الاستيطان الصيني وأثره الثقافي والاجتماعي على الشعب التركستاني

 

     في النشرة الاخبارية لقناة الجزيرة بتاريخ 22/3/2008 بعنوان : شينجانغ - التبت الأخرى في الصينXinjiang : China`s "other Tibet"  جاء فيها :

       أنه في عام 1953 كان عدد الصينيين نصف مليون نسمة في شينجانغ (تركستان الشرقية) , ثم ارتفع العدد إلى 7,5 مليون نسمة في عام 2000م, ولا يزال العدد يرتفع بسرعة مذهلة حيث وصلت نسبة الصينيين إلى 42% من إجمالي سكان شينجانغ (18 مليون نسمة )  ، وقال أحد الأويغور المسلمين في مدينة إيلي : إن الصينيين يتزايدون يوما بعد يوم ، وهذه الأرض ملكنا ، وتقول إحدى النساء واسمها رسالت خان من أورومجي : إن الأعمال أصبحت بيد الصينيين و لا نجد عملا ، والحياة أصبحت صعبة ولكن لا حيلة لنا.

       وتقول الدكتورة ارينا دويرArienne Dwyer  الأستاذة المساعدة لأنثربولوجية اللغة في جامعة كنساس : إن الوضع أصبح سيئا للغاية في العقد الأخير – وأن سيطرة الصينيين على شؤون الحياة أدت إلى توجيه مناشط الثقافة والتعليم لاحتواء الأقليات في الإناء الصيني ، ومنذ 1990 تم تسريع التغيير الثقافي  بالقوة العسكرية وفرضت السياسة اللغوية بالقوة وأجبر المسلمون على استعمال اللغة الصينية في المدارس و قمعت الأصوات المناهضة بالقوة ، وتقول الدكتورة أرينا : إن هذه السياسة أدت إلى إشعال نار الغضب في نفوس المسلمين وأصبح الشباب منهم أكثر تدينا من آبائهم وإقبالا على دراسة الدين واللغة العربية ، وأن هذه الأمور ليست لها أية صلة بالحركة الإسلامية الأصولية أو بالإرهاب ، و إنما  مما يعانيه الناس من الظلم والاضطهاد .

   كما كتب  جارلس كومينغ Charles Cumming  في جريدة الغارديان البريطانية بتاريخ 5/4/2008بعنون  :(الاضطهاد المكثف ضد الأويغور) : على الرغم أن الأحداث الدامية التي جرت ضد الصينيين في التبت لم يتهم فيها أحد الزعيم الروحي (دلاي لاما ) أو التبتيين بالإرهاب ، كما أتهم المسلمون الأويغور بذلك  ، وأن التبت لم تكن المقاطعة الوحيدة التي تعاني من همجية زعماء بكين ، بل إن مقاطعة شينجانغ ـ التي معظم سكانها مسلمون أتراك ـ لم تجد زعيما مثل (دلاي لاما) أو شخصاً مثل ريتشارد غير Richard Gere ( ممثل أمريكي اعتنق البوذية )  يجذب انتباه العالم لمأساتهم ، فالأويغوري يسجن  لمجرد أنه قرأ جريدة تتعاطف مع قضيته أو لأنه استمع لراديو آسيا الحرة التي تذيع بعضاً من أخباره ، وفي مدينة (خُتن) أعتقل أكثر من مائة شخص بسبب مظاهرة سلمية ، وماذا حدث لهؤلاء المعتقلين الأبرياء؟!

 لقد تم تعذيبهم ـ كما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية ـ بحرقهم بأعقاب السجائر و وتغطيس رؤوسهم في الماء واستعمال الكلاب والصاعقات الكهربائية .

       وبتاريخ 5/8/2008 أصدرت سلطات الحزب الشيوعي في بلدة ينكي شهر التابعة   لكاشغر  تعليماتها إلى موظفيها الصينيين بالتأكد من ولاء الموظفين وأعضاء الحزب الشيوعي من الأويغور من خلال إجراء تفتيش سري لهم لمعرفة  أنهم لا يمارسون أي نشاط ديني ، ومعاقبة من يثبت عليه ذلك بتهمة الخيانة.

       وكتب كونتين بيل Quentin Peel من كاشغر في جريدة فاينانشال تايمز بتاريخ 9/8/2008 : في هذه المدينة القديمة حيث يتكلم أهلها اللغة التركية وأغلب سكانها مسلمون ، تقول السلطات الصينية : أن سائق التاكسي وبائع الخضروات قاما بالهجوم باستعمال عربة على مجموعة من حرس الحدود الصينيين وقتلا 16 منهم ، و الحكومة الصينية نسبت ذلك إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية التي تدعي أنها على صلة بالقاعدة وطالبان في أفغانستان ، و أنها تعمل لاستقلال مقاطعة شينجانغ من الصين ، ولكن يبدو أن الأويغور المسلمين سكان هذه المدينة (كاشغر) لا يعرفون عنها شيئا ، و عندما وصل صحفي مستقل إلى المكان  بعد الحادث ببضعة ساعات وجد المكان قد تم تنظيفه ، و لم يكن هناك إلا شجرتان تضررتا من اصطدام العربة ، ولم يكن منظر المكان ينبئ أن حادثة قتل جماعية حدثت فيه ، مع أن منطقة كاشغر  تموج بالاضطراب.

        وشكل كاشغر هذه المدينة القديمة بدأ يتغير بالمحلات التجارية الجديدة الفارهة التي يديرها الصينيون والشقق ذات الواجهة الزجاجية التي يسكنونها ، بينما الأويغور لا يزالون يبيعون اللحم والخضروات والسجاد والبهارات في الأسواق القديمة ، مما يظهر أنهم يشكلون الطبقة الثانية من سكان الأمبراطورية الصينية ، وهناك استياء عام من السياسة الصينية التي تعمل  على نقل وتوطين الصينيين ، والقضاء على الثقافة الإسلامية بالتدريج ، وقال أحد المدرسين الأويغور الذي لم يفصح عن اسمه : نحن نعاني أكثر من التبتيين ولكن لا توجد لنا منظمة أو زعماء يدافعون عن حقوقنا ، وليس لنا (دلاي لاما) مثل التبتيين ينقل إلى العالم مأساتنا .

         ونظرة عابرة على الناس في الطرقات الجديدة و محطات القطارات و محطات البترول تؤكد تدفق العمال الصينيين على هذه المدينة مما يوضح أن السلطات تعمل على طمس هوية المدينة القديمة لكاشغر.

      وقال بعض سكان كاشغر إن السلطات الصينية رحَّلت آلاف الأويغور من بكين لحماية الاولمبياد  ، وطلبت من كل أويغوري تسليم جوازه لدائرة الشرطة.

        كما كتب وليم فورمان مندوب وكالة الأنباء المتحدة من أورومجي عاصمة شينجيانغ في جريدة واشنطن بوست بتاريخ 8/8/2008 ؛ ( في مركز التسويق في اورومجي ،قال احد الأويغور الذي سما نفسه قربان : إنه لا يؤيد جماعات العنف ، مؤكدا على علاقات الصداقة مع الصينيين ، و المجموعة الصينية التي تسيطر على البلاد ، ولكنه قال : ( إنه يتعاطف مع الأويغور الذين يكرهون الصينيين الذين  يجبرون الأويغور على العيش  في فقر وضنك  في الضواحي المزرية والفقيرة ، وإذا تكلمت أكثر من ذلك فالبوليس سيأخذني بعيدا ).

       وبينما المصلون يصلون صلاة الظهر و قد امتلأ  المسجد بهم و المصلون في خارجه يركعون ؛ مرت عربة النظافة وصوت الموسيقى يرتفع منها عاليا ورشت الماء الراكد في الأرض على هؤلاء المصلين المستمرين  في ركوعهم وسجودهم بدون تذمر.

        جيل درو  Jill Drew من كاشغر كتب في واشنطن بوست : إن درجة تنظيم جماعات الأويغور أو الجماعات الانفصالية لتركستان الشرقية محل بحث عند كثير من الخبراء في خارج الصين ، و جيمس ميلوارد الأستاذ في مدرسة الخدمات الخارجية في جامعة جورج تاون  يقول : إن المشكلة في شينجيانغ هي مشكلة حقوق مدنية، لأن الأويغور يشعرون أنهم يعاملون بعنصرية ولا يجدون الوظائف, والمعونات الحكومية  دائماً تذهب إلى الأكثرية الصينية .

      ويقول الصيني وانغ لي شيونغ الكاتب والخبير في قضايا الأقليات : إن شينجيانغ تمثل لبكين مشكلة  أكبر من مشكلة التبت ، وقد اندلعت فيها مظاهرات ضد الحكم الصيني في هذا الربيع ، فالتبتيون عندهم زعيم كبير وهو (دلاي لاما) الزعيم الروحي لكل التبتيين و يعمل على حل قضية التبت ، ولكن شينجيانغ ليس عندها  مثل هذا الزعيم و المقاومون المحليون  يعملون أفرادا و ليس في مجموعات.

     وبينما الأويغور يعيشون في كاشغر حول جامع عيدكاه الذي بني في عام 1460م ، والمسلمون بعمائمهم والنساء بحجابهن يمشون في الطرقات الضيقة القذرة التي تزاحمهم فيها العربات التي تجرها الحمير و يتجادلون مع راكبي الدراجات  لشق الطريق  ، تجد الحي الصيني  الذي يمتد من محطة القطار والذي تم تشييده في عام 1999 يمتلأ بالشقق البيضاء التي يسكنها الصينيون  على شكل المدن الصينية الجديدة ، وينتهي هذا الشارع فيها إلى تمثال لماوزيدونغ يبلغ ارتفاعه 59 قدما يشبه كثيرا  ميدان تيان مين في بكين . 

      و كتب دان مارتين Dan Martin مندوب وكالة الأنباء الفرنسية في الصين في 4/4/2008  عن مظاهرات خُتن التي حدثت في يومي 23-24 مارس 2008 وأنها اندلعت بسبب منع الشباب لبس العمامة  مما أدى إلى قتل أحد الشباب المسلمين في قسم الشرطة وخرج المسلمون ينددون بالمنع و مقتل الشباب و لكن السلطات الصينية اعتقلت حوالي مائة منهم.

       وكتب مراسل جريدة كريستيان ساينس مونيتور من أورومجي عاصمة تركستان في 28/8/2008 : أن حكومة الصين تنقل ملايين الصينيين وتوطنهم في أراضي شينجيانغ ذات الأغلبية المسلمة بهدف طمس الهوية العرقية والثقافية للمسلمين الذين أصبحوا أجانب في بلادهم ، وقال باتور وهو مدرس أويغوري : إنهم يريدون أن يستأصلونا من جذورنا ، فالحكومة منذ عقود تقوم بحملات توطين الصينيين في شينجيانغ التي كانت نسبة الصينيين فيها عندما احتلوها في عام 1949 لا تزيد عن 7% و الآن هم يزيدون عن 40% وقد جلب الصينيون المهجرون ثقافتهم و عاداتهم و يملكون معظم الشركات التي يديرونها مع أبناء جلدتهم ، أما المسلمون فمحرومون من العمل ، فقد أصبحنا غرباء في بلادنا مثل الهنود الحمر في أمريكا.

       ومن الأمور المهمة الحساسة للأويغور المسلمين هو الدين الذي يتعرض لحملات اضطهاد مستمرة ,وقال  أحد مزارعي القطن من الأويغور في قرية تبعد عن بلدة كوجار بخمسين كيلومترا وعدد سكانها مائتي ألف نسمة : أن السلطات الصينية تغلق المساجد والمدارس الدينية بدعوى عدم وجود تصريح ,وأن الأنظمة تمنع الشباب مادون السن الثامن عشر عاما من ارتياد المساجد و دراسة القران الكريم ، و أخيراً صدرت تعليمات تمنع العمال و موظفي الدولة من الذهاب إلى المساجد وإطالة اللحى و إحضار القران الكريم إلى المدارس ، وأنه اعتقل رجل في الخمسين من عمره بسبب تعليم القران الكريم في مدرسة دينية . وعلى جدار مسجد قديم بني في القرن السادس عشر الميلادي علقت لوحة تقول : ( اِمنعوا النشاط الديني غير القانوني ) ، ويقول الرجل: إذا أصبحت رجلا متدينا فالحكومة تقلق من ذلك ) والباحث نقولاس بكولين في منظمة مراقبة حقوق الإنسان يؤكد على ما قاله ، ويقول : إن الحكومة الصينية تصف كل عمل ديني في خارج الإطار الرسمي أنه عمل إرهابي انفصالي.

        وقد نشرت  جريدة التايمز الهندية  نقلاً عن مراسلها في بكين بتاريخ 11/7/2008 أن السلطات الصينية أغلقت 41 مكانا غير قانوني للعبادة في شنيجيانغ ،(105) كما نشرت وكالة الأنباء رويترز Rueters بتاريخ 23/6/2008 أن السلطات الصينية أغلقت مسجد الجمعة في قرية قوم تاغ العليا ببلدة كالبين بدعوى أنه مسجد غير قانوني مع أن المسجد تم بناؤه في عام 1998.

     والسفير لي باودونغ  Li Baodong رئيس الوفد الصيني أنكر استعمال الصين للقوة في قمع المظاهرات العامة قائلا:  إن حكومة الصين تمنع استعمال التعذيب ضد الأقليات الدينية والعرقية ، معترضاً على ادعاءات الأويغور المسلمين والتبتيين وجاء ذلك في رده لاتهامات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أتهم الصين بالقمع والتعذيب ، وإن منظمة مراقبة حقوق الإنسان التي تتخذ من نيويورك مقرا لها لديها وثائق لقضايا موثقة.

     وذكرت الصحف الصينية بتاريخ 4/1/2009 أن من أصل 1295 شخصا تم توقيفهم خلال الأشهر ال11 الأولى من العام الماضي وجهت التهمة رسميا إلى 1154 شخصا و جرت محاكمتهم وصدرت في حقهم تدابير إدارية ، وفي أواخر ديسمبر حُكم بالإعدام على اثنين من الأويغور بتهمة شن هجوم إرهابي.

          وصرح (دلاي لاما) الزعيم الروحي للتبتيين : أن الصين تفتقد السلطة الأخلاقية لتكون قوة دولية ؛ ذلك لأن الصين مع أنها ذات قوة اقتصادية وعسكرية وسكانية إلا أنها لا تهتم بالعامل الأخلاقي  وسجلها في مجال حقوق الإنسان سيئ لما تمارسه من انتهاك لحرية الدين والفرد والتعبير  ، وبخاصة ما تمارسه في التبت و شينجانغ وهونغ كونغ .  جاء ذلك في كلمة ألقاها في البرلمان الأوروبي في بروكسل في يوم 4/12/2008

 

 

 بقلم  الأستاذ  توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"