هل ما زال يوجد في العالم مكان آمن للأويغور؟

بقلم/ هارالد ماس، 3 يوليو 2021

كانت أمان نسا عبد الله في الأسابيع الأخيرة من حملها عندما ألقي القبض على زوجها أحمد طالب في دبي. تقول: كان في طريقه لشراء فستان لطفلتنا التي لم تولد بعد. كان أحمد يعيش ويعمل في دبي منذ ما يقرب من عشر سنوات، لم يصل إلى المتجر ولم تره أسرته منذ ذلك الحين. حيث تم احتجازه في مركز شرطة محلي لعدة أيام وتم ترحيله إلى الصين في 2018، حيث قيل إنه في السجن. تقول أمان نسا التي فرت إلى اسطنبول "لقد اختفى في لحظة، لا نعرف أين هو أو ما هي الإتهامات الموجهة إليه؟!".

أحمد هو مسلم أويغوري، وقصته ليست الوحيدة. تم احتجاز الآلاف من الأويغور، وهم مضطهدون بشدة في وطنهم غرب الصين، كما يتم ترحيل العديد منهم في السنوات الأخيرة من الشرق الأوسط والدول الآسيوية سراً إلى الصين، حيث يتم سجنهم. تعتبر عمليات الإعادة القسرية هذه جزءاً من حملة الصين ضد الأقليات المسلمة والتي ترقى إلى حد الإبادة العرقية وذلك وفقاً للحكومة الأمريكية وجماعات حقوق الإنسان. حيث تم احتجاز أكثر من مليون من الأويغور في نظام واسع من معسكرات إعادة التعليم والسجون في تركستان الشرقية بغرب الصين. يتم تعليم الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى مثل القازاق، ويتعرضون للتعذيب. كما وردت تقارير عن السخرة والتعقيم القسري للنساء.

على مدى عقود من الزمان، ظلت الدول الإسلامية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ملاذاً آمناً لأويغور الشتات. ولكن مع نمو القوة الإقتصادية للصين ونفوذها العالمي، بدأت الحكومات في جميع أنحاء العالم بطرد الأويغور من بلدانهم ومساعدة الصين في مطاردتها الدولية لهم.

 منذ عام 2017، فر عدة آلاف من الطلاب والعمال ورجال الأعمال الأويغور من القاهرة بعد أن بدأت السلطات المصرية حملة اعتقالهم على مستوى البلاد. يقول عبد الولي أيوب، وهو ناشط من الأويغور مقيم في النرويج: في مطار القاهرة كان لديهم قوائم بثلاثة ألوان. "يمكن للأشخاص الذين تم وضع علامة على اسمهم باللون الأخضر أن يسافروا، وكان على الأسماء باللون الأصفر البقاء في المطار ويتم القبض على الأسماء باللون الأحمر". في بعض الحالات، تم استجواب الأويغور من قبل ضباط الشرطة الصينية في زنازين سجنهم في مصر قبل ترحيلهم إلى الصين.

 في صيف عام 2017، تمكن طاهر يوسف البالغ من العمر 17 عاماً (تم تغيير اسمه لحماية عائلته في الصين) وشقيقه الأصغر، الذي أرسله والداه إلى مصر للدراسة، من تجنب القبض عليهما. حيث قاما بالفرار إلى دبي. لكن بعد بضعة أشهر، قامت السلطات في الإمارات العربية المتحدة أيضاً باعتقال الأويغور. يقول إحسان كراكل، الصديق الذي ساعد الأخوين في ذلك الوقت: "في الساعة الرابعة صباحاً، جاءت الشرطة إلى غرفة طاهر واعتقلته". على الأرجح هو الآن في الصين في معسكر أو سجن.

 حدثت حملة قمع مماثلة في الدول المسلمة التي منحت حق اللجوء للأويغور في الثلاثينيات. أيدت أكثر من اثنتي عشرة دولة ذات أغلبية مسلمة سياسات الصين في تركستان الشرقية علناً، مما ساعد الصين على صد الإنتقادات في الأمم المتحدة. وقالت مايا وانغ من هيومن رايتس ووتش لشبكة سي إن إن: "هذه الدول تعتز بكونها قادة العالم الإسلامي، لكن لا يتورعون لإعادة الناس للإضطهاد لكونهم مسلمين".

 تدافع بكين عن معاملتها القاسية للأويغور كسياسة ضرورية ضد الإرهاب. لكن في الواقع، تم إرسال مئات الآلاف من الأويغور إلى معسكرات إعادة التأهيل والسجون بسبب أصلهم العرقي فقط. يصدر الحزب الشيوعي الصيني حصصاً للسلطات المحلية في تركستان الشرقية لعدد الأشخاص الذين يتم وضعهم في المعسكرات. لقد أجريت مقابلات مع العشرات من الأويغور والأسر الكازاخية وسمعت عن حالات تم فيها إرسال رجال ونساء إلى المعسكرات لمجرد سفر أفراد من عائلاتهم إلى الخارج. اختفى بعضهم بعد أن تلقوا مكالمات هاتفية من أصدقاء في الخارج أو بسبب إطلاق لحيتهم، وهو أمر محظور بموجب لوائح "مكافحة التطرف" الصينية. كان الأويغور الآخرون في المعسكرات مواطنين نموذجيين وحتى أعضاء في الحزب الشيوعي الصيني. يقول أيوب: "كان بعض الأويغور المعتقلين في مصر طلاباً أرسلتهم الحكومة الصينية المحلية رسمياً إلى هناك". "كيف يمكن للحكومة أن ترسل الشباب أولاً إلى الخارج ثم تعاملهم كمجرمين؟"

 وتشكل عمليات الإعادة القسرية إلى الوطن علامة مخيفة على نفوذ الصين المتزايد على الحكومات الأجنبية. حيث تمارس بكين ضغوطاً اقتصادية وسياسية متزايدة على الدول للتعاون مع نظامها البوليسي الإستبدادي. في عام 2015، أعادت تايلاند 109 من الأويغور إلى الصين بعد أن حاولوا الفرار من تركستان الشرقية إلى تركيا عبر جنوب شرق آسيا. أعيد الرجال والنساء في طائرة خاصة وتم تغطية رؤوسهم باغطية سوداء وحراسة من قبل رجال الشرطة، وفقاً لتقارير التليفزيون الصيني. ونفذت كمبوديا وماليزيا ودول آسيوية أخرى عمليات ترحيل مماثلة.

 حتى في الدول الأوروبية، التي لا تسلم الأويغور إلى الصين، فإن المنشقين وأفراد الأقليات الصينية لا يشعرون بالأمان من بكين. أخبرني العديد من عائلات الأويغور في ألمانيا ودول أوروبية أخرى أنهم يتلقون تحذيرات وحتى تهديدات من السلطات الصينية إذا تحدثوا علناً عن أفراد أسرهم المعتقلين في معسكرات إعادة التعليم أو قاموا بالإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان. أوضحت امرأة من الأويغور تعيش الآن في ميونيخ: "يجبرون والدك أو والدتك على الإتصال بك ويطلبون منك التوقف عن التحدث إلى وسائل الإعلام، وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة"

 تستخدم الصين أيضاً الإنتربول، وهي منظمة الشرطة الدولية التي تتخذ من ليون مقراً لها، كأداة للإعادة القسرية إلى الوطن وإسكات الأصوات المنتقدة. دولقون عيسى، رئيس المؤتمر العالمي للأويغور، وهي منظمة دولية للأويغور في المنفى، كان موضوع "إشعار أحمر" صادر عن الإنتربول – وهو إشعار شخصي دولي - لمدة 21 عاماً. لم تقدم الصين أي دليل أو تفسير. يقول عيسى: "مساحة حركة الأويغور في العالم تتضاءل، لأن الصين تمارس ضغوطاً متزايدة على الدول الأخرى".

 إلى أي مدى ستذهب بكين لتوسيع نطاق نظامها؟ في العام الماضي، عندما فرضت الصين قانون الأمن القومي المثير للجدل على هونج كونج وأنهت بشكل أساسي حرية التعبير في المستعمرة البريطانية السابقة، شمل القانون الولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية لأول مرة. تنص المادة 38 من النص على أن القانون ينطبق على الجرائم المرتكبة ضد هونغ كونغ "من خارج المنطقة من قبل شخص غير مقيم بصفة دائمة في المنطقة". بعبارة أخرى، يمكن نظرياً اضطهاد الأشخاص خارج هونغ كونغ، والذين ربما لم يذهبوا إلى المدينة أبداً.

 في السنوات الأخيرة، قام عملاء سريون صينيون بإختطاف المنشقين ورجال الأعمال في عدة دول آسيوية. في عام 2017، تم تخدير الملياردير الصيني الكندي شياو جيانهوا وتم نقله من فندق فورسيزونز في هونج كونج على كرسي متحرك قبل إعادته إلى الصين على متن قارب. يبدو أن ناشر الكتاب، غوي مينهاي، وهو مواطن سويدي، قد اختُطف من شقته في تايلاند وحُكم عليه لاحقاً بالسجن لمدة عشر سنوات في الصين.

 وتشكل عمليات الإختطاف جزءا من "عملية فوكس هانت" في بكين، وهي حملة عالمية لإعادة الأهداف من الخارج. ووفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الصينية، فقد أعادت الحملة، الموجهة رسمياً ضد المسؤولين الفاسدين الذين فروا إلى الخارج، أكثر من 3000 شخص.

الأويغور هم شعب تركي، وحتى وقت قريب كانت تركيا واحدة من الدول الآمنة القليلة المتبقية لهم في العالم الإسلامي، التي تشترك في لغة وثقافة مماثلة. يعيش هناك اليوم حوالي 50000 من الأويغور. لكن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، التي اعتادت الدفاع عن حقوق الأويغور، خففت مؤخراً من خطابها تجاه بكين. منذ الوباء، تعتمد الحكومة التركية على اللقاحات والمساعدات الإقتصادية من الصين. في عام 2017، وقع كل من الدولتين إتفاقية تسليم المجرمين - "شراكة مكافحة الإرهاب" - والتي صدقت عليها الصين في نهاية العام الماضي والتي قد تؤدي إلى ترحيل الأويغور في المستقبل.

 بعد أكثر من ثلاث سنوات، ما زالت أمان نسا عبد الله تأمل أن تسمع أخبار زوجها الذي تم ترحيله. ابنتها الصغرى، التي ولدت في تركيا وليس لديها جواز سفر، لم تقابل والدها قط. مع تحول أردوغان إلى الصين، هل سيبقى منزل أمان نسا الجديد آمنًا لها ولطفليها؟ تقول أمان نسا: كل ما أردناه هو أن نعمل بجد وأن نعيش بسلام. لكن يبدو أن هذا مستحيلاً بالنسبة لنا نحن الأويغور.

ترجمة/ رضوى عادل

https://www.spectator.co.uk/article/is-anywhere-in-the-world-still-safe-for-chinas-uighurs