوطين المكثف لملايين الصينيين وانتشارهم في كل مجالات الحياة إلى سيطرتهم على مواقع الحكم والعمل والتعليم إلى التغيير الديمغرافي في تركستان ، واتخذه الحكم الصيني ضغطا وذريعة لفرض سياسة التذويب اللغوي والثقافي من خلال أجهزة التعليم والثقافة والإعلام . ويقول الباحثان ماكفرسون  وبكيت Macpherson, & Beckett  عن مناهج التذويب الخفية في التعليم الصيني الحديث : أن مناهج التعليم  العلماني الحديث التي تنفذ من خلال إصلاح مناهج التعليم لشعبي التبت والأويغور اللذين يعانيان التمييز المباشر وغير المباشر يتضمن بعض الممارسات الثقافية التي تمت صياغتها في المناهج المركزية بهدف صهر ثقافات القوميات ، لأن هذه المناهج لا تتضمن أي محتوى ثقافي محلي لهم ، وتستعمل اللغة الصينية في تدريسها (6)

            و الاهتمام الصيني بتحقيق التطور الاقتصادي في مناطق الأقليات إنما هي أيضا قوة لدفع القوميات إلى الانصهار في بوتقة الأمة الصينية الواحدة , لأن ثقافة ولغة ودين وقوميات الأقليات المتميزة مما يرون أنها موانع لهذا الانصهار التام ، فالإجراءات تتجه نحو إزالة تلك العقبات ، يقول رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شينجيانغ ( تركستان) في تصريح له في أكتوبر 2006 :   (ليس الهدف الرئيس حماية ثقافة الأويغور وإنما رفع مستواهم المعيشي ، فالحياة الثقافية تقوم على ما يجده الناس من طعام كاف ، وإذا لم يأكل الناس ، لن يستطيع أي واحد منهم أن يغني أو يرقص) ، و هذا مما يوضح أن الثقافة في نظر المسؤولين هو الغناء والرقص ، وليس اللغة والتعليم والثقافة والهوية ، والمسألة معقدة أكثر من الحصول على الطعام الكاف لأن تهميش الأقليات من التطور مرتبط بالانتهاكات التي تتعرض لها حقوقها المدنية والسياسية ، و تعيق مشاركتها الفاعلة في الحياة العامة ، ولا يؤدي إلى حماية ثقافة الأقليات ، أو حتى إلى تحقيق التطور الاقتصادي المزعوم لها (  7)  ، والمنظمة الدولية لحقوق الإنسان بدون حدود Human Rights Without Frontiers international ( HRWF) ذكرت في تقريرها لعام 2008 تحت عنوان  ( الحرية الدينية في الصين ) : أن الحكومة الصينية عززت من جهودها لقمع أي توجه سياسي فكري يختلف عن ممارستها الرسمية ، وأن الأويغور الذين يتطلعون إلى الحرية والديمقراطية تنتهك حقوقهم القانونية والثقافية والاقتصادية ، ويواجهون إقصاء ثقافيا واستغلالا اقتصاديا و اضطهادا دينيا (8) ِ ، كما أن ترويج سلطات بكين لقضية الانفصاليين والإرهاب ليست لها علاقة بأي تهديد داخلي أو خارجي بقدر ما هي سياسة داخلية ، هدفها تكريس الانتباه نحو أيديولوجية الاندماج الوطني تحت شعار الوطنية الصينية ؛ لأنها تظن أنها أكثر فعالية من أيديولوجيتها الماركسية أو توجهاتها الرأسمالية ، وتعمل على غرس الأيديولوجية الوطنية الصينية في النفوس حتى تصل لديهم  إلى مستويات عقائد دينية ، و هذا ما يفسر حربها الضروس ضد المسلمين الأويغور، وعلى مذهب الدلاي لاما البوذي في التبت ، وكتب مودوس اوبراندي Modus Operandi من النمسا : إن الأويغور يعانون ضغوطا شديدة لمحو لغتهم و ثقافتهم وهويتهم مما يدفعهم إلى مقاومتها حفاظا على هويتهم الإسلامية التركية ضد الهيمنة الصينية غير الإسلامية ،لأن المساجد والإعلام والمطبوعات والتعليم تحت المراقبة الصارمة و أداء فريضة الحج لا يتم إلا لأفراد محدودين يتم اختيارهم تحت قيود مشددة ، والأنشطة الدينية تعتبر في جملتها أنشطة انفصالية ، و الأويغور إنما يرفعون أصواتهم لمقاومة الضربة القوية التي تطبقها السياسة الصينية عليهم (9)، وقد اتخذت السلطات الصينية سياسات الإقصاء والتذويب في كل المجالات الثقافية والتعليمية عملا شموليا ،وتشير منظمة العفو الدولية إلى ذلك بقولها : إن الأويغور يواجهون سياسة مقننة لطمس هويتهم اللغوية والدينية والثقافية ، بتقييد استعمال اللغة وتشديد منع الممارسات الدينية (10)   . وقد كتب باول جورج  Paul Georgeفي مجلة كومنتري  الصادر في ربيع 1998 : أن سياسة التمييز العنصري التي تمارسها الصين ضد المحليين لصالح الصينيين في توفير فرص العمل والتعليم والعناية الصحية وغيرها من الخدمات , بالإضافة إلى القيود الصارمة في المناشط الثقافية التقليدية والدينية  ؛ جعلت المسلمين يشعرون بالإساءة وأنهم يعاملون معاملة الدرجة الثانية في المواطنة في بلدهم الأم ، فمثلا يجبر المسلمون على تعلم اللغة الصينية ، بينما الصيني لا يهتم حتى بتعلم اللغة الأويغورية ، والاختلافات اللغوية والثقافية والدينية بين الطرفين تزداد اتساعا، ويفقد الأويغور لغتهم و ثقافتهم في موطنهم ، مع أن المادة (47 ) من نظام الحكم الذاتي تلزم المسؤولين والموظفين الصينيين العاملين في شينجيانغ  تعلم لغة الأقليات التي يسيرون أمورها (11)   

التاريخ والتراث الشعبي :

     لقد استهدفت السلطات الصينية التراث الشعبي للمسلمين الأويغور لضمان قطع صلتهم بماضيهم الذي يقوم على هويتهم الإسلامية التركية العريقة وتعمل على فصل جذورهم الأصلية وتشويه تاريخهم  ، وحتى يسهل مسخهم ودفعهم إلى أحضان البوذية الصينية ، ويشير التوني  Altuni إلى المواد التي صنفت والخطوات التي نفذت :

  • الصنف الأول من التراث الذي اعتبر أكثر حساسية لما فيه من معلومات قومية تم حفظه في مكتبات الدولة السرية ، ويمنع تداوله
  • الصنف الثاني الذي اعتبر أقل خطورة تم تخصيصه لاستعمال المسؤولين
  • الصنف الثالث الذي اعتبر أقل حساسية تم وضعه في المكتبات ليستفيد منه المتخصصون في ثقافة الأقليات
  • الصنف الرابع الذي لا يشكل خطورة ، ويمكن الاستفادة منه في سياسة الانصهار سمح بتداوله ، وهذا الصنف لا يمثل إلا 1% مما هو موجود ، و يتم إعادة صياغته بما يتفق مع الأهداف الرسمية ،

           ومع أن الباحث تطرق في شرح ما ذكره  إلى ما تطبقه السلطات الصينية نحو الأغاني الأويغورية وموسيقاها ، وقد أتخذها الصينيون ذلك هدفا لتكوين فن جديد يحل مكان التراث الشعبي عند الأويغور ، فإنه يؤكد على أن هذا الأمر يعكس اهتمام الحكومة الصينية وأن التذويب الثقافي هو من أقصى أولوياتها لأن التمايز الثقافي يعتبر في نظرها عائقا قوميا في عملية الانصهار , وعلى ضوء هذا فإن عمليات الانصهار التي بدأ تركيزها منذ عام 1980 يتم تطبيقها على قدم وساق (12)  ويذكر التقرير السنوي  للجنة الصين التنفيذية في الكونغرس الأمريكي لعام 2005  : أن حكومة الصين المركزية تعمل على طمس ظهور معالم ثقافات الأقليات القومية والتاريخية والدينية في أجهزة الإعلام والمدارس والمؤسسات الأكاديمية ، كما تشدد من رقابتها على منع العبارات الثقافية التي تستعملها القوميات نحو الصينيين ، وفي عام 2002 قامت السلطات الصينية بحرق الكتب التي ألفتها القوميات ، لأنها تحتوى على معلومات اعتبرتها مضرة بعلاقاتها مع الصينيين ، كما أنها أنشأت مراكز ثقافية تجمع القوميات فيها لمزاولة الاحتفالات والممارسات الثقافية المشتركة التي اعتمدتها في صيغ جديدة  لصهر القوميات فيها (13) , ومن الأمور التي يلاحظها المهاجر التركستاني الذي يزور بلاده بعد غيبة طويلة أن الأويغور المسلمين المثقفين يستعملون عبارات اجتماعية  لم تكن مألوفة من سابق ، فمثلا عندما يلتقي الأويغوري بقريب له أو زميله بدلا من أن يقول له : ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) الذي لا يزال المسنون يستعملونه منذ اعتناقهم الإسلام ، يقولون لبعضهم : ( ياخشيمي سيز ؟ ) على النمط الصيني (?  Ne Ha ) ، وعند الاستفسار عن هذا التغير يفيدون أن المدرسين والأساتذة يمنعونهم من التخاطب بذلك و يفرضون عليهم استعمال ( ياخشمي سيز = مرحبا )

         والرئيس خو جينتاو Hu Jintao في كلمته الافتتاحية لاجتماع المؤتمر الوطني لعمل شؤون القوميات في 27 مايو 2005  قال : ( إن معالجة مشكلات القوميات تتم من خلال فرض التطور الاشتراكي وتشجيع تعامل القوميات مع بعضها البعض ، وعلى التفسير الصحيح لتاريخ القوميات ) (14)  وفي سبيل تنفيذ هذه المقولة يتم دفع القوميات كلها للانصهار في الأمة الصينية الواحدة التي يسعى إلى تكوينها الحزب الشيوعي الصيني ، وإذا كان التطور الاقتصادي والتغيير الديمغرافي في تركستان يفسر تحقيق الشق الأول من المقولة ، فإن تطبيق الشق الثاني يتم من خلال إتلاف وإحراق كتب التراث و تاريخ الأويغور الوطني والقومي،  فقد ذكرت المصادر الغربية إحراق أعداد كبيرة من الكتب  في كاشغر في شهر مايو 2002 (15)   وكذلك  تعميم مفردات الثقافة الصينية على الأويغور المسلمين ، لأن معظم الصحف والمجلات والكتب الدراسية والاجتماعية والعلمية والقصص والروايات يتم ترجمتها ونشرها من اللغة الصينية ، و ما يكتب مباشرة باللغة الأويغورية تتم ترجمته أولا إلى الصينية ثم بعد إجازته من المحرر الصيني و اعتماده منه ، يتم نشره بعد ذلك ، و كل المواد التي يراد نشرها لا بد أن تجيزها هيئة فحص المطبوعات وإجازتها التي تعرف باسم (مكتب تدقيق المطبوعات وترخيصها ( Nashiriyat matbut takshurup bekitish orun) )  وأما حديث الناس وبخاصة المفكرين والعلماء والأساتذة وطلاب العلم فإن شرطة اللغة Til Sakchi  تقوم بالمراقبة ، وقد فرضت اللغة الصينية في كل مجالات الحياة، حتى أضطرر الفلاحون البسطاء على التعامل مع الأسماء الصينية للخضروات والسماد والمبيدات الحشرية بدلا من  الأسماء الأويغورية المحلية التي هي موجودة في لغتهم و ثقافتهم الأصلية منذ مئات السنيين ,  

        و قد ينشر بعض المقالات الأدبية باللغة الأويغورية  وعندما يعرف مضمونها يكون حساب كاتبها عسيرا ، كما حدث مع الشاعر تورسون أحمد عندما نشر قصيدة اعتبرتها السلطات الصينية  مسيئة لسياستها وحكمت عليه بالسجن في 1 يناير 2002 و الأديب نور محمد ياسين الذي كتب قصة خيالية  بعنوان ( الحمام البري Wild Pigeon  ) تصور قصة حمامة انتحرت لأنها لم تجد مخرجا لها من القفص , و  نشرت في مجلة كاشغر الأدبية في عام  2004 ، حكمت عليه السلطات الصينية بالسجن لمدة عشرة أعوام في عام 2005، كما سجن رئيس تحرير المجلة قريش حسين لمدة ثلاثة أعوام  ( 16)

        وفي يناير 2002 أعلن عبد الأحد عبد الرشيد رئيس مقاطعة شينجيانغ أن الفنانين والكتّاب و الممثلين والمؤرخين وغيرهم الذين ينوهون في فنونهم وكتاباتهم إلى أفكار قومية سيكونون أهدافا لحملة اِضرب بشدة , وقد ذكرت التقارير الرسمية أنها سجلت أكثر من 3000 قضية في شهر مايو 2002

          ونظرا لارتباط ثقافة الأويغور و هويتهم  الوثيقة بالإسلام فقد فرضت السلطات الصينية قيودا مشددة على التعليم الديني ونشاط الأئمة و الاجتماعات الدينية ، و أصبحت المساجد أهدافا  دائمة لرجال الأمن والجيش ، وأجبرت الحكومة الصينية الأئمة على اجتياز دورات التأهيل التي تمت إقامتها في معسكرات عدة تتضمن دروسا في الوطنية وعقيدة الحزب الشيوعي ، و كيفية مقاومة الأفكار القومية  , كما كلفت لجنة توجيه الشؤون الإسلامية الصينية التي تكونت في مايو 2001 بأن تتولى الجمعية الإسلامية الصينية تقييد ممارسة النشاط الإسلامي وفق العقيدة الصينية السياسية ,كما تولت اللجنة مهمة إعداد وترجمة الكتب الدينية وفق القانون الصيني  وكذلك إعداد الخطب وتوزيعها على الأئمة ( 17)

          وأكثر الموضوعات حساسية بين حكومة الصين الشعبية والأويغور هو تاريخ تركستان ، حيث تصر الحكومة على تسميتها شينجيانغ ، وجعلت من استعمال اسم(  تركستان الشرقية  ) جريمة يعاقب عليها القانون الصيني ، بدعوى أن ( بلاد تركستان ) لم تكن موجودة ،  وإنما هو مفهوم سياسي اخترعه الغرب لفصل هذا الجزء الذي تعتبره أرضا صينية (18)    منذ أكثر من ألفي عام ، وأن الأويغور أقلية عرقية دخيلة تعيش فيها ، وإذا كانت الصين تنكر وجود ( اسم تركستان ) ، فهي  تنكر أن يكون الأويغور من الأتراك(19 ) حتى تقطع صلة تركستان الشرقية وشعبها بشعوب جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية التي تكون الجزء الغربي لتركستان ( تركستان الغربية)   وكذلك بعالم الأتراك ، وعلى هذا المفهوم تفسر حكومة الصين الشعبية تاريخ تركستان الشرقية وشعبها الأويغور وعلاقاتهم التاريخية بالصين  وعلى هذا الأساس فإن  كل ما يكتب عن الدور المستقل لهذه البلاد  والعلاقات السياسية التي عرفت بالندية و أحيانا بغلبة الأتراك و الأويغور على الصين ، - حتى مما هو مؤكد في حوليات الأسر الصينية المالكة والتاريخ الصيني القديم - يتم تفسيره بما يحقق أهداف السياسية الصينية الاستعمارية لجعل هذا الموطن الإسلامي إقليما صينيا بحتا ، وبخاصة أن السلطات الصينية تعتبر الأويغور والقازاق والقيرغيز أقليات قومية ، وليست شعوب المنطقة الأصلية   Indigenous Peoples .

         وقد أمر  سونغ جيان Song Jian وزير العلوم والتقنية ببدء برنامج جديد لكتابة التاريخ الصيني و في كلمة التحرير لجريدة العلم والتقنية بتاريخ 17 مايو 1996 أكد أن هدف البرنامج هو إبراز حضارة الصين التي تطورت بدون انقطاع منذ ستة ألآف سنة , وأنها ليست مثل الحضارة المصرية أو البابلية أو الهندية ، وأن البرنامج سيكتمل في الأول من أكتوبر 1999 ، وأنه سيقضي على ادعاءات القوميين (الانفصاليين ) ، و أن نشاط المسلمين القوميين الانفصالي هو ضد التاريخ ، و ليس ضد مصير الصين الوطني فحسب ، وإذا تم تحقيق هذه الأيديولوجية التاريخية فسيكون الأويغور في خطر بطمس هويتهم التاريخية في القرن الواحد والعشرين ، وقد بدء الصينيون يعيدون كتابة تاريخ تركستان على أساس أن سيطرتهم لها كانت منذ غزوهم الأول لآسيا الوسطى قبل الميلاد( 20) ، وفي سبيل فرض سياستها على طمس أدوار  تاريخ تركستان المستقلة ودولها الوطنية الحرة وعلاقاتها السياسية بالصين التي عرفت بالمد والجزر عبر التاريخ ، تمنع السلطات الصينية أن يقرأ الاويغور كتب التاريخ التي كتبها أباؤهم مثل كتاب ( شرقي تركستان تاريخي) لمؤلفه المرحوم محمد أمين بوغرا والذي تعتبر حيازته جريمة يعاقب عليها القانون الصيني ، وغيره من الكتب التي ألفها  الشيخ عبد العزيز عاشور جنكيزخان( خريج الأزهر) والشيخ ثابت بن عبد الباقي داملا ( خريج مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة)  و المرحوم الشيخ عيسى يوسف البتكين ( عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي السابق )  ، وحتى الكتب التاريخية التي نشرت مؤخرا في تركستان مستفيدا من التغيير الجزئي الذي حصل في عهد  هو ياو بانغ Hu Yao Bang  الإصلاحي  قبل مجزرة ربيع بكين 1989 ، مثل كتب ( هون لارنيك قسيقجه تاريخي  = تاريخ الهون المختصر ، كاشغر 1986  ) ، و( تاريخ الأويغور = أويغورلار، أورومجي 1989 ) ، و ( قديمكي أويغور أدبياتي = الأدب الأويغوري القديم ، كاشغر 1987) التي كتبها ونشرها الأستاذ تورغون ألماس في أورومجي وكاشغر تعرضت لانتقادات  شديدة من السلطات الصينية لأنها توضح أدوار حكومات الأويغور المستقلة الحرة  ، وفرضت على المؤلف الإقامة الجبرية في منزله حتى مات(  21)   وجمعت نسخ الكتب الثلاثة وأحرقت ومنع تداولها وعوقب من يمتلكها (22) ، والباحث الأويغوري توختي تونياز ( موزارت ) Tohti Muzart  خريج قسم التاريخ من جامعة القوميات المركزية في بكين عام 1984 و طالب الدكتوراه في الجامعة الصينية في طوكيو باليابان عام 1995 أعتقل في عام  1998 وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما في عام 1999 ، وذلك  بتهمة  نشر كتاب  ( القصة الداخلية لطريق الحرير ) باليابانية ، و تدعى السلطات الصينية أنه يروج للانفصال ، رغم أن اليابانيين ينفون صدور مثل هذا الكتاب  , كما اعتقل عبد الخليل زنون لترجمته الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى اللغة الأويغورية  و حكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاما في نوفمبر 2001   

            وبعد أن استبعدت السلطات الصينية التركستانيين من كتابة تاريخهم أو الاستفادة من تراثهم التاريخي بالترهيب والاعتقال والحرق والإتلاف  فرضت على الشعب التركستاني المسلم  كتبا ألفها الصينيون و اللجان الحكومية الصينية ، مثل:

  • كتاب ( شينجاكنيك يه رليك تاريخي = تاريخ شينجيانغ المحلي ) أعدته مجموعة إعداد الكتب التاريخية للمدارس العليا في لجنة المعارف لمقاطعة شينجيانغ وفي الصفحة الثالثة من مقدمة الكتاب ذكر أعضاء المجموعة, وهم: وانغ يودي ، شوي خه شينغ ، ليوزشياو فينغ داجين ووياوجينغ وكلهم من الصينيين ، ونشرته جامعة شينجيانغ 1992 وفرض تدريسه في المدارس الثانوية والمعاهد والكليات ،  وتكرر نشره في الأعوام 1994 و1996 و1999
  • شينجاكنيك يه رليك تاريخيدين قسقيجه ئوقوشلوق = قراءة مختصرة من تاريخ شينجيانغ المحلي ، ألفه جيه ن بوجوه ن ، وانغ بينغ خوا بإشراف خي فولين ( وكلهم من الصينيين) ، وفرض تدريسه لمادة وحدة القوميات ، و نشرته دار نشر شينجيانغ الشعبي في اورومجي 1999
  • شينجاكنيك قسقيجه تاريخي = تاريخ شينجيانغ الموجز ، لجنة دراسة القوميات في أكاديمية شينجيانغ الاجتماعية برئاسة جين خوا و عضوية غوبينغ ليانغ ، وانغ جي له ي ( وكلهم صينون) والكتاب في ثلاثة أجزاء ، ونشرته دار نشر شينجيانغ الشعبي في أورومجي عام 1979
  • ئويغورلارنيك قسيقيجه تاريخي = تاريخ الأويغور الموجز أعد من قبل لجنة كتابة تاريخ الأويغور تحت إشراف اللجنة الحكومية لشؤون الأقليات القومية في بكين ونشر في  عام 1989
  • شينجكديكي ميلله تله ر نيك تاريخي = تاريخ القوميات في شينجيانغ ، كتبه جيه ن بوجوه ن ( صيني ) دار نشر شيجيانغ الشعبي أورومجي عام 1999
  • قه ديمكي ئويغورلار تاريخي = تاريخ الأويغور القدماء ، ألفه لين كه ن وكاو زيخو ( وكلاهما صينيان) ونشر في 2000
  • ئويغور لار تاريخي = تاريخ الأويغور ( أربعة أجزاء) ألفه ليو زشياو (صيني)، ونشرته دار نشر القوميات في بكين ، 1987

            ومن خلال مثل هذه الكتب تمكنت السلطات الصينية من استحداث تاريخ جديد لتركستان ضمن الإطار العام لتاريخ الصين تجعل من الأويغور وغيرهم من القوميات شعوب تابعة ممسوخة ، ومن تركستان أرضا صينية تاريخها جزء من تاريخ الصين ، وأما المسلمون التركستانيون فلا يسمح لهم بحرية الكتابة عن تاريخهم ، كما لا يسمح بدخول وتداول الكتب التي تنشر عن تاريخ تركستان في الخارج في تركيا وأوروبا وأمريكا وغيرها إلى بلادهم ، لأنها تفضح سياسة الصين  العنصرية لطمس تاريخ وثقافة الشعب التركستاني المسلم ، وحتى لا تصل أيدي الأويغور إليها ، وتقول الباحثة الأمريكية ليندا بنسون Linda Benson    : الكتب التي كتبها علماء الأويغور عن تاريخهم ممنوعة ، ولكن يتم تداول نصوصها سريا أو بالفم ، والحكومة تجبر الطلاب على قراءة الكتب التاريخية المعتمدة منها رسميا ، وهي لا تتضمن ذكرا لأحداث الماضي ، وإنما يمثل النشر الإيديولوجي لنظريتها  في شينجيانغ(23)، و الكاتب الصيني المنشق والصحفي السابق في وكالة الأنباء الصينية شينخوا،  ليو بينيوان Liu Binyuan يقول : ( الوطنية والعنصرية الصينية هما الأداتان الأساسيتان  في ترسانة الإيديولوجية للحزب الشيوعي الصيني ) (24)  .

        والسلطات الصينية تستخدم وسيلة الجمع و الحرق للقضاء على الكتب الأويغورية التاريخية والثقافية , كما حدث لكتب تورغون ألماس الثلاثة ، وحتى الكتب التي تشرح الحرف الخاصة بالأويغور مثل صناعة الحرير والسجاد والنجارة جمعت من مكتبات  شينخواXinhua  الرسمية ومكتبات المدارس والمعاهد ومن الأفراد في كل تركستان وقال شهود العيان : إن الكتب التي جمعت من المدرسة الثانوية الأولى في كاشغر أحرقت ، وإحراق هذه الكتب هو جزء من الحملة الأيديولوجية التي تنفذها السلطات الصينية ضد الأويغور ، وفي الاجتماعات التي عقدت في كاشغر في شهر يونيه 2002 تم تدريب مئات العمال وتدريسهم ثم إرسالهم إلى المدارس والقرى في كل  أجزاء مقاطعة شينجيانغ لإحراق الكتب الأويغورية والدعاية ضدها، وعقدت الاجتماعات الخاصة بذلك في بلدات ومدن مارالباشي و ينكي حصار و قارغيليق و يوبورغه وياركند وفيض آباد ومدينة كاشغر ذّاتها، وفي 23 يونيه 2002 صرح وانغ ليجون رئيس الحزب الشيوعي الصيني لمقاطعة شينجيانغ أن العمل الإيديولوجي والتعليمي هو في قمة أولوياته ضد الأفكار القومية .(  25)

       وفي عام 2001 بدء تصفية المواد التعليمية من أية إشارة دينية أو تاريخية ، ولم تعد كتب العلوم الاجتماعية في المدارس المتوسطة تشير إلى الفترات التي كان الأويغور أحرارا فيها أو مستقلين قبل 1949 ، وإذا حدث أن استفسر طالب عن ذلك التاريخ يتهم في الحال بأنه انفصالي.

        و يجب أن يدرس الطلاب الصينيون والأويغور معا ( تاريخ مقاطعة شينجيانغ) المعد و المعتمد من حكومة الصين ، والذي يؤكد على التبعية التاريخية لشينجيانغ ، وفي عام 1990 فرض على الطلاب الأويغور في المعاهد والجامعات دراسة تاريخ شينجيانغ المعتمد الرسمي ، والاختبار في محتوياته واعتماد النجاح فيه ، وإن كان الطلاب الأويغور يشككون في صحته إلا أنه لا يتخرجون من المعاهد والجامعات بدون النجاح في مادته ، و لا يزال هذا الأمر مستمرا إلى اليوم .( 26)

        ولم تكن سياسة محاربة السلطات الشيوعية الصينية لكتب الثقافة الإسلامية أقل ضراوة منها ، لأن الهدف هو مسخ هوية المسلمين الأويغور ودفعهم إلى قبول الهوية الصينية ، ولأن ما هو مسموح للمسلمين الصينيين ممنوع عليهم ، فقد اعتقلت السلطات الصينية ثمانية شبان يبيعون الكتب الإسلامية التالية :

تفسير أبن كثير  2- النبع الصافي 3- مختصر سيرة التابعين 4- الإيمان والحياة 5- شروط الإيمان 6- الأسس الإسلامية 7- ماذا يقول الإسلام للنساء 8 – أثر الهجرة 9- تربية الأولاد في الإسلام 10- الحلال والحرام في الإسلام 11- طريق المسلمين 12- الخلفاء الراشدون 13 – مفاهيم يجب أن تصحح 14- قاموس عربي – أويغوري

          والتهمة كما جاء في قرار محكمة التفتيش الشعبية لمدينة أورومجي المؤرخ في 13/1/2010 (المنشور نسخته في الملاحق بهذا الكتاب ) هو شراؤهم تلك الكتب من مسلم صيني اسمه ( ما خاكي) في مدينة لانجو في مقاطعة كانسو بالصين و بيعها في مدن أورومجي ، وكاشغر وخوتن واقسو في شينجيانغ ( تركستان) ، وذكر تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان بدون حدود أن السلطات الصينية اعتقلت عددا من المسلمين الأويغور بسبب حيازتهم كتاب (مشكاة المصابيح للإمام الخطيب التبريزي ) بحجة أنه كتاب ديني غير قانوني (27)  وكانت حكومة شينجيانغ قد أعلنت أن عدد النسخ التي تم مصادرتها من الكتب الدينية والسياسية التي اعتبرتها غير قانونية بلغ ( 877,193) نسخة في شينجيانغ في عام 2008 ، (28) ، وكذلك تمت مصادرة وإتلاف ترجمة معاني القران الكريم باللغة الأويغورية التي طبعت في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في عام 1415هـ /1995، وأرسلت  منها 200 ألف نسخة هدية من خادم الحرمين الشريفين إلى  الجمعية الإسلامية الصينية في مقاطعة شينجيانغ عام 1997 معروفة عند المسلمين في تركستان ، وقد نشرت جريدة شينجيانغ الرسمية بتاريخ 12/11/2003 صور إحراق المصاحف.

          ومع أن السلطات الصينية تعترف بوجود الأويغور والقازاق والقيرغيز والأوزبك والتتار  والسالار وهم شعوب تركية ويتحدثون أحدى اللهجات التركية الشرقية ، و تسمح أحيانا في الوثائق العلمية بذكر عائلة اللغات التركية Tujue yuzu والثقافة التركية Tujue wenhua  ، ولكن أن يقول أحد أفراد هذه الشعوب : أنه تركي يعتبره الحزب الشيوعي الصيني ذلك منه إدعاء بالقومية التركية ، ودعوة للانفصال ، وعلى ذلك فهو لا يعترف بمثل هذه العرقيات التي تؤدي إلى هذه القومية ، وحتى مصطلح  اللغة التركية الذي كان مستعملا  مثل : (  قسم التركيات  Turjueyu xi = Turkology ) في المعهد المركزي للقوميات ، والذي تحول إلى جامعة القوميات المركزية في بكين منذ عام 1996 ، وأصبح بدلا من ذلك يسمى ( قسم لغتي القوميتين Minyu er xi ) يعني لغتي الأويغور والقازاق , ثم في ابريل 2000 عام  أصبح هناك قسمان : اللغة الأويغورية واللغة القازاقية على اعتبار أن كلا منهما قومية مستقلة ( غير تركيتين) ، وأما في جامعة شينجيانغ نفسها في أورومجي فيها قسمان : قسم اللغة الصينية xi ْ    Zhongyuوقسم لغات الصين وآدابها Zhongyu wenxue xi   ، حيث يتم تدريس اللغة الأويغورية على أساس أنها من لغات القوميات التي تقطن في الصين ولغة كل قومية تعتبر وحدة مستقلة ، بمعنى أن لهجات الأويغور والقازاق والقيرغيز وألاوزبك ليست لهجات تركية وإنما لغات مختلفة بأسماء القوميات يتم تدريسها في قسم لغات الصين وآدابها ،  بينما في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية المجاورة والتي تنتمي إليها تلك القوميات تتم دراستها على أنها وحدة اللغات التركية وآدابها وثقافتها المشتركة (29)

       و تتواصل محاربة الشيوعيين الصينيين لثقافة المسلمين الأويغور في كل المجالات بدون هوادة ومن ذلك التقليد الاجتماعي المعروف عند المسلمين الأويغور باسم ( مشرب ) وهو اجتماع تقليدي يعقد أسبوعيا في الأرياف ومجتمعات الرعاة والفلاحين يجتمعون في المساء بعد عمل اليوم المنهك يرفهون فيه عن أنفسهم ، و يتبادلون الأحاديث في أحوالهم الاجتماعية ، وهي عادة اجتماعية تحدث في معظم المجتمعات البشرية وبخاصة في القرى والأرياف يحضره شيخ القبيلة أو رئيس القرية ، وفي المجتمعات العربية يكتسب أسمها من اليوم الذي يعقد فيه فيقال الأثنينية أو الخميسية ،و في الكويت الديوانية ، وهكذا ،  ونظرا لأهمية هذا التراث التقليدي فقد كون السيد تيمور دوامت رئيس مقاطعة شينجيانغ الأسبق لجنة لتسجيل ( المشرب)  أشكاله و نصوصه و صدرت مجموعة كاملة منه ( جونككو ئويغور مه شره بلري )  مجازا رسميا بعدد 31 قرصا مضغوطا في بكين وزعتها (ميلله تله ر ئون- سن نه شرياتي)  في عام  2008 ، ولكن السلطات الشيوعية الصينية وجدت في ممارسة هذا التراث القومي الأويغوري الذي يذكر الأويغور بتقاليدهم و أسلوب حياتهم ، ويساعد على حفظ هويتهم القومية و معالجة مشاكلهم الاجتماعية خطرا على سياستها التي تستهدف محو الشخصية القومية للأويغور.

        وفي قرية كيبك يوز التابعة لمدينة غولجه تمكن الأويغور بموافقة السلطات المحلية تنظيم الاجتماع التقليدي لهم (مشرب ) في أواخر  عام 1994و استمر هذا الاجتماع القروي بمشاركة المسؤولين الأويغور أنفسهم ، وعمل من خلاله على معالجة انتشار المخدرات والإيدز  بين الشباب ومحاربة الخمر والتدخين لإنقاذ المجتمع المسلم ، و نجح القائمون على هذا الاجتماع على الحد من انتشار المخدرات و إصلاح سلوكيات بعض الشباب و عودتهم للأخلاق الإسلامية ، ولكن السلطات الشيوعية لم يعجبها هذا التحسن في سلوك المواطنين الأويغور ، فاعتقلت  السيد عبد الخليل الذي كان يترأس هذه الاجتماعات الدورية مع بعض زملائه في 13 /8/1995 ، واستمرت  تعتقل بعض أفراده ، ولكن لعدم صدور أمر حكومي يمنع هذه الاجتماعات لمشاركة بعض المسؤولين الأويغور فيها استمر الأهالي على تنظيمها ، بينما استمرت حكومة الصين في اعتقال أعضائها  وعندما استفحل الأمر خرج الأهالي بمظاهرة سلمية يطالبون إطلاق الأسرى في مدينة غولجه في يومي 5 و6 فبراير 1997 ، وكالعادة استعملت الحكومة الصينية الجيش في قتلهم واعتقالهم ومنعت هذا النوع من الاجتماعات ) 30)

        وإصرار حكومة الصين على هدم مدينة كاشغر التاريخية التي يعتبر المركز الحضاري والثقافي العريق لمسلمي تركستان الشرقية ومعقلهم ، وإعادة بنائها على النمط الصيني بما يتلاءم مع متطلبات المهجرين الصينيين ، يستهدف أيضا القضاء على هويتهم القومية ومعالم تاريخهم ، ودفعهم إلى التكيف مع الشخصية الصينية الجديدة التي يجلبها المهجرون الصينيون معهم نمطا وثقافة وسلوكا ، مما يهدف إلى تكثيف التوطين الصيني فيها ، ويجعلها كارثة حقيقة على الوجود الإسلامي في هذه المدينة التي كانت تقترن باسم الإمام البخاري ، فكان يقال لها بخارى الصغرى تشبيها بمدينة بخارى في بلاد ما وراء النهر ، خاصة بعد أن أصبحت قاعدة إسلامية منذ أن فتحها قتيبة بن مسلم الباهلي في عام 96 هجرية /714 ميلادية .

      وقد أسس بعض المهتمين الغربيين والأويغور في كندا موقعا إلكترونيا بعنوان ( أنقذوا كاشغر ! Save Kashgar ) للمطالبة الدولية بوقف إزالة مدينة كاشغر التاريخية ( 31) ، كما أن جمعية الشعوب المهددة Society for Threatened Peoples في ألمانيا تقوم بتعريف المجتمع الدولي بتاريخ وتراث كاشغر (32) ، والدكتورة ماريكا فيتشساني Marika Vicziany  مديرة المعهد الآسيوي في جامعة موناش في أستراليا  مع بعض زملائها أصدرت كتابا خاصا عن كاشغر (33) ، وفي 9/12/2010 في النشرة الأخبارية دعا الائتلاف الأوروبي الحر European Free Alliance  إلى اجتماع  لبحث موضوع الحفاظ على التراث التاريخي لمدينة كاشغر في يوم الثلاثاء 27/1/2011 (34)، ومع أن حكومة الصين سبق أن رفضت طلب منظمة اليونسكو لإدراج  المدينة التاريخية لكاشغر ضمن الآثار العالمية ، إلا أن عددا من المنظمات والباحثين الغربيين لا يزالون يطالبون منظمة اليونسكو أن تبذل مساعيها لمنع الصين من تدمير مدينة كاشغر التاريخية .

        وكاشغر مدينة إسلامية أقصى ما وصل إليها الفتح العربي في الشرق  بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي في عام 96هـ / 714 م ، وإذا كانت بواتييه بلاط الشهداء أقصى ما وصل إليها الفتح العربي بقيادة القائد عبد الرحمن الغافقي  في الغرب الأوروبي في عام 114هـ/732 م ، و أنحسر من هناك الفتح الإسلامي ؛ ولكن كاشغر أستقر فيها الإسلام و انتشر منها في تركستان و ما جاورها ، وغدت عاصمة لدولة قراخان الإسلامية التي أسسها الملك عبد الكريم ستوق بوغرا خان في عام 310 هـ/920 م ، وأخيرا عاصمة لجمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في عام 1933.

       و ينتسب إليها جملة من العلماء الأفاضل منهم : أبو عبد الله الحسن بن علي بن خلف الألمعي الكاشغري المتوفي في عام 484 هـ، أبو المعالي طغرل شاه محمد بن الحسن الكاشغري المتوفي في عام 550 هـ ، ومسند العراق أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان الكاشغري شيخ دار السنة في المستنصرية في عام 676هـ ، وعماد الدين الكاشغري ، و عبد الغفار بن حسين الكاشغري و سديد الدين الكاشغري المتوفي في اليمن في عام 705 هـ  ، ومحمود بن حسين الكاشغري صاحب ( ديوان لغات الترك)  ويوسف خاص حاجب  مؤلف ( قوتادغوبليك) وجمال القرشي الكاشغري أبن خال أبي إسماعيل بن نصر بن حماد الجوهري الفارابي صاحب ( تاج اللغة وصحاح العربية ) المتوفي في عام 398هـ  ، محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم أبو القاسم الحسيني الكاشغري المتوفي في دمشق عام 735 هـ ،  وغيرهم ،

وهكذا كانت كاشغر مدينة إسلامية لأكثر من ألف عام و لا يزال أهلها مسلمون ، ويجاهدون على حفظ هويتهم و شخصيتها الإسلامية ، والمسلمون هم أحق من يدافع عنها و عن أهلها وتراثها الإسلامي ، ولعل منظمة العواصم والمدن الإسلامية بمكة المكرمة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي  تستيقظ من سباتها و تمارس واجبها في الدفاع عنها .. وللمزيد من المطالعة ما يأتي :

  • اللواء المتقاعد محمود شيت خطاب : فتح كاشغر ، مجلة الأمة ، العدد 50 ، صفر 1405
  • Save Kashgar`s Old Town –Treasure of the Silk Road in Danger- China`s authorities ordered destruction , Gottingen , Human Rights Report Nr.60, of the Society for Threatened Peoples , July 2009
  • George Michell ,Mrika Vicziany and Tsui Yeshu : Kashgar : Oasis City on China`s Old Silk Road, London , Frances Lincoln, 2008 , pp.16
  • Michael Wines: To Protect an Ancient City , China Moves to Raze It , The New York Times , May 28 ,2009
  • Michael Wines : To Protect an Ancient City , China Moves to Raze It , The New York Times , May 28,2009
  • Rebbeca T.: Would UNESCO World Heritage Status Stop Uighur Kashgar Destruction , Heritage Key ,07/07/2009
  • Stacey Irvin : Kashgar : Traditional Uighur Life in Transition,( http;;//www.staceyirvin.com/file_downlaod/6/Irvin_Uighurs_in_Transition.pdf )بقلم الأستاذ توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"