هل فقدت الصين عقلها فى شينجيانج (تركستان الشرقية)؟

  *  د/ عزالدين الوردانى

   منذ فترة أعلنت السلطات الصينية عن تقديم مكافآت نقدية سخية تصل إلى (50ألف يوان صينى أى نحو 8 آلاف $ ) لكل من يقدم معلومات بشأن أى انتهاك لسيادة الدولة فى مقاطعة شينجيانج  مثل الأنشطة العنيفة للتدرب على الإرهاب أو أى أنشطة ذات أهداف إنفصالية ـ  ورغم أن هذه تعبيرات فضفاضة قد تستخدمها السلطات الصينية ضد من يقوم مثلا: بحد سكاكين المطبخ وأدوات الزراعة ، أو من يتأفف من الفقر والبطالة والقهر السائد فى الإقليم . وللأسف قد يتفهم البعض ممن ليس لديهم خلفية عن حقيقة مشكلة الإقليم  وهم كُثُر للأسف : دول ووزراء ، ووزارات وأفراد فضلا عن الصحافة والإعلام ، بل ومن دارسى التاريخ والمراكز البحثية وهذا بالطبع فى عالمنا الإسلامي والعربي ، هؤلاء قد يتفهمون بل وربما يتعاطفون مع القرار الصيني ، بحجة مقاومة الإرهاب ، تلك الحجة التى تُنتهك تحت راياتها الحرمات والأعراض ومختلف حقوق الإنسان ـ المسلم بالطبع ـ حتى حقه فى الحياة .

وللإنصاف فإن الشعب الأويغوري المسلم صاحب الحق التاريخي فى أرض مقاطعة شينجيانج أو تركستان الشرقية سابقا ، يعد من أكثر شعوب الأرض طيبة وكرما وحسن أخلاق ، وقد تعرض عبر تاريخه الطويل في بلاده في شمال غرب الصين  خلف سور الصين العظيم  وحدود الصين الأصلية ـ هذا المصطلح يعرفه الجغرافيون جيدا ـ للكثير من المظالم ، إذ عانى من الاحتلال الصيني منذ عام 1760 م ، لكنه تمكن عدة مرات من الاستقلال عن الصين ، حتى تمكن الشيوعيون من السيطرة على السلطة في الصين واحتلوا بلاده عام 1949 م فذاق الذل والهوان على أيديهم .

ورغم تغير الظروف والقيادات وانفتاح الصين على العالم ، فإن الأشياء المهمة تبقى كما هى، بالأخص داخل مقاطعة شينجيانج التي تعاني من البطالة والفقر والأمراض ، والتمييز العرقي الصارخ لصالح الهان الذين يجلبون من كافة مناطق الصين ليستقروا في المقاطعة وتمنحهم السلطات الصينية أفضل الفرص في العمل والتعليم ، كما يتعرض الأويغور لقيود صارمة في مختلف مناحي حياتهم كالسفر والتعليم  وفرض لغة الهان عليهم وممارسة الشعائر الدينية ، والاعتقالات العشوائية والتعذيب وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون والسجن لمدد طويلة بتهم ملفقة ..... وقائمة طويلة من الانتهاكات يمكن مراجعة سجلات المنظمات الدولية في هذا الصدد .

ألايدفع كل ذلك هذا الشعب المسالم للتململ من هذا الوضع ؟، بل ويدفع الشباب المضطهد والمحبط للمقاومة التي تسميها الصين تطرفا وعنفا ، فبقدر ما يكون من ظلم تكون مقاومة ، فالدول والمجتمعات التي تمارس وتغض الطرف عن مظالم عدم المساواة وغياب العدالة ستعاني حتما من تداعياتها الاجتماعية والسياسية ، حيث إن ذلك يدفع المجتمع وأفراده نحو السخط العام على الدولة والقيادة السياسية ، ويضفي نوعا ما من الشرعية للاحتجاج على تصرفات السلطة ، كما قد يعطي المبرر ويعزز لدى البعض الرغبة فى العنف والانتقام وكراهية الآخر .

وإذا كانت الصين الشيوعية قد مارست سياسة طويلة الأمد من القهر والكبت داخل تركستان ، فإن من المنطقي أن اليأس من التغيير وإمكانية أن تتحسن أوضاع الشعب الأويغوري الحياتية حتما قد يدفع بعض أفراده نحو المقاومة التي قد تنتهج مختلف الأساليب والوسائل السلمية أو العنيفة .

  إن القيادة الصينية يجب أن تدرك أنه لابد من إجراء تغيير حاسم لتحسين الأوضاع فى كافة مناحي الحياة داخل المقاطعة ، إن من الغباء أو الجنون كما يقول أينشتاين أن تقوم فى كل مرة بنفس الخطوات والأفعال ثم تنتظر نتيجة مخالفة.  ولكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه حسب قوانين الطبيعة .

ومن المثير للضحك في القرار الصيني هو منح مكافأة تصل إلى 500 يوان لمن يدلى بمعلومات عن رجال يطيلون لحاهم ويرتدون ملابس غريبة !!!!

 إلى هذا الحد وصل ذكاء السلطات الصينية؟!!!.

ويبدو أن هاجس تفكك الدولة الصينية لايزال يسيطر على عقلية قادة الصين عبر مختلف العصور ، هل تتحسب الصين لمقولة ( وول ديورانت ) صاحب موسوعة قصة الحضارة " بأن دولة شاسعة المساحة مثل الصين تقطعها الجبال والصحراوات من الصعب أن تظل موحدة لمدة طويلة " .

ربما كانت هذه المقولة صحيحة قديما ، أما في الوقت الراهن في عصر سهولة الاتصال وسرعة تناقل المعلومات  فسيرجع سبب تفكك الصين لتصحر وتحجر عقول قادتها ، وللطبيعة القاسية والقهرية للسلطة الحاكمة فى الصين  وإصرارها على الحلول الأمنية لمشكلات ذات أبعاد تاريخية وثقافية ودينية، تلك السمة المميزة للسطة في الصين هي ما يعيد إنتاج المشكلات والاحتقان والكراهية والعنف ، ورغبة العديد من الأقليات للهروب والإفلات من قبضة الصين الحديدية .

 

  * الكاتب والباحث المتخصص في شئون تركستان الشرقية