أوّل الكلام آخره:
- يتزايد الحديث حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية 2022 في بكين في الصين.
- لا يزال الحزب الشيوعي الصيني حساسا للغاية تجاه أي انتقاد لما يعده «قضايا داخلية».
- إذا أريد للمقاطعة أن تحقق شيئا يذكر فيجب ربطها بأهداف استراتيجية أوسع تتعلق بتحسين ديناميات حقوق الإنسان في الصين.
- يتناقش المسؤولون في إدارة بايدن حول ما إذا كانت المقاطعة ستؤدي إلى تغيير ملموس.
في عام 1980، في خضم الحرب الباردة، قاطعت الولايات المتحدة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في موسكو. وقد كان قرار إدارة كارتر احتجاجا على غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. وبعد أربع سنوات، رد السوفيات بالمثل، وقاطعوا دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في لوس أنجلوس عام 1984. وإذا استثنينا الزيادة الكبيرة في عدد الميداليات التي حازت عليها الدولة المضيفة، لم يكن للمقاطعات تأثير ملموس يذكر. إلا أن الطبيعة الرمزية لقرار واشنطن كانت واضحة، فقد أظهرت للعالم اهتمام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان واتخاذها من الدبلوماسية الرياضية طريقا لتسليط الضوء على أهمية هذه المسألة. إن الأسباب ذاتها التي تجعل هذه الألعاب شعبية في جميع أنحاء العالم، وهي أنها مفتوحة للجميع وتركز على التميز وعلى أفضل ما في الروح البشرية، هي نفسها الأسباب التي ينبغي أن تمنع من استخدام الألعاب وسيلة لمحو فظائع انتهاكات حقوق الإنسان.
ويتزايد الحديث حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية 2022 في بكين، في الصين. وسيكون الاحتجاج أحد الطرق التي يمكن أن تؤكد بها الولايات المتحدة التزامها بالوقوف إلى جانب مسلمي الأويغور في الصين الذين يواجهون إبادة جماعية على أيدي الحزب الشيوعي الصيني، فضلا عن الأقليات الأخرى المضطهدة. وقد نفت الصين جرائمها ضد مسلمي الأويغور، مدعية أن مراكز الاحتجاز ما هي إلا مجرد «مراكز تدريب مهني» وأن إجراءاتها تتماشى مع الجهود الدولية لمنع الإرهاب والتطرف العنيف ومكافحتهما. ولكن الواقع أكثر شناعة. فقد بثّت قناة بي بي سي مؤخرا تقريرا عن ادعاءات التعذيب والعنف الجنسي المنظم ضد الأويغور، وفيه أن الصين تتخذ تدابير لمنع النساء من الولادة، بما في ذلك التعقيم القسري والإجهاض، وفيه أيضا مزاعم حول ترحيل الأطفال الأويغور بعيدا عن مجتمعاتهم المحلية.
وستكون الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، في بكين، هي دورة الألعاب الثانية التي تستضيفها الصين بعد الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2008، التي مرت دون أي مقاطعة أو اضطرابات واسعة النطاق. وكانت الضغوطات في ذلك الوقت، كما اليوم، قائمة على الصين بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، وكانت القيادة الصينية وما زالت حساسة جدا تجاه أي انتقاد عام يوجه لها. وتحرص بكين على حماية سيادتها بقوة لذلك ترى أن أي انتقاد موجه لسياستها الداخلية هو تدخل في «شؤونها الداخلية». وهذه المرة، تطول قائمة منظمات حقوق الإنسان فضلا عن بعض الأصوات في الكونغرس الأمريكي التي تدعو إلى مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية. وقد تجنبت إدارة بايدن حتى اليوم الإعلان عن نواياها، وسيتعين اتخاذ القرار من اللجنة الأولمبية والبارالمبية. ولتحقيق الأهداف على النحو الصحيح، يجب أن يكون القرار مرتبطا بأهداف استراتيجية أوسع نطاقا تتعلق بتحسين ديناميات حقوق الإنسان والتأثير للوصول إلى تغيير حقيقي، بدلا من مجرد إحراج الصين، وهو ما يرجح أن يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إنه سيجعل الصين ترد حتما ردا سلبيا على أي مقاطعة. ومن المعروف أن بكين تمارس ضغوطا على الحكومات والجامعات والشركات والأفراد، إذا ما أصابتها سهام الانتقاد في مسائل أقل أهمية بكثير، ولا تزال حساسة لمخاطر الإساءة لسمعتها. فإذا مضت الولايات المتحدة في مقاطعة دورة الألعاب الشتوية في بكين، فسيكون لذلك تداعيات كبيرة على العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
وفضلا عن تعزيز صورة الزعامة العالمية التي تسعى إليها الصين، وخاصة من خلال إبراز قوتها في أعقاب الوباء العالمي، تعد الألعاب الشتوية لعام 2022 مهمة للسياسة الداخلية الصينية، وستتيح للجماهير المحلية والدولية الاطلاع على عظمة بعض منشآت البنية التحتية الرئيسة، مثل تجديد مطار Zhangjiakou Ningyuan والتقدم المنجز في تطوير منطقة Xiong’an الجديدة. وقد طور الحزب الشيوعي الصيني مشاريع البنى التحتية هذه لتخفيف الازدحام في العاصمة بكين والذي يتوقع أن تشهده المدينة عام 2022 نتيجة الألعاب الأولمبية، ولكنها ستخدم بلا شك مستقبل المدينة. وقد شاركت بكين أيضا بنشاط أكبر في جهود الأمم المتحدة لتعزيز أمن الأحداث الرياضية الكبرى، واضعة نصب عينيها الألعاب الأولمبية. ومن الجدير ذكره أنه في عام 2022، سيعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني، الذي سيبحث مسألة القيادة المستقبلية للحزب، بما في ذلك خطط الرئيس شي.
ومن المرجح أن يناقش المسؤولون في إدارة بايدن ما إذا كانت المقاطعة ستؤدي إلى تغيير ملموس. ولطالما كانت الألعاب الأولمبية الحديثة مكانا لعرض المواقف السياسية وحقوق الإنسان. ففي ألعاب برلين 1936، وقف جيسي أوينز بفخر وتحد على منصة الميدالية الذهبية، فكانت رسالته تحديا لألمانيا النازية البلد المضيف. وفي ألعاب مكسيكو سيتي 1968، قام تومي سميث وجون كارلوس برفع قبضتهما الشهيرة لدعم القوة السوداء ضد العنصرية التي كانت ولا تزال الولايات المتحدة تعاني منها. ومما لا شك فيه أن هذه الاحتجاجات والانتصارات الرمزية لم تمثل نهاية للعنصرية أو للقمع، ولم يتوقع منها أن تحدث مثل هذا التأثير. ولكنها بذلك قد حققت هدفا ساميا يكمن في لفت انتباه العالم إلى النضال الدائم من أجل المساواة والكرامة وحقوق الإنسان. إن مسألة المقاطعة لا لرياضيين بعينهم بل لبلد ما ينبغي أن تبحث بالمفاضلة بين الرسالة التي يمكن لغياب الرياضيين توجيهها وتلك التي يمكن توجيهها من خلال حضورهم. وفي نهاية المطاف، سيكون العامل الحاسم هو ما إذا كانت المقاطعة قد تفتح الباب أمام مناقشة أكثر موضوعية حول معاملة الأويغور والأقليات الأخرى في الصين. وقد أظهرت إدارة بايدن رغبة في العمل مع الحلفاء والشركاء الذين يتعاملون مع الصين، والدليل على ذلك الحزمة الأخيرة من العقوبات المنسقة المتعلقة بشينجيانغ التي فرضتها الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد تصل رسالة مقاطعة ألعاب بكين 2022 بقوة إذا تبناها تحالف مجموعة من الدول، وخاصة الدول التي تهيمن تاريخيا على الميداليات، مثل كندا والدول الاسكندنافية.
https://thesoufancenterarabic.org