السيدة ربيعة قدير..رئيسة مؤتمر الأويغور العالمي

 

     فقد ثبت  إن المرأة في المجتمعات الإنسانية التي تقع تحت الاحتلال الأجنبي أكثر معاناة من الرجل ، فهي  الفتاة التي تفقد والدها أو أخاها أو الأم التي تفقد أبنها أو الزوجة التي تفقد زوجها وعائلها و تترمل وتتحمل المسؤوليات والواجبات الأسرية والعائلية ، و تتحمل كل المشقات والصعاب لتربية أطفالها وأبنائها و تقدمهم مكافحين ومناضلين في سبيل الأمة والوطن ، وفي أحضانها يتربى الشرفاء و الزعماء  والمناضلون ، وهي الأساس في المجتمع وكما قال الشاعر :

الأم مدرسة إذا أعددتها       أعددت شعبا طيب الأعراق

والمرأة المسلمة في تركستان لها قصة أخرى من المعاناة والمأساة التي لا تنتهي إلى اليوم وهي تعاني أكثر مما يعاني الرجل المسلم من الظلم والاضطهاد حرمان ديني واقتصادي واجتماعي و تمييز عنصري و غير ذلك من صنوف الممارسات الجائرة التي يلاقيها المسلمون من الاستعمار الصيني الشيوعي .

      وتاريخ المرأة المسلمة المناضلة في تركستان تاريخ مشهود ومجيد بدءا من تاريخ الأميرة العطرة Ipar Hanim ( Xiangfei = Fragrant Concubine ) السيدة مريام الأعظم حفيدة خوجة مخدوم الأعظم سليل السادة العلويين التي حكمت تركستان في منتصف  القرن الثامن عشر الميلادي التي أخذها الأمبراطور الصيني بالقوة  إلى بكين ، ولكنها فضلت الموت من أن تكون زوجة لعدو دينها ووطنها، والسيدات مايمخان ، نوزكوم ، ريزوانكول ( رضوان كول) ، خديجه خان وغيرهن كثيرات .

          و ما يتميز به اضطهاد المرأة المسلمة في تركستان هو الإجهاض المتكرر,  أو عدم الإنجاب حتى ولم يمكن عندها أطفال لأن عليها الالتزام بالحصة السكانية التي حددت لمنطقتها ولا يزيد عدد المواليد عن ذلك ، وإذا حملت أجبرت على الإجهاض مهما كان الأمر وكم منهن توفين في العمليات وإسقاط الجنين ، والبعض منهن يحاولن الهروب من منطقة إلى أخرى لعلها تستطيع أن تخفي جنينها و تتحمل في سبيله كل المشقة والعناء وشظف العيش وقسوته . وهي التي تجبر على الانتقال من عند أهلها وموطنها إلى مناطق بعيدة وغريبة لتواجه العمل الإجباري والاختلاط و الإفساد الأخلاقي والديني .

          وتحارب السلطات الصينية المرأة المسلمة في تركستان بدون هوادة بشكل خاص لإخراجها من دينها وعفتها، و لا تعاملهن كما تعامل المسلمات الأخريات في بقية أنحاء الصين ، لأنها تمنع من دخول المساجد في تركستان  والصلاة فيها ، بينما أخواتها في مقاطعات الصين الأخرى يدخلن المساجد ويتعلمن أمور دينهن ،بل لهن مساجد خاصة بهن وقد كتبت عنها ماريا جاشوك والصينية شوي جينغ جون كتابا بعنوان : (تاريخ مساجد النساء في الصين المسلمة )

        وأما التعليم الإسلامي فهو محرم على المسلمات التركستانيات  ليس في المدارس فقط ، بل في المسجد والمنزل معا ، وفي الوقت الذي يسمح لهن بالتعليم في المدارس والجامعات يمنعن من دراسة العلوم الإسلامية بتاتا في أي مكان ، والأسرة التي يضبط عليها تقوم بواجبها  بتعليم بناتها أمور الدين يعاقبن بالتعرض لسياسة الدولة التعليمية التي تلزم لإلحاد ، علما أن التعليم الديني يمنع منعا باتا عمن لم يبلغ 18 عاما بموجب القانون المطبق في شينجيانغ .

        وقد أدت هذه الإجراءات التي طالت النساء بشكل خاص مع قلة فرص التعليم إلى ارتفاع نسبة الأمية وارتفاع البطالة بينهن ، واتخذتها السلطات الصينية ذريعة على نقلهن بالإكراه  إلى مناطق الصين البعيدة بحجة تشغيلهن في المصانع  ، وقد ذكرت منظمة حقوق الإنسان بدون حدود العالميلة ان الصين عملت على نقل 400،000 فتاة أويغورية إلى مقاطعات الصين الشرقية  .

       في مثل هذه الظروف فإن حياة المرأة المسلمة في تركستان أكثر شقاء وظلما من الرجل ، لأنها تعاني بالإضافة إلى ما يعانيه الرجل من السياسات التي تستهدف دينها و شخصيتها وحياتها بالذات

       وفي هذا المجتمع الإنساني الذي تعاني المرأة صنوف الاضطهاد الموجه ضدها ولدت السيدة ( بيعة قدير ( تعرف بين مواطنيها باسم رابية قادر ) من أبوين فقيرين  في مدينة التاي في شمال تركستان ( مقاطعة شينجيانغ ) قبيل الاحتلال الشيوعي الصيني في 10/7/1948 ، ولكن السلطات الصينية التي كانت تعمل على توطين الصينيين في مدينة ألتاي وتجلي المواطنين المسلمين منها ، طردت ربيعة قدير التي كان عمرها حينذاك 13 عاما مع أمها إلى مدينة اقسو حيث تزوجت بزوجها الأول عبد الرحيم في عام 1965 ، و لكن السلطات الصينية خلال الثورة الثقافية صنفتها عدوة المجتمع بسبب اشتغالها بتجارة الملابس مع زوجها مما أدى إلى طلاقها من زوجها بعد إنجاب ستة أبناء ، واضطررت بسبب الظروف المعيشية وخاصة أنها تحملت مسئولية العناية بأخواتها الثلاث بعد وفاة والدتها مع أبنائها الست أن تعمل في غسل وكي الملابس في عام 1976 ، ثم تزوجت بزوجها الحالي الدكتور صديق روزي و هو أستاذ جامعي كانت الحكومة الصينية قد سجنته بسبب أفكاره القومية ، وانتقلت إلى أورومجي حيث استأجرت متجرا لبيع المنتجات الأويغورية لمساعدة المواطنين المسلمين على ترويج مصنوعاتهم ، ثم تمكنت من فتح  مبنى ومحلات تجارية بلغت مساحتها 14,000 مترا مربعا ،

          وعلى أثر انهيار الاتحاد السوفياتي  و استقلال جمهوريات آسيا الوسطى عملت في التجارة البينية حتى فاقت قيمة تجارتها أكثر من  200 مليون يوان ، وأصبحت واحدة من أغنى خمسة أشخاص في الصين في عهد دينغ شياو بينغ والتغيير السياسي ، وهذه النجاحات الاقتصادية الواسعة دفعت حكومة الصين إلى تعيينها عضوا في الدورة الثامنة للمؤتمر السياسي الاستشاري و المؤتمر الشعبي الوطني الصيني في عام 1993 ، واختارها المؤتمر السياسي الاستشاري الشعبي الصيني عضوا في الوفد الصيني الرسمي المشارك في مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة في بكين في عام 1995

            وتوسع أعمالها المالية والاقتصادية إذ أسست شركة عقيدة للتجارة والصناعة ، وأنشأت أكبر مركزين تجاريين في أورومجي  ومراكز تجارية أخرى في مدن تركستان (شينجيانغ)،  وتولت منصب نائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة ونائبة رئيسة رابطة سيدات الأعمال في مقاطعة شينجيانغ ( تركستان) وفي عام 1997 أسست مشروع عائلات ألف أم  الخيري لمساعدة الأمهات الفقيرات  وعملت على تأسيس الصندوق الخيري لمساعدة طلاب المسلمين الفقراء .

            وفي 12 سبتمبر 1995 استقبلت بيل غيتس مالك شركة بيل غيتس في منزلها في اورومجي وأبرمت معه اتفاقا تجاريا ، ودعاها وزوجها لزيارة الولايات المتحدة ، وسافر زوجها الدكتور صديق روزي إلى الولايات المتحدة في عام 1996 ، وعلى أثر ذلك بدأت السلطات الصينية بالتضييق عليها و مطالبتها بعودة زوجها إلى الصين ،أو إعلان طلاقها منه والتبرؤ منه ، وعندما عجزت عن ذلك فصلت عن عضوية المؤتمر السياسي الاستشاري الصيني في عام 1997 ، وفي أغسطس  1999 وهي في طريقها لمقابلة وفد من الكونغرس الأمريكي اعتقلت بتهمة إرسال قصاصات الصحف المحلية إلى زوجها صديق روزي في أمريكا ، وتقديم معلومات سرية رسمية ، وحكمت عليها محكمة أورومجي الشعبية بالسجن لمدة 8 أعوام بتهمة تهديدها أمن البلاد في 10 مارس 2000

         وفي عام 2004 تم تخفيض مدة السجن سنة واحدة لحسن أخلاقها  وسلوكها الحسن ، كما منحتها مؤسسة رافتوالنرويجية  Rafto Foundation جائزتها لحقوق الإنسان ، وتم تسليمها لزوجها و ابنتها في احتفال أقيم في الكونغرس الأمريكي في شهر يناير 2005 ، ثم بتدخل من وزيرة الخارجية الأمريكية الدكتورة كوندوليزا رايس Condoleezza Rice   Drأطلق سرحها لتدهور حالتها الصحية ورحلت إلى أمريكا بشرط  ألا تتحدث عن قضايا الأويغور وذلك في 17 مارس 2005 ، و بالرغم من تصفية أعمالها واعتقال أبنائها فقد استمرت تدافع عن حقوق الأويغور واضطهادهم ، وفي يناير 2006 تعرضت لحادث مروري غامض ، حيث ضربت سيارة شاحنة كبيرة سيارتها التي كانت فيها مرتين وقبل أن يضرب سائق الشاحنة  ضربته الثالثة تمكنت من الخروج من سيارتها ،

       وفي الولايات المتحدة تولت مع زوجها الدكتور صديق روزي تأسيس برنامج حقوق الإنسان الأويغوري ثم تولت رئاسة جمعية الأويغور الأمريكية ، وفي الاجتماع العام الثاني لمؤتمر الأويغور العالمي المنعقد في ميونيخ بألمانيا فيما بين 24-27 نوفمبر 2006 انتخبت رئيسة لمؤتمر الأويغور العالمي الذي يضم معظم الهيئات والجمعيات التركستانية في الخارج و ممثليهم ، و تم ترشيحها لجائزة نوبل للسلام

        وبعد رحيلها إلى أمريكا صادرت حكومة الصين أملاكها وأخلت المركزين التجاريين و أحاطتهما بسور كبير ، وألقت القبض على أبنائها بتهم مختلفة ، فحكم على أبنها عبد العليم بالسجن سبع سنوات وغرامة ماليه قدرها 62500 دولار ، وعلى أبنها عبد الحكيم بالسجن تسع سنوات  والحرمان من حقوق المواطنة لمدة ثلاثة أعوام ، و على ابنها عبد القهار بغرامة 12500 دولار ، وبالرغم من كل هذه الممارسات الوحشية ضدها وضد أبنائها ، فالحكومة الصينية تتهمها بالانفصالية العنيدة المتواطئة مع الإرهابيين والمتطرفين الإسلاميين واتهمتها بتدبير الأحداث الأخيرة التي وقعت في أورومجي في 5/7/2009 (6)    

       وفي المقابلة الصحفية التي نشرت في جريدة كريستيان ساينس مونيتور أعلنت السيدة ربيعة قدير : أنها ترفض العنف وأنها لا تقيم أية علاقة مع جماعة إرهابية وأنها لا تدعو إلى العنف والإرهاب [ل تتطلع إلى حل القضايا سلميا.  

        وقال عنها كرايس سميث عضو الكونغرس الأمريكي : في التحولات التاريخية كثيرا ما يوجد رجل أو امرأة مخلصة وشجاعة لتمثل شعبا بأكمله أمام العالم ، وبالنسبة للأويغور الذي انتهكت حريته الدينية  وسلبت حقوقه الثقافية واللغوية ، وتم تهميشه في موطنه نتيجة سياسة حكومة الصين التي نفذت التهجير الصيني إلى موطنه ، فالسيدة ربيعة قدير خير من تمثله ، وقال عنها الزعيم التبتي دلاي لاما : السيدة ربيعة قدير زعيمة وطنية تمثل واقعية اللاعنف ، وأن المزاعم التي تصفها بالعنف و أنها تحرض على العنف من وجهة نظره غير صحيحة ، وقالت أنها ليست انفصالية ولكن السياسة الصينية تدفع الأويغور إلى الانفصال ، لأن الاويغور محرمون من السلام والحرية والحقوق من ستة عقود والسيدة ربيعة قدير في كلمتها التي ألقتها في البرلمان الأوروبي في الأول من سبتمبر 2009 طالبت بتطبيق الدستور الصيني وقانون الحكم الذاتي اللذين وضعتهما حكومة الصين نفسها، لأن تنفيذ ما ألتزمت به  نظاما يعالج كثيرا مما يثير سخط المسلمين الأويغور ولكن المشكلة الرئيسة أن السلطات الصينية لا تنفذ ما يقوله دستورها ونظامها.

       و ليست السيدة ربيعة قدير وحدها التي ترفض العنف والإرهاب ، بل حتى منظمات التركستانيين والأويغور لا تدعو إلى العنف والإرهاب بالرغم من إرهاب حكومة الصين ضدهم ، فمثلا مؤتمر الأويغور العالمي ، المصرح به رسميا في ميونيخ  في ألمانيا الذي ترأسه السيدة ربيعة قدير ويضم معظم هيئات وجمعيات الأويغور والتركستانيين و ممثليهم في العالم يؤكد  من موقعه الإلكتروني : أنهم يدافعون عن حقوق الشعب الأويغوري بالطرق السلمية واللاعنف وبالوسائل الديمقراطية لتقرير مستقبل بلادهم تركستان الشرقية وهذا أيضا ما تعلنه جمعية الأويغور الأمريكية و في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية ، ومؤسسة وقف تركستان الشرقية في استانبول بتركيا وغيرها ، ولكن حكومة الصين لا تريد أحدا يتحدث عن جرائمها ضد المسلمين التركستانيين أو يدافع عن حقوقهم القانونية التي كفلها لهم الدستور الصيني.

          وقد كتبت السيدة الكساندرا كافيلوس Alexandra Cavelius السيرة الذاتية لها بعنوان : ربيعة قدير .. مقاتلة التنين Rebiya Kadeer ..Dragon Fighter تناولت بالتفصيل مواقف حياتها و نضالها الوطني 

 

وكتب عنها الدكتور سعد عطية الغامدي :

علمينا يا ربيعة

ثورة العشق

على الطغيان ..

في عصر الخديعة

حدثينا ..

عن حياة الروح ..

في الروح..تسامت كالثريا ..

 في سماوات رفيعة

و امنحينا يا ربيعة

 نفحة ..  تخترق الآفاق

بالإحساس حرا ..

لتذيعه نغما

يستمطر الأشواق..

وحيا لاح في سحر الطبيعة

و أبعثي ..

شيئا .. من النخوة

في أنفس من يحيون

آثام القطيعة

و يعيشون صراعا

ويموتون صراعا

في خلافات وضيعة..

فجروها فوق أشلاء القضية

في قضايا شربت نخب الفجيعة

و ترين الغاصب المحتل ..يملي ..

برموز الشر ما يهواه

والأوجاع في القدس .. فظيعة ..

 وترين البعض ..

لا يدرون .. أو يدرون

يغدون لرمز الشر

للشر صنيعة

ذكرينا

مرة أخرى

وأخرى ..

أن من يكسر طوق الفقر ..

في عزم شريف  ..

سوف يغدو في الطليعة ..

أن من يغلب .. بالإيمان جوعه ..

سوف لا يذرف

للخصم دموعه ..

أن من أحيا شتاء أو خريفا..

بسلاح العزة الأمضى .. غدا..

يحيى ربيعة ..

أن من يبني كيانا بيقين

سوف .. لن يجرؤ يوما ..

أن يبيعه..

أخبري .. الدنيا جميعا أن للأنثى

كهذي الشمس ..

هالات ..

وأسرارا منيعة

أن للعزة ..

 أفاقا وسيعة ..

أن للمجد كتابا ..

فيه فصل سطرت ما فيه

من مجد ..

ربيعة ..

 

       وقد كتب عنها الكثير من الدراسات والمقالات ومن أهم من نشر عنها في الشرق الأوسط  ما يلي :

 

  • الدكتورة نورة خالد السعد : السيدة ربيعة قدير المناضلة الأويجورية ، جريدة الاقتصادية ، العدد 5783 وتاريخ 11/8/2009 الموافق 20/8/1430
  • الدكتور سعد عطية الغامدي : عاشقة الحرية ( شعر) ، جريدة عكاظ ، العدد 15693 وتاريخ 14/8/2009 الموافق 23 /8/1430
  • مينا العريبي : ربيعة قدير .. أم الأويغور .. من دائرة السلطة في بكين إلى المنفى في واشنطن .. أصبحت رمز الصراع الداخلي الصيني ، جريدة الشرق الأوسط ، العدد 11189 وتاريخ 17/7/2009
  • الدكتور محمد سعد أبو العزم : سامحيني يا" ربيعة " في قضايا وتاريخ 21/7/2009 ( http://www.ghadi.cc.%3Ftag%3D%25D8%25AF.%25D)
  • Saad Al-Ghamdi : China in a woman`s grip , Arab News ,August 16,2009
  • Profile : Rebiya Kadeer , BBC News,07/08/2009 ( http://news.bbc.co.uk/go/pr.fr/-/2/hi/asia-pacific/4357607.stm
  • Rebiya Kadder : Curriculum Vitae Uyghur Human Rights Activist, Rafto Foundation for Human Rights ,Bergen 10.10.2009 ( http://www.rafto.no)

 

بقلم الأستاذ توختي آخون أركين  "قراءات في قضية مسلمي تركستان الشرقية"