الصين واستراتيجية الحزام والطريق

 (2)                     

 تركستان الشرقية بين استراتيجية البحث عن الفرص واستراتيجية إضاعة الفرص

  تعد الصين ثانى أكبر اقتصاد في العالم وبلغت نسبة مساهمتها فى نمو الاقتصاد العالمى عام 2014 نحو 27,8% ، وهي تعتبر أهم قاطرات نمو الاقتصاد العالمي ، ورغم ذلك تعتبر الصين نفسها فى عداد الدول النامية وهى في الواقع لديها الكثير من مشكلات الدول النامية مثل :- انتشار الفقر والبطالة – تدني مستوى الدخل الفردي – اختلال معدلات التنمية بين مختلف مناطق الصين – سوء حالة البنية التحتية وتدهور الخدمات من طرق ونقل ورعاية صحية وتلوث بيئي في أغلب مناطق الصين .

تسعى الصين بدأب للبحث عن فرص للاستثمار الاقتصادي ولديها حاجة ملحة لفتح المزيد من الأسواق والتعاون الدولى والانفتاح على الخارج على نحو أشمل وأعمق وبما يخدم خطة التنمية داخلها و ويضمن استمرارها.

فى 9/2013 وفى اثناء زيارته لقازاقستان طرح الرئيس الصينى شى جين بينغ مبادرة (بناء حزام اقتصادى على طريق الحرير) ، ثم طَرَح خطة (بناء طريق الحرير البحرى للقرن 21 ) خلال زيارته لدول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) فى 10/2013 ، ومن ثم تم تبنى استراتيجية ( الحزام والطريق ) كاستراتيجية خارجية كبيرة للصين فى المستقبل القريب ولمنتصف القرن (21 ) وذلك عبر ثلاث مراحل :- الدعاية والتعبئة الاستراتيجية حتى عام 2016 – التخطيط حتى عام 2021 – التطبيق من 2021 إلى 2049 . وقد أنشأت الصين عام 2014 صندوقا بقيمة 40 مليار$ لتمويل المشروعات ذات الصلة بمبادرة الحزام والطريق ، وأعلن البنك الآسيوى للاستثمار فى البنى التحتيى عن عزمه دعم هذه المبادرة .

تغطى مبادرة الحزام والطريق المناطق الوسطى والغربية الأقل نموا فى الصين وكذلك بعض المقاطعات والمدن الساحلية ، حيث تعزز المبادرة الاستثمار وانفتاح تلك المناطق على الخارج ودفعها إلى مجالات جديدة للنمو الاقتصادى والتجارى وإعادة هيكلة اقتصاد تلك المناطق وتطويره بشكل عام لدفع مستويات نمو تلك المناطق لتقارب مثيلاتها فى شمال وشرق الصين، وتحقيق الانفتاح الاقتصادى الكامل الأبعاد فى الصين .

تتوقع الصين أن تؤدي المبادرة إلى تعزيز التعاون التجاري والثقافة وزيادة المشروعات المشتركة ، وتعزيز شبكات الطرق والاتصالات بين الصين والدول التى تستهدفها المبادرة ومختلف محاور الطريق .

سيمتد النطاق الجغرافي للمبادرة إلى الكثير من الدول فى ثلاث قارات منها :  إندونيسيا ، الهند ودول الخليج العربي وساحل إفريقيا الشرقي ومصر عبر الطريق البحري ، قازاقستان ودول وسط آسيا وإيران حتى تركيا وشرق ووسط أوروبا عبر الطريق البري .

يمثل إنتاج الدول الواقعة على طريق الحرير 55% من الإنتاج العالمى ، 70% من سكان العالم ، 75% من موارد الطاقة .

من المتوقع أن تستفيد دول المبادرة لكن الاستفادة الأكبر ستكون من نصيب الصين من حيث : محاولة ضبط اختلالات وتخلف معدل التنمية فى بعض المناطق بها ، فتح مجالات جديدة للنمو الاقتصادي والتغلب على تراجع الطلب والتصدير ومقاومة الركود العالمي وزيادة فاعلية الشركات وخلق المزيد من فرص العمل ، فالصين تحاول مواجهة واستباق الأحداث . 

من المتوقع أن تواجَه المبادرة بعدة صعوبات كالنزاعات الحدودية بين الصين وأغلب الدول المجاورة لها ، والعلاقات المتنامية بين الهند واليابان المنافسان القويان للصين لعلاقاتهما مع دول الجوار الصيني ، وأيضا الاستراتيجية الأمريكية للعودة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادىء.

المهم فى شأن هذه المبادرة وفيما يخص تركستان الشرقية أو ( منطقة شينجيانج الأويغورية ذاتية الحكم فى الصين) نشير إلى هذه النقاط بالغة الأهمية :- 

  • أن المنطقة لها أهمية استراتيجية كبيرة فى المبادرة بحكم موقعها الجغرافي الذي يمثل محور الاتصال الرئيسي والوحيد بين الصين وكتلة أوراسيا عبر طريق الحرير البري ، فضلا عن ثرواتها الهائلة المعدنية ، والزراعية ،وموارد الطاقة مما يمثل فرصا واعدة للاستثمار في مجالات متعددة .
  • تقع دول العالم الإسلامى فى منطقة حاكمة جغرافيا للعديد من أهم محاور طريق الحرير البري والبحري كدول وسط آسيا الإسلامية قازاقستان ، أوزبكستان طاجيكستان وغيرها بالإضافة إلى إيران ؛ ومن جهة الطريق البحري لدينا إندونيسيا ، ماليزيا ، عمان ، اليمن ، المملكة العربية السعودية ، دول ساحل شرق أفريقيا حتى مصر . ويمكن بسهولة ملاحظة أن أغلب مسارات الطريق ومحاوره عبر مناطق ودول إسلامية .
  • لدى الصين علاقات اقتصادية وتجارية متنامية مع دول العالم العربي والإسلامي تتعدى 300 مليار$ .
  • وبهذه المبادرة ( الحزام والطريق ) يصبح العالم الإسلامي أكثر أهمية للصين حاليا ومستقبلا ، ولإنجاح المبادرة لابد من تعاون دول العالم الإسلامي وتفاعلها الجاد مع الصين . كما أن حاجة الصين للأمن واستقرار الأوضاع فى منطقة شينجيانج ملحة أكثر من أي وقت مضى . 
  • فلمذا لاتعدل الصين من سياستها الخاطئة فى هذا الإقليم المسلم !!!!!؟
  • لماذا لاتحسن الصين من سجل حقوق الإنسان ، وتحترم حرية الأويغور الدينية والثقافية وتفعل الحكم الذاتي وتطبقه بصورة حقيقية فى الإقليم !!!!! ؟
  • لماذا لاتضغط دول العالم الإسلامي ومنظماته في هذا الاتجاه !!!! ؟
  • إن دول العالم الإسلامى ومنظماته إذا ماهددت بعدم التعاون مع الصين فى استراتيجية الحزام والطريق وربطت المسألة بحتمية تحسين كافة أوضاع الأويغور واحترام حريتهم الدينية والثقافية وتفعيل الحكم الذاتى القومي في المنطقة ، سيجعل الصين تراجع سياستها الخاطئة الظالمة في تركستان الشرقية (شينجيانج) وإلا ستفشل بنسبة كبيرة بل قد تتبخر أحلامها واستراتيجيتها الاقتصادية الهامة (الحزام والطريق) .

  فهل تضيع الفرصة كما ضاعت غيرها ؟ هل نحاول مساعدة وإنقاذ مسلمي الأويغور في المنطقة فيرشدنا الله ويساعد قادة الأمة لإنقاذ الأوطان من الاضطرابات والمخاطر الخارجية والداخلية المحدقة بالأمة العربية والإسلامية ؟ إن الجزاء من جنس العمل "وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " صدق الله العظيم.                                                                                     

 

د/ عزالدين الوردانى