هل موقف المسلمين من الاضطهاد الصينى في تركستان الشرقية يتفق مع تعاليم الإسلام؟

 الأمة في نظر الإسلام جسد واحد، فلا يجوز أن يٌفجع بعضها ويفرح بعضها، وذلك مصداقا لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". والتناصر في وجه الظلم من أقوى الدعائم التي وطد الإسلام بها الحريات وأقر العدالة وحسم لوثات المستبدين. فالغاشم ربما لا تردعه العقوبة المرجأة في الآخرة وربما لا تصده الزواجر والحدود التي يقيمها القانون، ولكنه ينقمع ويتردد إذا أدرك أن ضحيته عزيزة المنال وأنه دون الافتيات عليها قد يٌهلك هو نفسه، أو تَهلك رجال ورجال. ومن ثم شرع الإسلام مبدأ التناصر بين بنيه بل ونصرة المظلوم أيا كان دينه وعرقه، فحق على المسلم أن يسارع لنجدة المظلوم ومعونته وأن يشعره أنه لن يكافح جور المعتدين وحده وأنك كمسلم بجانبه تشاطره الحلو والمر حتى ينتصف لنفسه ويخرج من ورطته موفور العرض والدم والكرامة والإباء. تلك هي سنة الإسلام لا يجوز أبدا أن يبقى المظلوم وحيدا يلتفت إلى الأعوان فلا يلقى صريخا. وأمر الله الواضح وإرشاد رسوله البين أن جماعة المسلمين مسئولة عن حماية الحق بعملها وتأييدها، كما هي مسئولة عن حمايته بالقول والبيان، يقول رسول الله " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله" وفى الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا".

لقد احتاط الإسلام لضمان الحقوق الخاصة والعامة بتقرير ثلاثة مبادىء يكمل بعضها بعضا: 

كف يد الظالم

استنهاض المظلوم ومساعدته ليدافع عن نفسه

التحالف مع كل القوى المنصفة ومطالبتها بالتدخل والتعاون لصد العدوان ودفع الظلم 

ولو تواصى أهل الأرض بهذه المبادىء لما استشرى الظلم بين البشر، لكن ما حدث ويحدث أن الظلم يقع وأن الاخرين نفضوا أيديهم من النصيحة والنصرة فسارت القافلة البشرية سيرها الأعمى على غير هدى حيث تسمع في بلاد الإسلام وفى الكثير من بلدان العالم المستضعف أهلها عواء الذئاب البشمة من لحوم الضحايا وأنينا خافتا للمظلومين المأكولين، وصمتا أو تعليقا محايدا للجبناء الذين نجوا بجلودهم من المخالب الباطشة، ويشهد الكثيرون معركة اعتداء القوى على الضعيف ويدعونها تنتهي حسب قوانين الغابة فلا معونة ولا نكير!!!.

 إن الإسلام يرفض ذلك الموقف المتخاذل ويدعو للتدخل باسم الإسلام لإسعاف المستضعف ونجدته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته؛ وما من امرىء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". ومما يروى في تدعيم مبدأ التناصر ما رواه النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه جل شأنه " وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوما يقدر على أن ينصره فلم يفعل"؛ فلو أن سوط الظلم إذا مس المظلوم فتأوه له ألوف وسرى الألم إلى جلودهم فلسعها، فبدلا من أن يصرخ للعدوان صوت فرد واحد أو أمة مضطهدة مستضعفة، تجاوبت بالوجع والغضب والاحتجاج أصوات جمهور غفير ودول كثيرة، إذن لفكر الظالم ألف مرة قبل أن ينفرد بالمظلوم لينهشه. ولكن تقطع الأواصر وضعف الثقة ورقة الإيمان، جعلت كل أحد يعيش في نطاقه الخاص، إن الذلة التي أصابت المسلمين وخبث النفس الذى يضرب جذوره فى نفوسهم حكاما ومحكومين - إلا من رحم الله – جرهم إلى هذا التراخي والاستسلام للظلم ومداهنة الظالم. وكأني بالشاعر الطرماح بن حكيم وهو يهجو تميم يعبر عن حال الأمة قائلا: 

          تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ***  ولو سلكت سبل المكارم ضلت 

          ولو أن برغوثا على ظهر نملة   ***   يكر على صفى تميم لولت

إن على الأمة الإسلامية أن تقاوم الظلم في شتى أرجاء الأرض، ليس الظلم الواقع  على المسلمين فحسب بل على أي إنسان أيا كان عرقه أو دينه أو وطنه. يقول الله تعالى " لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون * ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا * لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون * ولو كانوا يؤمنون بالله و النبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم  أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون" سورة المائدة 78-81      ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضا ثم ليلعننكم كما لعنهم ". وتأمل فى حال الأمة الآن خلافات وصراعات لا تنتهي وتدهور حال.

والآيات والحديث يوجبان المجاهرة بإصلاح الأوضاع الفاسدة ومخاصمة صانعيها وحارسيها ومقاطعتهم ومجافاتهم؛ اما السير فى ركابهم والانتظام فى مجالسهم وموالاتهم على خبثهم فقد عدته الآيات فسقا، فكيف بمن يتملقون المجرمين ويسترون مخازيهم ويأكلون من دنياهم على حساب دينهم؟!. إن أولئك لا دين لهم ألبته، وهم كثر في حواشي الحكام والمترفين من الذباب على مباءات الأقذار ومجامع القمامة. فاحذروا الله وكفوا عن مداهنة الصين والسكوت عن جرائمها فى تركستان الشرقية والتبت وغيرها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيتم أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها" أى أصبحت لا غناء فيها بعد أن جحدت رسالتها وفقدت خصيصتها. وأصبحت كغثاء السيل،.. وما يجدي غثاء السيل؟؟؟.

المقال بتصرف من كتاب العالم الجليل فضيلة الشيخ / محمد الغزالى. الإسلام والاستبداد السياسى.

د/ عز الدين الوردانى 

كاتب متخصص في شؤون تركستان الشرقية