الصين.. الجار المؤذى أنهار تركستان الشرقية

 تركستان الشرقية منطقة غنية بموارد المياه حيث يجرى بها نحو 88 مليار م3 من المياه السطحية سنويا، ونحو 25 مليار م3 من المياه الجوفية، كما تغطي الثلوج مساحة تزيد على 24 ألف كم2 وهو ما يقدر بنحو 2,58 تريليون م3 من المياه بنسبة 50% من احتياطي الجليد في الصين و 21,6% من احتياطييه في آسيا وذلك طبقا لبيانات مكتب الإحصاء الصينى.

 وتعد المياه الناتجة من ذوبان الجليد من على سلاسل الجبال المصدر الرئيسى للمياه في تركستان الشرقية التي يبلغ معدل المطر السنوي بها 147ملم3 وأغلب الأمطار تتساقط على الجبال على شكل برد بمعدل 204,8 مليار م3 بمعدل نحو 1000ملم3 سنويا، بينما على السهول 38,1 مليار م3؛ وينبع من سلاسل الجبال التي تحيط بتركستان وبداخلها ما يزيد على 750 نهرا.

 تستنزف الصين موارد المياه بتركستان لصالح عمليات الإنتاج الزراعي الضخم التي يمارسها المستوطنون الهان وفرق الإنتاج والبناء ( البنجتوان) شبه العسكرية التي ألغيت في عموم الصين عدا تركستان الشرقية، وأهم الزراعات لديهم المحاصيل الزراعية للتصنيع والتصدير كالقطن طويل التيلة والطماطم والفاكهة، وأدى الاستنزاف غير المسئول لموارد المياه بصفة عامة ولمياه الأنهار بصفة خاصة للإضرار بالمزارعين التركستانيين أصحاب الأرض الأصليين، وأيضا الإضرار بدول العبور والمصب للأنهار الدولية على سبيل المثال :-

alanhar-fy-alsyn-khrytt

نهر إرتيش الذى ينبع من جبال تون تاج (ألتاى) في شمال تركستان بالقرب من حدودها مع جمهورية منغوليا ويمر من تركستان الشرقية إلى قازاقستان ثم إلى روسيا ليلتقى بنهر توبول ثم إلى نهر أوب الذى يصب في المحيط المتجمد الشمالى، ويبلغ طول نهر إرتيش في تركستان 500كم وفى قازاقستان 1700كم وفى روسيا 2048كم، تقيم الصين على النهر ثلاثة سدود وتستنزف أنشطتها الزراعية والصناعية نحو ثلث مياهه وتلقى فيه كميات كبيرة من الملوثات الصناعية، وتتسبب أنشطة الصين في نقص كبير للمياه في قازاقستان وتؤثر على صلاحية المياه في دولتى العبور والمصب قازاقستان وروسيا وذلك في ظل عدم وجود تعاون بين الدول الثلاث بشأن النهر.

نهر إيلى ينبع من جبال تنغرى تاج (تيان شان) ويعبر منطقة إيلى ومنها إلى قازاقستان ويبلغ طوله 1439كم منها 624 كم في تركستان و815 كم في قازاقستان حيث يصب في بحيرة بلكاش التي تبلغ مساحتها 18200كم2 ، وتتقلص مساحتها باستمرار حيث تستنزف الصين ما يزيد على 40% من مياه النهر لزراعة القطن بصفة خاصة.

نهر تاريم وهو من الأنهار الداخلية ومن أهم أنهار تركستان الشرقية وعلى ضفافه وضفاف روافده يبدو عبق الحضارة التركستانية الأصيل، ومنه أخذ حوض تاريم اسمه وهو أكبر أحواض تركستان الجغرافية وتبلغ مساحته نحو مليون كم2 وهو حوض جاف ومناخه قارى حيث يبلغ معدل الأمطار السنوي به 50ملم3 وتتراوح درجات الحرارة ما بين – 20 شتاءا و40 صيفا، ومساحة حوض المياه 557 ألف كم2، ويعنى اسمه بالأويغورية التقاء الأنهار ويبلغ طوله 2179كم وينبع من جبال تن تاج وتعنى الجبال الزرقاء والتي تمتد من عقدة البامير لتشكل أغلب حدود تركستان الجنوبية مع الصين، وله منابع في جبال تنغرى تاج (تيان شان)، يتكون النهر من التقاء عدة أنهار أهمها:- كاشغر، خوتن، ياركند وآقسو وهو أهم روافده حيث يمده بنحو (70 – 80 %) من مياهه، ويبلغ تصريف نهر تاريم نحو 6 مليار م3 وتزداد مياهه في الصيف لذوبان الجليد في منابعه الجبلية، كما تتجمد مياهه من ديسمبر حتى مارس ؛ وكان النهر يصب في بحيرة لوب نور حتى بنت الصين سدا عام 1952م غير مجرى مياهه ليصب في بحيرة تتما على بعد 160كم جنوب غرب بحيرة لوب نور التي جفت مياهها تماما عام 1975م. أدت الهجرة المكثفة للهان وتشجيع الحكومة الصينية للزراعة  الكثيفة في حوض النهر لتلبية حاجاتهم، والتصنيع الزراعى للتصدير وما يستتبع ذلك من زيادة الطلب على المياه، لذلك قامت الصين بإنشاء السدود ومشروعات الرى وتوليد الكهرباء واستصلاح الأراضى لزيادة الإنتاج الزراعى لصالح الدولة ممثلة في البنجتوان ولتلبية متطلبات المهاجرين الهان وتوفير فرص العمل لهم، ويجرى العمل منذ  11/2019م العمل في سد وادى داشى على نهر آقسو. وقد أدت تلك السياسة الصينية لجفاف العديد من روافد النهر  وحدوث عمليات تصحر في بعض المناطق وزيادة الملوحة في مناطق أخرى، وأيضا ارتفاع أو انخفاض منسوب المياه الجوفية التي تستنزفها الصين أيضا في العديد من مناطق تركستان، كما جفت العديد من الغابات الطبيعية. ولمحاولة الصين تدارك تأثيرات سياستها المائية على البيئة في حوض النهر أنشأت أكبر غابة حور صحراوية في العالم في 2016م لكنها تستنزف الكثير من مياه النهر حيث استهلكت نحو 8,2 مليار م3 حتى 2020م كما استهلكت في هذا العام 2020م 1,86 مليار م3 أي بمعدل نحو 2مليار م3 سنويا وذلك بحسب وكالة شينخوا في 19/8/2020م. وذلك دون اعتبار لنحو 10 ملايين من السكان يعيشون في حوض النهر.   ويشير تقرير لليونسكو في بدايات الألفية الثالثة أن نحو 320كم على طول المجرى الأساسي للنهر تعاني من نقص خطير للمياه مما وتهديد بتصحر الأراضى، كما يعانى السكان في تلك المناطق من الفقر ونقص المياه الصالحة للشرب. وتقوم الصين بمنع السكان المحليين من الزراعة ولا تكتفى بذلك بل تقوم بتهجير آلاف السكان الأصليين الأتراك على طول النهر لتوفير المياه لصالح مزارع الدولة والمستوطنين من الهان.

إن الصين تتعامل بصلف في ملف إدارة مياه الأنهار العابرة منها إلى خارج حدودها أو الداخلية وتتسبب في الإضرار بالدول المحيطة بها بل وبشعبها والأقليات التي تحكمها، ومع استمرار بقاء الحزب الشيوعى في السلطة فليس من المتوقع أن تراعى الصين مصالح الأقليات أو تتفق مع جيرانها بشأن إدارة جيدة نافعة للجميع بشأن مياه الأنهار وتفعيل تدابير حماية البيئة ومكافحة التغير المناخى. إن هناك حاجة ملحة لكبح جماح الحزب الشيوعى الصينى  المتغطرس والسيطرة على هوسه في بناء السدود واستنزاف مياه الأنهار لتجنب المصير المأساوى الذى ينتظر الكثيرين بسبب سياسات الجار المؤذى على كافة الأصعدة.

 

د/ عزالدين الوردانى

كاتب متخصص في شؤون تركستان الشرقية